الجمعة، 1 نوفمبر 2013

ابو محمد الجولاني: حكاية الرجل الغامض و«جبهته» المتآكلة

ابو محمد الجولاني: حكاية الرجل الغامض و«جبهته» المتآكلة

علاء حلبي
قُتل «أبو محمد الجولاني»، لم يقتل. تضارب في المعلومات حول شخص تحيط حياته وشخصيته الكثير من التساؤلات والالتباسات. لا معلومات كاملة عن الرجل المعروف باسم «أبو محمد»، سوى أنه مؤسس «جبهة النصرة لأهل الشام»، التنظيم «الجهادي» الذي تمكّن خلال فترة قصيرة من أن يحجز له مساحة واسعة في المشهد السوري، ليمتدّ نفوذه من دير الزور إلى حلب ومن ريف اللاذقية إلى حمص وحماه وإدلب، بعد تبنّيه مئات الهجمات والعمليات الانتحارية في مختلف المحافظات السورية، فيذيع صيته في الولايات المتحدة، التي أدرجت الجبهة على لائحة الإرهاب بسبب ارتباطها بتنظيم «القاعدة».
وقد تحدث مصدر «جهادي» لـ«السفير»، عن تفاصيل تشكيل «جبهة النصرة»، منذ لحظة ولادتها وحتى اليوم، مشدداً على أن شخصية «الجولاني مجهولة لمعظم المنتمين للجبهة، والذين يلقبون الجولاني بالفاتح».
وقال المصدر إن «بعض الإخوة المجاهدين أخبرونا أن الفاتح كان مسجوناً في صيدنايا، قبل بدء الأحداث في سوريا، هو وابنه (الذي لم يذكر اسمه). وقد خرج في إطار العفو الذي صدر في 20 حزيران العام 2011، والذي شمل عدداً كبيراً من المعتقلين السياسيين حينها، فيما بقي ابنه في السجن».
وفي المقابل، توردُ تقارير بريطانية روايةً مخالفة، تقول فيها إن «الجولاني كان من أوائل المشاركين في قتال الأميركيين إبان احتلال العراق، وكان مسؤولاً عن تأمين الطرق داخل سوريا للمجاهدين الراغبين بالمشاركة في القتال. انتقل إلى العراق بعد التضييق الذي فرضته لاحقاً الحكومة السورية على الجهاديين، ومع بدء الثورة السورية عاد مرة أخرى إلى سوريا وأسس نواة جبهة النصرة».
وتُجمع الروايتان على أن «الجولاني طلب المعونة من تنظيم دولة العراق الإسلامية وقائده أبو بكر البغدادي، قبل تأسيس النصرة، حيث عرض الجولاني خطة موسعة للجهاد في سوريا تستند إلى فتاوى تنصّ على جواز المشاركة في التظاهرات السلمية المطالبة بالديموقراطية في سوريا. إلا أن هذه الفتاوى اعتبرت ترديد شعارات الوحدة الوطنية بين الطوائف والديموقراطية عملاً مخالفاً للشرع ولكنه ليس كفراً، وأكدت انه لا يجوز أن تبقى التظاهرات سلمية إذا تعرضت للقمع ويجب على المسلم الدفاع عن نفسه بكل وسيلة ممكنة. وركّزت الفتاوى ذاتها على جواز المطالبة بإسقاط النظام وعدم جواز المطالبة بالديموقراطية المحرّمة شرعاً».
وبحسب المصدر «الجهادي»، فإن «البغدادي تجاوب مع خطط الجولاني وتعهّد بتقديم الدعم بالمال والرجال، حيث بدأت تظهر في مناطق عديدة من ريف إدلب وريف دمشق (كفرسوسة)، وحلب (حي الإذاعة) ودير الزور الأعلام السوداء، فضلاً عن مقاتلين يضعون عصبات على رؤوسهم تحمل عبارات لا إله إلا الله، من دون أي إشارة لانتماء هؤلاء لأي تنظيم، في خطوة استباقية لانتشار المقاتلين، قبل الإعلان عن التنظيم».
وفي 24 كانون الثاني العام 2012، أعلن «أبو محمد الجولاني» تأسيس «جبهة النصرة»، وتلا بياناً قال فيه «فتعالت أصوات النداء لأهل الجهاد، فما كان منا إلا أن نلبي النداء ونعود إلى أهلنا وأرضنا من الشهور الأولى لاندلاع الثورة». ولم يتطرق البيان لتبعية «النصرة» إلى تنظيم «القاعدة»، حيث تم افتتاح مقارّ عديدة في مختلف المحافظات، أبرزها «مستشفى الأطفال» في مدينة حلب، الذي رُفعت عليه لافتة كتب عليها «جبهة النصرة لأهل الشام من مجاهدي الشام في ساحات الجهاد»، ولم يُشر إلى أي ارتباط بين «النصرة» و«دولة العراق الإسلامية» في أي بيان أو إعلان.
بدأ توافد الجهاديين من العراق، وأفغانستان، واليمن، والسعودية، بكثافة إلى سوريا لمؤازرة «النصرة» المكوّنة أساساً من السوريين فقط. وكان السائد حينها أن «المجاهدين من غير السوريين جاؤوا للمؤازرة الجهادية في القتال فقط، ولا علاقة لهم بإدارة أمور الجبهة»، ولم تتم أي إشارة علنية على تبعية الجبهة لـ«القاعدة».
ويشرح مصدر «جهادي» لـ«السفير» نهج الجولاني منذ إنشاء «النصرة»، ويقول «لم يعلن تأسيس إمارة إسلامية، ولم يسعَ لأخذ بيعة من باقي المجموعات المسلحة، وأعلن إنشاء مجلس شورى المجاهدين، وهو مجلس لا رئيس له، كما تحاشى أن يُعلن نفسه أميراً، ووضع شروطاً قاسيةً لقبول منتسبين جدد إلى الجبهة. ولم تُطبق الجبهة الحدود الشرعية انطلاقاً من القاعدة الشرعية: في الحروب لا تطبق الحدود. كما تشاركت الجبهة في تأسيس الهيئة الشرعية في حلب مع كتائب أحرار الشام ولواء التوحيد، وغيرهما».
وفي الثامن من نيسان العام 2013، أعلن «أبو بكر البغدادي» حل الجبهة، ودمجها في تنظيم واحد مع «دولة العراق الإسلامية» أطلق عليه اسم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وما يعرف اختصاراً بـ«داعش»، وهو ما رفضه الجولاني فرد ببيان تبايع فيه «جبهة النصرة» أيمن الظواهري وتنظيم «القاعدة»، ليبدأ بعدها الخلاف بين التنظيمين.
بدأت العناصر غير السورية بالانسحاب من «النصرة» والانضمام إلى «داعش»، لتستولي الأخيرة في ما بعد على معظم مقارّ «النصرة» وعتادها. وقد كان آخرها انسحاب «النصرة» من مقرها في «مستشفى الأطفال» باتجاه مبنى «المواصلات القديمة» في حلب، ليرفع «داعش» علمه على المقر، ويبدأ نجم «جبهة النصرة» بالأفول.
وعن سبب تراجع «جبهة النصرة» كثيرا أمام «داعش»، يرى المصدر أن «الأمر واضح تماماً، رجال البغدادي الذين أرسلهم لنصرة الجولاني، عادوا إلى أميرهم، والسوريون الذين انضموا إلى جبهة النصرة عددهم قليل من جهة، ولا يملكون خبرة جهاديي البغدادي من جهة أخرى». وتابع «أضف إلى ذلك، أن السوريين الذين انضموا إلى جبهة النصرة أفسدوها، فهم غير منتظمين، ولا يأتمرون بأمر الجولاني بالكامل، قسم كبير منهم مارس أعمال الاستيلاء على المعامل والمصانع والمنشآت الاقتصادية، ما جعل الحاضنة الشعبية لجبهة النصرة تتقلص تدريجياً، على حساب التنظيم الآخر الذي يبدو منتظماً، يأتمر بأمر واحد، وتمكن من تحقيق نسبة من الأمان للأهالي، الأمر الذي ساعد على سرعة أفول نجم النصرة».
وعن سبب تمكن «داعش» من الانتشار في سوريا بسرعة كبيرة وقياسية. قال المصدر إن «مقاتلي النصرة الذين أوفدهم البغدادي تركوا الجبهة، وعادوا إلى تنظيمهم. كما أن اتساع مساحة سيطرتهم هو دليل قاطع على أن جبهة النصرة كانت تعتمد بالأساس على مجاهدي البغدادي، ويبدو أن عددهم كبير، حيث غيّروا بكل بساطة علمهم وأعلنوا ولاءهم لقائدهم الحقيقي. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحدود المفتوحة ساعدت على انتقال عدد كبير من المقاتلين من العراق إلى سوريا، وحتى من دول شرق آسيا، حيث وجد هؤلاء الحدود التركية مفتوحة فتوافدوا جماعات وأفراداً». ليبدو المشهد، بحسب ما صوّره المصدر، يشبه «القط (داعش) الذي بدأ يأكل ابنه ( النصرة)».
 http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionID=2608&ChannelID=63081&ArticleID=51

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق