الخميس، 16 يونيو 2016



صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 16 يونيه 2016

واشنطون --- وقع أكثر من 50 دبلوماسي من وزارة الخارجية الامريكية علي مذكرة داخلية تنتقد بشدة سياسة ادارة اوباما في سوريا، مطالبين الولايات المتحدة بتنفيذ ضربات عسكرية لحكومة الرئيس السوري بشار الأسد لوقف خرقها المتواصل لاتفاق وقف اطلاق النار في الحرب الأهلية التي مر عليها خمس سنوات

وتقول المذكرة، التي حصلت صحيفة النيو يورك تايمز علي مسودة منها من مسئول في وزارة الخارجية، أن السياسة الأمريكية " سحقتها " أعمال العنف التي لا تلين في سوريا. وطالبت المذكرة " بالاستخدام الحكيم للمواجهة والأسلحة الجوية، والتي ستعزز وتدفع العملية الدبلوماسية بقيادة الولايات المتحدة بشكل أكثر تركيزا وواقعية وحسما "

خطوة كتلك ستمثل تحولا جزريا في تعامل ادارة اوباما مع الحرب الأهلية في سوريا، وقليلة هي  الدلائل التي تشير الي نية اوباما تغيير المسار. وفضل السيد اوباما التشديد علي الحملة العسكرية ضد داعش علي الجهود الرامية لخلع الأسد. وإنهارت كل الجهود التي بذلها وزير الخارجية جون كيري لانهاء الأزمة .

لكن المذكرة المقدمة الي " قناة المعارضة " التابعة لوزارة الخارجية أكدت الخلافات العميقة وخيبة الأمل المتواصلة داخل الادارة حول كيفية التعامل مع حرب قتل فيها أكثر من 400 ألف شخص

الأسماء الموقعة علي المذكرة كلها تقريبا لمسئولين من المستوي المتوسط - وكثير منهم دبلوماسيين محترفين - ممن شاركوا في وضع سياسة الادارة الامريكية الخاصة بسوريا خلال الخمس سنوات الماضية، سواء داخل الولايات المتحدة او في الخارج. ويتراوح هؤلاء بين مسئولين مكتب سوريا في مكتب شئون الشرق الأدني ونواب سابقين للسفير الأمريكي في دمشق

ورغم عدم وجود أسماء معروفة، إلا أن مسئولي وزارة الخارجية من المستوي الرفيع معروف عنهم أنهم يتشاركون في مخاوفهم. والسيد كيري نفسه ضغط للقيام بعمل أقوي ضد سوريا، من ناحية لفرض حل دبلوماسي علي الأسد. الرئيس قاوم هذا الضغط، وسانده في ذلك قادته العسكريين الذين طرحوا أسئلة حول ماذا سيحدث في حالة أجبر الأسد علي التخلي عن السلطة - وهو سيناريو لم تتطرق له المذكرة 

امتنع المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية جون كيربي عن التعليق علي المذكرة التي استلمها المسئولين الكبار للتو. لكنه قال أن السيد كيري احترم هذه العملية كوسيلة للموظفين " للتعبير عن أرائهم السياسية بصراحة وعلي انفراد للقيادة العليا "

وقال روبرت فورد السفير الامريكي السابق في سوريا : " منذ فترة كان الكثيرين ممن يعملون في الشأن السوري في وزارة الخارجية يطالبون باتباع سياسة أكثر صرامة مع حكومة الأسد كوسيلة لتسهيل الوصول لاتفاق سياسي بالتفاوض وتشكيل حكومة سورية جديدة "

كان السيد فورد قد استقال من وزارة الخارجية في 2014 بسبب خيبة أمله من السياسة التي تتبعها الادارة بعدم التدخل في الصراع في سوريا

وكتب مسئولي وزارة الخارجية في المذكر أن حكومة الأسد بمواصلتها خرق اتفاق وقف اطلاق النار الجزئي، والذي يعرف بوقف الأعمال العدائية، ستفسد جهود الوساطة للتوصل لتسوية سياسية لأن السيد الأسد لن يشعر بوجود أي ضغوط عليه للتفاوض مع المعارضة المعتدلة أو الفصائل الاخري التي تقاتله. وجاء في المذكرة أن قصف الحكومة المدنيين بالبراميل المتفجرة هو " السبب الرئيسي لعدم الاستقرار الذي يخيم علي سوريا والمنطقة "

وجاء في المذكرة ايضا : " المبررات الأخلاقية لاتخاذ اجراء حيال انهاء عمليات القتل والمعاناة في سوريا، بعد خمس سنوات من الحرب الوحشية، واضحة جلية ولا يرقي اليها الشك. وسيستمر الوضع الراهين في سوريا في تقديم تحديات رهيبة إن لم تكن كارثية انسانيا ودبلوماسيا وتحديات متعلقة بالارهاب  " 

وأقرت المذكرة أن العمل العسكري ينطوي علي مخاطر، ليس أقلها زيادة التوتر مع روسيا التي تدخلت في الحرب لصالح الأسد وساعدت في التفاوض للتوصل لاتفاق وقف اطلاق النار . وأصر المسئولين أنهم " لا يدافعون عن الوقوع في منحدر زلق ينتهي بمواجهة عسكرية مع روسيا " بل توجيه تهديد ذو مصداقية بالقيام بعمل عسكري لايقاف الأسد عند حده

وجاء في المذكرة، ما أن يتم اصدار هذا التهديد يتولي السيد كيري القيام بمهمة دبلوماسية مماثلة للمهمة التي تولي قيادتها مع ايران حول برنامجها النووي. وستشمل هذه المهمة مفاوضات مع الحكومة، وكذلك اللاعبين المؤثرين في المنطقة مثل السعودية وايران

وجاء الخلاف بعد اسبوع من إظهار الأسد مؤخرا تحديه للولايات المتحدة ودولا اخري، عندما تعهد باستعادة " كل شبر " من بلاده من الأعداء. ولم يصمد إتفاق وقف اطلاق النار الذي ساعد السيد كيري علي التفاوض للتوصل اليه في مدينة ميونيخ الشتاء الماضي. فالأسد يواصل تعطيل قوافل المساعدات الانسانية، رغم تحذير الأمم المتحدة أنها ستقوم باسقاط جوي للمواد الغذائية في المدن التي تتعرض للمجاعة

وقال أندرو تابلر الخبير في الشأن السوري في معهد واشنطون لسياسات الشرق الأدني : " يوجد خيبة أمل رهيبة لدي المسئولين بخصوص السياسة الخاصة بسوريا . وما جلب هذا للصدارة الان هو تراجع المفاوضات، ليس بين الولايات المتحدة وروسيا بل بين الأسد والمعارضة. "

في الشهر الماضي اعترض السيد كيري علي القول بان الولايات المتحدة وحلفائها لن يستخدموا أبدا القوة لوقف عمليات القصف أو تنفيذ ادخال المساعدات الانسانية. وقال :  " إذا كان الأسد قد توصل الي نتيجة أنه لا توجد خطة ب فقد توصل الي نتيجة ليس لها أي أساس أيا كان بل وخطيرة "

ومع ذلك لم تظهر علي اوباما أمارة علي التحول عن تركيزع علي الحملة العسكرية علي داعش - وهي استراتيجية أصبحت أكثر الحاحا بعد عملية القتل الجماعي التي ارتكبت في مدينة اورلاندو بولاية فلوريدا يوم الأحد

وفي المذكرة رأي المسئولين في وزارة الخارجية أن العمل العسكري ضد الأسد سيساعد في قتال داعش لأن العمل العسكري سيقوي السنة المعتدلين الذين هم حلفاء ضروريين ضد جماعة داعش. وكتبوا في المذكرة ايضا : " سكان سوريا من السنة لا زالوا ينظرون الي نظام الاسد باعتباره العدو الأساسي في الصراع "

ورغم أن وزارة الخارجية لديها تقاليدها كونها منفتحة علي الاختلاف والمعارضة . ففي التسعينيات اجتمع وزير الخارجية وارين كرستوفر بمسئولين يعملون في الخارجية كتبوا مذكرة احتجاجية من 30 صفحة عن سياسة ادارة كلينتون في البلقان - وكان السيد كريستوفر ومن خلفه في المنصب يشعرون بخيبة الأمل عند نشر هذه المذكرات السرية

وفي حالتنا هذه تؤكد المذكرة بشكل رئيسي علي ما تبين منذ فترة وهو أن موظفي وزارة الخارجية غاضبون من رفض البيت الأبيض التدخل في سوريا

وفي خلال حوار أجري مع كيري في شهر يونيه 2013، بعد استخدام قوات الأسد الأسلحة الكيماوية ضد شعبه، لوح السيد كيري بتقرير لوزارة الخارجية إرتأي أن الوايات المتحدة بحاجة الي الرد عسكريا وإلا فان الرئيس الأسد سيعتبر أن هذا " ضوءا أخضر ليواصل استخدامه للأسلحة الكيمياوية "

وبعد ثلاث سنوات لم يقل الاحساس بالالحاح في وزارة الخارجية. وخلصت المذكرة الي التالي : " حان الوقت ان تقود الولايات المتحدة الجهود الدولية الرامية الي وضع نهاية للصراع مرة وللأبد، مسترشدة بمصالحنا الاستراتيجية وقناعاتنا الاخلاقية "


نقلا عن صحيفة نيويورك تايمز
ترجمة اشرف محمد عبد العزيز


http://www.nytimes.com/2016/06/17/world/middleeast/syria-assad-obama-airstrikes-diplomats-memo.html?_r=0