الأربعاء، 12 أبريل 2017

شهادة نيرة



شهادة نيرة كانت شهادة ملفقة أدلت بها أمام لجنة الكونغرس لحقوق الإنسان في 10 أكتوبر 1990  فتاة تبلغ من العمر 15 عاما لم تقدم غير اسمها الأول فقط، نيرة. وحظيت هذه الشهادة علي دعاية واسعة، واستشهد بها عدة مرات أعضاء مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة والرئيس جورج بوش فى تبريرهم لدعم الكويت فى حرب الخليج. في عام 1992، تم الكشف عن أن اسم نيرة الأخير هو "الصباح"، وهي ابنة سعود الصباح، سفير الكويت لدى الولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، تم الكشف عن أن شهادتها نظمت كجزء من حملة دعاية تسمي "مواطنين من أجل كويت حرة " التي تديرها شركة هيل ونولتون لصالح  الحكومة الكويتية. وبعدها أصبحت شهادة نيرة الصباح تعتبر مثالا كلاسيكيا للدعاية ( البروباغندا ) في العصر الحديث عن طريق تلفيق الفظائع


وقالت نيرة في شهادتها العاطفية أنها شاهدت بعد الغزو العراقي للكويت جنود عراقيين يأخذون أطفالا من الحاضنات في مستشفى كويتي ويأخذون الحاضنات ويتركون الأطفال يموتون.

وفي البداية صادقت علي قصتها منظمة العفو الدولية [3] وشهادات الذين تم إجلاؤهم. وبعد تحرير الكويت سمح للصحفيين دخول  البلاد. ووجد تقرير لقناة ايه بي سي أن "المرضى، بمن فيهم الأطفال الخدج قد ماتوا عندما هرب العديد من الممرضين والأطباء الكويتيين"، لكن القوات العراقية "شبه مؤكد لم تسرق حاضنات المستشفيات ولم تترك مئات الأطفال الكويتيين يموتون". [4] [5] ردت منظمة العفو الدولية بإصدار تصويب، واتهم المدير التنفيذي جون هيلي لاحقا إدارة بوش "بالتلاعب الانتهازي للحركة الدولية لحقوق الإنسان". [6]

مزاعم الحضانات : 

في أعقاب غزو العراق واحتلالها للكويت  وردت تقارير عن عمليات نهب واسعة النطاق. في 2 سبتمبر 1990 كتب سفير الكويت في الأمم المتحدة  محمد  أبو الحسن رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة خافيير بيريز دي كويار جاء فيها  :

وإلى جانب رسائلنا التي قصدنا منها إبلاغكم بالأعمال التي ترتكبتها سلطات الاحتلال العراقية في الكويت بما يتنافى مع جميع القوانين الدولية، وعلى أساس المعلومات المؤكدة التي قدمتها لنا حكومة الكويت، نود أن نلفت الاهتمام الي ظاهرة لم يسبق لها مثيل في التاريخ، وهي العملية التي نظمتها سلطات الاحتلال العراقية بهدف نهب وسلب الكويت. ومن المستحيل مقارنة هذه العملية بأية حوادث مماثلة أو تقديم حساب دقيق لها لأنها عملية تهدف في الواقع إلى القضاء الكامل علي أصول الكويت بما في ذلك الممتلكات المملوكة للدولة والمؤسسات العامة والخاصة والأفراد، وكذلك محتويات المنازل والمصانع والمتاجر والمستشفيات والمعاهد الأكاديمية والمدارس والجامعات ... وما حدث في الكويت هو ارتكاب عمل من أعمال السطو المسلح من قبل دولة استخدمت جيشها والأجهزة الأمنية والتقنية لهذا الغرض  " ([8]).

 وأشار أبو الحسن في الرسالة أيضا إلى أن "سرقة جميع المعدات من المستشفيات الخاصة والعامة، بما في ذلك أجهزة الأشعة السينية والماسحات الضوئية وقطع من معدات المختبرات". [8] كما كرر الأشخاص الذين تم إجلاؤهم كلامهم عن مزاعم النهب والذين وصفوا "الجنود ينهبون المباني التي تحتوي علي المكاتب والمدارس والمستشفيات بحثا عن مكيفات الهواء والحواسيب والسبورات والمكاتب وحتى حاضنات الرضع ومعدات الإشعاع ". [9] وقال دوجلاس هيرد، وزير الخارجية البريطاني، : "إنهم ينهبون ويدمرون بطريقة تشير إلى أنهم ربما لا يتوقعون أنهم سيمكثون هناك لفترة طويلة". [10]

 وجذب نهب حاضنات انتباه وسائل الإعلام بسبب ادعاءات أن الأطفال الخدج يجري التخلص منهم أو يموتون نتيجة لذلك. [11] وكان وزير الصحة الكويتي في المنفى عبد الوهاب الفوزان قد اعلن في مؤتمر صحفي عقده في الطائف في السعودية ان "الجنود العراقيين استولوا على جميع مستشفيات البلاد ومؤسساتها الطبية بعد الغزو". وأن "الجنود طردوا المرضى ونهبوا بشكل ممنهج المستشفيات من معدات التكنولوجيا الفائقة وسيارات الإسعاف والأدوية والبلازما" مما أسفر عن وفاة 22 من الأطفال الخدج. [10] [12] [12] ووصفت صحيفة واشنطن بوست أصل قصة الرضع الكويتيين على النحو التالي:


" بدأت  قصة الرضع الكويتيين برسالة من مسؤول كويتي كبير في الصحة العامة تم تهريبها من البلاد من قبل دبلوماسي اوروبي في اواخر الشهر الماضي، حسب ما ذكرت هدى بحر المهندسة المعمارية التي استلمت الرسالة هنا في لندن . وأرفق مع الرسالة معلومات جمعتها فوزية الصايغ،طبيبة الأطفال الكويتية التي تعيش هنا، من كويتيون فارون ومصادر أخرى  .

وزعمت الرسالة أن الجنود العراقيين أمروا بإخلاء المرضى من عدة مستشفيات وأغلقوا وحدات حرجة لعلاج مرضى السرطان ومرضى غسيل الكلى والذين يعانون من مرض السكري. وقالت هدي وفوزية إن العراقيين نقلوا معدات متطورة مثل آلات غسيل الكلى إلى بغداد، بالإضافة لكميات من النقود والذهب والسيارات والمجوهرات التي تقول مصادر مصرفية عربية أنها تتجاوز ملياري دولار. ومن بين المعدات التي تم نهبها 22 وحدة حاضنة للرضع.  " [12]

واشارت صحيفة "واشنطن بوست" ايضا الى انها لم تتمكن من التحقق من الاتهامات لأن العراق لم يسمح بالوصول الى المنطقة وفرض حجرا علي الدبلوماسيين. [12]

وفي 5 سبتمبر  أكد أبو الحسن مزاعم فوزية في رسالة أخرى أرسلها إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وجاء فيها:

" أبلغتنا مصادر لا تشوبها شائبة داخل المؤسسات الصحية الكويتية بأن سلطات الاحتلال العراقية قد ارتكبت الجرائم الوحشية التالية التي يمكن وصفها بأنها جرائم ضد الإنسانية: ... 2. أزيلت الحاضنات في مستشفيات الولادة والتي تستخدم للأطفال الذين يعانون من النمو المتخلف ( الأطفال المبتسرين)، مما تسبب في وفاة جميع الأطفال الذين كانوا تحت العلاج " ([13]).

ولم تذكر الرسالة عدد الأطفال الذين ماتوا. [12] [14] ولقيت الادعاءات الواردة في الرسالة تغطية إعلامية واسعة النطاق في الأيام التالية. [15] [16] [17] [18] [19] [20].  وفي مقابلة  أجراها برنامج All Things Considered علي قناة NPR في ذلك اليوم مع الرهائن المفرج عنهم ، ذكر أحد الرهائن أن القوات العراقية "ضربوا الأطفال بأعقاب البنادق، وأخذوا الرضع من الحاضنات وأخذوا الحاضنات". [21] ونشرت وكالة رويترز للأنباء أنه قد قيل لهم "إن القوات العراقية أخذت الأطفال المبتسرين من الحاضنات في الكويت لسرقة المعدات". [22] [23]
 وفي 9 سبتمبر أفادت قناة "NPR" أن "الجنود أغلقوا الأكسجين في عنابر حاضنات للرضع وشحنوا المعدات إلى العراق". [24]
 وفي 17 سبتمبر قال إدوارد غنيم جونيور، السفير الأمريكي المكلف لدى الكويت، للصحفيين إن مسؤولي الصحة الكويتيين أخبروه بأن 22 طفلا توفوا عندما سرقت القوات العراقية حاضناتهم. [25] وأفادت صحيفة لوس أنجلوس تايمز أن "اللاجئين أفادوا بأن القوات العراقية صادرت حاضنات للأطفال مبتسرين وأن الأطفال الرضع كانوا مكدسين على الأرض وتركوا للموت". [11] [26] كما ذكرت صحيفة سان خوسيه ميركوري نيوز نفس الادعاء في ذلك اليوم، مضيفة أن الدبلوماسيين الغربيين يعتقدون أن "هذا الشيء  يسميه البعض الإبادة الجماعية، وإذا أراد الناس تفسيره على هذا النحو، فقد يكون هذا سببا لتدخل عسكري". [27]
 وفي 25 سبتمبر أفادت صحيفة "واشنطن بوست" أن "مستشفيات مدينة الكويت خالية من الحاضنات". [11] [28] كتب رئيس المواطنين من أجل الكويت الحرة إلى النائب غوس ياترون أنه "علم مؤخرا أن الزعيم العراقي أمر بإيقاف حاضنات مستشفى الأمومة [في الكويت] المستخدمة لعلاج الأطفال المبتسرين، مما يعرض هؤلاء الأطفال للموت  ". [29]
وفي 29  سبتمبر قال الامير جابر الأحمد الصباح الموجود في المنفى في لقاء بينه وبين الرئيس جورج بوش ان العراقيين "يدخلون المستشفيات ويأخذون الأطفال من الحاضنات واجهزة التنفس الصناعي لارسالها الي العراق ". [30] [31] وفي تصريحاته التي تلت المناقشة، قال بوش إن" العدوان العراقي نهب وسلب بلدا يسوده السلام والأمن ، وشعب يتعرض للاعتداء والسجن والتخويف وحتى القتل " وأن "قادة العراق يحاولون مسح دولة ذات سيادة معترف بها دوليا، وعضو في جامعة الدول العربية والأمم المتحدة، على وجه الخريطة". [32]

وفي 28 سبتمبر قال وزير التخطيط الكويتي، سليمان مطاوع، أن 12 طفلا توفوا نتيجة نهب الحاضنات. [33]

في 30 سبتمبر أفادت وكالة الأنباء الأمريكية وورد وورد ريبورت News & World Report   أنها حصلت على برقيات حكومية أمريكية سرية استنادا إلى روايات شهود عيان كشفت عن "أعمال وحشية مروعة قام بها العراقيون ضد المواطنين الأبرياء في المستشفيات الكويتية". [34] في اليوم السادس من الغزو العراقي، دخل جنود عراقيون مستشفى عدن في الفحيحيل بحثا عن معدات المستشفيات لسرقتها " و " فصلوا الأوكسجين عن الحاضنات التي تدعم 22 طفلا مبتسرا وأخرجوهم مع الحاضنات "مما أدى إلى مقتل 22 طفلا. [ 34]
وفي 9 أكتوبر قال بوش في مؤتمر صحفي رئاسي، :

" كنت اعتقد أن الجنرال سكوكروفت [مساعد الرئيس لشؤون الأمن القومي] قد أجاد بعد أن غادر الأمير . وإنني أشعر بقلق بالغ، ليس فقط بشأن التفكيك المادي، بل بسبب الوحشية التي كتبت عنها منظمة العفو الدولية الآن والتي تؤكد بعض قصص الوحشية التي أخبرنا بها الأمير . إن بعض ما ذكره أمور لا تصدق. أعني، لقد قطعوا آللات غسيل الكلى عن الناس وأرسلوها إلى بغداد ونزعوا الرضع من الحاضنات وأرسلوا الحاضنات نفسها إلى بغداد. أنا الآن لا أعرف كم من هذه الحكايات يمكن أن تكون صادقة، ولكني أعرف أن الأمير عندما كان هنا كان يتحدث من القلب. وبعد ذلك جاءت منظمة العفو الدولية التي استجوبت الكثير من الناس على الحدود. إنه لأمر يثير الغثيان. " [35]



الاعلانات :


في البداية كان المعلنون يتجاهلون أزمة الشرق الأوسط في اعلاناتهم..[36] وقيل أن الشركات التي تبيع المعلومات، مثل مؤسسات الأخبار، كانت تدير اعلانات لأجل تغطيتهم للصراع. .[36]


حملة " مواطنين لأجل كويت حرة " :


كانت حملة " مواطنين لأجل كويت حرة " لجنة للعلاقات العامة أسستها السفارة الكويتية، والتي وصفتها صحيفة زي تايمز نيوز The Times News بأنها " لجنة مقرها العاصمة واشنطون مكونة من كويتيين وأمريكيين معنيين " .[37][38] ورغم أن اللجنة كانت تشغل مكتبا في السفارة غلا أنهم كانوا يعمولن بشكل مستقل عن السفارة. .[37]


شركة هيل أند كنولتون Hill & Knowlton للدعاية:


بعد لقاء عقدته شركة هيل أند كنولتون للدعاية مع كويتي يعيش في المنفي في نيويورك سنة 1990 تولت الشركة إدارة حملة " مواطنين لأجل كويت حرة " . [39] وكان الغرض من هذه الحملة الوطنية زيادة الوعي في الولايات المتحدة عن المخاطر التي يشكلها الدكتاتور العراقي صدام حسين علي الكويت .[39]


وأجرت هيل أند كنولتون دراسة كلفت مبلغ مليون دولار لتحديد أفضل السبل لكسب التأييد للقيام بعمل قوي. .[40] وكلفت هيل أند كنولتون مجموعة ويرثنغتون Wirthington Group بتشكيل جماعات مركزة لتحديد أفضل استراتيجية ستؤثر في الرأي العام. .[41] ووجدت الدراسة أن التركيز علي الفظائع، لا سيما قصة الحاضنات، هي الأكثر تأثيرا. .[41] ويقدر أن هيل أند كنولتون تقاضت مبلغ يقدر بحوالي 12 مليون دولار من الكويتيين لأجل حملة العلاقات العامة الخاصة بهم. .[42]


مؤسسة حقوق الانسان التابعة للكونجرس :


مؤسسة حقوق الانسان التابعة للكونجرس هي منظمة غير حكومية تجري تحقيقات بخصوص انتهاكات حقوق الانسان. .[43] وكان يرأسها النائب الديمقراطي توم لانتوس والنائب عن الحزب الجمهوري جون بورتر وإستأجرت مساحة في مقر شركة هيل أند كنولتون في واشنطون بسعر مخفض قدره 3000 دولار . [43]


الشهادة :


في 10 أكتوبر 1990 كانت نيرة اخر من أدلي بشهادته في لجنة الكونجرس، واستغرقت شهادتها 4 دقائق. وقالت في شهادتها :


" تطوعت في مستشفي العدن مع 12 إمرأة أخري كن يرغبن في تقديم المساعدة . وقد كنت أصغر المتطوعات. النساء الأخريات كانت أعمارهن من عشرين الي ثلاثين سنة. وأثناء وجودي هناك رأيت الجنود العراقيين يدخلون المستشفي حاملين البنادق . وأخرجوا الأطفال الرضع من الحاضنات وتركوا الأطفال يموتون علي الأرضية الباردة. ( تبكي ) كان الأمر مخيفا . " .[44]


ورغم أن نيرة لم تحدد في شهادتها الشفهية كم عدد الأطفال الذين كانوا في الحاضنات، جاء في الشهادة المكتوبة التي وزعتها هيل أند كنولتون " أثناء وجودي هناك رأيت الجنود العراقيين يدخلون المستشفي حاملين البنادق واقتحموا الغرفة التي كان بها 15 طفلا في الحاضنات " [45] ولم يتم الادلاء بالشهادة تحت القسم


وصرح النائب جون بورتر، رئيس اللجنة، أنه لم يسمع خلال ثمانية سنوات من الخدمة في اللجنة بمثل هذه " الوحشية والسادية وانعدام الانسانية " [46] ووصفت شهادة نيرة بأنها الأكثر مأساوية .[46]



هيل أند كنولتون :


لم يتضح مدي التأليف في شهادة نيرة. ورغم أن الشركة كان يفترض أن تقدم المساعدة في أسلوب الخطاب،,[47] إلا أنه قد ورد أن هيل أند كنولتون " كانت توفر الشهود وتكتب الشهادات وتدرب الشهود علي التأثير " . [48]


تأثير الشهادة :


حظيت شهادة نيرة بدعاية واسعة .[49] وأرسلت هيل أند كنولتون التي صورت الجلسة مقطعا اخباريا مصورا الي شركة ميديالينك، وهي شركة تخدم حوالي 700 محطة تليفزيون في الولايات المتحدة ..[50]


وفي تلك الليلة بث برنامج Nightline علي قناة ايه بي سي ABC وبرنامج الأخبار المسائية Nightly News علي قناة ان بي سي NBC مقاطع من الشهادة ووصلت الي جمهور يقدر بحوالي 35 الي 53 مليون امريكي. .[48][50] واستشهد سبعة من اعضاء مجلس الشيوخ بشهادة نيرة في خطاباتهم المؤيدة لاستخدام القوة. .[ملحوظة 1 ] وكرر الرئيس جورج بوش القصة عشر مرات علي الأقل في الأسابيع التالية..[53] وساعدت الرواية التي حكتها عن الفظائع علي تحريك الرأي العام لصالح المشاركة في حرب الخليج [54]



الإستجابة الأولي :


في 13 يناير 1991 نشرت صحيفة صنداي تايمز أن طبيبا يدعي علي الحويل قد شهد وفاة 92 [55]


وأنكرت العراق هذه الادعاءات . وفي 16 اكتوبر قال وزير الاعلام العراقي لطيف نصيف الجاسم لوكالة الأنباء العراقية " الان انت ( يا بوش ) تستغل ما قاله لك ( الشيخ جابر ) لتجعل الكونجرس يصدق علي الميزانية التي تعاني من العجز بفضل سياساتك " وأضاف " أنت بصفتك رئيس قوة عظمي يجب أن تزن كلماتك بعناية ولا تتصرف كبهلوان يكرر ما يقال له " [56]


وفي زيارة قام بها صحفيين الي الكويت في 21 أكتوبر 1990 برفقة مسئولين من وزارة الاعلام العراقية نفى أطباء  يعملون في منشأة كويتية للأمومة ادعاءات الحاضنات. [57] وقال رئيس قسم الصحة الكويتي في العراق عبد الرحمن محمد العجيلي ان "بغداد ارسلت الف طبيب وطواقم طبية اخري للمساعدة في ادارة 14 مستشفى ومركزا صحيا  الخاصة بالكويت بعد الغزو". [57] ]
 
الفضيحة : 
 
 
وفي 15 مارس 1991، بعد وقت قصير من تحرير الكويت، قال جون مارتن، وهو مراسل في قناة "آي بي سي"، إن "المرضى، بمن فيهم الأطفال المبتسرين، قد ماتوا عندما توقف العديد من الممرضات والأطباء في الكويت عن العمل أو فروا من البلاد" واكتشفوا أن القوات العراقية "من المؤكد أنها لم تسرق حاضنات المستشفيات ولم تترك مئات الأطفال الكويتيين يموتون ". [4] [5]

في 6 يناير 1992، نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالا كتبه جون ماك آرثر بعنوان "هل تذكروا نيرة، شاهدة الكويت؟" [58] اكتشف ماك آرثر أن نيرة كانت ابنة السفير الكويتي لدى الولايات المتحدة، سعود ناصر الصباح. [58] واشار ماك آرثر الى ان "قصة الحاضنات حرفت بشكل خطير النقاش الامريكى حول ما اذا كان سيدعم العمل العسكرى" وتساءل عما اذا كانت " العلاقات الخاصة بين النواب لانتوس وبورتر مع هيل ونولتون تستوجب اجراء تحقيق فى الكونغرس لمعرفة ما اذا كانت اعمالهم تشكل مجرد تعارض مصالح أم ما هو أسوأ من ذلك، إذا كانوا يعرفون من كانت نيرة الباكية علي حقيقتها في أكتوبر 1990 ". [58] حصلت المقالة على جائزة مكارثر للصحافة الشهرية من صحيفة واشنطن الشهرية في نيسان / أبريل 1992، وجائزة منكن في عام 1993. [45] ] [59]
 
الاستجابات اللاحقة : 
 
 
هيل أند كنولتون :
 
 
في 15 يناير 1992، رد الرئيس التنفيذي لشركة هيل أند كنولتون، توماس إيدسون، على المخاوف التي أثارها ماك آرثر في رسالة إلى رئيس تحرير صحيفة نيويورك تايمز. [62] وذكر إيدسون أن " هذه الشركة لم تتعاون في أي وقت من الأوقات مع أي شخص لإختلاق شهادة ملفقة عن علم" مؤكدا أن الشركة "ليس لديها أي سبب للتشكيك في مصداقيتها عندما أدلت بشهادتها بعد هروبها من الكويت". [62] وأوضحت الرسالة أن إتهام نيرة بأن الجنود العراقيين نزعوا الأطفال حديثي الولادة من الحاضنات أكدها الدكتور إبراهيم بهبهاني، رئيس الهلال الأحمر، أمام مجلس الأمن الدولي، وأنه لم يسمح لوسائل الإعلام بالعودة إلى داخل الكويت "حتى بعد التحرير، لم تكن هناك طريقة للتحقق على الفور من روايات اللاجئين ". [62] وخلص إيدسون إلى أن" مصداقية نيرة يجب ألا تكون موضع تساؤل أكثر مما لو كانت طبيبة أو معلمة "وأن عمل الشركة مع الكويتيين يتفق مع معايير الشركة التي تنص على أن" المصلحة العامة تحققت إلى حد ما. "[62]

في أغسطس 1992، حل هوارد باستر روبرت ك. غراي كمدير عام لمكتب واشنطن من أجل تنظيف صورة الشركة. [63] [64]

وقد ادعى النقاد أن هيل وكنولتون إختلقوا حركة شعبية وهمية، مواطنون من أجل كويت حرة، واستخدموا فيما بعد أدلة مشكوك فيها وشهود مشبوهين للتأثير على الرأي العام والسياسة العامة في الولايات المتحدة والأمم المتحدة. [61] [65] [66 ]

وأثارت أعمال هيل وكنولتون التي قام بها باسم حملة مواطنين من أجل كويت حرة، بالاضافة لعملائها الرئيسيين الآخرين، بما في ذلك بنك الائتمان والتجارة الدولية، وكنيسة السيانتولوجيا، وحملة مكافحة الإجهاض التي قام بها الأساقفة الكاثوليك، مخاوف أخلاقية بين المهنيين في مجال العلاقات العامة . [67] وهذه المخاوف، وإن لم تكن جديدة،  إلا أنها كانت أكثر فداحة من سابقاتها بسبب بروز القضايا ([39]).
 
 
توم لانتوس : 
 
 
في مقابلة أجريت مع لانتوس ذكر أنه قد أخفى هوية نيرة بناء على طلب والدها من أجل حماية أسرتها وأصدقائها. [54] ورفض لانتوس أي ادعاءات بوقوع مخالفات ورأي أن "وسائل الإعلام قد ركزت عليها، وإذا لم تكن قد أدلت بشهادتها، فإنهم كانوا سيركزون على شيء آخر". [54] وقال لانتوس أيضا:

" إن الفكرة القائلة بأن أي من الشهود الذين أحضروا إلى اللجنة من خلال السفارة الكويتية لم تكن لهم مصداقية لم تخطر في بالي. ليس لدي أي أساس لافتراض أن قصتها ليست صحيحة، ولكن المسألة تتجاوز ذلك. وإذا افترضنا أن قصة المرأة وهمية من الألف إلى الياء، فإن ذلك لا يقلل بأي حال من الأحوال من انتهاكات حقوق الإنسان. " [54]




وفي رسالة الى رئيس تحرير صحيفة نيويورك تايمز في 27 يناير 1992 بعنوان "الكويتية قدمت رواية متماسكة عن الفظائع"، رد توم لانتوس على ادعاءات ماك آرثر. وكتب أن "مقالة السيد ماك آرثر المخادعة لا تخدم سوى الساخرين الذين يسعون إلى إعادة كتابة تاريخ حرب الخليج العربي"، مشيرا إلى أن "التلميح الشرير الذي قدمه المقال يشير إلى أن الفتاة لم تكن حتى في الكويت وقت الغزو العراقي، وان الحادث البشع كله كان مؤامرة شيطانية من قبل شركة علاقات عامة امريكية ". [68] كتب لانتوس أن "حقيقة أن نيرة كانت ابنة سفير الكويتي جعلتها شهادتها أكثر مصداقية"، وأن "علاقتها بالسفير والحكومة عززت مصداقيتها". [68] وأشار أيضا إلى أن " هذه الرواية تتفق مع المعلومات التي تلقيناها من شهود آخرين مع مئات القصص الوحشية الأخرى من الكويت التي نقلتها وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم، وبما يتفق مع تقارير منظمات حقوق الإنسان المستقلة، مثل منظمة العفو الدولية، التي أدلت بشهادتها أيضا في جلسة الاستماع . [68] وخلص لانتوس إلى أنه "نظرا لحالات لا تحصى من انتهاكات حقوق الإنسان في العراق والتي تم التحقق منها"، كان "لا لزوم  لابتكار فظائع يكون لها نتائج عكسية". [68]

ورفض لانتوس أيضا ادعاءات وجود علاقة خاصة بين اللجنة و هيل أند كنولتون وقال أن "أنشطة اللجنة تعقد بغض النظر عما إذا كانت هذه البلدان تمثلها أي شركة محاماة أو شركة علاقات عامة". [68]

وفي رسالة لاحقة إلى صحيفة نيويورك تايمز، أشار ماك آرثر إلى أن الشهادة قد تم سحبها. [69]

السفير الصباح : 

وقال السفير إن ابنته شهدت الفظائع التي وصفتها، وأن وجودها في الكويت يمكن التحقق منه من قبل سفارة الولايات المتحدة في الكويت. [54] وقال أيضا: "إذا كنت أرغب في الكذب، أو إذا أردنا الكذب، وإذا أردنا المبالغة، فبدلا من أن أستخدم ابنتي للقيام بذلك يمكنني بسهولة شراء أشخاص آخرين للقيام بذلك". [70]


التحقيقات : 

تحقيقات منظمة هيومان رايتس ووتش : 

 في عام 1992، نشرت منظمة رصد الشرق الأوسط Middle East Watch، وهي فرع من هيومن رايتس ووتش، نتائج تحقيقهم في قصة الحاضنات. وقال مديرها اندرو ويتلي للصحافة " رغم صحة ان العراقيين استهدفوا المستشفيات، إلا أن التهمة كانت محورية لجهود الدعاية للحرب بأنهم سرقوا الحاضنات وأزالوا الاطفال بشكل خطير مما جعلهم يموتون علي الأرضية هي تهمة باطلة، وقد أختلقت هذه القصص من ناس خارج البلاد الذين كان ينبغي أن يكونوا أكثر دراية ". أجرى أحد المحققين، وهو عزيز أبو حمد، مقابلات مع أطباء في المستشفى التي ادعت نيرة أنها شاهدت جنود عراقيين يسحبون 15 طفلا من الحاضنات ويتركونهم يموتون. وذكرت الصحيفة ان "الاطباء قالوا له ان وحدة الولادة بها من 25 الى 30 حاضنة، ولم يأخذ العراقيون أيا حضانات ولم يسحبوا اي اطفال منهم". [71]


تحقيقات منظمة العفو الدولية : 

 
في البداية أيدت منظمة العفو الدولية  القصة، لكنها أصدرت فيما بعد تراجعا. [72] [73] وخلصت إلى أنها "لم تجد دليلا موثوقا على أن القوات العراقية قد تسببت في وفاة الأطفال عن طريق إزالتهم أو الأمر بإخراجهم من الحاضنات" ([74]).


 
تقرير كرول : 

 

 المسؤولون الكويتيون لا يناقشون هذه المسألة مع الصحافة. [45] ومن أجل الرد على هذه الاتهامات، استعانت الحكومة الكويتية بشركة كرول أسوسياتس لإجراء تحقيق مستقل في قصة الحاضنة. واستغرق كرول تسعة أسابيع في التحقيق وأجرت أكثر من 250 مقابلة. وكشفت المقابلات التي أجرتها مع نيرة أن شهادتها الأصلية كانت قد حرفت إلى حد بعيد في أحسن الأحوال؛ وقالت كرول إنها لم تر سوى طفلا واحدا خارج حاضنة "ليس أكثر من لحظة". كما قالت لكرول إنها لم تكن أبدا متطوعة في المستشفى وكانت في الواقع قد  "توقفت فقط لبضع دقائق". [75]

ويصف توم روس الناطق باسم هيل آند كنولتون التقرير بأنه "إثبات لبراءة هيل ونولتون" وأنه "يثبت بشكل قاطع أن هناك فظائع خاصة بالحاضنات وأن نيرة كانت شاهدا عليها". [45]
 https://en.wikipedia.org/wiki/Nayirah_(testimony)

الاثنين، 10 أبريل 2017

لمن غاز السارين ؟ بقلم سيمور هيرش

لمن غاز السارين ؟
 19 ديسمبر 2013

لم يروي باراك أوباما هذا الخريف القصة الكاملة عندما كان يحاول تبرير أن بشار الأسد كان المسئول عن الهجوم بالأسلحة الكيماوية بالقرب من دمشق في 21 أغسطس . وأخفي في بعض الحالات معلومات إستخباراتية مهمة وفي حالات أخري قدم فرضيات علي أنها حقائق. والأهم من ذلك كله فشله في الاعتراف بشيء معروف لدي أجهزة الإستخبارات الأمريكية : وهو أن الجيش السوري ليس الطرف الوحيد في الحرب الأهلية السورية الذي يمتلك غاز السارين، وهو غاز الأعصاب الذي خلص تقرير الأمم المتحدة – دون تحديد المسئولية – الي أنه استخدم في هجوم الصواريخ. وفي الشهور التي سبقت الهجوم أعدت وكالات المخابرات الأمريكية عدد من التقارير شديدة السرية، والتي توجت بالتقرير المسمي " نظام العمليات "، وهو عبارة عن وثيقة لوضع خطط تسبق القيام بغزو بري، واستشهدوا بأدلة تشير الي أن جبهة النصرة، وهي جماعة جهادية مرتبطة بتنظيم القاعدة، تمكنت من إتقان صنع غاز السارين وقادرة علي تصنيعها بكميات كبيرة . وعندما وقع الهجوم كان يجب الاشتباه في جبهة النصرة، إلا أن الإدارة الأمريكية تلاعبت بالمعلومات الإستخبارية لتبرير توجيه ضربة للأسد.

وفي خطابه المتلفز عن سوريا في 10 سبتمبر الذي أذيع علي مستوي الأمة الأمريكية ألقي أوباما باللوم الشديد علي حكومة الأسد علي الهجوم بغاز الأعصاب في ضاحية الغوطة الشرقية التي يسيطر عليها الثوار، وأوضح أنه مستعد لتنفيذ تحذيراته المعلنة سابقا والتي صرح فيها أن أي استخدام للأسلحة الكيماوية هو عبور " الخط الأحمر " . وقال : " حكومة الأسد استخدمت الغاز في قتل حوالي ألف شخص. نحن نعلم أن نظام الأسد هو المسئول ....... وهذا هو ما دفعني، بعد مداولات متأنية، أن أقرر أن من مصلحة الأمن القومي الأمريكي الرد علي استخدام الأسلحة الكيماوية من خلال توجيه ضربة عسكرية موجهة " . أوباما كان ذاهبا إلي الحرب لينفذ تهديدا معلنا، لكنه كان يفعل ذلك دون أن يعلم يقينا من فعل ماذا في الصباح الباكر من 21 أغسطس .

واستشهد بقائمة مما يبدو أنها أدلة دامغة علي ارتكاب الأسد لتلك الجريمة. " نحن نعلم أنه في الأيام التي سبقت 21 أغسطس كان أفراد من المسئولين عن أسلحة الأسد الكيماوية يجهزون لهجوم بالقرب من منطقة كانوا يخلطون فيها غاز السارين. ووزعوا أقنعة الغاز علي قواتهم. ثم أطلقوا الصواريخ من منطقة يسيطر عليها النظام علي 11 حي كان يحاول النظام ينظفها من قوات المعارضة " . وحينها ردد دينيس ماكدونو، رئيس موظفيه، يقين أوباما عندما قال لصحيفة نيويورك تايمز : " لا أحد ممن تحدثت إليهم يشكك في المعلومات الاستخباراتية" التي تربط الأسد ونظامه مباشرة بهجمات غاز السارين .

لكني وجدت في الحوارات التي أجريتها مؤخرا مع ضباط في الجيش والمخابرات والمستشارين سواء السابقين أو الحاليين قلقا شديدا، وفي بعض الحالات وجدت غضبا عارما، بسبب تكرار مشاهد التلاعب المقصود بالمعلومات الاستخباراتية . وكتب ضابط مخابرات رفيع المستوي رسالة بريدية الي زميل له قال له فيها أن تأكيدات الإدارة الأمريكية عن مسئولية الأسد هي مجرد " خدعة " . وكتب أيضا أن الهجوم " لم يكن نتيجة النظام الحالي " . وقال لي مسئول كبير سابق في المخابرات أن إدارة أوباما غيرت المعلومات المتاحة لديها – بالنسبة لتوقيتها وتسلسلها – لتمكين الرئيس ومستشاريه لجعل المعلومات الاستخباراتية التي تم استرجاعها بعد أيام من الهجوم تبدو وكأنه قد تم جمعها وتحليلها في الوقت الفعلي، أثناء حدوث الهجوم. وقال لي أن هذا التحريف ذكره بحادثة خليج توكنكن سنة 1964، عندما غيرت ادارة الرئيس جونسون تسلسل المعلومات الاستخباراتية التي رصدتها وكالة الأمن القومي لتبرير أول عمليات قصف شمال فيتنام. وقال نفس المسئول ان هناك خيبة أمل كبيرة بين  أفراد  الجيش والمخابرات. " هؤلاء الأفراد يرفعون أيديهم الي السماء قائلين : " كيف نساعد هذا الشخص ؟ " – أوباما – " بينما هو وزبانيته يواصلون التلاعب بالمعلومات الاستخباراتية علي طول الطريق "   

وتركز الشكاوي علي ما لا تملكه واشنطون : والمتمثل في أي تحذير مسبق من المصدر المفترض عن الهجوم . ويقوم جهاز المخابرات العسكرية منذ سنوات بإعداد موجزا للمعلومات الاستخباراتية شديد السرية يقدم في الصباح الباكر، معروف باسم " تقرير الصباح"، ويقدم الي وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان، وتذهب نسخة لمستشار الأمن القومي ومدير المخابرات الوطنية. ولا يضم تقرير الصباح معلومات اقتصادية أو سياسية بل يقدم ملخصا للأحداث العسكرية الهامة حول العالم والمعلومات الاستخباراتية المتاحة الخاصة بها. وقال لي مستشار كبير في المخابرات أنه راجع التقارير الخاصة بالهجوم من 20 أغسطس إلي 23 أغسطس . وخلال هاذين اليومين – من 20 إلي 21 أغسطس – لم يكن هناك ذكر لسوريا. وفي تقرير الصباح المقدم في 22 أغسطس كانت الفقرة الرئيسية تتعلق بمصر، والفقرة التالية تتناول التغيير الداخلي في هيكل القيادة لإحدى الجماعات الثورية في سوريا. ولم يذكر شيء عن استخدام غاز الأعصاب في دمشق في هذا اليوم. ولم يصبح استخدام غاز السارين هو القضية الرئيسية إلا في 23 أغسطس، رغم انتشار مئات الصور والفيديوهات الخاصة بالمذبحة طوال ساعات علي اليوتيوب والفيس بوك وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي. وحتى هذه اللحظة لم تكن الإدارة الأمريكية تعلم أكثر مما يعلمه الجمهور.

وغادر أوباما واشنطون في وقت مبكر في 21 أغسطس في جولة استغرقت يومين لإلقاء كلمة في نيويورك وبنسلفينيا . وذكر المكتب الصحفي للبيت الأبيض أن قد تم إبلاغه في هذا اليوم بالهجوم وحالة الغضب التي سادت الإعلام والجمهور. وقد ظهر انعدام أي معلومات استخباراتية فورية من الداخل في 22 أغسطس عندما قال جين بساكي، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، للصحفيين : " لم نتمكن بشكل قاطع من تحديد استخدام ( الأسلحة الكيماوية ) . لكننا نركز في كل دقيقة لكل يوم مر منذ وقوع هذه الأحداث علي فعل ما في وسعنا في نطاق سلطتنا لجمع الحقائق " .  واشتدت نبرة الإدارة الأمريكية في 27 أغسطس، عندما قال جاي كارني، السكرتير الصحفي لاوباما، للصحفيين – دون أن يقدم أي معلومات محددة – أن أي اقتراحات بأن الحكومة  السورية غير مسئولة " هي اقتراحات خرقاء مثلها مثل الاقتراح بأن الهجوم لم يقع " .

ويبين غياب الإنذار الفوري داخل جهاز المخابرات الأمريكية  أنه لم تتوافر أي معلومات استخباراتية عن النوايا السورية في الأيام التي سبقت الهجوم. وهناك علي الأقل وسيلتين علمت الإدارة الأمريكية عن طريقهما بالهجوم بشكل مسبق : وكلاهما تطرق إليهما أحد وثائق المخابرات الأمريكية شديدة السرية التي نشرها في الشهور الأخيرة إدوارد سنودن، المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الأمريكية.

وفي 29 أغسطس نشرت صحيفة الواشنطون بوست مقتطفات من الميزانية السنوية المخصصة لكل برامج المخابرات الوطنية، وكالة تلو الوكالة، والتي وفرها سنودن. وبالتشاور مع إدارة أوباما، اختارت الصحيفة نشر جزء بسيط فقط من الوثيقة المكونة من 178 صفحة، والمصنفة وثيقة أعلي من سرية للغاية، لكن الصحيفة لخصت ونشرت جزءا يتناول المناطق التي تشكل إشكالية. ومن المناطق التي تشكل إشكالية فجوة في استهداف مكتب الأسد. وذكرت الوثيقة أن أجهزة التصنت الالكترونية التابعة لوكالة الأمن القومي علي مستوي العالم كانت لديها " القدرة علي مراقبة الاتصالات الغير مشفرة بين المسئولين العسكريين الكبار في بداية الحرب الأهلية هناك " . لكن هذه الأجهزة كانت " من الهشاشة حتى أن قوات الرئيس بشار الأسد اكتشفتها فيما بعد " . وبمعني أخر، لم يعد لوكالة الأمن القومي قدرة علي التجسس علي محادثات القيادات العسكرية الكبرى في سوريا، وهي محادثات قد تحتوي علي اتصالات مهمة خاصة بالأسد، مثل أوامر استخدام غاز الأعصاب في الهجمات. ( لم تدعي ادارة اوباما في تصريحاتها المعلنة منذ 21 أغسطس أن لديها معلومات محددة حول علاقة الأسد نفسه بالهجوم )

وقدم لنا تقرير الواشنطون بوست أول مؤشر علي وجود نظام تجسس سري داخل سوريا، الذي صمم لتوفير إنذار مبكر عند حدوث أي تغيير في وضعية مستودعات الأسلحة الكيماوية الخاصة بالنظام. وأجهزة التجسس يراقبها مكتب الاستطلاع القومي، وهي وكالة تتحكم في كل أقمار التجسس الامريكية التي تدور في الفلك. وجاء في الموجز الذي نشرته الواشنطون بوست أن مكتب الاستطلاع القومي مكلف " باستخلاص البيانات من أجهزة التصنت الموضوعة علي الأرض " داخل سوريا. وقال لي مسئول المخابرات الكبير، الذي علي إطلاع مباشر بهذا البرنامج، أن أجهزة التصنت الخاصة بمكتب الاستطلاع القومي قد زرعت بالقرب من كل مواقع المواد الكيماوية في سوريا. وقد صممت هذه الأجهزة لتوفير مراقبة دائمة لحركة الرؤؤس الحربية الكيماوية التي خزنها الجيش. لكن الأهم من ذلك - فيما يتعلق بالإنذار المبكر - هو قدرة هذه الأجهزة علي تحذير المخابرات الأمريكية والإسرائيلية عند تحميل الرؤؤس الحربية بغاز السارين.( فإسرائيل كدولة جارة حذرة دوما من حدوث تغيير في ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية وتعمل عن قرب مع المخابرات الأمريكية بخصوص الإنذار المبكر ) . عند تحميل الرؤؤس الحربية الكيماوية بغاز السارين فإنه يبقي نشطا بضعة أيام أو أقل - وبعدها يبدأ غاز الأعصاب في التهام الصاروخ علي الفور تقريبا. وقال لي مسئول المخابرات الكبير : " الجيش السوري ليس لديه ثلاثة أيام ليتجهز لهجوم كيماوي " . " لقد أنشأنا نظام التجسس لأجل رد الفعل المباشر، مثل الإنذار بقيام غارة جوية أو تحذير بإطلاق النار. لن تتمكن من الحصول علي إنذار بعد ثلاثة أيام لأن كل المشاركين سيكونوا من الأموات. الأمر هو إما الآن أو تصبح تاريخا. لن تقضي ثلاثة أيام للاستعداد لإطلاق غاز الأعصاب" . وقال المسئول السابق أن أجهزة التجسس لم تكشف أي حركة في الشهور والأيام التي سبقت 21 أغسطس. وبالطبع هناك احتمال أن يكون الجيش السوري قد حصل علي غاز السارين بوسائل أخري، لكن عدم وجود إنذار يعني أن واشنطون لم تكن قادرة علي مراقبة الأحداث في شرق الغوطة عندما ظهرت للعيان.

في الماضي كانت أجهزة التجسس تعمل وكانت القيادة السورية علي علم كامل بها. وفي شهر ديسمبر الماضي التقطت أجهزة التجسس مؤشرات علي ما بدي أنه إنتاج غاز السارين في أحد مستودعات الأسلحة الكيماوية. ولم يتبين علي الفور ما إذا كان الجيش السوري يحاكي عملية إنتاج غاز السارين كجزء من أحد التدريبات ( كل الجيوش تمارس هذه التدريبات ) أو كان بالفعل يستعد للقيام بهجوم. وفي تلك الفترة حذر أوباما سوريا علنا من أن استخدام غاز السارين " غير مقبول تماما "، وتم تمرير رسالة مماثلة علي يد وسائل دبلوماسية. ثم ثبت لاحقا أن هذه الواقعة كانت في إطار سلسلة من التدريبات، وفقا لما ذكره مسئول المخابرات الكبير. " إذا كان ما رأته أجهزة التجسس في ديسمبر الماضي ذو أهمية كبيرة لدرجة أن الرئيس نادي وقال " دمروها " فلماذا لم يصدر الرئيس نفس التحذير قبل ثلاثة أيام من هجوم شهر أغسطس ؟ "

وقال المسئول السابق أن وكالة الأمن القومي ستراقب الأسد علي مدار الساعة إن استطاعت. وستكون الاتصالات الأخرى التي تجريها عدة وحدات قتالية في الجيش السوري أقل أهمية بكثير ولن يتم تحليلها في حينها. وقال : " يوجد حرفيا ألاف من ترددات الراديو التكتيكية تستخدمها الوحدات التي تقاتل في الميدان في سوريا في الاتصالات الروتينية العادية، وهي تحتاج إلي عدد ضخم من الفنيين في فك الشفرات التابعين لوكالة الأمن القومي لتنصت عليها وستكون الاستفادة منها صفر " . لكن " الدردشات " تخزن بشكل روتيني في الكمبيوترات. وبمجرد أن علمت وكالة الأمن القومي بحجم الإحداث التي وقعت في 21 أغسطس بذلت جهودا مكثفة بحثا عن أي روابط لها علاقة بالهجوم، وفتشت في الأرشيف الكامل للاتصالات المخزنة. يتم اختيار كلمة افتتاحية أو كلمتين ثم يستخدم مرشح للعثور علي المحادثات المطلوبة. وقال المسئول السابق الكبير : " ما حدث هنا هو أن أفراد من المخابرات التابعين لوكالة الأمن القومي بدءوا بحدث - وهو استخدام غاز السارين - وبحثوا عن دردشات قد يكون لها علاقة بتلك الحادثة . ولم يؤدي هذا إلي تقييم يحظي بثقة عالية، إلا إذا بدأت بثقة عالية بالقول أن بشار الأسد هو من أصدر الأوامر، فبدأوا في البحث عن أي شيء يؤيد هذا المعتقد " .  وكانت عملية التلاعب شبيهة بالعملية التي استخدمت لتبرير الحرب علي العراق .

واحتاج البيت الأبيض تسعة أيام ليجمع حججه ضد الحكومة السورية. وفي 30 أغسطس استضاف البيت الأبيض مجموعة منتقاة من الصحفيين في واشنطون ( ولم توجه الدعوة لصحفي ناقد واحد علي الأقل، وهو جوناثان لانداي، المراسل الصحفي لصحيفة مكالاتشي المتخصص في شئون الأمن القومي ) وسلموهم وثيقة حملت اسما أختير بعناية وهو " تقييم الحكومة " وليس تقييما قامت به أجهزة المخابرات. وضمت الوثيقة ما هو بالأساس رأي سياسي لدعم حجة الإدارة الأمريكية ضد حكومة الأسد. ومع ذلك كانت الوثيقة محددة أكثر مما كان عليه أوباما لاحقا في خطابه الذي ألقاه في 10 سبتمبر. ونصت الوثيقة أن المخابرات الأمريكية كانت علي علم أن سوريا بدأت في " تجهيز الذخيرة الكيماوية " قبل ثلاثة أيام من الهجوم. وفي خطاب عنيف ألقاه لاحقا في نفس اليوم وفر لنا جون كيري المزيد من التفاصيل. لقد قال أن " الأفراد المسئولين عن الأسلحة الكيماوية في سوريا كانوا موجودين علي الأرض، في المنطقة، يقومون بالتجهيزات في 18 أغسطس " . وقال : " نحن نعلم ان عناصر من النظام السوري قيل لها أن تتجهز للهجوم بأن ترتدي أقنعة الغاز وأن تأخذ احتياطاتها المرتبطة بالأسلحة الكيماوية " . تقييم الحكومة وتصريحات كيري جعلت الأمر يبدو وكأن الإدارة الأمريكية كانت تتعقب هجوم غاز السارين عند وقوعها.  وكانت هذه الرواية للأحداث، وهي رواية غير حقيقية وان كانت محل خلاف، هي الرواية التي تنشر في الصحف علي نطاق واسع .

وجاء أحد ردود الأفعال غير المتوقعة في شكل شكاوي من قيادة الجيش السوري الحر وآخرين بشأن عدم وجود إنذار. وقالت رزان زيتونة، وهي من أعضاء المعارضة كانت تعيش في احدي المدن التي تعرضت لهجوم غاز السارين، لصحيفة الفورين بوليسي : " إنه لأمر لا يصدق ألا يفعلوا شيئا لإنذار الناس أو محاولة منع النظام من ارتكاب تلك الجريمة " . وكانت صحيفة الميل أكثر جرأة حيث كتبت : " تقرير للاستخبارات يقول أن مسئولين أمريكيين كانوا علي علم بهجوم غاز الأعصاب قبل ثلاثة أيام من مقتل 1400 شخص من هذا الهجوم - وبينهم أكثر من 400 طفل " . ( اختلفت أرقام القتلى المنسوبين للهجوم بشكل واسع، وتراوح عددهم من 1429 كما زعمت إدارة اوباما في البداية إلي عدد أقل بكثير. ونشرت منظمة حقوق إنسان سورية أن عدد القتلى بلغ 502 وذكرت منظمة أطباء بلا حدود أن العدد هو 355، وحصر تقرير فرنسي 281 من الضحايا المعروفين. ونشرت صحيفة الوول ستريت جورنال فيما بعد العدد الإجمالي الدقيق الصاعق الذي حصرته الولايات المتحدة والذي لم يكن مبنيا علي العد الفعلي للجثث بل مبنيا علي استقراء محللي السي اي ايه الذين فحصوا أكثر من مئة مقطع فيديو علي اليوتيوب من الغوطة الشرقية داخل نظام كمبيوتر وبحثوا عن صور القتلى. وبمعني أخر، لم يكن أكثر من تخمين )

  وبعد خمسة أيام رد المتحدث الرسمي لمدير مكتب المخابرات القومية علي الشكاوي. وذكر بيان نشرته وكالة الاسوشيتد برس أن المعلومات الاستخباراتية وراء مزاعم الإدارة الأمريكية المبكرة لم تكن معروفة في وقت الهجوم بل استخلصتها فيما بعد. " علينا أن نكون واضحين. الولايات المتحدة لم تكن تراقب بشكل مباشر عندما وقع هذا الهجوم . تمكن جهاز المخابرات من جمع وتحليل المعلومات بعد الحادثة وقرر أن عناصر من نظام الأسد اتخذت إجراءات للاستعداد قبل استخدام الأسلحة الكيماوية. " . ولكن بعد أن نشرت كتيبة الصحافة الأمريكية القصة لم يلقي التراجع عن تلك القصة إلا اهتماما ضئيلا. ففي 31 أغسطس نشرت الواشنطون بوست علي صفحتها الأولي، معتمدة علي تقرير الحكومة، أن المخابرات الأمريكية تمكنت من تسجيل " كل خطوة " لهجوم الجيش السوري في حينها، " من الاستعدادات المكثفة لإطلاق الصواريخ إلي تقييمات ما بعد العملية علي يد المسئولين السوريين " . ولم تنشر التصحيح الذي نشرته وكالة الاسوشيتد برس واحتفظ البيت الأبيض بالسيطرة علي رواية الأحداث.

لذا فعندما قال اوباما في 10 سبتمبر أن إدارته كانت تعلم أن أفراد مسئولين عن الأسلحة الكيماوية تابعين للأسد كانوا يجهزون مقدما للهجوم، لم يكن يبني تصريحاته علي معلومات استخباراتية تم رصدها أثناء حدوثها بل بناء علي اتصالات تم تحليلها بعد مرور أيام علي 21 أغسطس . وأوضح مسئول المخابرات السابق أن البحث عن المحادثات المطلوبة تعود إلي التدريب الذي تم اكتشافه في شهر ديسمبر السابق والذي، كما قال أوباما لاحقا للناس، حشد فيه الجيش السوري الأفراد المسئولين عن الأسلحة الكيماوية ووزع علي قواته أقنعة الغاز. ولم يكن تقييم الحكومة الذي قدمه البيت الأبيض ولا خطاب اوباما توصيفا لأحداث محددة سبقت هجوم 21 أغسطس، بل مجرد رواية لتسلسل يتبعه الجيش السوري عند وقوع أي هجوم كيماوي. وقال المسئول السابق : " لقد جمعوا قصة قديمة وهناك الكثير من القطع والأجزاء المختلفة. النموذج الذي استخدموه هو نموذج يعود إلي شهر ديسمبر " . وهناك احتمال بالطبع ان اوباما لم يكن يعلم أن هذه الرواية تم الحصول عليها من تحليل لبروتوكولات الجيش السوري عند إجراء هجوم بالغاز، وليس من أدلة مباشرة. وفي كلتا الحالتين يكون قد توصل الي حكم متعجل.

وحذت الصحافة حذو الإدارة الأمريكية. كان تقرير الأمم المتحدة الذي أكد استخدام غاز السارين حريصا علي ذكر أن الإذن بدخول المحققين لمواقع الهجوم، الذين جاءوا بعد خمسة أيام من الهجوم بالغاز، كانت تتحكم فيه قوات الثوار. وجاء في التقرير التحذير التالي : " أما بالنسبة للمواقع الأخري فإن هذه المواقع كان يتردد عليها أفراد آخرين قبل وصول البعثة ... وأثناء الفترة التي قضيناها في تلك المواقع كان يصل أفراد يحملون ذخيرة مشبوهة مما يشير الي أن هذا الدليل المحتمل قد تم نقله وربما تم التلاعب به." .  ومع ذلك استغلت صحيفة نيويورك تايمز التقرير، كما فعل المسئولين الأمريكيين والبريطانيين، وزعمت أنه يقدم أدلة دامغة تؤكد مزاعم الإدارة الأمريكية. وضم مرفق في التقرير صورا للذخيرة التي تم معالجتها والتي تم إعادة إنتاجها من مقاطع فيديو علي موقع اليوتيوب، وضمت تلك الصور صورة لصاروخ " يطابق بشكل واضح " تفاصيل صاروخ مدفعي عيار 330 مم . وكتبت النيويورك تايمز أن وجود الصواريخ يثبت أن الحكومة السورية هي المسئولة عن الهجوم " لأن الأسلحة المعنية لم توثق في السابق ولم يرد من قبل أنها في حوزة الثوار " .    

راجع تيودور بوستول، الأستاذ الجامعي المتخصص في التكنولوجيا والأمن القومي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، صور الأمم المتحدة مع مجموعة من زملائه وتوصل الي أن الصاروخ من العيار الكبير كان صاروخا مرتجلا والاحتمال الأكبر أنه قد صنع محليا. وقال لي أنه " شيء تستطيع أن تصنعه في ورشة قدراتها متواضعة " . وأضاف أن الصاروخ الموجود في الصورة لا يطابق مواصفات صاروخ مماثل ولا حتي أصغر صاروخ من تلك  الصواريخ المعروف أنها موجودة في المستودعات السورية . ومرة أخري حللت النيويورك تايمز، معتمدة علي بيانات تقرير الأمم المتحدة، مسار طيران صاروخين مستنفرين كان يعتقد أنهما كانا يحملان  غاز السارين، وتوصلت الي أن زاوية الهبوط " كانت تشير بشكل مباشر " الي أنهما أطلقا من قاعدة عسكرية للجيش السوري من علي بعد أكثر من تسعة كيلو متر من منطقة الهبوط . وقال بوستول، الذي خدم كمستشار علمي لرئيس العمليات البحرية في وزارة الدفاع، أن مزاعم التايمز وصحف أخري " لم تكن مبنية علي ملاحظات فعلية " . وتوصل إلي أن مسار الطيران بشكل خاص كان، كما ذكر في أحد رسائله البريدية، " غباء مطلق " لأن الدراسة المتأنية بينت أن مدي الصواريخ المرتجلة " من المستبعد " أن يصل إلي أكثر من 2 كيلو متر . ونشر بوستول وزميل له يدعي ريتشارد لويد تحليلا بعد أسبوعين من 21 أغسطس وقيموا فيه بشكل صحيح أن الصواريخ المعنية كانت تحمل حمولة من السارين أكبر مما كان يقدر في السابق.  وكتبت التايمز تقريرا مطولا عن هذا التحليل ووصفت بوستول ولويد بأنهما " من رواد خبراء الأسلحة " . وأرسل الاثنان الدراسة التي أجرياها عن مسارات رحلة الصواريخ ومداها، والتي تتناقض مع تقرير التايمز السابق، إلي الصحيفة في الأسبوع الماضي بالبريد الالكتروني. ولم تنشر عنها حتى الآن

واقترن تحريف البيت الأبيض لما كان يعلمه عن الهجوم باستعداده لتجاهل المعلومات الاستخباراتية التي كانت ستضعف روايته. هذه المعلومات تخص جبهة النصرة، وهي جماعة إسلامية تابعة للثوار وتصنفها الولايات المتحدة والأمم المتحدة منظمة إرهابية. ومعروف عن جبهة النصرة أنها نفذت العشرات من العمليات الانتحارية ضد المسيحيين وضد مسلمين آخرين من غير الطائفة السنية واعتدت علي حلفائها الشكليين في الحرب الأهلية، الجيش السوري الحر. وهدفها المعلن هو إسقاط نظام الأسد وإقامة الشريعة. ( في 25 سبتمبر انضمت النصرة لعدد من الجماعات الاسلامية التابعين للثورة وتبرؤوا من الجيش السوري الحر وفصيل آخر يسمي الائتلاف الوطني السوري )      

ويرجع تركيز الاهتمام الأمريكي علي جبهة النصرة وغاز السارين الي عدد من الهجمات بالأسلحة الكيماوية ارتكبت علي نطاق ضيق في شهر مارس وأبريل. ففي تلك الفترة أصرت الحكومة والثوار معا علي تحميل المسئولية للطرف الآخر . وتوصلت الأمم المتحدة في نهاية المطاف إلي أن أربع هجمات بالكيماوي تم تنفيذها، لكنها لم تحمل أي طرف المسئولية. وفي أواخر شهر أبريل قال مسئول من البيت الأبيض للصحافة أن أجهزة المخابرات أجرت تقييما " علي درجة متفاوتة من الثقة " وتوصلت الي أن الحكومة السورية كانت هي المسئولة عن الهجمات. وتخطي الأسد " الخط الأحمر " الذي رسمه أوباما. واحتل التقييم الذي أجرته المخابرات العناوين الرئيسية للصحف، لكن بعض التحذيرات المهمة ضاعت في الترجمة. واعترف المسئول المجهول الذي يقدم التقرير الموجز أن تقييم جهاز المخابرات " ليس كافيا لوحده ". وقال : " نريد أن نحقق أولا وقبل كل شئ في ذلك التقييم لنجمع الحقائق حتى نتمكن من وضع مجموعة من المعلومات المؤكدة ذات المصداقية لنتمكن من إطلاع صانعي القرار عليها " . وبمعني آخر، البيت الأبيض لم يكن لديه أدلة مباشرة علي تورط الحكومة أو الجيش السوري، وهي حقيقة لم تكن تذكر في التغطيات الصحفية إلا من حين لأخر. وأثر  كلام اوباما القاسي في المواطنين والكونجرس الذي يعتبر الأسد مجرم بلا رحمة.

وبعد شهرين أعلن بيان أصدره البيت الأبيض عن تغير بشأن اتهام سوريا وقال أن جهاز المخابرات لديه الان " ثقة عالية " أن حكومة الأسد هي المسئولة عن وفاة أكثر من 150 شخص بسبب الهجوم بغاز السارين. وتولد عن هذا البيان المزيد من العناوين الرئيسية في الصحف وقيل للصحافة أن أوباما قد أمر بزيادة المساعدات بالأسلحة الغير فتاكة للمعارضة السورية، ردا علي المعلومات الاستخبارية الجديدة. ومرة أخري صدرت إنذارات مهمة. فقد ضمت المعلومات الاستخبارية تقريرا ذكر أن المسئولين السوريين خططوا ونفذوا الهجوم. ولم يقدم التقرير أي تفاصيل ولم يحدد هوية من قدموا التقارير. وذكر بيان البيت الأبيض أن التحليل المعملي أكد استخدام غاز السارين، وأكد أيضا أن النتائج الايجابية لغاز الأعصاب " لا تذكر لنا كيف وأين تعرض هؤلاء الأفراد له ولا من قام بنشره " . وأضاف تصريح البيت الأبيض : " ليس لدينا تقارير يقينية موثوقة تشير الي أن المعارضة السورية حصلت علي أو استخدمت الأسلحة الكيماوية " . وهذا البيان كان يتناقض في حينها مع الأدلة التي كانت تنهال علي وكالات المخابرات الأمريكية.

وقال لي مستشار المخابرات الكبير أنه في أواخر شهر مايو أطلعت السي اي ايه إدارة الرئيس أوباما علي جبهة النصرة وتصنيعها لغاز السارين، وأرسلت تقارير تحذيرية أن جماعة أصولية سنية نشطة في العراق، وهي جماعة تنظيم القاعدة في العراق، أصبح لديها هي أيضا دراية بتصنيع غاز السارين. وفي تلك الفترة كانت جبهة النصرة تعمل في مناطق قريبة من دمشق، ومن ضمنها الغوطة الشرقية. وقد تناولت وثيقة إستخبارية صدرت في منتصف الصيف بشكل مكثف زياد طارق أحمد، خبير الأسلحة الكيماوية سابقا في الجيش العراقي، والذي قيل أنه انتقل إلي سوريا ويعمل في الغوطة الشرقية. وقال لي المستشار أنهم عرفوا طارق " كشخص تابع لتنظيم لقاعدة لديه سجل في صنع غاز الخردل في العراق وهو شخص متورط في صناعة واستخدام غاز السارين " . وهو يعد هدفا معروفا لدي الجيش الأمريكي.

وفي 20 يونيو وصلت برقية شديدة السرية مكونة من أربع صفحات تلخص ما عرف عن جبهة النصرة من قدرات خاصة بغاز الأعصاب إلي ديفيد شيد، نائب مدير وكالة مخابرات الدفاع. وقال المستشار : " ما أبلغ به شيد كان مكثفا وشاملا . لم تكن مجرد " نحن نعتقد " " . وقال لي أن البرقية لم تقدم تقييما بشأن ما إذا كان الثوار أو الجيش السوري هو من بادر بالهجمات التي شنت في شهر مارس وأبريل، إلا أنها أكدت التقارير السابقة التي ذكرت أن جبهة النصرة لديها القدرة علي الحصول علي غاز السارين. وتم اكتشاف عينة من غاز السارين الذي استخدم - بمساعدة عميل إسرائيلي - ولكن، حسب ما ذكر المستشار، لم تظهر تقارير عن العينة في المراسلات بالبرقيات.

وعدا عن هذه التقييمات، طالب رئيس هيئة الأركان بإجراء تحليل شامل لكل المصادر للتهديد المحتمل، بعد أن اعتقد أن القوات الأمريكية قد يصدر لها الأوامر بدخول سوريا لمصادرة الأسلحة الكيماوية في مخازن الأسلحة التابعة للحكومة. وشرح لي مسئول المخابرات السابق قائلا : " أمر العمليات يقدم الأساس الذي يبني عليه تنفيذ المهمة العسكرية، في حالة تم إصداره. ويضم هذا احتمال الحاجة إلي إرسال الجنود الأمريكيين إلي موقع الأسلحة الكيماوية في سوريا لحمايتها من استيلاء الثوار عليها. فإذا تمكن الثوار الجهاديين من السيطرة علي الموقع، كان الافتراض هو أن الأسد لن يقاتلنا لأننا نمنع الثوار من الحصول علي الكيماوي. وتحتوي كل أوامر العمليات علي مكون من مكونات التهديد الاستخباراتي. لدينا محللين تقنيين من وكالة المخابرات المركزية ووكالة استخبارات الدفاع وأفراد متخصصين في الأسلحة وأفراد متخصصين في المؤشرات والتحذيرات يعملون علي هذه المشكلة.... وتوصلوا إلي أن قوات الثوار كانت قادرة علي الهجوم علي قوة أمريكية بغاز السارين لأنهم كانوا قادرين علي إنتاج الغاز الفتاك. واعتمد هذا التحليل علي إشارات ومعلومات استخباراتية بشرية، وكذلك علي النوايا المعلنة والقدرات التقنية للثوار " .

وهناك أدلة تشير إلي أن بعض أعضاء هيئة الأركان المشتركة كانوا منزعجين في الصيف من احتمال القيام بغزو بري لسوريا ومنزعجين كذلك من رغبة أوباما المعلنة بإعطاء فصائل الثوار دعم بالأسلحة غير الفتاكة.  وفي شهر يوليو قدم الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان، تقييما قاتما، حيث قال للجنة الخدمات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ في شهادة علي الملأ أن " ألافا من قوات العمليات الخاصة وغيرها من القوات البرية " ستكون هناك حاجة إليها لمصادرة ترسانة الأسلحة الكيماوية المبعثرة في كل سوريا، بالإضافة لمئات الطائرات والسفن والغواصات والأسلحة الأخرى. وبلغت تقديرات البنتاغون لعدد القوات سبعون ألفا، لأن القوات الأمريكية ستضطر إلي حراسة أسطول الصواريخ السوري. فالوصول إلي أحجام كبيرة من الكيماويات التي تصنع غاز السارين دون وسيلة لتسليمها لن يكون ذا قيمة كبير بالنسبة لأي قوة من قوات الثوار. وفي خطاب أرسله ديمبسي الي عضو مجلس الشيوخ السيناتور كارل ليفين حذر فيه من أن اتخاذ قرار بالاستيلاء علي ترسانة الأسلحة السورية قد يكون له عواقب غير مقصودة، حيث قال : " لقد تعلمنا من العشر سنوات الماضية أنه ببساطة لا يكفي تغيير ميزان القوة العسكرية دون الأخذ في الاعتبار ما يلزم لبقاء الدولة وقيامها بوظائفها .... ولو انهارت مؤسسات الدولة في غياب معارضة قابلة للحياة قد نمكن دون قصد المتطرفين أو نطلق العنان لنفس الأسلحة الكيماوية التي تسعي للسيطرة عليها " .

امتنعت السي اي ايه عن التعليق علي هذا المقال، وقال المتحدثين باسم وكالة مخابرات الدفاع ومكتب مدير المخابرات الوطنية أنهم لا علم لهم بتقرير شيد، وعندما قدمنا لهم علامات محددة خاصة بالبرقية قالوا أنهم لم يتمكنوا من العثور عليها. وقال شون تيرنر، رئيس الشئون العامة لمكتب مدير المخابرات الوطنية، أن لا يوجد وكالة مخابرات، ومن ضمنها وكالة مخابرات الدفاع، " وضعت تقييما أن جبهة النصرة نجحت في تطوير قدرات علي تصنيع غاز السارين " .

لم يكن مسئولي الشئون العامة في الإدارة الأمريكية يشعرون بالقلق بشأن القدرات العسكرية لجبهة النصرة كما كان يشعر شيد في تصريحاته العامة. ففي أواخر شهر يوليو قدم رواية مزعجة عن قوة جبهة النصرة وذلك في منتدى أسبين الأمني السنوي في كولورادو. وقال شيد وفقا لتسجيل لكلمته التي ألقاها في المنتدى : " قمت بعد ما لا يقل عن 1200 جماعة مختلفة في المعارضة. وجبهة النصرة داخل المعارضة هي الأكثر تأثيرا وتكتسب قوة " . وقال أن هذا " يسبب لنا قلقا شديدا. وينتابني قلق شديد أنها لو تركت دون ضبط فإن أكبر العناصر المتشددة" - ويقصد تنظيم القاعدة في العراق - " سيستولون علي الحكم " . وواصل قائلا أن الحرب الأهلية " لن تزيد إلا سوءا مع الوقت ... وستحدث أعمال عنف لا يصدقها عقل" . لم يتطرق شيد إلي الأسلحة الكيماوية في كلمته، لكنه لم يكن ليسمح له بذلك. فالتقارير إلي استلمها مكتبه كانت سرية للغاية.

وذكرت مجموعة من الرسائل السرية التي جاءت من سوريا خلال فصل الصيف أن أعضاء الجيش الحر يشتكون لأفراد المخابرات الأمريكية بشأن الهجمات المتكررة التي تتعرض لها قواتهم من جبهة النصرة ومقاتلي تنظيم القاعدة. وقال مستشار المخابرات الكبير الذي قرأ تلك الرسائل أن هذه التقارير قدمت أدلة علي أن الجيش السوري الحر " ينتابهم شعور بالقلق من هؤلاء المهاوييس أكثر من شعورهم بالقلق من الأسد" . ويتكون الجيش السوري الحر بدرجة كبيرة من المنشقين عن الجيش السوري. وسعت إدارة اوباما، التي التزمت بإنهاء نظام الأسد وواصلت دعمها للثوار، في تصريحاتها العلنية منذ الهجوم إلي التقليل من شأن نفوذ الفصائل السلفية والوهابية. وفي أوائل شهر سبتمبر صدم جون كيري جلسة لمجلس الشيوخ بزعمه المفاجئ أن جبهة النصرة وجماعات إسلامية أخري يشكلون أقلية في المعارضة السورية . وتراجع عن هذا الزعم في وقت لاحق.

وتجاهلت الإدارة الأمريكية في مؤتمراتها الصحفية التي عقدتها بعد 21 أغسطس المعلومات الاستخباراتية المتاحة لديها عن احتمالية امتلاك جبهة النصرة لغاز السارين وواصلت الزعم بأن حكومة الأسد هي الوحيدة التي تمتلك الأسلحة الكيماوية. كانت هذه هي الرسالة التي تم تناقلها في عدة بيانات سرية مختلفة والتي استلمها أعضاء في الكونجرس بعد أيام من الهجوم، عندما كان اوباما يسعي إلي الحصول علي تأييد لهجومه الصاروخي الذي خطط له ضد المنشئات العسكرية السورية. وقال لي أحد المشرعين الذي لديه خبرة لأكثر من عشرين سنة في الشئون العسكرية أنه عاد لتوه من احدي تلك المؤتمرات مقتنعا أن " حكومة الأسد هي الوحيدة التي تملك غاز السارين وأن الثوار لا يملكونه " . وبالمثل، قالت سامنزا باور، سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، عقب صدور تقرير الأمم المتحدة في 16 سبتمبر الذي أكد استخدام غاز السارين في 21 أغسطس، في مؤتمر صحفي : " من المهم جدا ذكر أن نظام الأسد هو وحده من يمتلك السارين وليس لدينا أدلة تشير إلي امتلاك المعارضة للسارين " .

ولا نعلم ما إذا كانت التقارير شديدة السرية عن جبهة النصرة كانت متاحة لمكتب باور أم لا، لكن تصريحها كان انعكاسا لموقف ساد الإدارة الأمريكية كلها . وقال لي المسئول الكبير السابق في المخابرات : " كان الإفتراض الفوري أن الأسد هو من فعلها. توصل مدير السي أي ايه الجديد جون برينان إلي هذا الاستنتاج ... وقاد سيارته إلي البيت الأبيض وقال " انظروا إلي ما حصلت عليه "  . الأمر كله كان مجرد كلام شفهي. هم مجرد لوحوا بالقميص الملطخ بالدماء. كان هناك الكثير من الضغوط السياسية لإحضار أوباما إلي الطاولة لمساعدة الثوار، وكانت هناك أمنيات بأن يجبر هذا ( ربط الأسد بهجوم غاز السارين ) أوباما علي تقديم يد المساعدة. " وكانت هذه هي برقية زمرمان الخاصة بالثورة السورية وبإمكان اوباما الآن أن يقوم برد فعل " . وهي أمنية جناح سامنزا باور في الإدارة الأمريكية. ولسوء الحظ كان هناك أعضاء من هيئة الأركان ممن تم إبلاغهم انه سيقوم بهجوم لم يكونوا مطمئنين إلي أن هذا عمل جيد "    

ولم يحظي الهجوم الصاروخي المقترح علي سوريا بتأييد شعبي وتوجه اوباما بسرعة إلي الأمم المتحدة والاقتراح الروسي بنزع ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية. وتم التخلي تماما عن أي احتمال بالقيام بعمل عسكري في 26 سبتمبر عندما انضمت الادارة إلي روسيا في الموافقة علي مشروع قرار للأمم المتحدة يدعو حكومة الأسد إلي التخلي عن ترسانة الأسلحة الكيماوية. وأدي تراجع اوباما إلي شعور الكثير من الضباط الكبار بالارتياح . ( وقال لي مستشار رفيع المستوي في العمليات الخاصة أن الهجوم الصاروخي الأمريكي سيئ الإعداد علي المطارات العسكرية السورية ومواقع صواريخها، كما تصوره البيت الأبيض في البداية، كان سيكون " أشبه بتوفير الغطاء الجوي لدعم جبهة النصرة " )

ويثير تحريف الإدارة الأمريكية للحقائق الخاصة بهجوم غاز السارين سؤالا لا غني عنه : هل حصلنا علي القصة الكاملة لرغبة اوباما التراجع عن تهديد " الخط الأحمر " وقصف سوريا ؟ لقد ادعي أن لديه أدلة دامغة وفجأة وافق علي تحويل القضية إلي مجلس الشيوخ وبعدها وافق علي عرض الأسد بالتخلص من الأسلحة الكيماوية. ويبدو أنه ربما ووجه في مرحلة ما بمعلومات متناقضة : أدلة كافية لإقناعه بإلغاء خطة الهجوم وتحمل النقد الذي سيوجه له بالطبع من الجمهوريين.  

تناول قرار الأمم المتحدة الذي تبناه مجلس الأمن في 27 سبتمبر بشكل غير مباشر فكرة أن قوات الثوار مثل جبهة النصرة ستكون ملزمة بنزع أسلحتها حيث جاء في القرار : " لا يجوز لأي طرف في سوريا استخدام أو تطوير أو إنتاج أو الحصول علي أو تخزين أو نقل الأسلحة الكيماوية " . وطالب القرار أيضا بإبلاغ مجلس الأمن فورا في حالة حصول " أطراف غير تابعة للدولة " علي الأسلحة الكيماوية. لم تذكر أي جماعة بالاسم. وفي الوقت الذي يواصل النظام السوري التخلص من ترسانة أسلحته الكيماوية، المفارقة هي أنه بعد تدمير مستودعات الأسلحة الكيماوية الخاصة بالأسد قد تصبح جبهة النصرة وحلفائها الإسلاميين هم الوحيدين الذين يمتلكون المكونات التي يصنع منها السارين، وهو سلاح استراتيجي سيكون مختلفا عن أي سلاح آخر في منطقة الحرب . وربما يكون هناك حاجة للمزيد من التفاوض .

بقلم سيمور هيرش

https://www.lrb.co.uk/v35/n24/seymour-m-hersh/whose-sarin