السبت، 26 ديسمبر 2015

زهران علوش : فكره ومعتقداته



زهران علوش
زهران `علوش: فكره ومعتقداته
بقلم جوشوا لانديس
15 ديسمبر 2013

 زهران علوش هو القائد العسكري للجبهة الإسلامية التي تأسست حديثا وهي ميليشيا كبيرة ورد أنها تمثل 45،000 مقاتل. على هذا النحو، قد يتضح أنه الرجل الأقوي في سوريا التي يسيطر عليها الثوار.

يقول حسن حسن في مقاله المعنون "لماذا يعتبر تشكيل الجبهة الإسلامية السورية خبرا سيئا للجماعات المتطرفة"، أن الخطاب الجهادي والاسلامي المتطرف للجبهة يمكن اعتباره حيلة للتموضع، إلا أن الجماعة الجديدة تعتبر خبرا سيئا لجماعات تنظيم القاعدة في سوريا لأنها ستتصدي للانزلاق نحو التطرف في سوريا وستكون قادرة على مواجهة المليشيات المنضمة اليها.

ومن السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت الجبهة الإسلامية ستتغلب علي جماعات تنظيم القاعدة الهائلة في سوريا. فرغم التوترات المتكررة، عملت الجماعات الرئيسية التي تشكل  الجبهة الإسلامية يدا بيد مع قوات مرتبطة بتنظيم القاعدة، وخاصة جبهة النصرة، على معظم جبهات القتال والهجمات الأخيرة ضد النظام.
ويوفر خطاب زهران علوش والدعاية بمقاطع الفيديو الكثير من المعلومات عن أراؤه  وموقفه تجاه الأقليات الدينية في سوريا ورؤيته لمستقبل سوريا. الفروقات بين ايديولوجيته وأيدولوجية جماعات تنظيم القاعدة ليست فروقات عميقة. بل هي بالأحري فروقات بين ألوان الرمادي.
ولعل أهم الفيديوهات التي أصدرها علوش هو هذا الفيديو الذي حمل العنوان التالي:
"كلمة الشيخ المجاهد زهران علوش للامة وتحدية للرافضة "

موت زهران علوش

ذكرت مصادر تابعة للثوار أن صاروخا أصاب تجمع لقادة جيش الإسلام في منطقة الغوطة الشرقية اليوم، مما أسفر عن مقتل عدد منهم، بينهم محمد زهران علوش. وقالت بعض التقارير أيضا أن إحدي فصائل الثوار المتحالفة مع جيش الاسلام، فيلق  الرحمن، تم القضاء علي الكثير من قيادتها، وأن الضربة نفذتها روسيا. (الحكومة السورية تزعم أن قواتها الجوية كانت وراء الهجوم.)

وهذا الخبر خطير ومن المحتمل أن يغير ميزان القوى في الغوطة،  منطقة الضواحي والبلدات الزراعية التي تحيط بالعاصمة السورية. ويمكن أن يؤثر أيضا على عملية السلام السورية التي من المقرر أن تبدأ في يناير.

بادئ ذي بدء، هل هذا الخبر صحيح؟

 يبدوا كذلك. فوسائل الاعلام الموالية للمعارضة تعج بقصص عن موت زهران علوش ولا يوجد أي علامات تدل على وجوده علي قيد الحياة ولا يوجد  نفي  ولا أي تصريحات من رفاقه. وقد نشر كبار قادة الثوار وحلفاء زهران علوش وجيش الإسلام، ومنهم  قادة  الفصائل الرئيسية مثل جيش المجاهدين وأحرار الشام، نعيهم الشخصي على وسائل التواصل الاجتماعي. ولا تزال القنوات الإعلامية الخاصة بجيش الإسلام  تنشر تقارير عن العمليات العسكرية، لكنهم لم ينشروا حتى الآن أي شيء عن الهجوم المزعوم. وقد يعني التزام العديد من الشخصيات البارزة في جيش الإسلام  الصمت اليوم  أن بعض منهم  قد قتلوا أو جرحوا في الهجوم.

قبل حوالي نصف ساعة، أي الساعة  21.40 بتوقيت سوريا، ذكرت وكالة صدى التوحيد الاخبارية الموالية لجيش الاسلام على الانترنت على تويتر أن زهران علوش قد مات وخلفه الشيخ أبو همام بويضاني. وبعبارة أخرى، يبدو أن زهران علوش قد مات .

من هو زهران علوش؟

محمد زهران علوش (1971-2015)، المعروف أيضا باسم أبو عبد الله، هو ناشط سلفي من مدينة دوما الواقعة شرق دمشق في منطقة الغوطة. والده عبد الله علوش شيخ سلفي مقيم في المملكة العربية السعودية.

اعتقل علوش عدة مرات قبل الانتفاضة لنشاطه الديني والسياسي، وأرسل إلى "جناح الاسلاميين" في سجن صيدنايا بشمال دمشق. هناك شكل اتصالات وثيقة مع العديد من الإسلاميين السوريين الآخرين، منهم أشخاص يديرون الآن فصائل ثورية كبيرة مثل أحرار الشام. وأطلق سراحه من السجن في يونيو 2011، وسرعان ما انضم الي الانتفاضة المسلحة، وفي نهاية المطاف ظهر باعتباره الرجل القوي في منطقته الأم في الغوطة الشرقية، وكواحد من أقوي قادة الثوار في كل من سورية.

وكان أيضا أكثرهم إثارة للجدل. تأثر أنصاره بشخصيته القوية وشجاعته الشخصية، باعتباره القائد الذي يعيش مع رجاله في منطقة الحرب وزيارته لخطوط الجبهة. يعجبهم موهبته في التنظيم والسياسة ونسبوا له الفضلفي حالة شبه الاستقرار التي سادت داخل الغوطة الشرقية المحاصرة - وهي منطقة في الضواحي تتعرض للقصف والتجويع وأشبه بقدر كبير بنسخة عملاقة من قطاع غزة في فلسطين. وكانت الغوطة تتعرض لضغوط مستمر منذ بدأت الضواحي السنية المهمشة في دمشق، حيث زادت الكراهية لبشار الأسد وحكومته، في طرد أجهزة الشرطة والأمن في عام 2011 وعام 2012. ومنذ ذلك الحين والمنطقة تحت الحصار وتدير أعمالها كعالم مستقل بذاته. ولم يكن الاحتفاظ بالجبهة في دمشق حيث يركز الأسد الكثير من جيشه بالأمر الهين، ويرجع الفضل في ذلك الي رجال علوش. ولم تكن عملية التنسيق بين الثوار هناك والحد من الاقتتال الداخلي بالإنجاز القليل، وخاصة بالنظر إلى الفوضى الشاملة التي سادت في مناطق أخرى من سوريا حيث كانت الظروف أفضل بكثير. بالنسبة لكثير من أنصار المعارضة، كان الدفاع عن الغوطة الشرقية واستقرارها رغم الحرب المستمرة والقصف المدفعي، بما في ذلك استخدام غاز الأعصاب، كان كافيا لجعل زهران علوش بطلا من أبطال الثورة السورية.
                                        زهران علوش يشهد عرضا عسكريل لجيش الاسلام من علي منصة في الغوطة الشرقية في فيديو بثته الجماعة   



                                                 شعار جيش الاسلام



لكن الأساليب التي استخدمها علوش لتحقيق الاستقرار في الغوطة الشرقية لم تكن بالاساليب الجميلة. وقد وجهت اليه اتهامات بحشو الإدارة المحلية بالأصدقاء وأفراد عائلته ليطمئن أن لا أحد يمكنه أن يهدد قبضته على السلطة واحتكار الوصول إلى العالم الخارجي من خلال نظام الأنفاق وبيع المساعدات والمواد الغذائية بأسعار مبالغ فيها و قمع المعارضة بوسائل وحشية، منها التعذيب واغتيال. وكان بالنسبة لخصومه ليس بطلا بل انتهازي متعطش للسلطة أو الأسوأ من ذلك: أحد أمراء الحرب ودكتاتور عازم على الاستيلاء على القصر الرئاسي لنفسه. والبعض حتى شبه أساليبه في الحكم بأساليب بشار الأسد.

ومن جوانب عدم تسامحه مع المعارضة مطاردته الشرسة لمؤيدي الدولة الإسلامية المتطرفة. وقد كان يتسامح معهم بحذر منذ فترة طويلة، بنفس الاسلوب الذي لا يزال جيش الإسلام يتعامل به مع جبهة النصرة رغم التوتر الكامن بين الجماعتين. ولكن عندما بدأت الدولة الإسلامية في عام 2014 جديا في تحدي نظام علوش الذي شيده في الغوطة الشرقية فتح عليهم أبواب الجحيم. قام رجال زهران علوش بطرد الدولة الإسلامية من عدة أحياء في حملة قمع العنيفة جعلت نشطاء حقوق الإنسان السوريين والاسلاميين الاخرين المنافسين لعلوش يشعرون بالخوف. وفي الغالب نجح التطهير ونال الاستحسان الدولي، رغم أنها كانت حربا للسيطرة علي أراضي بقدر ما كانت صراعا عقائديا وصراعا سياسيا.

وتعرض غير المتطرفين أيضا للخطر. فقد اتهمت عائلات أربعة من نشطاء حقوق الإنسان العلمانيين المعروفين في دوما، وهي منطقة خاضعة لنفوذ جيش الإسلام،  زهران علوش بخطفهم في 2013، وذكروا أن رجالا يخضعون لقيادته هددوا الناشطين من قبل. ونفى علوش مسؤوليته عن خطفهم، وإن كان غير مقنع نوعا ما، وبدا في حيرة من الاهتمام الكبير بمصير أربعة أشخاص بينما الناس يقتلون بالالاف في الغوطة كل عام. ولكن هذه القضية جعلته عدوا لدودا للكثير من المعارضة العلمانية التي لها شبكات قوية في الخارج، وجعلت الحكومات الغربية نخجل من التعامل مباشرة مع جماعته حتى في الوقت الذي تسعى فيه الي الاعتدال في سياستها والارتباط بالعملية السياسية التي تدعمها الامم المتحدة .

وبينما كان علوش اسلامي طائفي بلا خجل، بوحي من المؤسسة الوهابية في المملكة العربية السعودية،  كان أيضا براغماتيا بما فيه الكفاية للمناورة ليشق طريقه خلال سياسات الثوار السوريين والتحول في التحالفات . ففي الماضي هدد الطوائف الدينية المسلمة من غير الطائفة السنية، ووصف العلويين والشيعة ب "الوسخ" الذي سيتم تطهيره من سوريا. وأدان الديمقراطية ووأعلن أنه يفضل اقامة دولة دينية إسلامية سنية تطبق الشريعة بالكامل. ولكن في العام الماضي، ربما بضغط من أنصاره الأجانب، بدأ علوش في محاولة تلميع صورته وكسب قبول الغرب. فقد كانت مقابلته الأخيرة مع صحفية سورية مسيحية تعمل في صحيفة امريكية تصدر على الانترنت تسمي ديلي بيست، خير مثال على ذلك. طوي علوش مخالبه وحاول أن يظهر بمظهر الحليف الوسطي والبناء والمسؤول الذي يحارب الإرهاب، ورجل مهذب. كما تعلمون، من النوع الذي تودون رؤيته في حكومة ائتلافية.

ما هو جيش الإسلام؟

عندما أطلق سراح علوش من السجن في صيف 2011  اتصل بأصدقائه وأسرته في دوما لانشاء فصيل ثوري مسلح في دوما، الذي أطلق عليه اسم كتيبة الإسلام . وكبرت الجماعة فيما بعد وأضافت المزيد من الرجال والمزيد من الأسلحة القوية وغيرت اسمها الي اسم لواء الإسلام . وذاع صيتها أو خزيها - وهو ما يتوقف علي تأييدك لأي طرف في الصراع -  في يوليو 2012 عندما أصدرت بيانا أعلنت فيه مسؤوليتها عن قتل العديد من كبار القادة في الجيش وأجهزة المخابرات التابعة للأسد. ولم يتم تفسير هذا الحادث الذي تردد أنه كان تفجير لمكتب الأمن القومي في دمشق بشكل وافي. وبالنسبة لي يبدو من المرجح أن أجهزة مخابرات أجنبية كانت متورطة، وربما سمحوا للواء الإسلام بتبنيها لتعزيز أوراق اعتماد الجماعة. (ولكن هذا مجرد تخمين !)

وأيا كان ما حدث، لواء الإسلام نمي بسرعة ليصبح أحد أكبر الفصائل في الغوطة الشرقية التي حرر نفسه تدريجيا من سيطرة الحكومة. وبعد أن كان في البداية واحد من بين عدة جماعات، بدأ لواء الإسلام يشق طريقه للوصول للقمة، فأبرم صفقات مع فصائل أخرى أو أزاحهم من طريقه، حسبما يتطلب الموقف.ويبدو أن الدعم الخارجي السخي الوارد من المملكة العربية السعودية قد ساهم في صعود لواء الإسلام. ففي سبتمبر 2013 غيرت الجماعة تسمية نفسها الي اسم جيش الإسلام. وواصلت الجماعات المنافسة محاولة تحدي هيمنة علوش المتنامية في قطاع الغوطة الشرقية خلال الأشهر التالية. واضطر معظمهم في نهاية المطاف للتفاوض للحصول على حصة من السلطة في نظام يهيمن عليه علوش بشكل تام.

في أغسطس 2014 كان جيش الإسلام هو رأس الحربة في تشكيل القيادة الموحدة في الغوطة الشرقية، التي شملت أيضا  أجناد الشام والاتحاد الإسلامي وفيلق الرحمن وأحرار الشام  وغيرها من الجماعات. وتم تعيين علوش قائدا لها. ومع ذلك، كان الثوار الاخرين يدافعون عن نفوذهم وليس مجرد أن يكونوا دمية . على سبيل المثال، تحولت السيطرة على نظام المحكمة الشرعية في الغوطة الشرقية في الواقع إلى خالد طفور حليف أجناد الشام، بدلا من سمير كعكة الذي كان يدير الشؤون الدينية في جيش الإسلام. (وحتي وقت كتابة هذا التقرير لا يزال غير مؤكد ما إذا كان كعكة قد نجا من الغارة الجوية اليوم.) واستمر حدوث الصراعات ، حيث تقع خلافات مع أجناد الشام وأحرار الشام من وقت لاخر مع جيش الإسلام، وأحيانا يتبادلات الاتهامات القاسية مع علوش. وظلت بعض الفصائل خارج نطاق التحالف تماما، أبرزهم الجهاديين من جبهة النصرة (تنظيم القاعدة) والدولة الإسلامية.

ووفقا لبعض التقارير، كان قادة فيلق الرحمن أيضا حاضرين في الاجتماع الذي استهدف اليوم وقتلوا في الهجوم، وقالت الصحافة السورية التابعة للدولة  ان قادة أحرار الشام المحليين بين القتلى.



ما سيحدث لتلك الجماعة الآن؟

وفاة زهران علوش لا تعني بالضرورة أن جيش الإسلام سينهار. فسيظهر قائد قوي آخر ، ربما مدعوما من الخارج كدولة مثل المملكة العربية السعودية، أو من ثوار آخرين في المنطقة، حيث يفترض أن جميعهم يحرصون علي الحفاظ على الاستقرار في الغوطة الشرقية في لحظة صعبة.

 بعض فصائل الثوار في سوريا تنهار بسرعة عند فقدان زعيمها أو مؤسسها. وجماعات اخري تتلاشى تدريجيا. على سبيل المثال، لواء التوحيد في حلب ضعف وانقسم بعد وفاة عبد القادر صالح في نوفمبر عام 2013، ثم تحولت الآن إلى فصيل اخر -  لكن الأمر استغرق بعض الوقت. ونجت أحرار الشام بطريقة بعد قتل جميع من قادتها تقريبا في سبتمبر 2014، معتمدة علي مؤسسات قوية والدعم الخارجي.

ولكن في حالة جيش الإسلام، فقد كان جيش الاسلام تقريبا مرادفا لزهران علوش طيلة فترة وجوده، منذ أن كان يعرف باسم كتيبة الإسلام. وكان العديد من القادة والممثلين الكبار في جيش الإسلام أصدقاء مقربين أو أقارب زهران علوش نفسه، مثل محمد علوش، الذي شغل منصب المفاوض الرئيسي للجماعة ورئيس المكتب السياسي. وهو ابن عم قائد جيش الإسلام. فإذا ثبت الآن مقتل زهران علوش ربما مع كبار القادة الآخرين فإن هذه ستعد ضربة قاتلة.

أضف إلى ذلك أن هيمنة جيش الإسلام قد تخلق الكثير من الاستياء بين الفصائل الأخرى على مرور السنين،ويبدو الوضع غير مستقر للغاية. ويبدو من المرجح أن الغوطة الشرقية ستتعرض لتغيير كبير في الأشهر المقبلة.

كيف يؤثر ذلك على عملية السلام السورية؟

انطلقت عملية السلام السورية مؤخرا في فيينا علي يد  المجموعة الدولية لدعم  سوريا ، وهو ائتلاف يضم الولايات المتحدة وروسيا والمملكة العربية السعودية وإيران، وحكومات أخرى. وفي أوائل ديسمبر عقد اجتماع في الرياض لإنشاء هيئة للمعارضة للمشاركة في مفاوضات مع حكومة بشار الأسد. ووفقا للأمم المتحدة التي ستعقد المحادثات، يسعون حاليا لعقد مؤتمر في جنيف في أواخر يناير 2016.
ورغم أن زهران علوش لم يتمكن من الحضور شخصيا، كان جيش الإسلام هو الفصيل الأقوي و الأكثر تشددا  عند التوقيع على بيان محادثات الرياض (بعد تراجع أحرار الشام )، رغم المعارضة الشديدة من الجماعات الجهادية المتحالفة مع تنظيم القاعدة . إذا وجد  جيش الإسلام صعوبة في اعادة ترتيب منزله بعد وفاة زهران علوش، أو دخل في صراعات مع الفصائل التي تسعى لزيادة حصتها في اقتصاد الحرب في الغوطة الشرقية ، أو ضعف، فسيكون لهذا تأثير سلبي على قدرة المعارضة علي إجراء محادثات في جنيف.

ومن ناحية أخرى، عملية السلام بها الكثير من المشاكل الأخرى التي ستجعلها تتعثر -  وسواء انضم اليها جيش الإسلام أم لم ينضم إلا انه سيضيف المزيد الي قائمة  الأسباب الطويلة التي من المرجح أن تدفع المحادثات الي الفشل .

ماذا يحدث في دمشق؟

يوجد الكثير من الأمور تحدث في دمشق. فقبل أقل من أسبوعين قام الجيش العربي السوري وحلفائه الاسلاميين الشيعة بهجوم واستعادوا قاعدة مرج السلطان الجوية الواقعة في الجزء الجنوبي من الغوطة الشرقية مما يهدد تلك المنطقة.

وقبل أخبار الغارة الجوية التي قتل فيها زهران علوش، تم الكشف عن ترتيبات توسطت فيها الامم المتحدة لإخلاء المسلحين من عدة أحياء في جنوب دمشق، ومنها مخيم اليرموك للاجئين. وكانت هذه المناطق تتعرض للتجويع بلا رحمة من قبل الحكومة على مدى السنوات القليلة الماضية وتتعرض للقصف، وتتنازع عليها  الفصائل الفلسطينية والحكومة السورية ومختلف الفصائل الثورية السنية والدولة الاسلامية المتناحرين علي حد سواء . الآن سيتم اصطحاب حوالي 4000 مقاتل سني  إلى معاقلهم في شمال سوريا وستعود الأحياء إلى شكل من أشكال الرقابة الحكومية في إطار ترتيبات وقف إطلاق النار. واذا تم هذا الاتفاق فإن هذا سيمثل تقدما كبيرا لحكومة بشار الأسد.

وفي ظل هذه الظروف ومع تعرض الثوار للتهديد على جبهات متعددة يصبح موت زهران علوش مهما. ولو أدي ذلك الي عدم الاستقرار والصراع الداخلي بين الثوار أو ضعفت القيادة والسيطرة في الغوطة فسنبدأ في رؤية تحولا في ميزان القوى في العاصمة السورية خلال الأشهر المقبلة.

- آرون لوند محرر سوريا في أزمة


http://www.joshualandis.com/blog/death-of-zahran-alloush-by-aron-lund/

الجمعة، 25 ديسمبر 2015

علاقة خاصة: الولايات المتحدة تتحالف مع تنظيم القاعدة، مرة أخرى

 ذات صباح في أوائل عام 1988سمع  إد ماك وليامز المسئول في السلك الدبلوماسي الذي تم تعيينه في السفارة الأميركية في كابول دوي انفجار هائل من مكان ما على الجانب الآخر من المدينة. حدث ذلك بعد أكثر من ثماني سنوات من الغزو الروسي لأفغانستان، وكانت السفارة مقرا صغيرا به عدد قليل من الدبلوماسيين. وكانت مهمة ماك وليامز العضو السابق في الاستخبارات العسكرية أن يغامر بالدخول قدر الإمكان العاصمة التي احتلها السوفيت. وبدأ الآن يري ما حدث.

كان من الواضح أن الانفجار كبير: فرغم وقوع  الانفجار على الجانب الآخر من جبل شير دروزة الذي يقع في وسط كابول، إلا أن ماك وليامز سمعه بوضوح. ووجد الموقع بعد التفاوض مع متاهة من الشوارع الضيقة على الجانب الجنوبي من المدينة. تم تفجير سيارة ملغومة ضخمة بهدف قتل أكبر عدد ممكن من المدنيين في حي مليئ بالأقلية من طائفة  الهزارة التي تتعرض لاضطهاد كبير


 التقط ماك وليامز صورا للدمار ثم توجه عائدا  إلى السفارة، وأرسل تقريرا إلى واشنطن. واستلمت واشنطون التقرير بشكل سيئ للغاية - ليس لأن شخصا ما شن هجوما ارهابيا ضد المدنيين الأفغان، بل لأن ماك وليامزكتب تقريرا عنه . وتبين أن التفجير كان من صنع قلب الدين حكمتيار، قائد المجاهدين الذي حصل علي أموال ودعم من وكالة المخابرات الامريكية أكثر من أي قائد آخر من قادة المجاهدين الأفغان. وكان هذا  الهجوم، وهو بداية هجمات كثيرة، جزءا من مخطط بمباركة من وكالة المخابرات المركزية  "لفرض ضغوط" على الوجود السوفييتي في كابول. وبالتالي كان إبلاغ الجهاز البيروقراطي في واشنطن أن تفجرات حكمتيار التي تم نشرها لقتل المدنيين غير مرحب بها تماما.

وقال لي ماك وليامز مؤخرا "كانت تلك قنابل قلب الدين .وكان من المفترض أن ينسب له الفضل في هذا." وفي نفس الوقت  ذكر لي الدبلوماسي السابق أن وكالة الاستخبارات المركزية ضغطت عليه أن " يكتب تقريرا يقلل فيه من تفاصيل العواقب الإنسانية لتفجيرات السيارات المفخخة."

لقد تتبعت ماك وليامز، المتقاعد حاليا عند الجبال النائية في جنوب نيو مكسيكو، لأن الجماعات الاسلامية المتطرفة التي تعمل حاليا في سوريا والعراق أعادت إلى الأذهان الجماعات الاسلامية المتطرفة الذين دعمناهم ببذخ في أفغانستان خلال الثمانينات. ولم يكن حكمتيار، الذي تم توثيق ولعه برمي المواد الحارقة في وجوه النساء، قد تعلم شيئا من تنظيم القاعدة. وعندما عقد معه فريقا شجاعا من قناة  ايه بي سي نيوز بقيادة زوجتي، ليزلي كوكبرن، مقابلة في عام 1993، كان قد قطع رأس عشرات من الناس في  ذلك اليوم. وقتل فيما بعد مترجمهم.



وفي أعقاب أحداث 11 سبتمبر أصبحت قصة دعم الولايات المتحدة للمتشددين الاسلاميين ضد السوفيات موضوعا حساسا. ويفضل المسؤولين السابقين في وكالة المخابرات المركزية والمخابرات الإشارة الي ان الوكالة كانت ببساطة تلعب أدوار الممول والداعم. وفي روايتهم للأحداث الخاصة بالأعمال القذرة - المتمثلة في الإدارة الفعلية للحملة والتعامل مع جماعات المجاهدين - يرددون أن تلك الأعمال كانت متروكة لجهاز المخابرات الباكستاني. وكان الخطأ في وصول حوالي  70 في المائة على الأقل من إجمالي المساعدات الأمريكية إلى الأصوليين هو خطأ المخابرات الباكستانية، حتى لو كانت وكالة الاستخبارات المركزية تطالب بشكل منتظم بمراجعة الروايات .

لكن المستفيدين لم يرضوا بمجاراة الرواية الرسمية. وعندما وجه فريق ABC نيوز سؤالا لحكمتيار ما إذا كان يتذكر تشارلي ويلسون عضو الكونجرس عن ولاية تكساس الذي خلد في وقت لاحق في الصحافة المطبوعة وعلى الشاشة بإعتباره القديس نصير للمجاهدين، قال حكمتيار باعتزاز انه "كان صديقا جيدا. وكان يدعم جهادنا طوال الوقت. "وعبر آخرون عن نفس النقطة بطرق مختلفة. وتذمر عبد الحق، وهو قائد المجاهدين الذي يمكن وصفه اليوم بأنه من "الثوار المعتدلين"، بصوت عال أثناء وبعد الحرب السوفيتية في أفغانستان من السياسة الأميركية. تأتي المخابرات الامريكية "بحمولة كبيرة من الذخائر والأموال والإمدادات لتعطيها إلى هذه  الجماعات الأصولية. فنقول لهم: ماذا يجري بحق الجحيم؟ أنتم تصنعون وحشا في هذا البلد ". 


ويتمسك معظم قدامى المحاربين الأمريكيين الذين شاركوا في العملية التي تعد الأكبر في تاريخ وكالة المخابرات المركزية بتعويذة أنه كان استعراضا باكستانيا. ولم تصدر زلات لسان لبعض  المسؤولين عن أن دعم اللأصوليين كانت مسألة حسابية تمت بدم بارد إلا من وقت لاخر. أشار روبرت أوكلي الذي لعب دورا رئيسيا في الجهود الأفغانية بصفته سفيرا لباكستان من 1988-1991، في وقت لاحق، "إذا خلطت الإسلام بالسياسة ستحصل علي خليط متفجر أقوي بكثير وقد نجحوا في طرد السوفييت من أفغانستان ".


في الواقع، كانت وكالة الاستخبارات المركزية تدعم الإسلاميين الأفغان قبل غزو  الروس للبلاد في ديسمبر 1979. قال زبيغنيو  بريجنسكي، مستشار الأمن القومي للرئيس جيمي كارتر، متفاخرا في وقت لاحق لصحيفة  لو نوفيل أوبسرفاتور أن الرئيس قد "وقع علي أول أمر بتقديم المساعدات السرية للمعارضين للنظام الموالي للاتحاد السوفياتي في كابول "قبل ستة أشهر من الغزو.وقال بريجنسكي"وهذا اليوم بالذات كتبت مذكرة إلى الرئيس شرحت له أنه في رأيي هذه المساعدات ستحرض على التدخل العسكري السوفيتي." وقتل في الحرب التي لا محالة تلت ذلك الأمر مليون أفغاني.

وهناك قرائن أخرى ثبت أنها أقل دقة، ومنها الإيمان  بالبراعة المادية التي يتحلي بها عملائنا الأصوليين وهو ايمان في غير محله. فكما اتضح لم يكن الإسلاميون في الحقيقة هم المحاربين الشرسين ضد السوفييت كما ادعى داعميهم. ذكر ماك وليامز، الذي غادر كابول في عام 1988 ليصبح مبعوثا خاصا للثوار الأفغان، أن حكمتيار كان يهتم أكثر في استخدام ترسانة الأسلحة التي وفرتها له الولايات المتحدة في شن حروب علي أمراء الحرب المنافسين. (في بعض الأحيان كان يعزبهم - وهي الحقيقة التي لم يجرؤ المبعوث علي  كتابتها في التقارير). وقال ماك وليامز متذكرا "حكمتيار كان مقاتلا عظيما ولكن ليس بالضرورة مقاتلا السوفييت".

وحتى بعد أن غادر الروس في فبراير 1989 أظهر الأفغان المفضلين لوكالة المخابرات أنهم غير قادرين علي إسقاط نظام  محمد نجيب الله المدعوم من السوفييت. فعلي سبيل المثال كان هجوم حكمتيار على مدينة  جلال آباد فشلا مثيرا للاحراج. وقال ماك وليامز الذي كان قد نقل تحذيرات عبد الحق واخرين أن الخطة كانت متهورة "كان عواقلي يتفاخر في الأسابيع التي سبقت هذا الهجوم أنه سيحقق نجاحا كبيرا" ، :وأضاف " لقد حجبنا كل هذا. " . وقد أثار اشمئزازه تجنيد مسؤولين في الاستخبارات الباكستانية والأميركية ممن يشرفون على العملية  الشباب الذين كانوا وقودا للمدافع. قال لي ماك وليامز"وأنتهى بهم الأمر الي تفريغ مخيمات اللاجئين" . وأضاف "لقد كانت محاولة أخيرة لرمي هؤلاء الصبية البالغين من العمر ستة عشر عاما في المعركة من اجل استمرار هذا الشيئ. لكنها لم تفلح. " وقتل الآلاف.

وحرص المسؤولون الأميركيون علي إخفاء الطبيعة الحقيقية لعلاقتهم مع الأفغان الغير مرغوبين مثل حكمتيار، وكانوا  أكثر حرصا عندما يتعلق الأمر بالأصوليين العرب الذين تدفقوا علي أفغانستان للمشاركة في الحرب وأنشأوا فيما بعد الجهاد العالمي وتنظيم القاعدة. لا أحد ينكر أنهم كانوا هناك، ولكن احتمال وجود اتصالات بينهم وبين وكالة الاستخبارات المركزية كان موضوعا حساسا على نحو متزايد مع بروز تنظيم القاعدة في التسعينيات. وقد عبر روبرت غيتس الذي أصبح مديرا لوكالة المخابرات المركزية في عام 1991 أفضل تعبير عن السياسة الرسمية المتمثلة في أن الولايات المتحدة حافظت علي مسافة بينها وبين المجاهدين العرب . كتب روبرت غيتس فيما بعد أنه عندما علمت المخابرات لاول مرة عن تدفق المجندين الجهاديين الي افغانستان من كل انحاء العالم العربي "درسنا سبل زيادة مشاركتهم، ربما في شكل نوع من" لواء دولي، "ولكن ذلك لم يتم."

الواقع كان شيئا اخر . الولايات المتحدة كانت تشارك عن قرب في تجنيد هؤلاء المتطوعين - والواقع أن الكثير منهم انضم من خلال شبكة من مكاتب التجنيد في هذا البلد . وكان نبراس هذه الجهود شيخ فلسطيني مؤثر يدعي عبد الله عزام مؤسس مكتب الخدمات في 1984 لجمع الاموال وحشد المجندين للجهاد . وكان يساعده شاب سعودي ثري يدعي اسامة بن لادن . وكان مقر زراع الولايات المتحدة في العملية يتواجد في بروكلين، في مركز الكفاح لللاجئين بشارع أتلانتك أفينيو الذي كان عزام يداوم علي زيارته عندما كان يقوم بجولات في المساجد والجامعات في الولايات المتحدة .

وقال علي سوفان العميل السابق للمباحث الفيدرالية وخبير مكافحة الارهاب الذي قام بالكثير لفضح برنامج التعذيب الذي نفذته وكالة المخابرات المركزية بعد 11 سبتمبر " يجب أن تضع الأمر في سياقه . طوال معظم الثمانينات كانت هذه البلد تدعم الجهاد في افغانستان وكان تجنيد المسلمين هنا في امريكا مفتوحا . وزار عزام الولايات المتحدة رسميا وتنقل من مسجد الي مسجد - وجندوا الكثير من الناس للقتال في افغانستان تحت هذه الراية "

وتجاوز تعاطي امريكا مع تنظيم عزام مجرد السماح له بممارسة أنشطته . وقال ماك ويليامز في إصرار " لم نشجع علي تجنيد السعوديين فقط بل شجعنا علي تجنيد الفلسطينيين واللبنانيين ومجموعة كبيرة من المحاربين علي الزهاب الي افغانستان للجهاد ". وأضاف " كان ذلك جزء من خطة وكالة المخابرات المركزية . وكان هذا جزء من اللعبة "

وبالطبع كان السعوديين منذ البداية جزءا لا يتجزأ من الحملة ضد السوفييت . ووفقا لمسئول سابق في المخابرات المركزية شارك عن قرب في عملية افغانستان، السعودية كانت توفر 40 بالمئة من ميزانية الثوار .
وقال المسئول أن وليم كيسي الذي كان يدير المخابرات المركزية في فترة رئاسة رونالد ريجان " يطير الي الرياض كل عام فيما يطلق عليه ‘ الحجة السنوية ‘ ليطلب الأموال . واخيرا وبعد محادثات طويلة يوافق الملك ثم نضطر الي الجلوس لنستمع بأدب الي أفكارهم الغبية حول كيفية القتال في الحرب "

ورغم هذه التصريحات سيظهر أن أستراتيجيات الولايات المتحدة والسعودية لا تختلف كثيرا، خصوصا عندما يتعلق الأمر بتوجيه المال للفصائل الأصولية الأكثر تطرفا. محاربة السوفييت لم تكن سوى جزء من الهدف النهائي. وزار الداعية المصري أبو حمزة، الذي يقضي حاليا حكما بالسجن مدى الحياة بتهمة الإرهاب، المملكة العربية السعودية في عام 1986، وتحدث فيما بعد عن الأوامر العلنية المتواصلة للانضمام إلى الجهاد: "عليكم أن تذهبوا وتنضموا وتتركوا مدارسكم وتتركوا أسركم." وأوضح قائلا " المشروع الأفغانستاني كله كان يقصد منه في الواقع صرف الناس عن مشاكل بلدهم ". وكان أشبه" بتنفيس الضغط في طنجرة الطهي. اذا واصلت اغلاق الطنجرة ستنفجر في وجهك، لذلك عليك تصميم فتحة للتنفيس، وكان هذا الجهاد الأفغاني هو فتحة التنفيس ".

واتفق صوفان مع هذا التحليل . وقال لي "  أعتقد انه ليس من الانصاف ان نلقي اللوم فقط علي وكالة المخابرات الامريكية . مصر كانت سعيدة بالتخلص من الكثير من هؤلاء الأشخاص وجعلتهم يذهبون الي افغانستان . والسعودية كانت أيضا سعيدة جدا بعمل ذلك . " وكما ذكر، كان هؤلاء الاصوليين الاسلاميين يوجهون الضربات بالفعل لتلك الأنظمة في أوطانهم : فعلي سبيل المثال قام المتطرفين الوهابيين في سنة 1979 باقتحام الحرم المكي وأدي حصار الحرم المكي الي مقتل المئات . 



ومع ذلك في غضون سنوات قليلة بدأت الحكومات الداعمة بالاعتراف بوجود خلل في المخطط . ففتحة التنفيس كانت لها اتجاهين . وقد سمعت أوضح تعبير عن هذه النقطة في سنة 1994 في حفل غداء علي ياخت يقوم برحلة نيلية . ورأي المستضيف أنه من الأمان السفر علي سطح الماء نظرا للحملة الارهابية الكبيرة التي يشنها الجهاديين المصريين . وفي الحفلة أثار هذا التكتيك الدفاعي تعليق عنيف من أسامة الباز، كبير المستشارين الأمنيين لحسني مبارك. وقال "كل هذا بسبب خطأ  الأوغاد الأغبياء في وكالة الاستخبارات المركزية. واضاف "دربوا هؤلاء الناس وتركوهم  بعد أن غادر الروس، والآن نحصل على هذا." 

وقال الباز أن مكتب الخدمات بقي بعد الحرب الافغانية لأجل الانتشار في المستقبل ضد ايران . وقال في اصرار ان تمويلها كان يأتي من السعوديين والسي اي ايه . وأقتطع جزء من هذه الاموال في مكتب الكفاح في بروكلين تحت اشراف أحد مساعدي عزام - حتي مقتل الوصي نفسه ربما علي يد أتباع جهادي منافس . (أكد سوفان قصة القتل، مشيرا إلى أن المبلغ المذكور كان حوالي 100 ألف دولار.) *

وقبل عام من حديثي مع الباز كانت الولايات المتحدة قد دخلت بالفعل في مواجهات مع فتحة التنفيس ذات الاتجاهين .  ففي سنة 1993 أدي انفجار قنبلة في الطابق السفلي لأحد برجي مركز التجارة العالمي الي مقتل 6 أشخاص ( كان المفجرين يأملون في نسف البنايتين وقتل عدة الاف ) وكان أحد الأعضاء القياديين في هذا المخطط هو محمود أبو حليمة، وهو محارب سابق في افغانستان كان يعمل طوال سنوات في مركز التجنيد في بروكلين . وأثبت تلميذ اخر من تلاميذ عبد الله عزام  أنه يشكل مشكلة أكبر بكثير : إنه اسامة بن لادن الذي بايعه المجاهدين العرب الذين جندهم معلمه 

 في سنة 1996 أنشأت السي اي ايه وحدة لتعقب بن لادن بقيادة خبير مكافحة الارهاب مايكل شوير . والآن وقد استقر زعيم تنظيم القاعدة في أفغانستان، إختلف مع النظام السعودي الذي كان يدعمه ذات مرة هو والمجاهدين ضد السوفييت وان اكتسبت هذه المواجهة صبغة نظرية. ومع ذلك حافظ بن لادن علي علاقته بوطنه - وكان البعض في وكالة الاستخبارات المركزية حساسية من هذه الحقيقة. عندما أجريت مقابلة مع شوير في عام 2014 من أجل كتابي سلسلة القتل، قال لي أن من أول الطلبات التي طلبها من للسعوديين كانت الحصول على معلومات روتينية حول بن لادن المطارد مثل: شهادة الميلاد، والسجلات المالية، وهكذا دواليك. لم يكن هناك استجابة. ولم تؤدي الطلبات المتكررة الي شيئ. في نهاية المطاف، وصلت رسالة من رئيس محطة وكالة المخابرات المركزية في الرياض، جون برينان، تأمره بوقف الطلبات - فقد كانت تلك الطلبات "تزعج السعوديين."

بعد خمس سنوات دمر تنظيم القاعدة برج التجارة العالمي بعد توظيف فرقة انتحارية معظمها من السعوديين. في عالم عاقل، كان يفترض أن تنهي هذه الكارثة بشكل دائم ميل واشنطن منذ فترة طويلة الخلط بين الإسلام والسياسة. لكن العادات القديمة لا تموت بسهولة.

في ربيع وصيف العام الماضي، إجتاح تحالف من الجماعات الثورية السورية تطلق على نفسها اسم جيش الفتح محافظة إدلب شمال غرب البلاد، مما شكل تهديدا خطيرا لنظام الأسد. وكان في مقدمة تلك الجماعات فرع تنظيم القاعدة في سوريا، المعروف محليا باسم جبهة النصرة. وكان العنصر الرئيسي الآخر للائتلاف هو جماعة أحرار الشام التي تشكلت في بداية الانتفاضة علي اللأسد  وبحثت عنشخص يشكل مصدر إلهام لها فلم تجد سوى عبد الله عزام. وبعد انتصارهم  ذبحت جبهة  النصرة عشرين من الطائفة  الدرزية التي يعتبرها الأصوليين طائفة من الزنادقة، وأجبروا من تبقي من الدروز الي اعتناق الإسلام السني. ( وفر عدد من السكان المسيحيين من المنطقة بحكمة.)  وفي الوقت نفسه نشرت أحرار الشام أشرطة فيديو عن عمليات جلد علني طبقتها علي كل من ترك صلاة الجمعة.

وقد تم تشكيل هذا التحالف القوي من الميليشيات الجهادية تحت رعاية الداعمين الرئيسيين للثوار في: المملكة العربية السعودية وتركيا وقطر. ولكنه حظي أيضا بتأييد اثنين من اللاعبين الرئيسيين الآخرين. في بداية العام 
أمر زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في مارس  أتباعه أن يتعاونوا مع الجماعات الأخرى.  ووفقا لمصادر عدة،  أمرت "غرفة التنسيق" السعودية التركية الأمريكية الموجودة في جنوب تركيا في شهر مارس الجماعات الثورية التي تزودها بالامدادات  بالتعاون مع جيش الفتح.  وبعبارة أخرى، سيتم دمج تلك الجماعات  داخل ائتلاف تنظيم القاعدة.

قبل بضعة أشهرمن لهجوم إدلب، كان عضوا في احدي الجماعات  المدعومة من وكالة المخابرات المركزية قد شرح الطبيعة الحقيقية لعلاقة جماعته بتنظيم القاعدة.  وقال لصحيفة نيويورك تايمز أن جبهة النصرة سمحت للميليشيات التي فحصتها  الولايات المتحدة أن تظهر علي أنها جماعات مستقلة حتي  تستمر في تلقي الإمدادات الأمريكية. وعندما سألت مسؤول سابق في البيت الأبيض  ضالع في سياسة سوريا ما اذا كان هذا بمثابة تحالف بحكم الأمر الواقع، جاء رده على هذا النحو: "لن أقول أن تنظيم القاعدة حليفنا، لكن تقلب الأسلحة ربما أمر لا مفر منه. أنا ممن يؤمنون بالأقدار في هذه المسائل. وهذه الأمور ستحدث ".

في بداية الحرب السورية كان المسؤولون الأمريكيون يصرون على التظاهر بأن الأسلحة التي يجري ضخها تصل فقط إلى ما يسمى جماعات المعارضة المعتدلة. ولكن في عام 2014 
أكد نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في خطاب ألقاه في جامعة هارفارد أننا كنا نسلح المتطرفين مرة أخرى، على الرغم من انه كان حريصا على القاء اللوم على حلفاء أمريكا في المنطقة، الذين ندد بهم ووصفهم بأنهم "مشكلتنا الأكبر في سوريا." وردا على سؤال لأحد الطلاب قال متطوعا أن حلفاءنا : "  كانوا مصممين علي إسقاط  الأسد  ومصممين بالأساس علي شن حربا بالوكالة بين السنة والشيعة ، فماذا فعلوا؟ سكبوا مئات الملايين من الدولارات وعشرات آلاف الأطنان من الأسلحة إلى أي شخص سيقاتل الأسد.عدا عن أن  الناس الذين يتم تمويلهم وامدادهم كانوا من  جبهة النصرة وتنظيم القاعدة والعناصر المتطرفة من الجهاديين القادمين من مناطق أخرى حول العالم. "
 

تفسير بايدن يذكرنا تماما بالأعذار الرسمية لتسليح الأصوليين في أفغانستان خلال الثمانينات، والتي كانت تصر على أن الباكستانيين كانوا يسيطرون سيطرة كاملة على توزيع الاسلحة التي تقدمها الولايات المتحدة وأن وكالة المخابرات المركزية كانت غير قادرة على التدخل عندما وصلت معظم تلك الأسلحة الي  أمثال قلب الدين حكمتيار. وردا على سؤال لماذا يفترض أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت عاجزة عن إيقاف  دول مثل قطر التي يبلغ عدد سكانها 2.19 مليون نسمة من صب الأسلحة في ترسانات النصرة والجماعات المماثلة،
أجاب مستشار سابق لإحدى دول الخليج بصوت هادئ: "كانوا لا يريدون ذلك ."



 نشأت الحرب السورية التي قتل فيها حتى الآن قتل ما يزيد عن 200 ألف شخص من الاحتجاجات السلمية في مارس 2011، في وقت اجتاحت فيه تحركات مماثلة  دولا عربية أخرى. ولقيت هذه الانتفاضات ترحيبا من إدارة أوباما. وبدا أنها تمثل الهزيمة النهائية لتنظيم القاعدة والفكر الجهادي المتطرف، وهو الرأي الذي عكسه عنوان صحيفة نيويورك تايمز التالي في فبراير عام 2011: مع سقوط الأنظمة في العالم العربي،  تنظيم القاعدة التاريخ يشهد تاريخه وهو يطير .واعتبر  الرئيس  مقتل أسامة بن لادن في مايو 2011 بمثابة تتويج لانتصاره. وإعتبر بيتر بيرغن، الناقد المتخصص في شئون الارهاب في قناة سي إن إن ، أن الربيع العربي ووفاة بن لادن هما "الصفحتين الأخيرتين " في الحرب العالمية على الإرهاب.

وعلي الجانب الاخر كان لتنظيم القاعدة تفسيرا مختلفا للربيع العربي، ووصفته بأنه حدث كله إيجابية لقضية الجهاديين. بعيدا عن التوجس بشأن سلامته الخاصة، كما ذكر أوباما، كان الظواهري مفعم بالتفاؤل. وصاح من مقر مجهول قائلا أن "الطغاة" الذين تدعمهم الولايات المتحدة سيشهدون عروشهم تنهار كما هزم "أسيادهم" .
كما اعلن حامد بن عبد الله العلي الذي يتولي جمع التبرعات لتنظيم القاعدة في الكويت أن "المشروع الإسلامي هو المستفيد الأكبر من بيئة الحرية."

وبينما كانت الثورات مستمرة، استقرت إدارة أوباما الي أن "الإسلام المعتدل" هو الخيار السياسي الأكثر ملاءمة للديمقراطيات العربية الناشئة - وخلصت إلى أن جماعة الإخوان المسلمين هي الجماعة المناسبة لهذه المهمة. وكانت هذه المنظمة المنظمة الاسلامية الجليلة في بداية نشأتها تتلقي دعم  البريطانيين كوسيلة لمواجهة الحركات اليسارية والقومية في الامبراطورية. وبعد اضمحلال السلطة البريطانية رحبت قوي أخري، مثل وكالة المخابرات المركزية والسعوديين، برعاية الجماعة لنفس الغرض، متغافلين عن أجندتها على المدى الطويل. ( علي أن السعوديون كانوا دائما حريصين علي منعهم  من العمل داخل مملكتهم.)

كانت جماعة الإخوان في الواقع هي الأب الايديولوجي للحركات الإسلامية الأكثر عنفا في العصر الحديث. وكان سيد قطب، الذي كان الروح المحركة للتنظيم حتى اعدامه في مصر في عام 1966،  بمثابة مصدر إلهام للظواهري في شبابه عندما شرع في مسيرته الإرهابية. وسار  المتطرفين علي نهج سيد قطب في الدعوة إلى الخلافة في جميع أنحاء العالم الإسلامي والعودة إلى سنن الرسول قبل العصر الحديث.

ولم يمنع كل هذا إدارة أوباما من اعتبار جماعة الإخوان تنظيما حميدا نسبيا يمثل الإسلام المعتدل، لا يختلف كثيرا عن النموزج المطبق في تركيا، حيث يتولي حزب العدالة والتنمية المرتبط بجماعة الاخوان المسلمين الرئاسة هناك في ديمقراطية مزدهرة و اقتصاد نشط، وإن كانت التقليد العلمانية للبلاد تراجعت مرة أخرى. وبعد إنهيار نظام مبارك الاستبدادي في مصر، روج المسؤولين الأميركيين بنشاط للإخوان المسلمين في مصر؛ حيث ورد أن سفيرة الولايات المتحدة، آن باترسون، كانت تعقد اجتماعات بشكل منتظم مع قيادة الجماعة.
قال لي  المسؤول السابق في البيت الأبيض "الإدارة كان لها دوافع لإظهار أن الولايات المتحدة ستتعامل مع الإسلاميين، على الرغم من أن الجانب السلبي للإخوان كان مفهوما بشكل جيد."

وفي نفس الوقت الذي كانت  الولايات المتحدة تتودد بحذر للإخوان المسلمين كانت تربطها عروة وثقى مع الزمرة الحاكمة الغنية في قطر. هذا البلد الصغير كان يتوق دوما لتأكيد استقلاله في منطقة مجاورة تسيطر عليها المملكة العربية السعودية وإيران. وبينما يستضيف القطريين الجيش الأمريكي في قاعدة العيديد الجوية
الشاسعة خارج الدوحة، وضعوا ثقلهم المالي الحاسم وراء ما اعتبروه القوة القادمة في السياسة العربية.  وقال لي المسؤول السابق في البيت الأبيض أنهم كانوا متيقنين "أن المستقبل يكمن بالفعل في أيدي الإسلاميين"، ورأوا أنفسهم "على الجانب الصحيح من التاريخ."

وبدت  المعارضة السورية المرشحة المثالية لتقديم هذه المساعدة، لا سيما وأن الأسد كان في مرمى الولايات المتحدة لبعض الوقت. (دبرت المخابرات الامريكية انقلابا علي أول حكومة منتخبة ديمقراطيا عام 1949 بناء على طلب من المصالح النفطية الأمريكية التي أغضبها طلب سوريا الحصول علي شروط أفضل لصفقة خط أنابيب.) وفي ديسمبر 2006، أرسل وليام روبوك، المستشار السياسي للسفارة الأمريكية في دمشق، برقية سرية إلى واشنطن، نشرها فيما بعد موقع ويكيليكس، وإقترح عمل "إجراءات وتصريحات وإشارات" يمكن أن تساعد في زعزعة استقرار نظام الأسد. ومن المبادرات الأخرى التي أوصي بها القيام بحملة، بالتنسيق مع الحكومتين المصرية والسعودية، لبث الزعر في الطائفة السنية في سورية من النفوذ الإيراني في البلاد.

وبإمكان
روبوك أن يعول على جمهور مرحب. وقبل ذلك بشهر، أدلت كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية، بشهادتها في الكابيتول هيل وقالت أن هناك "تحالف استراتيجي جديد" في الشرق الأوسط يفصل بين "المتطرفين" (إيران وسوريا) و "الإصلاحيين" (المملكة العربية السعودية والدول السنية الأخرى ). وكان الحرص علي استخدام هذه العبارات الدبلوماسية الملطفة أمرا أساسيا.وقالها صراحة الأمير بندر بن سلطان، الذي عاد إلى الرياض في عام 2005 بعد سنوات عديدة عمل فيها سفيرا للسعودي في واشنطن، في محادثة سابقة مع ريتشارد ديرلوف، رئيس المخابرات البريطانية MI6 لفترة طويلة. قال بندر "لن يطول الزمن في الشرق الاوسط حتي نسمع حرفيا عبارة كان الله في عون الشيعة. فأكثر من مليارمن السنة ببساطة فاض بهم الكيل." وكان مغزي كلامه واضحا. كان بندر يتحدث عن تدمير الدول الشيعية في إيران والعراق، فضلا عن القيادة العلوية (وهي فرع من الشيعة ) في سوريا.

ومع ذلك فإن الحكام السعوديين يعون تماما تعرضهم لمتلازمة التنفيس المعاكس. ففسادهم وممارساتهم
الأخرى المخالفة للدين نفرت الجهاديين الذين أعلنوا أكثر من مرة حرصهم على تنظيف المنزل في وطنهم. وكانت هذه المخاوف واضحة لديرلوف عندما زار الرياض مع توني بلير بعد فترة قصيرة من أحداث 11 سبتمبر. وكما قال فيما بعد، صاح رئيس الاستخبارات السعودية في وجهه أن الهجمات الأخيرة في مانهاتن وواشنطن كانت "مجرد نزهة" مقارنة بالفوضى التي كان المتطرفين يخططون لإطلاق العنان لها في منطقتهم: وقال له "ما يريده هؤلاء الإرهابيين هو تدمير ال سعود وإعادة تشكيل الشرق الأوسط! "

وتبين ل
ديرلوف من هذه التصريحات دافعين قويين (وتكميليين) وراء تفكير القيادة السعودية. أولا، ألا يكون هناك "أي تحد شرعي أو مسموح للنقاء الاسلامي لمسوغات الوهابيين كأوصياء علي الأماكن المقدسة ." (كان سجلهم في قطع الرؤوس واضطهاد المرأة، علي كل حال، لا يعلى عليه).  بالإضافة إلى "ميلهم بشدة الي أي تشدد يتصدي بشكل فعال للشيعة ". وردا على هذين الدافعين ستعيد  المملكة العربية السعودية فتح فتحة التنفيس. لكن هذه المرة لن يكون الجهاد ضد الشيوعيين الملحدين بل ضد إخوانهم المسلمين في سوريا.

 في بداية سنة 2012 كانت السعودية وقطر وتركيا والولايات المتحدة تشارك بكثافة في دعم الثورة المسلحة علي الأسد. ومن الناحية النظرية، كان الدعم الامريكي للجيش السوري الحر يقتصر علي " إمدادات غير قاتلة " من وزارة الخارجية والسي اي ايه . ولم تعمل قطر، التي نجحت في ملأ المجلس الوطني للمعارضة السورية بأعضاء من الاخوان المسلمين، ضمن هذه القيود . وأقلعت قوافل الطائرات القطرية المشحونة من قاعدة العديد وتوجهت الي تركيا وانتقلت من هناك الحمولات القاتلة الي داخل سوريا . 

وقال لي المسئول السابق في البيت الابيض : " لم يكن القطريين يميزون علي الإطلاق بين من يعطوهم الأسلحة . كانوا يعطون الأسلحة لمن يحالفه الحظ ويتمكن من استلامها" . وكان أكثرهم حظا جماعتي جبهة النصرة وأحرار الشام، وكلاهما استفاد من الاستراتيجية الجديدة لاوباما . وقبل عام من مقتل بن لادن اشتكي بن لادن من الضرر الذي تعرض له تنظيم القاعدة من فروع تنظيم القاعدة مثل تنظيم القاعدة في العراق المولعة بقطع الرؤس وفظائع مشابهة. وأعطي توجيهاته لموظفي الاعلام الخاص به لاعداد استراتيجية جديدة تتحاشي " أي شيئ يكون له أثر سلبي علي مفهوم " تنظيم القاعدة . ومن المقترحات الجديدة التي تم مناقشتها في مقره في مدينة أبوت أباد إيجاد وسيلة بسيطة لتغيير اسم التنظيم . وتم تطبيق هذه الاستراتيجية بالتدريج في الفروع الجديدة للجماعة مما سمح لجبهة النصرة وأحرار الشام أن يقدموا أنفسهم للسذج علي أنهم اسلاميين أكثر حنوا ولطفا . 

والغريب أن هذا البرنامج الجديد ساعد عليه صعود الدولة الاسلامية، وهي الجماعة التي انشقت عن تنظيم القاعدة لأسباب منها وجود اختلافات بشأن عملية تحسين صورة التنظيم التي قام بها الظواهري . ورغم جزب الدولة الاسلامية للعديد من المنشقين عن التنظيم وكسبوا أراضي علي حساب شركائهم السابقين في جبهة النصرة، إلا أن ما عرف عنها من التطرف في الوحشية جعل الجماعات الاخري تبدو أكثر انسانية بالمقارنة بها . (وفقا لدفيد غارتن ستاين روس، وهوزميل بارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، يشك كثير من أعضاء النصرة أن الدولة الإسلامية أنشأها الأمريكيين "لتشويه سمعة الجهاد.")

وفي نفس الوقت كانت  المملكة العربية السعودية حريصة، بدافع العداوة الشرسة تجاه إيران الداعمة الرئيسية للأسد، على رمي ثقلها وراء الحملة المناهضة للأسد. وبحلول ديسمبر 2012 كانت  وكالة الاستخبارات المركزية بدأت ترتيب كميات كبيرة من الأسلحة دفع ثمنها السعوديين لتنتقل من كرواتيا إلى الأردن إلى سوريا.

وأوضح المسؤول السابق في البيت الأبيض "كان السعوديون يفضلون العمل من خلالنا، فلم يكن لديهم قدرة ذاتية علي العثور على الأسلحة. كنا الوسطاء، مع بعض السيطرة على التوزيع. كان هناك وهم ضمني من جانب الولايات المتحدة أن الأسلحة السعودية كانت  في طريقها لجماعات موقفها مؤيدة للغرب. "لكن هذا الوهم يثير الاستغراب، نظرا لثقافة المملكة العربية السعودية القائمة علي التشدد الوهابي وكذلك تصريح وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، في برقية سرية ارسلتها عام 2009، أن "الجهات المانحة في المملكة العربية السعودية تشكل أهم مصدر لتمويل الجماعات الارهابية السنية في جميع أنحاء العالم."

ويثاور البعض في دوائر الاستخبارات شكوك أن هذا التمويل مستمر.
وسأل ديرلوف في يوليو 2014 "كم من الأموال السعودية والقطرية التي تم نقلها الي داعش ووصلت اليها - وأنا لا أقصد التمويل الحكومي المباشر، بل أقصد أنها ربما غضت الطرف عن انتقال تلك الأموال ؟" . " أن تتمكن داعش من اقتحام  المناطق السنية في العراق بالطريقة التي تمت في الآونة الأخيرة فلابد وأن ذلك كان نتيجة لتمويل كبير ومتواصل. فمثل هذه الامور لا تحدث من تلقاء نفسها.بهذه البساطة " . ويميل الطرف المتلقي  لهجمات الدولة الإسلامية إلى الاتفاقمع هذا الرأي. فردا على سؤال عما يمكن القيام به لمساعدة العراق في أعقاب اعتداءات الجماعة الخاطفة في صيف عام 2014، أجاب دبلوماسي عراقي: "أقصفوا المملكة العربية السعودية."

ورغم تدفق الأموال انتهي الأمر بالسعوديين الي صياغة تحالفهم الاسلامي الخاص بهم.وقال
مستشار لدولة خليجية "السعوديون  لم يسلحوا جبهة النصرة أبدا. لقد وضعوا حساباتهم  أنه ستوجد هناك شهية لميليشيات ذات ميول إسلامية. لذلك شكلوا جيشا منافسا يسمي جيش الاسلام. وكان هذا هو البديل السعودي - فهو وإن كان جيشا اسلاميا لكنه ليس من الإخوان المسلمين".

ونظرا لأن جيش الاسلام كان في نهاية المطاف خاضعا لمسئولية الأمير بندر، الذي أصبح رئيس الاستخبارات السعودية في عام 2012، لم يكن هناك مجالا للقيم الغربية في أجندة تلك الجماعة. وقد كان زعيمها زهران علوش ابنا لرجل دين سوري. وتحدث
للصحفيين الغربيين بأخلاص عن مزايا التسامح، لكنه عاد الي  المواضيع الغير منضبطة سياسيا مثل الطرد الجماعي للعلويين من دمشق عند خطابه الي زملائه الجهاديين. وفي الوقت نفسه تدافع الشباب السعودي للدخول إلى سوريا، على استعداد للقتال من أجل أي جماعة متطرفة تضمهم اليها، حتى ولو كانت تلك الجماعات تتقاتل فيما بينها. وتباكي مذيع سعودي في احدي البرامج الحواريةعلي الأعداد الهائلة من الشباب السعودي في خطوط المعركة في سوريا قائلا  "أبناؤنا يقاتلون علي كلا الجانبين" - بمعنى النصرة والدولة الإسلامية. وهتف قائلا "السعوديون يقتل بعضهم بعضا!"

أصبح تصميم تركيا (عضو حلف الناتو) وقطر (المستضيفة لأكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط) علي دعم الجماعات الجهادية المتطرفة واضحا بشكل صارخ في أواخر عام 2013. ففي 6 ديسمبر قام مقاتلين مسلحين من أحرار الشام وميليشيات أخري بمداهمة مستودعات أسلحة في باب الهوى على الحدود التركية واستولوا علي امدادات تابعة للجيش السوري الحر. وأثناء حدوث ذلك كان من المقرر عقد اجتماع لمجموعة التنسيق الدولية الخاصة بسوريا، ما يسمى مجموعة  لندن الإحدي عشر ، في الأسبوع التالي. وعزم مندوبين من الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط على إصدار إدانة صارمة للجماعة الجهادية المخالفة.

لكن الأتراك والقطريين رفضوا التوقيع بعناد .وقال لي أحد  المشاركين فيما بعد، "كانت جميع الدول في الغرفة تفهم أن معارضة تركيا لإدراج أحرار الشام كان لأنهم كانوا يقدمون الدعم لهم." وأصر ممثل قطر أن  إدانة هذه الجماعات الإرهابية
سيأتي بنتائج عكسية.وصرح بأنه لو فعلت الدول الاخري ذلك فستتوقف قطر عن التعاون في الشأن السوري . وقال لي المصدر : "، في الأساس، كانوا يقولون إذا قمتم بتسميتهم بالإرهابيين فسنحزم أمتعتنا ونعود الى أوطاننا" . وقال مندوب الولايات المتحدة أن الجبهة الإسلامية، وهي تنظيم له مظلة، ستكون موضع ترحيب على طاولة المفاوضات - ولكن أحرار الشام التي تصادف أن تكون عضوا بارزا فيها ليست غير مرحب بها. وتباحث الدبلوماسيين حول اصدار بيانهم وتبادلوا التنازلات وعدلوا لغة البيان. ولم يرد في الصيغة النهائية أي إدانة، أو حتى ذكر، لأحرار الشام.

وبعد مرور عامين ظلت قدرة واشنطن علي الإنكار في مواجهة الحقائق المزعجة  ثابتة ولم تضعف. أثناء تناول
ليون بانيتا، مدير وكالة المخابرات المركزية السابق، لموضوع هيمنة المتطرفين علي المعارضة السورية، ألقي باللوم علي فشلنا في البداية في تسليح المعتدلين بعيدي المنال. ونادرا ما تذكر العواقب الكارثية لهذا النهج ذاته في ليبيا. وقال غارنشتاين روس "لو كنا قد تدخلنا بسرعة أكبر في سوريا فربما كان أفضل سيناريو هو ليبيا أخري. وهذا يعني أننا كنا سنظل نتعامل مع دولة منهارة تمتد إلى دول أخرى في الشرق الأوسط وأوروبا ".

حتى لو واصلنا حملة القصف المشتت علي الدولة الإسلامية، فإن تجمع أحرار الشام والنصرة سيزحف ليقترب أكثر فأكثر من الاحترام الدولي. وبعد شهر من اجتماع مجموعة  لندن الأحد عشر، نشرت مجموعة من الأساتذة من معهد بروكينغز مقالا دافعوا فيه عن أحرار الشام: "تصنيف هذه الجماعة كمنظمة إرهابية قد يأتي بنتائج عكسية من خلال دفعها الي المعسكر التابع لتنظيم القاعدة . "(وكان استلام المعهد  مؤخرا منحة قدرها 15 مليون دولار من قطر من قبيل الصدفة بلا شك).

وخلال العام الماضي عبرت شخصيات بارزة أخرى عن دعمها لوجود علاقة أوثق مع امتدادات تنظيم القاعدة بأسمائها الجديدة. ورأي ديفيد بتريوس، وهو رئيس سابق اخر لوكالة المخابرات المركزية، تسليح الأطراف "الأكثر اعتدالا" في جبهة النصرة. ودعا روبرت فورد، السفير السابق في سوريا والمؤيد الصاخب للقضية الثوار، أميركا إلى "فتح قنوات للحوار" مع أحرار الشام، حتى ولو كان أفرادها في بعض الأحيان ذبحوا بعض العلويين ودنسوا المواقع المسيحية. وحتى مؤسسة الفورين أفيرز رددت هذه المفاهيم وإقترحت أن الوقت قد حان بالنسبة للولايات المتحدة إلى "إعادة النظر في سياستها تجاه تنظيم القاعدة، وخصوصا استهداف الظواهري". 


قالت بينظير بوتو، رئيسة وزراء  باكستان، في عام 1993 عندما تكشفت العواقب المؤلمة لداعمي تعزيز الجهاد نكون منصفين للسي اي ايه . لم يعلموا  أبدا أن هؤلاء الناس الذين يدربونهم لمحاربة السوفييت في أفغانستان سيعضون في يوم من الأيام  اليد التي أطعمتهم."

الأمور أكثر وضوحا على أرض الواقع. فمنذ وقت ليس ببعيد، بعيدا عن مراكز البحوث وغرف الإحاطة حيث تصاغ السياسات وتنسج، تحدث صبي صغير من قلب أرض النصرة الي مصور موقع فايس نيوز الاخباري عن أسامة بن لادن. قال الصبي "لقد  أرعب وقاتل الأمريكان" وقال أخيه الطفل الأصغر منه الجالس بجواره وهو يصف مستقبله: "أن أصبح مقاتلا انتحاريا في سبيل الله". وعند سؤال حافلة تقل أولادا أكبر سنا ما هي الجماعة التي ينتمون اليها فردوا في سرور "القاعدة، تنظيم القاعدة،" .


  http://harpers.org/archive/2016/01/a-special-relationship/

السبت، 12 ديسمبر 2015

الفصائل الموجودة في شمال اللاذقية

بواسطة أيمن جواد التميمي

منذ أن بدأت الضربات الجوية الروسية في سوريا، برزت جبهة القتال في  شمال اللاذقية كساحة رئيسية للمعارك  حيث تسعي قوات  النظام - التي تضم  الميليشيات غير النظامية مثل المقاومة السورية ونسور الزوبعة التابع للحزب السوري القومي الاجتماعي والميليشيات الشيعية مثل حركة النجباء العراقية -  إلى تحقيق تقدم وترسيخ ما تبقي من الدولة المهلهلة . وظلت جبهة شمال اللاذقية التي تتناقض مع جبهة حلب وأشبه بالتطورات في شمال حماة، جبهة متأزمة إلى حد كبير ، حيث يوجد بها منطقتين رئيستين فيهما مواجهات هما جبل الاكراد وجبل التركمان،. وهنا يطرح السؤال: من هي الفصائل الثورية التي تعمل على هذه الجبهة. بشكل عام، هذه الفصائل متنوعة في طبيعتها، تتراوح بين جماعات مدعومة من الغرب وصولا الي الجهاديين. بالإضافة الي أنهم يميلون إلى الاعتراف بأنهم لا يعملون وحدهم بل يتعاونون مع جماعات أخرى متعددة. وهذا هو الحال على الرغم من حقيقة أن اخر هجومين كبيرين شنتهما   قوات الثوار في محافظة  اللاذقية في  صيف 2013 (معركة عائشة أم المؤمنين ) وربيع 2014 (معركة الأنفال ) بقيادة  الجهاديين الأجانب، حيث أشتهرت  المنطقة بأنها استراحة للمهاجرين ( المقاتلين الأجانب ) .

ونفضل عند اجراء هذا المسح للفصائل أن نتناول الجماعات  المحلية المعروفة ثم نتناول وحدات الثوار المعروفة والمنتشرة  والائتلافات والفصائل الجهادية التي تشارك في الخطوط الأمامية في  اللاذقية.

الفرقة الأولي الساحلية







الفرقة الأولي الساحلية، التي تعمل في مناطق جبل التركمان وجبل الاكراد ، هي  فصيل أعلن انتمائه للجيش  السوري الحر في 21 أكتوبر 2014 بإندماج  ثلاث جماعات ثورية في محافظة اللاذقية هي : لواء العاديات في الساحل السوري  واللواء الأول في الجبهة الغربية الوسطي، ولواء العاصفة. ولا يعد انتماء الفرقة الاولي الساحلية للجيش الحر أمرا مفاجئا . فعلى سبيل المثال، كان لواء العاديات يشارك في السابق في مجلس القيادة العسكرية العليا - حيث كان عبارة عن تكتل ينتمي للجيش الحر يعرف باسم  أحفاد الرسول وتم حله. وبالمثل كان للجبهة الغربية الوسطي  صلات بمجلس القيادة العسكرية العليا، كما تبين عندما قام قائد المجلس العسكري الأعلى سليم ادريس بجولة في  خط المواجهة في  اللاذقية في هجوم  صيف 2013 . تشكل لواء العاصفة في أوائل عام 2013 عن طريق دمج خمسة ألوية محلية في محافظة اللاذقية. وانضمت بعض التشكيلات الفرعية لهذه الألوية الي الفرقة الأولي  الساحلية، مثل كتيبة عائشة أم المؤمنين وهي أيضا اسم لتشكيل فرعي في  لواء العاصفة.








أكد بيان تشكيل الفرقة الأولي الساحلية أن "مهمة هذه الفرقة هي اسقاط نظام الأسد، وتأمين الاستقرار والأمن للشعب السوري الحر". وعلاوة على ذلك، دعا البيان "جميع الفصائل العاملة في الساحل السوري [المنطقة الساحلية ] للتوحد من أجل تحقيق النصر القريب ". وتلقت
الفرقة الأولي الساحلية صواريخ تاو TOW، التي استخدمت خصيصا لإسقاط مروحية في حادثة منفصلة في نفس اليوم الذي أسقطت فيه تركيا الطائرة الروسية وطياريها  في أواخر نوفمبر في شمال اللاذقية.

وعلى الرغم من مقتل قائد لواء العاصفة، باسل زيمو، في أكتوبر في إحدي  الغارات الجوية الروسية كما ورد، لا تزال الفرقة الاولي الساحلية تواصل إصدار عدد غزير من أشرطة الفيديو ومحتويات إعلامية أخرى تروج لعملياتها. ورغم عدم تبني الفرقة أي توجه عرقي أو طائفي معين، إلا أن الفرقة تتكون عضويتها أساسا من العرب المحليين. ولا توجد إلا وحدة تركمانية واحدة على الأقل  ضمن الفرقة الاولي الساحلية وهي : كتيبة المصطفى، التي أعلن عن مقتل فائدها أبو رشاد التركماني في منطقة جبل التركمان في أوائل أكتوبر مع رفيقه أبو رباح.

الفرقة الثانية الساحلية






كما يوحي شعار الجماعة، الفرقة الثانية الساحلية هي لواء تركماني سوري يعمل في المقام الأول في منطقة جبل التركمان . وادعى المتحدث باسم الجماعة، الذي عقد معه الكاتب مقابلة، أن اللواء يتكون من حوالي 2000 مقاتل وتشكل منذ عام تقريبا (بعد تشكيل الفرقة الاولي الساحلية ببعض الوقت) بدمج بعض الألوية المحلية. قائد اللواء شخص يدعي بشار الملا. ويقول المتحدث باسم الجماعة أن الجماعات المكونة للفرقة الثانية الساحلية تضم لواء بيادرام بايزيد ولواء السلطان عبد الحميد وألوية مراد الاولي والرابعة
ومن المرجح أن يكون الرقم 2000 المزعوم رقما مبالغ فيه، وأكد المتحدث باسم جماعة أخرى في جبهة جبل التركمان تسمي كتائب جبل الاسلام أن أعضاء الفرقة الثانية الساحلية أكثر من 500 عضو . وتوحي مدى المخرجات الإعلامية وتكوين الأقليات العرقية للفرقة الثانية الساحلية إلى أن هذا اللواء من المرجح أن يكون أصغر من الفرقة الاولي الساحلية. وكما هو الحال مع الفرقة الاولي الساحلية، تعرف هذه الفرقة نفسها كجزء من الجيش السوري الحر، وقدمت تعازيها  للفرقة الاولي الساحلية تحت هذا اللقب عند وفاة باسل زيمو.

اللواء العاشر في الساحل








 اللواء العاشر هو فصيل اخر من الفصائل التي اعلنت انتمائها للجيش الحر. وكما هو الحال مع الفرقة الثانية الساحلية، يتركز اللواء العاشر في المقام الأول في منطقة جبل التركمان، رغم أنه يعمل أيضا في جبل الاكراد. ووفقا للمثل الاعلامي للواء العاشر، تعود بدايات الجماعة إلى اتحاد عدد من الكتائب المحلية في ريف اللاذقية في أغسطس 2012. ومنذ البداية اعتبرت هذه الألوية نفسها تابعة للجيش الحر .
 
ولم تظهر العلامة المميزة للواء العاشر للعيان حتى السنة التالية، عندما أعلن عن  اللواء العاشر في صيف عام 2013 بصفته جزءا من الجبهة الغربية الوسطي التابعة للمجلس العسكري الأعلى . وبالفعل، بعد وقت قصير من ذلك الإعلان، كشف اللواء العاشر أنه مشارك في حملة هجوم علي قرية القرداحة التي بها أجداد الأسد ، رغم أن دورهم في ذلك الوقت لا يوصف إلا بأنه دور ضئيل وفي أحسن الأحوال دور مساعد.

وبالعودة الي يومنا الحالي، قدم الممثل الإعلامي للواء العاشر نظرة واقعية تماما لطبيعة العمليات في مقابلة مع الكاتب: "يعمل اللواء العاشر في منطقة الساحل منذ إنشائه وشارك حتي اليوم في كل المعارك الدفاعية التي وقعت في ريف اللاذقية ، كما أنها لبت مطالب تقديم الدعم على كافة الجبهات التي حاولت قوات الأسد الاعتداء عليها: وكان دورنا الأهم هو في الرباط [الحفاظ علي الخطوط الأمامية]، وهذا معروف جيدا على أرض الواقع ولكنه غير معروف جيدا في وسائل الإعلام، الرباط على الخطوط الأمامية يشكل أكثر من 80٪ من العمليات العسكرية التي تشمل المعارك وتوفير المساعدة وما شابه ذلك، وتشكل معظم العمليات التي تؤدي إلى الاستنزاف ". وذكر ممثل اللواء العاشر أن مجموع عمليات الرباط الحالية تتم في ست جبهات في جبل التركمان وجبل الاكراد.

 ورغم انتماء اللواء العاشر للجيش الحر، يوفر اللواء العاشر أيضا التدريب لمقاتلين غير مرتبطين بالضرورة بشبكات الجيش الحر. ,أبرز هذه الحالات تتعلق بمقاتلين من حمص ظهروا فيما باسم فصيل جيش السنة وهو جزء من تحالف جيش الفتح الذي يسيطر على غالبية محافظة إدلب. كما أوضح ممثل اللواء العاشر أنه "بعد فرار المقاتلين المحاصرين في حمص ، استقبلنا بعضا منهم في احدي معسكرات اللواء العاشر في منطقة الساحل وهو يعتبر أكبر معسكر لفصيل عسكري ... ولكن الثوار الذين فروا من حمص واستقبلناهم لم يحملوا أي شعار في ذلك الوقت باستثناء شعار "ثوار حمص المحاصرة "  ولم يمارسوا في ذلك الوقت أي نشاط عسكري. ولكنهم قرروا بعدها التوجه الى مناطق إدلب وسمعنا كما سمع غيرنا أنهم أطلقوا على أنفسهم جيش  السنة، وأصبح جزءا من غرفة عمليات جيش الفتح، وليس لنا أي صلة بهم عدا عن هدف اسقاط نظام الديكتاتور بشار الأسد وبناء دولة تكفل الحياة الكريمة والحرية وتأمين مستقبل لأطفال سوريا بأفضل الطرق الممكنة ".

وتمشيا مع هوية الجيش الحر، أعلن اللواء العاشر رفضه التمييز الطائفي والعرقي في خطابه، ويصرون على أن تكون هوية أعضاءها هوية سورية فقط. 


فرقة عاصفة الحزم



أعضاء  فرقة عاصفة الحزم معظمهم من العرب المحليين من اللاذقية وبانياس، حيث كانت بانياس ذات مرة نقطة محورية في لاضطرابات الثوار في محافظة طرطوس حتى تم اخمادها من خلال ارتكاب قوات النظام مجازر طائفية بمساعدة ميليشيا المقاومة السورية في عام 2013. يقتصر عمل فرقة عاصفة الحزم علي مناطق جبل التركمان وجبل الاكراد في محافظة اللاذقية، وتأسست في أبريل عام 2015. وقد تم الإعلان عن إنشاء الجماعة في شريط فيديو نشره شخص يدعي عبد المجيد دعيبس، الذي لخص أهداف الفرقة في "الحرية والأمن والمساواة للشعب السوري بجميع مكوناته." وكان عبد المجيد دعيبس قد انضم الي مجلس القيادة العسكرية العليا، الذي كان يعرف حينئذ باسم مجلس الثلاثون. وذكر موقع all4Syria التابع للمعارضة أن حفيظة الشغري قائد لواء في محافظة اللازقية يسمي فرقة أبناء القادسية . واستنادا إلى هذه النقطة والي أوجه التشابه الشعارات بين الجماعات (انظر أدناه الي  شعار أبناء القادسية)، فمن المرجح أن المنظمتين ترتبطان ارتباطا وثيقا ببعضها البعض. ومن المثير للاهتمام أن فرقة ابناء القادسية لا تزال تحتفظ بمكتب للدعوة شارك في أنشطة في ريف اللاذقية. 





                                          أنشطة مكتب الدعوة في فرقة ابناء القادسية

ووفقا للمتحدث باسم فرقة عاصفة الحزم، توقفت المساعدات [الخارجية] المقدمة لفرقة
عاصفة الحزم قبل ثلاثة أشهر وتأمل الجماعة أن تقدم لها تركيا الدعم. وأكد أيضا أن هدف اللواء الأول وقبل كل شيء هو سقوط النظام: "قبل الحديث عن دولة مدنية أو ديمقراطية، نريد سقوط النظام والتخلص من روسيا والنظام وحاسبتهم علي جرائمهم ضد الشعب. وبعد سقوط النظام  سيسمح للناس أن تختار ما تريد. ونحن لن نتدخل في إرادتهم ".

وتبدو 
فرقة عاصفة الحزم بشكل عام مكونا صغيرا من مكونات الثوار في اللاذقية في شمال سوريا بالمقارنة بالفرقة الاولي الساحلية أو الثانية الساحلية أو اللواء العاشر.

لواء السلطان عبد الحميد 








جدير بالذكر أن الفرقة الثانية الساحلية تزعم أن تشكيلا يحمل هذا الاسم مرتبط بها . لكن لواء السلطان عبد الحميد المذكور هنا يدعي ممثلها الاعلامي أنها فصيل تركماني سوري مستقل، وحتي نتجنب الخلط بينهما فيما بعد سنسميه لواء السلطان عبد الحميد .

ظهر لواء السلطان عبد الحميد، تحت قيادة.شخص يدعي عمر عبد الله ويقوم بعمليات في جبل التركمان، لأول مرة في يناير 2015 بعد اندماج ثلاثة كتائب محلية هي : كتيبة عمر المختار وكتيبة عمر بن عبد العزيز وكتيبة عثمان غازي . وادعي عمر عبد الله حينها ان أعداد التشكيل الجديد فاقت 300 مقاتل - وهي أقل بكثير من أعداد الفرقة الثانية الساحلية . ومن الناحية الايدولوجية يبدو لواء السلطان عبد الحميد شبيها بالتشكلات التابعة للجيش السوري الحر الموجودة في شمال اللازقية . وأدلي الممثل الاعلامي للجماعة للكاتب التصريح التالي : " منهجنا هو ازاحة الظلم عن هذا الشعب . لا نريد لا دولة تركمانية ولا سلطة تركمانية بل نريد إسقاط الطاغية الظالم بشار "

                                           سيارات تابعة لكتيبة عمر المختار التابعة للواء السلطان عبد الحميد

                                         أعضاء في كتيبة عثمان غازي. لاحظ شعار لواء السلطان عبد الحميد علي السيارات



كتيبة جبل الاسلام








قال الممثل الاعلامي للجماعة في لقاء مع الكاتب أن كتيبة جبل الاسلام تأسست سنة 2012 وأنها كتيبة مستقلة . وتعمل الكتيبة في منطقة جبل التركمان وتتكون  في المقام الأول من التركمان، رغم أنها تدعي أيضا أن في صفوفها عرب  حيث يفترض عدم وجود أي تمييز على أسس عرقية وفقا لفكر الجماعة الذي يبدو أنه فكر له توجهات جهادية. وأكد ممثل الجماعة بالفعل أن البرنامج الأيديولوجي لها هو نفسه برنامج جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، وأن الجماعة تسعى الى "جعل شريعة الله هي القانون الذي يحكم البلاد". وينبغي في هذا السياق  الإشارة إلى صفحة الفيسبوك  الخاصة بكتيبة جبل الاسلام قام بمشاركة بيان جيش الفتح الذي يرفض "المشاريع الخارجية" التي تسعى إلى فرض "الديمقراطية والعلمانية" في سوريا.

وإدعي ممثل الكتيبة أنها أكبر فصيل سوري من الطائفة التركمانية في المنطقة وهي التي تتولي قيادة العمليات في جبل التركمان، وقال أن عدد المقاتلين فيها يصل الي 300 مقاتل .


الفصائل الثورية الاخري


وبالاضافة للستة فصائل المحلية المعروفة التي تطرقنا اليها اعلاه، يوجد المزيد من أعداد الجماعات الثورية المعروفة التي تشارك في لقتال الدائر في اللازقية . وهي إما جماعات منتشرة علي نطاق واسع بصفتها فصائل منفصلة أو جماعات مشاركة في ائتلافات أكبر . وأكثر الجماعات النشطة هنا هي جماعة أحرار الشام وجيش الشام وأنصار الشام وجيش المجاهدين . ويعتبر جيش المجاهدين، وهو ائتلاف ترجع أصوله الي محافظة حلب وكان مشاركا في الجهة الشامية ثم انشق عنها، من أصغر الجماعات التي تعمل في جبل التركمان ويلعب دورا مساعدا . في سياق مماثل إلى حد ما، ويملك جيش الإسلام، المتواجد في المقام الأول في منطقة دمشق،  نفوزا  أقل بكثير في شمال غرب سوريا، ويبدو أنه يلعب دور المساند في جبهة اللاذقية من خلال اطلاق القذائف والصواريخ على مواقع النظام.
أحرار الشام وأنصار الشام كلاهما جماعتين تنتميان رسميا للجبهة الإسلامية التي لم يعد لها وظيفة باعتبارها ائتلافا سياسيا حقيقيا وتواجهما أكثر رسوخا في محافظة اللاذقية. وإلى جانب إعلان أحرار الشام بانتظام عن عملياتها في اللاذقية عبر الصور على وسائل التواصل الاجتماعية، كانت مشاركا هاما في كل هجمات 2013 و 2014 في اللاذقية، ولديها حاليا فروع محلية مثل لواء أحرار الجبل الوسطاني الذي كان يتولي قيادته أحمد علي أبو أيهم الذي أعلن عن مقتله يوم 28 نوفمبر أثناء القتال في منطقة جبل الاكراد.

وتعمل أنصار الشام في المقام الأول في محافظة اللاذقية وكانت في السابق جزءا من ائتلاف سلفي بقيادة أحرار الشام والمعروفة باسم الجبهة الإسلامية السورية في أواخر الفترة 2012-2013. ومثل أحرار الشام، شاركت في هجمات  2013 و 2014 في اللاذقية. ومن الملاحظ أيضا وجود مقاتلين جهاديين من أصول من شمال القوقاز في صفوفها وفي قيادتها، مثل القائد  أبو موسى الشيشاني الذي انشق فيما بعد عن أنصار الشام في اكتوبر 2014 لينشيئ جماعة جند القوقاز/ أجناد القوقاز، وحنيف الكبرديني، نائب قائد أنصار الشام الذي قتل مؤخرا في منطقة جبل الاكراد. ووفقا لمصدر من أجناد القوقاز، كابرديني كان من روسيا وولد لأب شركسي وأم روسية. وهناك أيضا مزاعم متضاربة أنه قتل مع مسلم الشيشاني. رغم أن مراسل موقع عنب بلدي الموالي للمعارضة في  اللاذقية أنكر مقتل مسلم  الشيشاني الذي يحمل الجنسية الجورجية ويتولي قيادة الفصيل الجهادي جند الشام، إلا أن أحد المصادر قالت للكاتب أن مسلم الشيشاني المقتول هو مسلم الشيشاني اخر كان يتولي قيادة جماعة أنصار الشام.


والمثير للاهتمام أن أنصار الشام كانت تميل الي التزام الصمت بخصوص مسألة المقاتلين الأجانب الموجودين في صفوفها في قنواتها الاعلامية، لكن ربما يكون البيان الجديد الذي أصدره المجلس الشرعي التابع للجماعة في 7 ديسمبر هو أحد المؤشرات علي الخسائر والمصاعب الكبيرة التي تكبدتها مؤخرا، وحمل البيان العنوان التالي : " الساحل السوري بين الخزلان والاستنزاف " : 

" ما يتعرض له الساحل السوري في جبل الأكراد وجبل التركمان من حملة خبيثة تجمعت فيها أمم الأرض ضد المقهورين من المسلمين يتطلب من كل مسلم قادر علي القتال ومناصرة أخوته ودعمهم للتخفيف عنهم قدر الامكان، كما يتطلب من كل الفصائل التي تعمل في كل المناطق المحررة أن توحد قدراتها العسكرية وقواتها وأن ترسل ما يفيض عن حاجتهم من اسلحة وعتاد وجنود ليكونوا عونا لاخوتهم في الساحل السوري وتفويت الفرصة علي مخطط المتامرين 

إخواننا المجاهدين، ان السلسلة المتواصلة من الغارات على هذه المناطق والمحاولات اليومية المتكررة من قبل النظام بدعم من الطائرات الروسية تتساقط بكثافة على الكتائب والفصائل الموجودة في هذه المناطق، وكل من يتابعون ما يجري يعرفون مدى الاستنزاف الذي تتعرض له هذه الفصائل ومدى الضعف المادي والعسكري والجنود التي تلحق بهم لاسيما مع السلسلة المتواصلة من هذه الهجمات وسقوط المرابطين والمدافعين عن الخطوط الأمامية بين نارين، تأمين الناس وأقاربهم وحماية الخطوط الأمامية.

إخواننا ...كونوا  مصدرا لنصرة إخوانكم، وجهزوا الاستعدادات وارسلوا المساعدات والأسلحة لنصرة إخوانكم. وإلا استعدوا ليأتي الدورعليكم لمواجهة هذا النظام بعد ان ينتهي من إخوانكم. نسأل الله الهدى والسداد لنا جميعا: .

المجلس  الشرعي 

أنصار الشام ".


 الفصائل الجهادية 


كما ذكرنا في المقدمة، اشتهرت محافظة اللاذقية بأنها استراحة المهاجرون ( المقاتلين الاجانب ). والواقع أن هناك عدد من الفصائل الجهادية المعروفة التي بها عناصر أجنبية أو قيادتها أجنبية أقامت قاعدة في محافظة اللاذقية، مثل صقور العز التي  يقودها سعوديين واندمجت مع جبهة النصرة في العام الماضي، وحركة شام الإسلام، وهي فصيل بقيادة مغربي ظهرت لأول مرة في عام 2013 وظلت منفصلة عن جبهة النصرة في كونها منتمية الي ائتلاف جبهة أنصار الدين الجهادية، رغم انتمائها الواضح لتنظيم القاعدة واندماج المكون القيادي لهذا الائتلاف - جيش المهاجرون والأنصار- في جبهة النصرة في وقت سابق من هذا العام.

ومن الجماعات الفاعلة الأخرى البارزة جماعة جند الشام التي يقودها مجاهدين من شمال القوقاز، والتي غابت في الآونة الأخيرة من على شاشات رادار وسائل التواصل الاجتماعية، وجيش محمد في بلاد الشام بقيادة أبي عبيدة المصري الذي توجه في البداية الى اللاذقية بعد أن أجبر علي اللانسحاب من منطقة عزاز في صيف عام 2014. ومع ذلك، لا بد من التمييز بين استخدام اللاذقية كمكان مؤقت بدلا من محاولة تعزيز نفوذ احدي الجماعات هناك علي المدى الطويل. على سبيل المثال، يبدو أن جيش محمد في بلاد الشام يركز في المقام الأول على ركوب موجة التقدم ا الذي احرزه جيش الفتح في محافظة إدلب منذ ربيع عام 2015، وبناء النفوذ بين السكان المحليين هناك. وهذا يتناقض مع حركة شام الإسلام التي كانت محاولاتها الانخراط في التواصل مع السكان المحليين في محافظة اللاذقية منذ فترة طويلة واضحة .


وبوجه عام، بناء علي مخرجات وسائل الاعلام وجماعات موجودة في اللازقية، جبهة النصر وحركة شام الاسلام وحزب تركستان الاسلامي المكون من الجهاديين الصينيين من منطقة الايغور هي أهم الفصائل الجهادية التي تعمل في الخطوط الأمامية في اللازقية في الوقت الحالي، وشارك حزب تركستان الاسلامي في المعارك العنيفة في سهل الغاب الي الغرب وتمكن من فرض نفوزه في محافظة اللازقية علي أساس التضامن مع العرق التركي مع التركمان السوريين . وذكر المتحدث باسم الفرقة الثانية الساحلية دور جبهة النصرة وحركة شام الاسلام بشكل خاص لكنه قلل من شأن أعدادهم، بينما تحدث المتحدث باسم فرقة عاصفة الحزم عن دور جبهة النصرة وحزب تركستان الاسلامي في القتال لكنه ققل من شأن تواجد جبهة النصرة ووصف دورها بأنه دور عارض ومساعد . وتضم غرفة عمليات جبل التركمان وفقا لما ذكرته كتيبة جبل الاسلام جبهة النصرة وحركة شام الاسلام

ويبدو من دعاية الجهاديين أن حزب تركستان الاسلامي ظهر هنا مؤخرا . في 27 نوفمبر ادعي حساب علي تويتر مرتبط بالجماعة سقوط 30  "شهيد   " خلال الاسبوعين الماضيين في منطقة جبل التركمان، في إشارة الي مشاركتهم القوية في الخطوط الأمامية . 


                                 حساب مرتبط بحزب تركمانستان الاسلامي يدعي وقوع 30 " شهيد" في منطقة جبل التركمان

                               حركة شام الاسلام في جبل التركمان


                            جبهة النصرة ايضا في جبل التركمان




الخلاصة



الخطوط الأمامية في اللاذقية تقدم عدد لا يحصى من الجماعات الثورية المسلحة، مع عدم وجود فصيل واحد يأخذ زمام المبادرة في الجبهة بأكملها. بشكل عام، يبدو أن الديناميات قد تحولت من هجمات فاشلة يقودها الجهاديين ولها قيمة رمزية ولصرف الأنظار الي الوصول إلى طريق مسدود متأرجح، الأمر الذي يتطلب من كل الجماعات الثورية من جميع المشارب تنسيق جهودها. ومع فشل الهجمات التي يقودها الجهاديين، تبدو القوات المنتمية للجيش الحر على وجه الخصوص قد أصبحت أفضل تنظيما وأفضل تجهيزا للقيام بدور أكثر جدية في القتال، وتحقيق التوازن الي حد ما في ارض الملعب.


 http://www.joshualandis.com/blog/the-factions-of-north-latakia/