تشير المستجدات المتسارعة في حلب وريفها إلى مواجهة وشيكة بين «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، وبين «لواء التوحيد»، الذي يُنظر إليه على أنه أكبر الفصائل المقاتلة في حلب وريفها.
ونقلت مصادر خاصة لـ«السفير» معلومات شبه مؤكدة عن وجود القائد العسكري للتوحيد عبد القادر الصالح في الولايات المتحدة، ضمن زيارة سرية بدأت منذ حوالي أسبوع.
وكان الصالح أطلق مؤخراً تصريحاتٍ يمتدح فيها «جبهة النصرة»، و«التنسيق العالي بينها وبين بقية الفصائل المقاتلة على الأرض»، لافتا إلى «وجود تنسيق كبير معها في الجانب العسكري».
ولا يُعتبر هذا التصريح الأول من نوعه، ففي نيسان الماضي أعرب الصالح عن «رفضه التام خطوة إدراج جبهة النصرة على قائمة الإرهاب الأميركية»، مؤكداً أن «الجبهة» لم تمارس أي أعمال إرهابية.
وتُعتبر هذه التصريحات طبيعية في سياق العلاقة بين «اللواء» و«الجبهة»، إذ تؤكدُ معلوماتٌ ميدانية أن الصالح كان أحد العرّابين الأساسيين لانضمام «النصرة» إلى قائمة الفصائل الموقعة على ما سمي «البيان الرقم 1»، والذي أعلنت عبره تلك الفصائل عن «سحب الشرعية الثورية من الائتلاف السوري المعارض». كما تزامن تشكيل «لواء التوحيد» مع تشكيل «جبهة النصرة»، والتي شارك أفرادٌ منها في معركة «الإذاعة» تحت راية «التوحيد»، فما هي حكاية لواء التوحيد؟
تشكيل اللواء.. ودخول حلب
تأسس لواء التوحيد في 18 تموز العام 2012، عبر اندماج عدد من المجموعات المسلحة في الريف الشمالي لحلب، والمفتوح على الحدود التركية، وانضم بعد فترة من تأسيسه إلى «المجلس الثوري العسكري في حلب وريفها» بقيادة العقيد عبد الجبار العكيدي، وهو مجلس تنظيمي بحت ليست له قوات على الأرض. كما كان للتوحيد دور أساسي في تشكيل «الهيئة الشرعية في حلب» بالتحالف مع «النصرة» و«حركة أحرار الشام»، قبل أن تنسحب «النصرة» منها.
ويرتبط تشكيل اللواء في الدرجة الأولى باتخاذ قرار دخول المسلحين إلى حلب، وتؤكد أدق الروايات أن ذلك القرار تمّ بإيعاز تركي مباشر. ويُروى في هذا السياق أن المخابرات التركية تولَّت التنسيق مع رئيس فرع الأمن العسكري حينها محمد المفلح، لتسهيل دخول المسلحين، ليكون «التوحيد» بذلك أول الفصائل المسلحة المُنظمة في المدينة، حيث أعلن في تاريخ 20 تموز العام 2012 عمّا سمّاه «معركة الفرقان».
وتقدم مصادر من داخل اللواء لـ«لسفير» دخول حلب وفق الرواية التالية: «تجمعت المجموعات المقاتلة في الريف الشمالي من مارع، وعندان، وتل رفعت، وغيرها، وانضمت إليها كتائب نور الدين الزنكي من الريف الغربي، ثم تم اختيار نوعية مميزة من مجمل المقاتلين قتاليا وأخلاقياً، ودخلوا على دفعات متتالية كل دفعة تضمُّ حوالي 200 مقاتل، وعبر طريق مدينة الباب القديم، ليتمركزوا في الأرض الحمرا، على مفرق الشيخ نجار القديم في إحدى المدارس، بينما دخلت كتائب الزنكي حي صلاح الدين تحت راية التوحيد».
ووفقاً للمصدر فقد «واجه النظام هذا التحرك بتحريك رتل من الدبابات على أوتوستراد مساكن هنانو ــ الانذارات، وبدأت الاشتباكات، فتم تدمير ثلاث دبابات واغتنام واحدة».
واصل مسلحو «التوحيد» انتشارهم باتجاه حي باب النيرب، حيث اشتبكوا هناك مع آل بري الموالين للنظام، وقاموا بتصفية زينو برّي بعد أسره، وتعذيبه، موجهين إليه تهمة «تزعم شبيحة تلك المنطقة»، وقد دانت «منظمة العفو الدولية» في آب 2012 هذه الحادثة، مؤكدةً أنها «تمثل انتهاكاً خطيراً للقانون الإنساني الدولي وجريمة حرب».
مسلحو «النصرة» يقاتلون
إلى جانب مسلحي «التوحيد»
دخلت كتائب «نور الدين زنكي» حي صلاح الدين تحت راية «لواء التوحيد»، وكانت «جبهة النصرة» قد تشكلت بشكل سري، وشارك مقاتلوها تحت لواء التوحيد في معركة «الإذاعة»، وكان معظم هؤلاء من المُخلى سبيلهم من سجن صيدنايا بموجب العفو العام في حزيران العام 2011.
سيطر المسلحون على عدد كبير من أحياء حلب خلال فترة قصيرة نسبياً، وأعلن «التوحيد» الأحياء الممتدة بين صلاح الدين والصاخور «أحياء محررة، في معارك سقط خلالها عشرون شهيداً من لواء التوحيد»، وفقاً لمصادر من داخل اللواء.
لم يلبث الجيش السوري أن شنَّ عملية واسعة لاستعادة حي صلاح الدين، استمرت قرابة شهر، ونجح في استعادة الحي، لكنّ العملية لم تكن «أم المعارك»، ولم تُسفر عن إنهاء الوجود المسلّح في حلب كما أُعلنَ في بدايتها.
ولاحقاً لذلك، أعلنت كتائب «نور الدين الزنكي» انسحابها من «لواء التوحيد»، والعودة إلى الريف الغربي، بينما تقدم مسلحو «التوحيد» باتجاه الأحياء المحيطة بثكنة هنانو، وسيطروا عليها، محاصرين الثكنة.
ظهرت «النصرة» إلى العلن، واقتحم مسلحوها ثكنة هنانو إلى جانب مسلحي «التوحيد»، قبل أن ينجح الجيش السوري باستعادتها، عبر قواتٍ مدعومة بدبابات «تي 82»، وبمؤازرة جوية ومدفعية، فانسحب «التوحيد» و«النصرة» بعد تفريغ الذخيرة وبعض الأسلحة الموجودة في الثكنة، وبدأت بعدها «معركة حلب القديمة»، حيث تمركز مسلحو «التوحيد» فيها، واحترقت أسواق حلب التاريخية، وسط اتهامات متبادلة حول المسؤولية عن ذلك.
العلاقة مع «الإخوان المسلمين» والسلفيين
قدّم «الإخوان المسلمون» دعماً كاملاً لـ«التوحيد» منذ نشوئه، وبرغم ذلك يؤكد قادة اللواء أن «هذا لا يعني تبعية اللواء للإخوان».
وتؤكد مصادر معارضة لـ«السفير» أن نفي قادة «التوحيد» لا يعدو كونه نفياً إعلامياً، أما على أرض الواقع فثمة تنسيق كامل بين اللواء وبين الجماعة، وتذهب مصادر أخرى إلى حد اعتبار التوحيد الذراع العسكرية الأولى للجماعة في سوريا، مشيرة في هذا الصدد على وجه الخصوص إلى العلاقة الوطيدة بين «حجي عندان» وبعض قادة الجماعة.
اللافت أن اللواء يقيم أيضاً علاقات طيبة مع السلفيين، ويتولى التنسيق معهم حجي مارع، الذي تربطه علاقات وطيدة بمشايخ السلفيين، ومنهم على سبيل المثال عضو مجلس الأمة الكويتي وليد الطبطبائي.
تؤكد مصادر ميدانية معارضة لـ«السفير» أن «لواء التوحيد» يُشكل نموذجاً فريداً من نوعه لجهة قدرته على التنسيق مع أطراف متضاربة التوجهات السياسية، سواء منها الداخلية أم الخارجية.
وتعتبر هذه المصادر «لواء التوحيد» عاملاً أساسياً في التقارب بين الإسلام السياسي المتمثل بـ«الإخوان المسلمين»، والمدعوم تركياً وقطرياً، وبين الإسلام السلفي المدعوم سعودياً وكويتياً.
تجدر الإشارة في هذا السياق إلى تقرير للباحث رافائيل لوفيفر نشر في معهد «كارنيغي»، ونقل فيه عن ناشط غير إخواني شارك في تمويل المجموعات المسلحة قوله «لقد التقيت مع أعضاء في لواء التوحيد، في مرحلة معينة أخذوا المعونة من الاخوان المسلمين، ولكنهم أخذوا أيضاً من السلفيين، وأخذوا من الجميع. لم يكن دافعهم إقامة تحالفات، بل قالوا إننا سنأخذ المساعدات من كل من يعطيها».
كما تجدر الإشارة إلى أن مقاتلي اللواء كانوا في فترة من الفترات يضعون عصائب سوداء على رؤوسهم، مكتوبا عليها عبارة «لا اله إلا الله محمد رسول الله»، لكن في فترة لاحقة تم الاستغناء عن هذه العصائب، لمصلحة عصائب بيضاء لم تحمل أية عبارة.
اللواء في الوقت الراهن
حاول «التوحيد» أخذَ شكل مؤسسة، لا يقتصر نشاطها على العسكري فقط، فقد قام بإنشاء «مؤسسة التوحيد الطبية»، و«مؤسسة التوحيد الإعلامية»، ويبلغ عدد أفواجه العسكرية 38 فوجاً، تضمُّ قرابة 11 ألف مسلح، ويضم اللواء في الوقت نفسه حوالي عشرة آلاف إداري!
يصرف التوحيد لعناصره رواتب غير دورية على شكل مكافآت، ويتميز بنشاطه الإعلامي الكبير، ويطلق عليه البعض «لواء التصوير».
وتؤكد مصادر ميدانية معارضة لـ«السفير» أن اللواء تهلهل في الشهور الأخيرة، وأن مقاتليه ينقصهم التدريب والتأهيل، ولا يتمتعون بثقل نوعي، وكان دوره في المعارك خلال الشهور الستة الأخيرة رمزياً فحسب، حيث وافقت بعض الفصائل التي لا ترغب بالظهور الإعلامي لطبيعتها السرية على نسب المكاسب التي كانوا يحققونها لـ«التوحيد»، كما حدث في معركة «اللواء 80» المجاور لمطار حلب المدني.
يُجاهر قادة اللواء بالحياد تجاه خلافات بقية الألوية، ويفاخرون بالعلاقات الطيبة مع الجميع، ما يتيح لهم لعب دور الوسيط في حل الخلافات، وآخرها في النزاع الدائر بين «داعش» و«عاصفة الشمال» في إعزاز.
لدى اللواء سجن خاص به، بالإضافة إلى محكمة شرعية، كما شكّل في آب 2012 ما سُمي «مكتب الأمن الثوري». وبعد تشكيل المكتب بشهرين عُقد اتفاق مع الألوية الأخرى تم بموجبه منح «مكتب الأمن الثوري» سلطات أوسع، فجرى إنشاء وحدة عسكرية خاصة للمكتب، وتتكوّن من مسلحين من كل لواء يبقون أعضاء في وحداتهم الأصلية. كذلك عند الضرورة، يمكن لهذا المكتب أيضاً الاعتماد على التعزيزات، وخصوصاً من «لواء التوحيد».
يسعى اللواء لتكريس حكم إسلامي في سوريا، ويقول إن «الأقليات يجب أن تلقى تعاملاً متساوياً كمواطنين»
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق