الثلاثاء، 7 يناير 2014

الانقلاب على «داعش»

حرب ضروس بعيداً عن جبهات الجيش السوري
الانقلاب على «داعش»

مسلحون على احد الحواجز في ريف ادلب امس الاول خلال التفتيش عن عناصر «داعش» (رويترز)
علاء حلبي
بين ليلة وضحاها، ومن دون سابق إنذار، تحول تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)، إلى عدو مشترك لجميع الفصائل المسلحة في سوريا، فأعلنت جميعها الحرب عليه، لتفتح عشرات الجبهات، ويبدأ التنظيم بالتقهقر أمام تمدد الفصائل «الإسلامية» الأخرى، والتي ينشط معظمها تحت مسمى «الجيش الحر».
قبل أيام، أعلنت مجموعة فصائل مسلحة محلية مغمورة في محافظتي حلب وإدلب (وهي «كتائب نور الدين الزنكي الإسلامية»، «لواء الأنصار»، «تجمع فاستقم كما أمرت»، «لواء الحرية الإسلامي»، «لواء أمجاد الإسلام»، «لواء أنصار الخلافة»، «حركة النور الإسلامية»، «لواء جند الحرمين»، «الفرقة 19» وفصائل أخرى)، عن تشكيل تجمع جديد حمل اسم «جيش المجاهدين».
وجاء في بيان تأسيس «جيش المجاهدين» أنه أنشئ بهدف قتال «داعش»، الذي اتهمه بأنه «تنظيم تكفيري قام بسبي الناس والتعدي على حرمات الدين».
وقال زعيم «جيش المجاهدين» الشيخ توفيق شهاب الدين أن «تجمعه مفتوح الأبواب لجميع الفصائل التي ترغب بالانضمام لقتال داعش».
هي دعوة ما لبث أن أطلقها «جيش المجاهدين» حتى تلقفتها معظم الفصائل «الإسلامية» و«الجهادية» المقاتلة في الشمال السوري، لتندلع عشرات المعارك، وسط تغطية إخبارية دقيقة من مختلف وسائل الإعلام، في ما يبدو أنه جاء بتخطيط مسبق.
«جبهة النصرة، حركة أحرار الشام ولواء التوحيد جميعها تقاتل الآن ضد داعش»، يقول مصدر «معارض».
ويضيف المصدر في حديثه إلى «السفير»، «يبدو المشهد كما تناقلته وسائل الإعلام أن المعارك تدور بين مسلحين تابعين للجيش الحر أو جيش المجاهدين، وجهاديي داعش، ولكن الحقيقة على الأرض مختلفة، فجميع الفصائل تقاتل الآن ضد داعش. بعضها يقاتل بشكل علني، فيما تعمل فصائل أخرى على إرسال المقاتلين والسلاح تحت مسمى الجيش الحر أو جيش المجاهدين»، موضحاً أن «بعض الفصائل تخشى أن تنقلب المجريات على الأرض، ولذلك تتحاشى الدخول في حرب مفتوحة مع تنظيم تمكن من القضاء على معظم الفصائل المسلحة الجهادية في العراق، كما تمكن من بسط نفوذه بشكل كبير على الأرض السورية خلال فترة وجيزة».
ويقول مصدر من مدينة الأتارب، التي خسر فيها «داعش»، أول معاركه مع الفصائل المعارضة، إن من قام بطرد «الدولة الإسلامية» هم مقاتلون من «لواء التوحيد» أرسلوا لمؤازرة «جيش المجاهدين» وعملوا تحت كنفه، حيث تمكنوا من طرد التنظيم وإعادة السيطرة على المدينة.
ويضيف «كذلك هي الحال في مدينة حلب، فجبهة النصرة وحركة أحرار الشام يقاتلان داعش في بعض أحياء حلب الخارجة عن سلطة الحكومة (الكلاسة، صلاح الدين)».
ويوضح أن «ثأراً قديماً بين حركة أحرار الشام («حاشا») التي يجمعها تحالف استراتيجي مع جبهة النصرة يقف وراء قيام الحركة بشن الحرب على داعش»، مستشهداً بحوادث سابقة كان قد قام فيها «داعش» باغتيال «جهاديين» من «حاشا»، إضافة إلى الخلاف الكبير بين «داعش» و«النصرة».
وفي وقت لا يخفي فيه مصدر «جهادي» أن تكون قوى غربية وعربية تقف وراء الحرب على «داعش»، يشير إلى أن الفصائل استغلت انشغال «داعش»، بحربه في مدينتي الرمادي والفلوجة ضد القوات العراقية ما تطلب من التنظيم نقل مجموعة كبيرة من عناصره إلى العراق، لشن الحرب التي تهدف إلى إنهاء وجود «داعش» بشكل نهائي على الأرض السورية، مضيفاً إن «الدلائل الأولى تشير إلى أن تنظيم داعش يتقهقر أمام الجبهات العديدة التي فتحت ضده، حيث خسر عدة مناطق وبلدات ومقار مهمة كان يسيطر عليها».
وتشير التطورات على الأرض إلى أن «داعش» تراجع بسرعة وفقد السيطرة على بلدات كان سيطر عليها في وقت سابق أمام زحف الفصائل المعارضة، أبرزها بلدة أطمة الحدودية مع تركيا، والتي تمكنت «جبهة النصرة» من السيطرة عليها بعد مواجهات عنيفة مع «داعش»، في وقت تندلع فيه معارك عنيفة في منطقة اعزاز الحدودية أيضاً مع تركيا في ريف حلب الشمالي، ما يذكّر بالسيناريو الذي تمكنت خلاله «جبهة النصرة» و«حركة أحرار الشام» من السيطرة على مدينة الرقة، عبر الزحف من الحدود التركية الى ريف المدينة ومنها إلى الوسط، قبل أن يتمكن تنظيم «داعش» من اختراق مدينة الرقة وبسط نفوذه على مناطق واسعة منها إثر معارك مع «أحرار الشام» وهي حركة «إسلامية جهادية»، خلال عملية مد نفوذه على عدة مناطق في سوريا إثر انشقاق عناصر من «جبهة النصرة» والتحاقهم بـ «داعش».
وخلال مسيرة «داعش»، التي لم تتجاوز فترة وجوده على الأرض السورية كتنظيم مستقل الثمانية أشهر (أطلق في نيسان الماضي)، فقد قام بفتح عدد كبير من الجبهات مع فصائل معارضة، حيث قام ببسط نفوذه على مدينة اعزاز الاستراتيجية، وعلى مناطق عديدة من حلب والرقة، كما أقام عدة «إمارات» تابعة له في الريفين الحلبي والإدلبي، ما خلق له عداوات عديدة مع الفصائل المسلحة على الأرض، ساهمت بتأجيج الحرب التي اندلعت ضده.
وفي آخر التطورات الميدانية، تمكن مسلحون يتبعون لعدة فصائل «إسلامية» معارضة من اغتيال «أمير داعش» في الأتارب، كما قاموا بمحاصرة مقرات التنظيم في مدينة منبج بريف حلب، وشن هجوم عنيف على الدانا واطمة الحدودية بريف إدلب، والتي تعتبر أحد أهم معاقل «داعش»، مجبرة مقاتلي «داعش» على الانسحاب منهما، في حين يقوم مسلحون تابعون لـ «لواء التوحيد» بشن عدة هجمات على مراكز تابعة للتنظيم في ريف حلب الشمالي، بالتزامن مع هجمات يشنها مسلحو «حركة أحرار الشام» على مقرات «داعش» في بلدة مسكنة بريف حلب الشرقي، حيث تمكنوا من السيطرة على «معمل السكر» الذي يعتبر أحد أبرز معاقل التنظيم.
بدوره، أصدر تنظيم «داعش» بياناً وعد من خلاله بـ «محاربة كل من تورط في الحرب ضده»، مشبهاً الحرب التي يتعرض لها في سوريا للحرب التي خاضها في العراق ضد من أسماهم «الصحوات».
وجاء في البيان، الذي أصدرته ما تسمى «وزارة الإعلام» في تنظيم «داعش»، «والذي رفع السماء بلا عمد لن تضيع دماء إخواننا هدراً، لا والله، فأبشروا بما يقضّ مضاجعكم أيها المفسدون».
وأصدر بياناً صوتياً اتهم من خلاله الفصائل التي تقاتله بـ«التآمر لاجتثاث الدولة (الإسلامية) قبيل مؤامرة (مؤتمر) جنيف»، مشيراً إلى أنه يمهل «كافة الفصائل مدة 24 ساعة لرفع الحواجز المخصصة لقطع الطرق عن جهادييه، وعدم الاعتداء على أي من عناصره، والإفراج عن الجنود والمهاجرين، وإلا سينسحب من الجبهات الموجودة مع النظام (السوري): جبهة الشيخ سعيد، نبل والزهراء، كويرس، نقيرين، المحطة الحرارية، خان طومان، ومعارة الأرتيق».
واصدر «جيش المجاهدين» بيانا جاء فيه «بعد التقدم الكبير الذي حققه جيش المجاهدين في حلب وإدلب بكف يد تنظيم (زعيم داعش ابو بكر) البغدادي عن عدة بلدات ومناطق كانت تحت سيطرته وطرده منها، وأسر ما يقارب الـ 110 عناصر من التنظيم والاستيلاء على أسلحة ثقيلة كانت توجه نحونا، تطل علينا أبواقه على وسائل التواصل الاجتماعي لتكفيرنا ووصفنا بصحوات الشام ورمينا بالتهم الباطلة». ودعا «أنصار الدولة الإسلامية إلى الانشقاق عنه والالتحاق بصفوف أخوانكم المجاهدين الصادقين المرابطين على ثغور سوريا ضدّ نظام (الرئيس بشار) الأسد».
كما قام تنظيم «داعش» بتفجير سيارتين عند حاجز مشترك لعدة فصائل معارضة في منطقة عندان في ريف حلب، ما تسبب بسقوط عدد من القتلى والجرحى.
وأعلن «الائتلاف الوطني السوري» المعارض، في بيان أمس الأول، عن دعمه «الكامل للمعركة التي يخوضها مقاتلو المعارضة ضد ميليشيات الأسد وقوى القاعدة التي تحاول خيانة الثورة».
من جهة أخرى، لم تشهد الجبهات التي يقاتل عليها الجيش السوري أي تطورات تذكر، في وقت تشتد فيه المعارك بين الفصائل المسلحة من جهة و«داعش» من جهة أخرى، في مشهد يبدو للوهلة الأولى أنه «سيجتث داعش من سوريا»، في حين يشدد مصدر «جهادي» على أن هذه الحرب ستطول كثيراً، مذكّراً بماضي «داعش» في العراق وتمكّنه من القضاء على معظم الفصائل «الإسلامية» و«الجهادية» التي وقفت في طريقه، قبل أن يختم بالقول «معظم مقاتلي داعش موجودون الآن في العراق، فور عودتهم ستنشب معارك أخرى، يبدو أنها ستكون أكثر دموية».


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق