الثلاثاء، 7 يناير 2014

«القاعدة».. النشأة العسكرية والتطور العقائدي وتمدد الأذرع (2)

«القاعدة».. النشأة العسكرية والتطور العقائدي وتمدد الأذرع (2)
الغزو الأميركي للعراق.. يوسّع نفوذ التنظيم

مقاتلان أفغانيان من «طالبان» يطلقان النار على الطائرات الأميركية من دون طيار في تورا بورا في كانون الأول العام 2001 (أ ب)
علي شقير
النسخة الأولى من تنظيم «القاعدة» كانت استمراراً لاستقبال وتدريب نماذج صاغها أصلاً عبدالله عزام وأسامة بن لادن، للمتطوعين العرب للانضمام إلى «المجاهدين» الأفغان خلال العام 1980.
استخدم بن لادن ملاذات آمنة للعمل في السودان وأفغانستان، لتدريب المقاتلين الأجانب وتلقينهم ودمجهم في الصراعات الإسلامية في جميع أنحاء العالم، في وقت كان ينمي فيه أيضاً المؤامرات على نحو متزايد ضد الولايات المتحدة.
بن لادن ونائبه الأول أيمن الظواهري، صمما ووضعا المبادئ الأيديولوجية لـ«القاعدة» من ناحية استخدام العنف بطريقة مركزية، كآلية العمل المحددة مع تسلسل قيادي مدعم، فضلاً عن آليات التمويل.
كان الهدف من هجمات أيلول استفزاز الولايات المتحدة من أجل إعلان الحرب على العالم الإسلامي، وبالتالي تحريض المسلمين. وكان تنظيم «القاعدة» يأمل أيضاً أن تساعد الهجمات على بث رسالته إلى الجمهور العالمي. إلا أن هذه العوامل، التي جعلت التنظيم يعمل بحرية تامة، سرعان ما تلاشت بعد هجمات الحادي عشر من أيلول.

2001 ـــ 2002
من تورا بورا إلى باكستان

من وجهة نظر تنظيم «القاعدة»، كانت هجمات الحادي عشر من أيلول بمثابة نجاح فاق أقصى طموحاته. وخلال عملية تحضير الجماعات الإرهابية لهجمات 11 أيلول، لم تظهر الولايات المتحدة سوى استجابات محدودة للهجمات على سفاراتها، وحتى على السفن البحرية الأميركية.
أيقظت الهجمات على برجي التجارة العالميين الولايات المتحدة، والرأي العام الدولي بشكل غير مسبوق. وبحلول تشرين الأول في العام 2001، بدأت الضربات الجوية الأميركية، وعملية نشر قواتها الخاصة في أفغانستان. كان بن لادن وأعضاء تنظيم «القاعدة» حينها في شراكة مع «طالبان». كان «القاعدة» في أفغانستان، يواجه احتمال الفناء.
في ذلك الوقت، أصبحت تورا بورا مخبأً للتنظيم، بينما طوّقت القوات الأميركية أفغانستان، ودمرت جيوب حركة «طالبان». ومع حلول شباط في العام 2002، كان بن لادن وكوادر التنظيم الأساسية، مطوقة في تورا بورا من قبل القوات الأميركية المتكاملة مع الميليشيات المحلية. ومع ذلك، فإن العلاقات الطويلة لبن لادن في أفغانستان، أنقذته وقواته.
في ليلة ليلاء، تراجع بن لادن وبعض رفاقه من تورا بورا إلى باكستان، وحال وصوله إلى هناك، لم يعد بإمكان القوات الأميركية ملاحقته عسكرياً.
وفي هذه الفترة، أُلقي القبض على بعض عناصر «القاعدة» الرئيسيين في باكستان، بما في ذلك خالد شيخ محمد، وأبو زبيدة. ولكن بن لادن والظواهري، والعديد من الأعضاء الرئيسيين الآخرين، تكاملوا في ما بينهم لبدء قيادة «القاعدة» عالمياً، من مسافة بعيدة. وبدلاً من استضافة معسكرات التدريب في ملاذات آمنة ومحمية، بدأ بن لادن ونوابه بإعطاء الأوامر لجواسيسهم في بلدان عدة.
وأظهرت الهجمات في كينيا، والمغرب، وتركيا، وتونس، وفي وقت لاحق تفجير نظام مترو لندن في العام 2005، برهنت أن «القاعدة» وهو في باكستان قادر على السيطرة.
وأصبح بن لادن، أو ما يشار إليه باسم «تنظيم القاعدة المركزي»، هو المقر العالمي لتوفير التوجيه الأيديولوجي، والدعاية، ودليل الهجمات، وتوزيع الموارد. وخلال وجوه في باكستان، حدثان مهمان أثرا كثيراً على تنظيم «القاعدة»: ظهور الإنترنت، والغزو الأميركي للعراق.

2003 ـــ 2011
من العراق إلى اليمن

في هذه الفترة، كان يأمل «القاعدة» أن يحوّل نفسه من منظمة إلى حركة أوسع نطاقاً، فضلاً عن نشر قاعدته إلى بلدان عربية أخرى. ووفقاً لهذه الخطة يكون العراق مركز «الجهاد» لإعداد الكوادر للميادين المستقبلية.
فوجئ بن لادن وقيادة «القاعدة» تماماً، إذ انه بعد عام واحد فقط من مطاردتهم في تورا بورا، غزت الولايات المتحدة العراق.
غزو العراق حول تركيز الولايات المتحدة من متابعة منفذي هجوم الحادي عشر من أيلول، إلى إزالة نظام صدام حسين، الذي لم يكن له أي دور في هذه الهجمات. سقط نظام صدام في العراق بسرعة، ولكن هذا النجاح السريع، خلق فراغاً أمنياً، سهّل عمل التنظيم في البلاد.
وفي العام 2003، تأسست في العراق مجموعة «جهادية» اسمها «جماعة التوحيد والجهاد»، أعلنت ولاءها رسمياً لبن لادن في العام 2004، ليصبح «تنظيم القاعدة في العراق»، بقيادة أبو مصعب الزرقاوي، الذي قام بسلسلة من الهجمات ضد أهداف أميركية وضد الشيعة.
قام الزرقاوي بتنشيط وإعادة تنظيم «القاعدة» الذي تراجع في وقت سابق، ليبدأ جولة ثانية من استقطاب المقاتلين الأجانب للسفر والقتال في العراق. وبعد اندلاع حركة تمرد ضد القوات الأميركية في العراق، نما التنظيم بشكل أكبر وأقوى، وأكثر عنفاً.
وفي العام 2006، تم اعتراض رسالة من أيمن الظواهري في باكستان، كانت موجهة إلى الزرقاوي في العراق. كانت الرسالة توعز الزرقاوي إلى السيطرة على العنف ضد الشيعة والمدنيين، إذ انها كانت تخلق ردود أفعال عنيفة ضد التنظيم.
وفي الوقت نفسه، أصبحت شبكة الإنترنت فرصة كبيرة لـ«القاعدة». وفي ظل عدم قدرة القادة على الاتصال المباشر مع الأنصار عبر وسائل الإعلام التقليدية، بدأت المواقع الإلكترونية للتنظيم تظهر لتوفير التوجيه الأيديولوجي، والمراجع، ودليل التدريب، وتوجيه الأهداف، بالإضافة إلى لقطات فيديو تظهر هجمات «القاعدة» في أفغانستان والعراق.
في الوقت الذي كان فيه التنظيم في حاجة إلى الحفاظ على أمن عملياته، استفاد «القاعدة» من الإنترنت، الذي سمح له بالاستمرار في التواصل مع الرجال الذين وجدوا ضالتهم عبر الجهاد في العراق.
في العام 2006، قتلت القوات الأميركية أبو مصعب الزرقاوي، وأصبح «القاعدة» في العراق أكثر عنفاً وطائفية من أي وقت مضى، ما أدى إلى النفور منهم بالكامل.
ولكن خطوط الإمداد بالمقاتلين الأجانب إلى العراق تواصلت قوية خلال العام 2007، إلا أنه نتج من ذلك عنف مفرط، بالإضافة إلى انتهاكات القوات الخاصة الأميركية، ما أدى إلى تراجع دعم القبائل السنية العراقية، التي سئمت القتل العشوائي. وبعد تضاؤل السيطرة العملياتية للتنظيم المركزي، بدأ «القاعدة في جزيرة العرب» بالعمل على ملء الفراغ.
عودة إلى العام 2005، كانت خلايا التنظيم في السعودية قد بدأت بالتحضير لشن هجمات ضد أهداف حكومية، وخصوصاً ضد المنشآت النفطية السعودية.
الصراع في العراق المجاور أوحى لأعداد كبيرة من السعوديين بالسفر إلى الشمال لمحاربة الأميركيين، قبل عودتهم إلى بلادهم. الأعضاء السعوديون المخضرمون من التنظيم، والعائدون مؤخراً من العراق، بدأوا بالتجمع في داخل المملكة لبدء التمرد.
قامت الحكومة السعودية بحملة صارمة ضد خلايا «القاعدة»، ما أسفر عن مقتل واعتقال العديد من الأعضاء الرئيسيين، وفرار الناجين خارج البلاد، لجأ الكثير منهم إلى اليمن.
مع بداية العام 2003، تم تدمير معظم عناصر التنظيم في اليمن، أو سجنهم. وقام اليمنيون أيضاً، بالقبض على آخرين أثناء الاشتباك مع المقاتلين العائدين إلى البلاد. ومع ذلك، فإن عمليات التطهير السعودية من مقاتلي «القاعدة»، جنباً إلى جنب مع عمليات الهروب من السجن في اليمن، نفخ حياة جديدة في التنظيم في اليمن.
وفي العام 2009، تعاضد أعضاء التنظيم السابق في السعودية مع قدامى المقاتلين في اليمن، لتشكيل ما سُمي «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب».
وبالإضافة إلى ذلك، دفعت زيادة ضربات الطائرات من دون طيار في باكستان، وتراجع الاهتمام في العراق، قدامى المقاتلين والمجندين الجدد، إلى اليمن، حيث عزز ناصر الوحيشي، أحد المعاونين الشخصيين لبن لادن، وسعيد علي الشهري، وهو معتقل سابق في غوانتانامو، الموارد الإقليمية للتنظيم، الذي بدأ سلسلة من الهجمات.
«القاعدة في جزيرة العرب» استقطب أيضاً، رجل الدين اليمني الأميركي أنور العولقي، الذي سرّع النداء العالمي للمجموعة من خلال الوعظ على شبكة الإنترنت.
اتخذ «القاعدة في جزيرة العرب» زمام المبادرة في قيادة الهجمات الخارجية ضد الغرب، بتدبير محاولات هجوم متطورة، في محاولة لإسقاط طائرة ركاب فوق الولايات المتحدة في يوم عيد الميلاد في العام 2009، وتركيب قنابل في خراطيش الطابعات الآلية، التي يتم شحنها بالطائرات.
العلامة الفارقة في ظهور «القاعدة في جزيرة العرب»، كانت من خلال زيادة الغارات الأميركية بالطائرات من دون طيار في اليمن، ما يشير إلى تحول في تصور التهديد الذي يشكله التنظيم على أراضي الولايات المتحدة.

معركة أفغانستان الدائمة

فيما كان العراق المرحلة المركزية، فإن الحرب مع تنظيم «القاعدة» في أفغانستان وباكستان كانت مستمرة. ولو بشكل هزيل، لم يتوقف تدفق المقاتلين الأجانب إلى باكستان لمحاربة الولايات المتحدة في شرق أفغانستان.
وفي الوقت نفسه، أصبح التنظيم متأصلاً في الصراع الباكستاني، ما ساعد على دعم معركة «طالبان الباكستانية» مع الحكومة المركزية. ساعد اتحاد «طالبان باكستان» وتنظيم «القاعدة» في ترسيخ التنظيم كمقر عالمي للإرهاب، حتى بدأ استهدافه بالطائرات الأميركية من دون طيار.
ومع ازدياد الغارات في العام 2008، بدأت هذه الهجمات على معاقل حركة «طالبان باكستان» بإلحاق خسائر كبيرة في صفوف التنظيم. وللمرة الأولى، بدأت الخسائر في القيادة، بإبطاء التنسيق العالمي لـ«القاعدة».



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق