| ||||||||
منذ انتخابه رئيسا للائتلاف السوري المعارض وإلى ما بعد استقالته، ظل الشيخ والمهندس والسجين السابق أحمد معاذ الخطيب يثير الجدل بخطاباته ومبادراته التي تغرد خارج السرب. وما بين صورة السياسي والثائر على بروتوكولات الدبلوماسية وبين الداعية الديني الغريب عن دهاليز السياسة، تتفاوت آراء المعلقين في تجربة الخطيب التي ما زالت تدور في مدار مساعي إنهاء الأزمة السورية رغم تخلي الخطيب عن منصبه.
في هذا الحوار رأى أن مؤتمر جنيف 2 صنع لتمرير تفاهمات دولية حول سوريا، وعبر عن تأييده مشاركة المعارضة فيه. تاليا النص:
لنبدأ من 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، فبعد المداولات الساخنة بالدوحة بين قيادات المجلس الوطني ومعارضين مستقلين، وبعد ما تسرب عن الجدل بشأن أطروحة رياض سيف لتشكيل تكتل جديد يمرر تسويات سياسية وتفاؤل قيادات المجلس بفشله، فوجئنا بالإعلان عن تشكيل الائتلاف الوطني وانتخابكم رئيسا له. فما هو هدف تأسيسه ولماذا تم انتخابكم؟
كان السيد رياض سيف يبحث عن صيغة لتجميع قوى المعارضة ضمن "مجلس حكماء" يضم نحو 15 شخصا، وكان يبحث عن أشخاص من التيار الديني، ووُضع اسمي عرَضيا ضمن قائمة المرشحين، ثم دعيت للاجتماع ممثلا لدمشق، فقبلت استجابة لضغوط ناشطين على أن يختاروا بديلا فيما بعد، ثم طرح اسمي للرئاسة فرفضت بالبداية، لكن ضغوطا من كل الأطراف السورية دفعتني للقبول، وذكرتُ على الملأ أني سأعطي نفسي فرصة أربعة أشهر ثم أتخذ قراراً نهائياً بشأن الاستمرار.
شهد الائتلاف حراكا سياسيا مكثفا لم نعهده من المجلس الوطني، فكانت لكم لقاءات كثيرة مع صناع القرار في العالم مقرونة بوعود طموحة. هل جاء هذا النشاط نتيجة لنوايا دولية سابقة على تأسيس الائتلاف أم نتيجة لنشاطك الشخصي؟ أم لعوامل أخرى؟
العوامل كلها اجتمعت آنذاك، فالعالم كان متشوقا للتعرف على الائتلاف، وقمعُ السوريين جلب آنذاك تعاطف كثير من القوى المدنية والسياسية، وأنا مقتنع برفض التقوقع وبمحاولة التأثير في القوى الدولية مهما كانت الصعوبة، لكن طريقة الأداء المتواضعة لاحقا أدت إلى خسارة كثير من ذاك التعاطف.
مبادرات
في فبراير/شباط 2013 قدمتَ مبادرتك المشهورة للحوار مع النظام مشفوعة بشرط الإفراج عن 160 ألف سجين وإصدار جوازات سفر للاجئين، ما أثار موجة نقد كبيرة ضدك، فقيل إنك اعترفت بشرعية النظام وقدمت له فرصة لتصعيد العنف، ما تعليقك؟
لا يمكن القول بأني منحته فرصة لتصعيد العنف لأن النظام لديه إستراتيجية مسبقة للقمع وتمتد لسنوات قادمة، وأعتقد أنه يتمتع برؤية لأفق بعيد في مقابل معارضة لا ترغب بامتلاكها.
وفيما يتعلق بالاعتراف بشرعية النظام، فأنا لا أتعامل مع مثل هذه المصطلحات الفاترة التي لا تؤدي لنتيجة، فالنظام موجود ونحن مضطرون للتعامل مع هذا الواقع خروجاً من المأساة، وماذا عن تعامل النبي الهادي مع كفار قريش في الحديبية؟ هل يستطيع أحد الزعم بأنه اعتراف بشرعية المشركين؟
أما الشعار الذي يرفعه بعض الزملاء وهو "أنا لا أصافح اليد الملطخة بالدماء" أراه مقولة غوغائية يرددها من يعيش في أوهام التاريخ، فهناك من المعارضين من يشارك بسفك دماء السوريين سواء قصدَ ذلك أم لا، وترديد هذه المقولات عبر الإعلام يزيد في تجييش الرأي العام بعيدا عن الحلول الواقعية.
إذا سلمنا بذلك، فإن منتقدي المبادرة قالوا إنك لم تستشر أحدا فيها، وإن مبادرة بهذا الحجم قُدمت شخصيا من قبلك بعد أداء صلاة الاستخارة ثم نشرتها على صفحتك الشخصية في موقع فيسبوك. كيف ترد؟
لن أقول إن الفكرة خطرت لي نتيجة تفكير طويل بل ثمرة لفكر إستراتيجي أؤمن به قديما، فعندما نواجه مشكلة نعلم أنها ستنتهي إلى نتيجة حتمية فلنحاول أن نذهب إليها مبكرا. ولا أنكر أن المبادرة طُرحت بطريقة تخلو من الأعراف الدبلوماسية، لكنها لقيت قبولا دولياً على أعلى المستويات، وحركت المياه الراكدة في طرفي الموالاة والمعارضة.
أما التعريض بالاستخارة أتى في سياق ما يشبه الحملة، فوجود شخص إسلامي أزعج الكثيرين، وعلي أن أوضح أن الائتلاف عقيم سياسياً ويهدر وقتا مديداً من غير طائل لمناقشة قضايا صغيرة، وأعضاء الائتلاف يعرفون أني طالبت كثيرا بتغيير طريقة الأداء، لكن إستراتيجيات العمل الآن تمنعني من ذكر التفاصيل.
وماذا عن المبادرة الثانية التي قدمتُها للهيئة العامة بعد المشاورة؟ لقد خنقتها العقليات الحزبية قبل أن يتعالى عليها النظام، وربما كنا قد حقنا دماء عشرات ألوف الأبرياء.
جنيف2
نعيش الآن أجواء ما قبل جنيف2 الذي عُلقت عليه الآمال بعد فشل المحاولات السابقة، وهو مهدد أيضا بالفشل بعد إعلان الجبهة الإسلامية المقاتلة والمجلس الوطني رفضهما للمؤتمر، فهل تتوقع نجاحه؟
جنيف2 لم يُصنع لينجح بل لتمرير تفاهمات دولية، ورغم ذلك إذا سألتني إن كنت أؤيد مقاطعته فسأقول لك لا.
وعلينا اقتناص كل فرصة وتحويلها لصالحنا، فالنظام كسب نقطة لصالحه بقرار البعض الانسحاب، والحكمة تقتضي أن نضغط على المجتمع الدولي ونجمع القوى المدنية والعسكرية لدعمنا، أما المقاطعة فهي أسهل الحلول للتخلي عن المسؤولية.
قلتَ سابقا إنك تنصح المعارضة المسلحة بالمطالبة بتمثيل واسع لها بجنيف2 لتشارك في القرار الذي قد يُتخذ في غيابها ويُفرض عليها. ألا ترى أنها قد تضع نفسها في فخ سياسي لا تقدر على التخلص منه بل تعطيه الشرعية بمجرد مشاركتها؟
الذهاب إلى جنيف2 بدون كفاءة مناسبة هو مأزق كبير، والمطلوب هو الذهاب إلى المؤتمر بطاقم تفاوض قوي يملك رؤية واضحة ويتمتع بالتوافق، وعندها سنقلب الطاولة على النظام لأنه أضعف مما نظن.
أتساءل لماذا لا يسارع ممثلو القوى إلى المشاركة وإحراج الأطراف التي تتلاعب بالقرار السوري؟ وإذا كانوا يخشون من تعرضهم لفخ فأنا أعذرهم، ولكن هذا لا يلغي المبدأ الذي يوجب علينا الاستفادة من أي فرصة، فلدينا كفاءات تفاوضية محترفة.
النظام يحاول كسب الوقت، والمعارضة لا تقوم بدور سياسي يجعل القرار في يد السوريين وحدهم، بل تتسول الدعم السياسي من بعض أصدقائها الافتراضيين، والذين لم تفهم حتى الآن أن بعضهم من داعمي النظام.
الاستقالة
أثارت استقالتك في مارس/آذار 2013 جدلا لا يقل عما أثارته المبادرة، وذكرتَ في عدة مواضع أن ثمة ضغوطاً ومؤامرات كانت تجري خلف الكواليس ودفعتك للاستقالة، كما انتقدك كثيرون فيما اعتبروه تراجعا عنها أو حتى استخدامها كورقة للمزايدة، فكيف تعلق؟
قد يكتب الله لي لاحقا ذكر أسماء من كانوا يقولون إن الائتلاف لا يجوز له التحول إلى مؤسسة، ويكفيك دليلاً على ذلك واقعه العجائبي، وقد أعلنتُ في الجلسة الثانية للائتلاف أني لا أستطيع قيادته بدون هيئة سياسية تنفيذية، ولكن كل الأطراف الحزبية حاربت الفكرة وأفشلت محاولة تشكيل الهيئة ست مرات، وبعد أن اعترضتُ بكلام قاسٍ وافقوا على تشكيل هيئة استشارية مؤقتة وغير فاعلة.
أضف إلى ذلك ما رأيته منذ اللقاءات الأولى من تلاعب دولي بالسوريين، فأدركت أن هناك نية في خداع الناس باستثمار رئاستي للائتلاف وتمرير تفاهمات لم أستطع إيقافها ولا يمكنني قبولها.
إذن هل نسمي استقالتك انسحابا؟
لا تهمني المصطلحات وأعتبرها نوعاً من القيود الساذجة، وأنا لم أنسحب لأنعزل في جزيرة نائية، بل بقيت متابعا وفاعلا قدر المستطاع، وقمت بنشاطات على مستويات عالية لتفعيل الدعم السياسي، ولو كان العمل الفعال ممكنا في قيادة الائتلاف لما استقلت، غير أني وجدت أن الإصلاح من الداخل غير ممكن.
يقال إنك تراجعت عن الاستقالة لاحقا ثم أعدت تقديمها، فما حقيقة ذلك؟
استقلت مرة واحدة وكنت أنتظر موافقة الهيئة العامة، ثم ذكرتها أمام وزراء خارجية أصدقاء سوريا احتجاجاً على المواقف الدولية المتخاذلة، فانتهزت بعض الأطراف الأمر لتزعم أني أتراجع، والحقيقة أني واصلت عملي حتى انتخاب رئيس جديد وفقا للقانون.
حل الأزمة
هل ترى أن حل الأزمة سيكون سياسيا أم عسكريا؟
هناك تفاهمات دولية تعمل بمقولة "دع الخصمين الشريرين يتقاتلان حتى النهاية ثم ساعد الأضعف منهما" والهدف هو إخراج سوريا مدمرة، فلا النظام ولا الثوار قادرون على الحسم. أرى أن إيجاد أي مبادرة سورية تعتمد على التفاوض مع دعم الداخل لإخراج البلد من المأزق هو فريضة شرعية وسياسية ووطنية.
نُقل عنك أنك لا تمانع التوافق على استمرار النظام في الحكم ضمن حكومة توافقية بعد خلع الأسد وعائلته وترضية روسيا وإيران، بما يسمح على المدى البعيد بضعضعة النظام وإنهائه بدلا من تدمير ما بقي من البلد. هل هذا صحيح؟
ليس الأمر هكذا، وهذا النظام لا يجوز أن يستمر بحال. لكن الأمر لا يمكن أن يحصل بطفرة، لذا فإن تفاهماً حتى مع النظام نفسه ضروري، وقد يعتبر البعض طرحي نوعاً من التبسيط المخل لكني لا أوافق على ذلك، فمصطلح النظام نفسه غير متفق عليه، والنظام رغم غروره يعيش مأزقا حقيقيا، فإيجاد مخرج للجميع هو أنسب الحلول، وتستطيع أن تقرأ في التجربة البولونية لتغيير النظام شاهدا على ذلك.
قيل إن مسؤولين غربيين هددوا قيادة الائتلاف بأنها إذا لم تتفق مع النظام فسيغلقون حدود البلد ويتركون السوريين ليتقاتلوا حتى الفناء، هل هذا صحيح؟
نعم قيل شيء قريب من هذا، وأرادوا به الاستجابة لرؤيتهم وإلا فإنهم سيغرقون البلد بمزيد من الخراب، وهذا يمكن أن يحدث مع استمرار الصلف من كافة الأطراف، ويمكن أن يفشل في حال التكاتف.
وفق تلميحاتك وما طرحته الآن في الحوار، ووفقا لما يقال بين مؤيدي الثورة على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن الجسد السياسي للمعارضة لا يملك المؤهلات الكافية لتبني الحل السياسي، فما الذي يدفع الناس إذن للتفاؤل؟
الشعب السوري صمد لنحو ثلاث سنوات أمام أكثر أنواع الآلات العسكرية توحشا، ودعك من الصمت الدولي المخجل. أؤمن بأن الشعب لن ينكسر طالما أدرك ضرورة التوحد، وأن توحد 40% فقط من الناشطين سيغير كثيرا في المعادلة الدولية، وأنا متفائل بعد أن رأيت القدرات الكامنة للسوريين، ولا ينبغي أن نسير في طريق فشل فيه آخرون.
استقرأنا آراء ناشطين داخل سوريا مؤخرا، واستنتجنا وجود تململ بسبب طول الأزمة وما طرأ من اقتتال بين الثوار، فضلا عن تردي الوضع الإنساني. هل تخشى انتقال الوضع من ثورة تطالب بالكرامة إلى حرب طائفية مفتوحة؟
الشعب السوري ذو جَلَد فائق، ويكفي أن الفترة المظلمة لم تطفئ توقه إلى الحرية والكرامة، كما لم ينجح الدفع باتجاه أن يقاتل بعضه بعضا، ولكن الانحدار في أي مزلق قد يؤدي لاستمرار الوضع عشر سنوات إضافية، أي فناء سوريا أرضاً وشعباً أو على الأقل إنهاكها بطريقة غير قابلة للعلاج.
هل تحمّل بعض قوى المعارضة مسؤولية استمرار الوضع لإصرارها على مواصلة القتال دون اكتراث لرأي الشارع؟
بالتأكيد ، فكل عمل عسكري لا يقترن برؤية سياسية ثاقبة لن يؤدي إلى نتيجة، فما معنى زج الناس في الصراع دون أن يرافقه العمل على إيجاد مخرجات مناسبة؟ أرى أن هذا سيسبب تآكل الدعم الشعبي الذي لا تنجح الثورات بدونه.
ماذا تقول لكل من الجبهة الإسلامية، المجلس الوطني، الائتلاف الوطني؟
أقول للإخوة في الجبهة إنه ينبغي أن تكون لديهم رؤية سياسية بعيدة النظر، ولا تقيد نفسها بقيود غير ضرورية. وأقول للمجلس الوطني إن المواقف المتصلبة قد تكون كالملح للطعام لكن لا يجوز أن تكون فلسفة حياة. أما الائتلاف فأرى أنه يخسر كل يوم أوراقا إضافية، وأدعوه إلى تنظيف نفسه وخصوصاً من الرشوة والمحسوبيات.
أدعو الجميع للخروج من العقلية الانتقامية الثأرية، فمع اعترافنا بأن كثيرين خسروا أموالهم وأهلهم وبأن الخسارة لن يعوضها شيء، لكن المعاناة لن تضيع عند الله وسيذكرها الناس والتاريخ، وهناك فجر قادم إلى وطن نعيد بناءه لمستقبل أبنائنا الجديد.
|
السبت، 11 يناير 2014
الخطيب: جنيف2 لتمرير تفاهمات دولية وأدعو للمشاركة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق