الخميس، 9 يناير 2014

هل تحققت نبوءة «الدولة الإسلامية» بالحرب مع «الصحوات»؟

هل تحققت نبوءة «الدولة الإسلامية» بالحرب مع «الصحوات»؟
«الفتنة» تعزز الفراق بين «داعش» و«النصرة»

شبان يتظاهرون امام مدخل احد مقار «داعش» في حلب أمس الاول مطالبين بوقف الاقتتال بين المسلحين (ا ف ب)
عبد الله سليمان علي
حرب «الجهاديين» ضد بعضهم البعض متوقعة منذ أشهر طويلة، ولم يكن أحد يشكك بإمكانية وقوعها. فالسؤال كان دائماً متى وليس «هل» تقع؟.
ويمكن القول إن تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) كان من أوائل من تنبأ بهذه الحرب، وربما انتظرها على أحرّ من الجمر، بينما كانت الفصائل الأخرى سواء «الجيش الحر» أم «الجبهة الإسلامية» وغيرها من التشكيلات المستحدثة، تتفاوت في مواقفها من احتمالات وقوعها، بحسب المعطيات الميدانية من جهة، وبحسب إرشادات وتوجيهات الدول الداعمة من جهة أخرى.
فقد تضمن التسجيل الصوتي الأخير للمتحدث باسم «داعش» أبي محمد العدناني، والذي جاء بعنوان: «لك الله أيتها الدولة المظلومة» الصادر عن مؤسسة «الفرقان» في حزيران الماضي، كلاماً واضحاً بخصوص توقعات قيادة «الدولة الإسلامية» بنشوب حرب ضد من يسمون في أدبيات «داعش» بـ«صحوات الشام»، لا سيما أن الهدف من التسجيل الصوتي كان تبرير الأحداث التي شهدتها مدينة اعزاز بريف حلب بين «لواء عاصفة الشمال» و«الدولة الإسلامية» في ذلك الوقت، والتي تشابه، وإن على نحو مصغر، الأحداث التي تجري حالياً في أكثر من منطقة سورية بين «داعش» من جهة وبين فصائل «الجيش الحر» و«الجبهة الإسلامية» من جهة ثانية.
وكانت العبارة الجوهرية التي نطق بها العدناني، والتي شكلت النبوءة التي تحققت بالفعل هي قوله: «وان الصفوف لا بد أن تتمايز ولن تتمايز إلا بالفتن». وقد وردت هذه العبارة في سياق حديث العدناني عن «الصحوات» التي تسعى أميركا إلى تشكيلها لتواجه بها «المجاهدين» على حد قوله، مشيراً إلى أنه لا يعقل أن «جميع الفصائل على إطلاقها الموجودة في الشام خرجت في سبيل الله أو لنصرة المستضعفين، بل إن في هذه الفصائل من لا يشك الناس أنه من شبيحة النظام وأنصاره وضعاف النفوس والجهلة والمنحرفين ممن يسهل إغراؤهم والتغرير بهم».
وإذا كانت الأحداث قد فرضت على العدناني أن يجدد الحديث عن حرب «الصحوات» وتمايز الصفوف بسبب معارك اعزاز بين «الدولة الإسلامية» مع «عاصفة الشمال» وما جرته عليها من انتقادات، فالحقيقة أن هاجس «الصحوات» خالط تفكير «داعش» ورجالها و«أمرائها» منذ أن وطأت أرجلهم الأراضي السورية، للمرة الأولى، تحت مسمّى «جبهة النصرة» في بدايات الأزمة السورية. وللمفارقة، فإن أول جهة تُوجه إليها تهمة «الصحوات» كانت «حركة أحرار الشام»، التي تهيمن اليوم على «الجبهة الإسلامية»، وتشارك في الحرب ضد «داعش».
لذلك من الصعب القول، لا سيما بعد التنبؤات السابقة وتخصيص «أحرار الشام» بتهمة «الصحوات» منذ البداية، إن تنظيم «الدولة الإسلامية» قد تفاجأ بالحرب التي شنت ضده خلال الأيام الماضية، بل من غير المستبعد على الإطلاق أن يكون قد استعدّ لها على جميع الأصعدة، ورهن نسبة كبيرة من الإمكانيات التي لديه لمواجهة هذه اللحظة. إذ رغم الفوضى الكبيرة التي انتشرت على وقع المعارك في مناطق عديدة من الشمال السوري، يلاحظ أن الجماعات التابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية» تعاملت بكثير من الروية والهدوء وبعيداً عن التشنج والانفعال، فانسحبت من حيث ينبغي أن تنسحب، كما في أطمة، وضربت عندما أمكنها أن تضرب، عبر التفجيرات التي هزت في وقت قياسي حواجز خصومها في أكثر من مكان، مثل تل رفعت ومنبج، واقتحمت وسيطرت في أماكن أخرى مثل مدينة حريتان.
قد تكون التجربة العراقية مع «صحوات» العشائر، أكسبت «داعش» خبرة كبيرة في مواجهة مثل هذه الظروف والحالات، وهو ما انعكس من خلال ردة فعله الهادئة، التي تنطلق من وعي أن ما يحدث اليوم سيكون له ما بعده، وليس نهاية الصراع وإنما بدايته، فصراعه مع «صحوات» العراق مضت عليه سنوات، وهو ما زال مستمراً حتى الآن. علاوةً على أن تنظيم «الدولة الإسلامية» لا يمكنه أن يعيش إلا في وسط معادٍ له، لأن اتفاقه مع أي جهة أو فصيل يعني إعطاءه شرعية لهذه الجهة أو هذا الفصيل، وهو لا يعطي الشرعية إلا لنفسه، ومن أرادها عليه أن يبايع وينضم له، أي أن يصبح جزءاً من شرعيته التي لا يمنحها لغيره.
كما أن «داعش» اعتاد على التلاعب بالعواطف في حملاته الإعلامية والظهور بمظهر المعتدى عليه، رغم أنه لا يفعل شيئاً سوى الدفاع عن حياض المسلمين بحسب قوله. وقد يكون أبرز مثال على ذلك هو عنوان التسجيل الصوتي للعدناني «لك الله أيتها الدولة المظلومة». وسيلتقط تنظيم «الدولة الإسلامية» اللحظة الحالية التي تمثل ذروة الظلم الممارس ضده بحسب وجهة نظره، لينسج ردود أفعاله على منوال ما رأيناه في العراق على مدى السنوات الماضية، أي مزيداً من التشدد والعنف والإقصاء على خلفية يقين حاسم لديه بأنه يمثل «الحق» وكل ما عداه باطل.
وهذا بالضبط ما قصده العدناني من حديثه عن تمايز الصفوف، أي تمايز الحق عن الباطل، وكل فصيل أو جماعة تنحاز إلى هذا أو ذاك، فمن وقف مع تنظيم «الدولة الإسلامية» فهو مع الحق ومن وقف ضده فهو مع الباطل. ولكن إذا كانت «الجبهة الإسلامية» و«الجيش الحر» و«جبهة ثوار سوريا» و«جيش المجاهدين»، قد انحازت وتمايزت وأعلنت الحرب على «داعش»، فماذا عن «جبهة النصرة» وغيرها من الفصائل التي تدور في فلك تنظيم القاعدة العالمي، مثل «كتيبة صقور العز» و«جند الأقصى» و«الكتيبة الخضراء» و«فرسان الصحابة» و«حركة شام الإسلام» وغيرها.
الصمت خيم على الجميع، وحاولت «جبهة النصرة» أن تظهر بمظهر من يقف على الحياد، ولكن الأحداث خلال الأيام الماضية أظهرت أن «جبهة النصرة» يتنازعها أكثر من تيار تجاه الموقف من الحرب الدائرة بين «رفقاء السلاح». فقد برز موقف اثنين من القادة الشرعيين في «النصرة» هما أبو حسن الكويتي وسلطان بن عيسى العطوي، السعودي الجنسية، اللذان حمّلا «الدولة الإسلامية» مسؤولية الحرب، وبررا عدم تدخل «جبهة النصرة» لنصرة «داعش» على قاعدة أن «من أشعل النار ليطفئها وحده ولا يطلب من غيره أن يحترق بها»، وهو ما يشير إلى وجود تيار داخل «النصرة» راضٍ عن الحرب التي تخاض ضد «الدولة الإسلامية». ومن غير المستبعد أن يكون قائد هذا التيار هو «المفتي العام» للجبهة أبو ماريا القحطاني، لأن نائبه عطية الله العكيدي، ويعتقد أنه سعودي اسمه الحقيقي «معاذ»، من أكثر مسؤولي «جبهة النصرة» انتقاداً وغمزاً ولمزاً لتنظيم «الدولة الإسلامية». ففي خضم المعارك الدائرة جدد العكيدي اتهامه لـ«داعش» بأنه يقف وراء خطف «أمير النصرة في الرقة» أبو سعد الحضرمي. كما تحدث بما يشبه الشماتة عن انسحاب عناصر «داعش» من محيط بلدة عياش في دير الزور و«أسود تنظيم القاعدة يعززون المواقع التي انسحبت منها بالأسلحة الثقيلة والمقاتلين»، مشيراً إلى أن «الغزوة» الوحيدة لـ«الدولة الإسلامية» في دير الزور هي «غزوة الخير»، وقد فشلت وانسحب عناصر التنظيم إلى حلب بحسب ما كتب على حسابه في «تويتر».
أما التيار الثاني داخل «جبهة النصرة»، فهو تيار داعم لتنظيم «الدولة الإسلامية»، ومستعد للقتال إلى جانبه دفاعاً عما يسميه «المنهج»، وهذا ما تجسد في البيان الذي صدر الأحد الماضي عن «جبهة النصرة في القلمون»، والذي رفض بشكل قاطع الاعتداء على مقرات «الدولة الإسلامية» من قبل أي طرف، مشيراً إلى أن سياسة «الدولة الإسلامية» في القلمون متوازنة ومتوافقة مع حاجات المسلمين، ومؤكداً أن من يعتدي على «الدولة الإسلامية» فهو هدف مباشر لـ«جبهة النصرة في القلمون».
كذلك سجلت خلال الأيام السابقة حالات قامت فيها مجموعات من «جبهة النصرة» بالقتال إلى جانب «الدولة الإسلامية» وبشكل خاص في ريف إدلب الشمالي، كما سجلت حالات اعتقال لعناصر من «جبهة النصرة» في بعض المواقع، كما في معمل آسيا الذي سيطر عليه أحمد عفش واعتقل عددا من العناصر من بينهم اثنان من «النصرة» كانا يقاتلان إلى جانب رفاقهم في «الدولة الإسلامية». كذلك برزت مواقف فردية لعناصر من «جبهة النصرة» مؤيدة لـ«الدولة الإسلامية»، وقد يكون أبرزها موقف «خالد الروسي» من «جبهة النصرة» الذي دافع عن موقف «داعش» وأبدى استعداده للقتال إلى جانبه، مشيراً إلى خطأ الآراء التي تبناها «شرعيو جبهة النصرة» وخصوصاً سلطان العطوي وأبو حسن الكويتي.
والتيار الثالث هو «القيادة العامة لجبهة النصرة»، ممثلة بزعيمها أبي محمد الجولاني التي اكتفت في الأيام الأولى من المعارك، باتخاذ موقف بخصوص التعرض الى «المهاجرين» من أي فصيل كانوا، حيث أصدر موقع «المنارة البيضاء»، الذراع الإعلامية للجبهة بياناً مقتضباً جاء فيه «إلى الإخوة المهاجرين جميعاً، كل من يشعر بخطر على نفسه، فإن مضافات الجبهة بيوت آمنة لكم»، وطلب في المقابل من «مجاهدي النصرة» عدم ترك الثغور التي يرابطون عليها لأي سبب من الأسباب، وهذا معناه ببساطة الطلب منهم عدم التدخل في الحرب الدائرة بين الفصائل «الجهادية» بعضها بالبعض الآخر.
ثم كان الموقف الأهم الذي صدر أمس عن الجولاني، في تسجيل صوتي صادر عن «المنارة البيضاء»، وحمل عنوان «ألله الله في ساحة الشام»، وهو موقف يقترب من أصحاب التيار الأول المناهض لـ«الدولة الإسلامية»، رغم أنه يحاول الظهور بمظهر الساعي للصلح عبر تقديم مبادرة من بنود عدة، ولكن بعد توجيه انتقاد قاسٍ إلى «داعش» بأن «سياسته الخاطئة كان لها دور في تأجيج الصراع»، علاوة على تجديده اتهام «الدولة الإسلامية» بخطف الحضرمي، وهو الاتهام نفسه الذي وجهه العكيدي.
وتقوم مبادرة الجولاني على بنود عدة أهمها: تشكيل لجنة شرعية من الفصائل المعتبرة وبمرجح مستقل، ووقف إطلاق النار والقضاء في الدماء والأموال المغتصبة، والتزام الفصائل بالوقوف ولو بالقوة ضد الطرف الذي لا يلتزم بحكم اللجنة الشرعية، وتبادل المحتجزين من كل الأطراف، وتحظى الخطوط الأمامية في مواجهة النظام بالأولوية وتفتح الطرق للجميع.
لكن الأهم من هذه البنود هو التوصيف الشرعي الذي أطلقه الجولاني على المعارك الجارية بين الفصائل الإسلامية، بوصفه لها انها «فتنة»، مع تأكيده أنه يعتبر جميع المشاركين فيها، هم من المسلمين، نفياً لمن يقول بردتهم أو شركهم.
والفتنة بالمفهوم الشرعي تستوجب اعتزالها وعدم المشاركة بها، أي بمعنى آخر كأن الجولاني يحرّم مشاركة عناصر «جبهة النصرة» في القتال الدائر إلى جانب أي طرف، وهذا ما يؤكد أن موقف الجولاني يكاد يطابق موقف التيار الأول الذي يقوده أبو ماريا القحطاني.
وثمة معلومات مؤكدة حصلت عليها «السفير» من مصدر «جهادي» مقرب من «جبهة النصرة»، بأن الجولاني لم يتخذ هذا الموقف إلا بعد استشارة زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري الذي بايعه الجولاني على خلفية الخلاف بينه وبين زعيم «داعش» أبي بكر البغدادي.
ويمكن القول إن الجولاني بموقفه هذا، لا سيما بعد انتقاده العلني لسياسة «الدولة الإسلامية» واتهامها باختطاف «أميره» على الرقة، قد يكون أعلن وقوع الطلاق الثاني بينه وبين «داعش»، بعد الطلاق الأول الذي وقع في نيسان الماضي عندما رفض قرار البغدادي بالاندماج.
ولا شك أن الجولاني يدرك مخاطر هذا الموقف، لذلك ركّز في تسجيله الصوتي على قضية «المهاجرين» ولزوم حمايتهم، مغازلاً إياهم بأن وجودهم ضروري لتأكيد الاندماج الإسلامي، لأنه يدرك أن «المهاجرين» هم العمود الفقري لتنظيمه ولتنظيم «الدولة الإسلامية»، ومن يكسبهم إلى صفه فقد كسب المعركة.
فهل تتعايش «جبهة النصرة» و«الدولة الإسلامية» مع بعضهما البعض في إطار الطلاق، أم أننا سنشهد طلاقاً ثالثاً يكون هذه المرة ممهوراً بالرصاص والدم؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق