الخميس، 3 أكتوبر 2013

هل تراجعت الصوفيّة مع الثورة السوريّة؟!

هل تراجعت الصوفيّة مع الثورة السوريّة؟!

Syria's Sufi Tahleela band performs during the third annual Sufi Festival at the Royal Cultural Center in Amman, Oct. 12, 2010. (photo by REUTERS/Ali Jarekji)
  
    
  


بقلم: محمد أبو رمان ، المونيتور نشر أكتوبر 3.
شهدت الثورة السوريّة بروزاً واضحاً للتيار السلفي بألوانه المختلفة الجهاديّة والتقليديّة والحركيّة، وقد ارتبط هذا الحضور بطبيعة الثورة السوريّة التي انطلقت ونمت في الأرياف والأطراف والمدن الهامشيّة، بينما انقسمت الحركات ذات الطابع الصوفي ما بين مؤيّد للثورة ومعارض لها (موالي للنظام) وصامت من دون تقديم أي موقف معلن واضح.

عن هذا المقال

ألمؤلف: محمد أبو رماننشر: أكتوبر 3 2013
الفئات : مقالات أصيلة أمن
هذا "الكمون" الصوفي يطرح تساؤلات جوهريّة حول نمط التديّن السوري الذي طغت عليه في خلال العقود الماضية الطبيعة الصوفيّة، حول ما إذا كان سيتّجه نحو الفقه السلفي أم أنّ هذه الحالة "مؤقّتة" مرتبطة بحيثيّات الثورة، وحول ما إذا كانت الصوفيّة ستستعيد حضورها في خلال الفترة المقبلة وتحديداً في معقلها الكبير، المدينتان الرئيستان دمشق وحلب.
انقسمت خلال العقود الماضية الخارطة الصوفيّة ما بين جماعات واتجاهات متباينة في مواقفها السياسيّة، أبرزها جماعة زيد التي تأسّست على يد الشيخ عبد الكريم الرفاعي (1901-1973) في بدايات القرن العشرين والتي انتشرت في المساجد والأوساط الاجتماعيّة الشاميّة المحافظة، عبر شبكة من المساجد والعلاقات ذات الطابع المشيخي (الشيخ والتلاميذ والأتباع).
لكن الجماعة تعرّضت لضربة أمنيّة قاسية في ثمانينيات القرن الماضي وخرج زعيمها الشيخ أسامة الرفاعي (النجل الأكبر لعبد الكريم الرفاعي ووريثه في قيادة الحركة) من البلاد قبل أن يعود إليها في منتصف التسعينيّات. واستطاع الزيديّون إعادة ترميم شبكتهم الدينيّة بسرعة كبيرة، بل والتوسّع والانتشار في الأوساط الشاميّة. وقد شهد العام 2002 سابقة في السياسة السوريّة عندما زار الرئيس السوري بشار الأسد شيخ الجماعة أسامة الرفاعي، بخلاف التقاليد السياسيّة السوريّة التي تقول بزيارة رجال الدين الرئيس.
الجماعة الثانية هي "القبيسيّات" وهي حركة نسويّة من حيث التكوين والاهتمام، لكنّها لا تتبنّى أجندة نسويّة بالمعنى الحقوقي والسياسي الغربي. نشطت هذه الحركة على يد شيختها منيرة القبيسي (مواليد العام 1933) في ستينيات القرن الماضي في أوساط النساء البرجوازيات السوريات، لتوسّع انتشارها لاحقاً وتنشئ مدارس وجمعيات في سوريا وخارجها (في الأردن ولبنان والكويت). وهي اتّخذت طابعاً صوفياً دينياً دعوياً وتربوياً صرفاً.
أمّا الطرف الثالث في المعادلة الصوفيّة في خلال العقود الماضية، فتمثّل في المؤسّسة الدينيّة الرسميّة وما نما على حواشيها من تجمّعات صوفيّة اتّخذت جميعها موقفاً مؤيّداً للنظام بصورة واضحة، وتحديداً في خلال مرحلة المواجهات ما بين الدولة وجماعة الإخوان المسلمين في بداية ثمانينيات القرن الماضي، إذ ملأ عدد من المشايخ الصوفيّين "الفراغ الديني" الناجم عن هجرة واعتقال العلماء والشيوخ المحسوبين على الجماعة.
وأبرز هؤلاء العلماء هو أحمد كفتارو (1915-2004) مفتي الجمهوريّة السوريّة السابق الذي بدأت علاقته مع النظام مبكراً وحظي باهتمام وصلة خاصة مع الرئيس الراحل حافظ الأسد. هو ساهم في بناء "مجمع أبو النور" في دمشق الذي استقبل آلاف التلاميذ في التعليم الأساسي والجامعي وعدد كبير من العلماء والدعاة والفقهاء.
الحراك الصوفي في خضمّ الثورة
إن حالة الهدنة السياسيّة بين النظام وأغلب الاتجاهات الصوفيّة لم تصمد في خلال الثورة، على الرغم من التأييد المطلق الذي حظي به النظام من المؤسّسة الدينيّة الرسميّة من قبل مفتي الجمهوريّة أحمد حسونة الذي أصدر فتوى رسميّة في شهر آذار/مارس الماضي تعلن وجوب الجهاد دفاعاً عن النظام السوري، فيما لقي الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي حتفه في خلال تفجير في مسجد الإيمان في دمشق أيضاً في آذار/مارس الماضي وقد تبادل النظام والمعارضة الاتهامات حول مسؤوليّة عملية الاغتيال.
لم يخرج الكفتاريّون (نسبة إلى أحمد كفتارو) عن خطّ المؤسّسة الدينيّة الرسميّة إذ التزم شيخهم الأمين العام لمجمّع أبو النور رجب ديب جانب تأييد السلطة ضدّ الثورة، فيما حاول النائب السابق محمد حبش وأحد أبرز قيادات هذا التيار الإمساك بالعصا من وسطها عبر الحديث عن طريق ثالث ما بين النظام والثورة. لكن ذلك رُفض من قبل الجانبَين على حدّ سواء، ثم انحاز لاحقاً إلى خيار الثورة.
من جهتها، اتّخذت حركة "القبيسيّات" خيار الصمت وعدم إعلان موقف واضح وصريح مؤيّد للنظام أو الثورة، إلاّ أنّ صمتها نظُر إليه من قبل القوى الثوريّة بوصفه تواطئاً مع النظام، فيما تشير أوساط في المعارضة السوريّة إلى أنّ عدداً من النساء اندمجن بالثورة بصورة فاعلة.
الاتجاه الصوفي الأبرز الذي انحاز إلى الثورة هو جماعة زيد، إذ رفض شيوخها في البدايات الضغوط الرسميّة عليهم التي طالبتهم بالتنديد بالتظاهرات والاحتجاجات ضدّ النظام. لكن على النقيض من ذلك، دعا أسامة الرفاعي إلى إطلاق سراح المعتقلين والكفّ عن تعذيبهم، مطالباً بإصلاحات سياسيّة للخروج من الأزمة.
ثم كانت نقطة التحوّل في موقف الجماعة عندما تعرّض الرفاعي نفسه إلى اعتداء بالضرب المبرّح على يد مؤيدي النظام وهجوم على مسجده وعلى أنصاره، ما استفزّ أهالي مدينة دمشق ودفع إلى خروجهم في مسيرات حاشدة في اليوم التالي تأييداً للرفاعي الذي انتقل إلى خارج البلاد مرّة أخرى مع شقيقه الأصغر وعدد من قيادات الجماعة، وأعلنوا وقوفهم الصريح والعلني مع الثورة السوريّة.
بالإضافة إلى أنصار جماعة زيد، انضمّ عدد من الشيوخ السوريّين المعروفين من أمثال محمد راتب النابلسي وتلاميذهم إلى مؤيّدي الثورة المسلحة في سوريا ضدّ النظام. وعلى الرغم من أنّ التيار الصوفي لا يمتلك حضوراً كبيراً في داخل الفصائل المسلحة مثل التيار السلفي، إلاّ أنّ مراقبين ومتابعين يؤكّدون انضمام أعداد كبيرة من الصوفيّين ومن يسمَّون بـ"تلاميذ المشايخ" إلى العمل الثوري المسلّح ومشاركتهم في تأسيس فصائل وانخراطهم في أخرى.
بين الصوفيّة والسلفيّة: آفاق المستقبل
يُنظر إلى الصعود السلفي في المشهد السوري الراهن بوصفه نقيضاً للصوفيّة التي تعاني حالة من الركود، ويحيله مراقبون إلى أنّ التيارات والاتجاهات الصوفيّة البارزة عقدت في خلال العقود الماضية "هدنة" غير معلنة مع النظام السوري، فضلاً عن أنّ ثمّة اتجاهات منها تحالفت معه ضدّ الفصائل الإسلاميّة الأخرى بينما طغت الصبغة الصوفيّة على المؤسّسة الدينيّة الرسميّة.
ومن أسباب "الركود الصوفي" أنّ الثورة المسلّحة الحاليّة انطلقت من الأرياف ونمت فيها، بينما المدن الكبرى الرئيسة مثل دمشق وحلب لم تدخل على خطّ الثورة إلا في مرحلة متأخّرة، وربما أُقحمتا إقحاماً فيها.  ومن المعروف أنّ الحركات الصوفيّة الكبرى تنشط في "الأوساط المدينيّة"، وهي متحالفة مع الطبقات البرجوازيّة والتجّار وتحظى بحضور واسع فيها.
على الرغم من ذلك، فإنّ انزياح الصراع المسلّح نحو الطابع الطائفي وشعور الأغلبيّة السنيّة بالتهديد الوجودي يضعان الشريحة العظمى من هذه الطائفة على الجهة المقابلة للنظام والداعمة للثورة المسلّحة. وهو ما يفرض على الاتجاهات الصوفيّة الاختيار ما بين مجتمعها أو الانحياز للنظام، وسينحاز أغلبها في النهاية إلى المجتمع، مع تراجع سطوة النظام الأمنيّة وسيطرته. فالركود الراهن مرتبط بالظرف الحالي وبخيارات "الصوفيّين" السياسيّة أكثر منه بمدى نفوذها الاجتماعي!


Read more: http://www.al-monitor.com/pulse/ar/contents/articles/opinion/2013/10/syria-sufi-salafi-war-islam.html#ixzz2ggmcWCsj

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق