واشنطون -- كانت سوزان رايس، مستشارة الامن القومي الجديدة لأوباما، تجتمع كل يوم سبت مع عدد من المستشارين في مكتبها في البيت الابيض لتضع خطة مستقبل امريكا في الشرق الاوسط . ,وأدت عملية مراجعة السياسة، التي تمثلت في نوعا من تصحيح المسار، الولايات المتحدة الي وضع توجه جديد في منطقة من أكثر المناطق اضطرابا .
وقد حدد الرئيس اوباما في الأمم المتحدة الشهر الماضي الأولويات التي تبناها نتيجة للمراجعة . فصرح بأن الولايات المتحدة ستركز علي التفاوض مع ايران للوصول لاتفاق والوساطة في السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين وتخفيف حدة القتال في سوريا . وأي مسألة اخري ستكون في المرتبة الثانية .
وسيشمل ذلك مسألة مصر التي كانت عمودا أساسيا من اعمدة السياسة الخارجية الامريكية . وأوعلن اوباما الذي حيا الجماهير في القاهرة في 2011 وتعهد أن يصغي الي صرخات التغيير التي تتردد في كل انحاء المنطقة أن هناك حدودا لدعم الولايات المتحدة الامريكية للديمقراطية سواء كانت هناك او في البحرين او ليبيا او تونس أو اليمن.
وقالت السيدة رايس التي ناقشت المراجعة للمرة الاولي في احدي اللقاءات الاسبوع الماضي أن هدف الرئيس هو تجنب جعل أحداث الشرق الاوسط تبتلع أجندة سياسته الخارجية كما حدث مع الرئيس الذي سبقه .
وقالت" لا يمكن أن نستنفذ طاقتنا سبعة ايام في الاسبوع واربعة وعشرون ساعة في منطقة واحدة حتي لو كانت بتلك الأهمية " وأضافت " لقد رأي الرئيس أن الوقت مناسب للتراجع واعادة تقييم الموقف ونفهم المنطقة بلا قيود "
وهذا النهج الجديد ليس فقط ليس الا القليل من القواسم المشتركة مع " أجندة الحرية" التي اعلنها جورج بوش بل تمثل تراجعا عن الدور الأكثر توسعا الذي تلعبه الولايات المتحدة والذي عبر عنه السيد اوباما نفسه منذ عامين قبل أن يتحول الربيع العربي الي عنف طائفي وتطرف وقمع عنيف .
تمثل الخطة التي وضعت في نهاية العطلات الصيفية في البيت الابيض نموذجا للبراغماتية - تجنب استخدام القوة ولا يتم الرد الا علي في حالة الاعتداء علي الولايات المتحدة او حلفائها أو تعطيل امدادات البترول أو او شبكات الارهاب أو اسلحة الدمار الشامل . بمعني أنها ليس مقصود منها نشر الديمقراطية باعتبارها مصلحة أساسية .
وكان هذا التحول في السياسة الامريكية بالنسبة للسيدة رايس، التي كانت مهمتها اليومية منذ تولت المنصب في 1 يوليو عبارة عن شلالات من الازمات من سوريا الي الي الضجة التي أثيرت حول عمليات التجسس التي قامت بها وكالة الامن القومي الامريكي، وسيلة لتضع بصمتها علي أولويات الادارة الامريكية .
وقال المسؤلين أن النقاش كان قويا في كثير من الاحيان وسوف تؤثر نتائجه علي بقية المدة الرئاسية لاوباما .
وفي ظل الأفكار المنقوشة علي السبورة والملحوظات المكتوبة علي الورق الذي يغطي جدران مكتبها ، سأل فلريق السيدة رايس أكثر الاسئلة بساطة : ما هي مصالح امريكا الاساسية في الشرق الاوسط؟ كيف غير التغير المفاجئ في العالم العربي موقف الولايات المتحدة ؟ وماذا يأمل اوباما أن يحقق واقعيا ؟ وما الذي ليس في متناول يده ؟
الاجابة كانت بخطة متواضعة - خطة تعطي أولوية للدبلوماسية وتحد من المشاركة وتثير الشكوك اذا ما كان اوباما سيستخدم القوة العسكرية في أيما وقت من الاوقات في منطقة تعج بالصراعات .
تري السيدة رايس، البالغة من العمر 48 عاما، والتي خدمت كسفيرة في الامم المتحدة، أن هذه الخطة تمثل لها بصمة غير معهودة . وهي تعتبر مفكرة سياسية واثقة من نفسها متخصصة في السياسة الخارجية ومعروف عنها دفاعها الضاري عن حقوق الانسان وتناصر التدخل العسكري عند الضرورة . وكانت من الذين أقنعوا اوباما بدعم الحملة الامريكية في ليبيا لتجنب قتل الثوار علي يد القذافي .
وقال المسؤلين أن اوباما أدار النقاش طالبا تقارير رسمية في غرفة العمليات وتقارير أقصر أثناء خلال اطلاعه علي التقارير المخابراتية اليومية في البيت البيضاوي . وأعطي مستشاريه مهلة ضيقة لخطابه في الامم المتحدة الشهر الماضي ودفعهم لتطوير مواضيع معينة، مستوحاة من رحلته المبكرة في الايام الاولي للربيع العربي .
في شهر مايو 2011 قال أن الولايات المتحدة ستدعم الديمقراطية وحقوق الانسان والسوق الحرة بكل الوسائل "الدبلوماسية والاقتصادية والاستراتيجية التي في حوزتنا " . لكنه قال في الامم المتحدة الشهر الماضي " نادرا ما سنحقق هذه الاهداف من خلال العمل الامريكي المنفرد -خصوصا التحرك العسكري " .
ويقول النقاد أن هذه السياسة الامريكية المعدلة لن تحمي الولايات المتحدة من الاخطار في الشرق الاوسط . ويقولون أن الولايات المتحدة بتراجعها ستتفاقم لديها الأزمات تلو الأزمات .
وقالت تمارا كوفمان ويتيس، مديرة مركز سابان لسياسة الشرق الاوسط في معهد بروكينز ، " يمكن أن يكون لك أجندة لكنك لا تستطيع السيطرة علي ما يحدث . والقول بأننا لا نستطيع أن نحدث تغيرا حاسما وبالتالي لن نحاول هو قول مغلوط "
وقال محللين اخرين أن الادارة أصابت حين ركزت علي الدبلوماسية علي النمط القديم مع ايران وعملية السلام في الشرق الاوسط ، لكن تقليلها من شأن دور مصر التي، رغم مشاكلها، تظل حليفا استراتيجيا هاما للولايات المتحدة ودولة رائدة في المنطقة .
وقال ريتشارد هاس، الذي شغل منصبا في وزارة الخارجية أثناء ادارة بوش وهو الان رئيس مجلس العلاقات الخارجية " لا تزال مصر تمثل حالة لاختبار هل ستتم مرحلة انتقالية سياسية سلمية في العالم العربي . لكن الادارة الامريكية صامتة الي حد كبير بهذا الخصوص وتبدو في حيرة من أمرها حول ما تفعله "
لم يصرح البيت الابيض بأن خلع الجيش للرئيس المصري محمد مرسي في يوليو الماضي انقلابا عسكريا، وهو ما كان يستطلب قطع كل المساعدات المقدمة للحكومة . وعبر بدلا من ذلك عن استيائه عندما علق بشكل مؤقت تسليم بعض المعدات العسكرية وفوض وزارة الخارجية بالاعلان عنها .
وأنكرت السيدة رايس ومسؤلين اخرين تنحية مصر علي الهامش وقالوا أن السياسة وضعت للحفاظ علي نفوز امريكا في مصر . وقالوا ايضا أن الولايات المتحدة ستواصل ترويج الديمقراطية، حتي لو كان هناك حدودا لما في قدرتها القيام به، ناهيك عن العفبات التي يلاقيها الرئيس عند طلبه من الجمهور الامريكي الذي ضاق ذرعا من الحروب . وقال فيليب غوردون، منسق شئون الشرق الاوسط وشمال افريقيا في مجلس الامن القومي ، " كان سهلا علينا أن نكتب للرئيس خطابا بطريقة تحمينا من النقاد . حاولنا أن نكون أمناء وواقعيين "
شارك السيد غوردون في جلسات يوم السبت ، بجانب اثنين من نواب السيدة رايس ، أنتوني بلينكر وبنجامين روديس، مستشار الامن القومي لجاك سوليفان نائب الرئيس، ليزا موناكو، مستشارة الرئيس لمكافحة الارهاب، واخرين .
كانت مجموعة ضيقة لم تضم احدا من خارج البيت الابيض، في تناقض واضح لمراجعة اوباما سياسات امريكا في افغانستان في 2009 حيث ضم العشرات من المسؤلين من وزارة الخارجية ووزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية . وقالت رايس أنها احاطت وزير الخارجية جون كيري علما أثناء وجبات الغداء الاسبوعية .
بعض الاولويات كانت واضحة . يمثل انتخاب حسن روحاني في ايران فرصة جيدة وربما اخيرة للغرب لوقف برنامجه النووي . السيد روحاني لديه تفويض لتخفيف العقوبات المفروضة علي ايران وأشار الي رغبته في التفاوض .
لكن يبدو أن هناك أهدافا اخري فرضت من قبل أفراد أكثر مما فرضتها السياسة . فبعد نقاش شديد قررت المجموعة أن تجعل من عملية السلام في الشرق الاوسط الاولوية القصوي - رغم الفشل في التوسط للوصول الي اتفاق أثناء الفترة الرئاسية الاولي - من ناحية لأن وزير الخارجية جون كيري يريد أن يلعب دور صانع السلام .
ويعود التغير في السياسة الامريكية، أكثر من أي شيئ اخر، الي رغبة اوباما أن يدير بصره الي مكان اخر، اسيا بشكل خاص . فقد أجبر اغلاق الحكومة بالفعل الرئيس علي الغاء رحلته الي جنوب شرق اسيا، وهو القرار الذي أغضب السيدة رايس التي كانت ترغب في مرافقة الرئيس لتقحم نفسها في جزء من العالم لا خبرة لها به .
وقالت السيدة رايس " العالم كله هناك . ونحن لنا مصالح وأولويات مع هذا العالم كله " .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق