الاثنين، 14 أكتوبر 2013

جماعتين متنافستين تنتميان لتنظيم القاعدة تتحصن في سوريا بخليط من البراغماتية والقتال

مقاتلين من جبهة النصرة الجهادية يقفون علي سيارة بيك اب تحمل رشاش اثناء قتال قوات النظام في قرية عزاز في الضواحي الجنوبية لحلب . 




تركيا - بعد فترة قصيرة من قتل عناصرها 14 طفلا عراقيا شيعيا في قصف لمدرسة في هذا الشهر, قامت الجماعة التي كانت تعرف باسم تنظيم القاعدة في العراق بارسال مقاتلين الي القري السورية الشمالية يحملون اوامر باعادة فتح الفصول الدراسية السنية المحلية . وقام المسلحين بتوزيع الكتب الدينية بجانب حقائب الظهر التي تحمل اسم الجماعة الجديدة : الدولة الاسلامية في العراق والشام . 

وعلي بعد اربع ساعات بالسيارة من الشرق تقوم جبهة النصرة الفصيل المنافس لتنظيم القاعدة بوضع برنامج للتوظيف في مدينة الشدادي الصحراوية التي احتلتها جبهة النصرة في شهر فبراير . وأعاد الاسلاميين تشغيل أحد حقول البترول التي توقفت بسبب الحرب وأقاموا مصنعا للغاز الطبيعي الذي يعد في الوقت الحالي مصدرا للدخل لمدينة الشدادي ولحكامها الجدد .

 وأصبحت الجماعتين الثوريتين المرتبطتين بوضوح بالشبكة الارهابية التي أسسها بن لادن بؤرة مخاوف الغرب من تصاعد نفوز الجهاديين داخل حركة الثورة السورية . بعد عامين ونصف من بداية الصراع في البلاد يواصل الاسلاميين الاستيلاء علي الاراضي .وتظهر عليهم علامات الصمود . 

وقال فلسطيني اردني يبلغ من العمر 23 عاما قال أن اسمه ابو عبد الله في لقاء معه في الاردن وهو يقاتل مع احد الالوية الثورية المتحالفة مع الاسلاميين : "  كلانا لديه نفس العقيدة سواء جبهة النصرة او الدولة الاسلامية . هدفنا تحرير الاراضي الاسلامية ورفع العلم الاسلامي هناك " . 

بروز الجماعتين كمقاتلين او كقائمين علي التجنيد او كما شهدنا مؤخرا كقائمين علي الادارة المحلية يبدو في تزايد رغم سعي ادارة اوباما دعم الثوار السوريين المعتدلين العلمانيين بالاسلحة والتدريب . وتظهر الدراسات المتعددة المستقلة وتقديرات مسؤلي المخابرات الغربيين والشرق اوسطيين تقدم الاسلاميين المتشددين بكل المقاييس وهو ما يقوض الجهود الغربية لايجاد بديل ديمقراطي للرئيس بشار الاسد . 

اشتبكت الجماعات المرتبطة بالقاعدة مع مع الجماعات الثورية الاخري ومن وقت لاخر كانت تشتبك مع بعضها البعض وقد ابعد استخدامهم للمقاتلين الاجانب ومحاولاتهم فرض ايدولوجيتهم المتطرفة بعض السوريين الذين اعتادوا علي الحاة العلمانية . 

وقال محمد عبد العزيز الناشط في شمال وسط مدينة الرقة والذي يقول أن الدولة الاسلامية للعراق والشام جرمت التدخين وتقوم بعمليات اعدام علنية : " الوضع هنا سيئ للغاية . الكثيرين فروا لتوهم  من المدينة وينوي المزيد غيرهم الفرار " . 

لكن سوريين اخرين أيدوا الجهاديين ورحبوا بعودة النظام المدني في مدن دمرتها شهور من القتال . 

قال مقاتل سوري يبلغ من العمر 22 عاما عرف نفسه باسم ابو بحري في حوار معه هنا أن 100 شخص من مدينة عزاز انضموا الي دولة الاسلام بعد ان اصابهم الاحباط من عدم كفاءة  لواء عاصفة الشمال الاكثر اعتدالا والتي كانت تتولي شؤن المدينة . وفشل الغرب في وقف نزيف الدماء قوي من رسالة المتطرفين . وقال محمد سعيد الذي يعمل في المساعدات الانسانية من مدينة تدمر ويعمل حاليا في مدينة ريحانلي الحدودية التركية : " أنا اساندهم لانهم يكرهون الولايات المتحدة ويكرهون الغرب الذين خدعونا " . 

قال احمد جوال التميمي الخبير في الجماعات الجهادية السورية في منتدي الشرق الاوسط وهي منظمة بحثية لا تهدف للربح ومقرها واشنطون : " الاسلاميين في سوريا لديهم مستوي من الانضباط لم يتمتعوا به ابدا في العراق . " .وقال بالاضافة لمهاراتهم القتالية والتنظيمية  يبدو انهم استوعبوا دروس العراق حيث أخافت الهجمات العشوائية التي ارتكبتها  القاعدة ضد المدنيين العراقيين العاديين ونفرتهم منهم مما دمر شبكة الدعم التي كان يتمتع بها الارهابيين . 

وقال التميمي : " لقد تعلموا انهم بحاجة الي التقرب الي السكان المحليين فلن يستطيعوا استغلالهم تماما " واضاف ان الجزء الاساسي في هذه الاستراتيجية هو " التقرب الي الاطفال " . 

وبعد انجاز التعاطف تصبح الفرصة مواتية لجبهة النصرة التابعة لفرع تنظيم القاعدة في العراق والذي تحالف علنا مع ايمن الظواهري نائب بن لادن لفترة طويلة وخليفته كقائد لتنظيم القاعدة . فمنذ تأسيسها في اوائل العام الماضي كجماعة ثورية سورية كانت جبهة النصرة تقلل من اهمية علاقاتها بحركة الارهاب الدولية بينما تسعي للحد من الاضرار الهجمات الانتحارية والتفجيرات علي جوانب الطرق التي هي اسلحتها المفضلة ضد قوات الحكومة السورية . 

هناك تحدي اكثر صعوبة يواجه الدولة الاسلامية - وهي الجماعة الارهابية التي عادت وغيرت اسمها والتي كانت وراء حملة من الهجمات الوحشية علي اسواق وقري ومدارس الشيعة في العراق - . فكتيبة الجماعة المكونة من 8000 من السوريين الاشداء تفاخر بوجود نسبة من الجهاديين الاجانب اكبر من أي جماعة ثورية اخري - حسب ما ذكر المحللين . وفي خلال ستة شهور فقط من العمليات في البلاد أخافت واغضبت السوريين بسبب تفسيرها المتشدد للاسلام . - شملت الضرب واعدام من يرونهم ينتهكون الدين . 

ومع ذلك سعت الدولة الاسلامية في الاسابيع الاخيرة الي تحسين صورتها باعادة فتح المدارس وتقديم الطعام والعلاج والطاقة للمدن والقري التي انهكتها الحرب . قامت برعاية مسابقات أكل المثلجات ومسابقات شد الحبل للاطفال وبنت معسكرات للتدريب  يتعلم فيها الاطفال مهارات القتال ويشاركون في أغاني جماعية تدعو لدمار الاسد وحلفاؤه " الكفار الفاسدين " . 

بعض السوريين الذين لا يتفقون مع التطرف الديني للدولة الاسلامية يقولون أنهم سيقبلون بوجود هذه القوة المنضبطة المتمرسة في الحروب لو غيرت من زخم حرب تبدو متأزمة منذ شهور . 

وقال محمود الحسن البالغ من العمر 30 عاما ويعمل تاجر في مدينة شمال حلب وكان في زيارة الي تركيا بعد أن اصيب ابن عمه بطلق ناري من قناص : " اذا كانت الدولة الاسلامية دولة منظمة ولا تتدخل في حياة الناس سنرحب بهم " . 

الرؤية الجهادية المشتركة 

الوضع الراسخ للجهاديين في سوريا هو بالنسبة للحكومات الغربية هو وضع اخر مشؤوم للصراع هناك . المسؤلين الامريكيين والشرق اوسطيين يقولون أن جبهة النصرة والدولة الاسلامية هما مصدر جزب للكثير من الاموال الاجنبية ولغالبية المقاتلين الاجانب الذين يتدفقون علي سوريا . 

وما يزعج المراقبين الغربيين ليس المهارات القتالية للجماعتين بل رؤيتهما المشتركة للجهاد والتي تتجاوز اسقاط الاسد . فبينما يقاتل ثوار اخرين لاسقاط  الديكتاتور السوري يقول المسؤلين الامريكيين والشرق اوسطين السابقين والحاليين أن الجماعتين المرتبطتين بالقاعدة ستحولان الحرب الي صراع رمزي ضد الغرب واسرائيل مستخدمين كلمات وصور تلقي صدي لدي المسلمين الذين يحملون افكارهم  من شبه الجزيرة العربية الي اوروبا الغربية . 

قال ابو خالد المقاتل الذي ولد في لبنان ويبلغ من العمر 26 سنة أن ساحة المعركة في سوريا اتسعت بسبب جماعات مثل الدولة الاسلامية تطمح ان تتحول انتفاضات الربيع العربي في الشرق الاوسط  الي ثورة اسلامية اوسع يستبدل فيها كل الزعماء العلمانيين والمدعومين من الغرب . 

وقال خالد الذي تحدث الينا شريطة عدم ذكر اسمه بالكامل : " كنا نقول دائما أن أحد مشاكلنا الرئيسية هم الحكام ولن نتوقف حتي تحقيق هدفنا " . 

الالقاب الرسمية التي تبنتها كلتا الجماعتين التابعتين للقاعدة تضم الاسم العربي لسوريا الكبري - الشام - والتي يستخدمها الاسلاميين المتشددين لربط حركتهم بالخلافة الاسلامية القديمة التي حكمت جزءا كبيرا من منطقة الشرق الاوسط وعاصمتها دمشق . ويقول الجهاديين أن استخدام هذه الكلمة يستحضر صورة الشرق الاوسط في المستقبل حيث تستبدل فيه الحدود والحكومات الحالية بدولة اسلامية واحدة تضم مناطق سوريا ولبنان وفلسطين والاردن . 

وقال بروس ريدل ضابط المخابرات الامريكية السابق ومستشار في شؤون الشرق الاوسط لاربع ادرات امريكية أن دعوة الجماعتين للجهاد الاكبر تفسر سبب استمرار تدفق المتطوعين الاجانب الي سوريا بأعداد تفوق الذين رأيناهم أثناء حرب افغانستان والبوسنة والعراق  

وقال ريدل زميل معهد بروكينز : " سوريا اصبحت الوجهة الاهم  للجهاديين الطموحين لانها قلب العالم الاسلامي علي حدود فلسطين . فهي بالنسبة للجهاديين الطريق للوصول للقدس في النهاية " . 

الصراع علي السلطة 



يري خبراء الارهاب أن صعود جماعة مسلحة مرتبطة بالقاعدة من العنف الطائفي الوحشي للحرب الاهلية في سوريا أمرا حتميا . أما كيف وصل الصراع في سوريا الي اظهار فصيلين متنافسين تابعين للقاعدة فتلك قصة تعكس الصراع علي السلطة داخل حركة الجهاديين في العقد الذي تلي احداث 11 يبتمبر 2001 الارهابية . 

كلتا الجماعتين ترجع جزورها الي تنظيم عرف باسم تنظيم القاعدة في العراق الذي أسسه الاردني ابو مصعب الزرقاوي والذي اشتهر بعمليات قطع الرؤس وعمليات القصف المشهودة خلال الاحتلال الامريكي للعراق . وبعد وفاة الزرقاوي في 2006 اوشكت المنظمة علي الفناء بسبب الضغط العسكري الامريكي  ورفض معظم العراقيين السنة لأساليبهم . 

قامت الجماعة بتغيير اسمها بعد وفاة الزرقاوي واصبح " دولة العراق الاسلامية " ولكنها لم تتعافي بالكامل . كانوا مجرد حفنة من الخلايا النشطة في العراق حتي  بدأت الانتفاضة السورية وقدمت للجماعة فرصة لتعيد اثبات نفسها علي ساحة مختلفة . 

أرسلت الدولة الاسلامية مجموعة من عناصرها الي داخل سوريا في الشهور الاولي من الانتفاضة وفي اوائل 2012 أيدت تشكيل جماعة ثورية جديدة اسمتها جبهة نصرة اهل الشام  . كان قائدها ابو محمد الجولاني عضوا في المنظمة الارهابية العراقية واعترف بتلقيه اموالا من رفقائه في بغداد . 

وصفت وزارة الخارجية الامريكية في شهر ديسمبر جبهة النصرة بانها منظمة ارهابية مستشهدة بارتباطها بتنظيم القاعدة . لكن جولاني كان يقلل من اهمية أصول جبهة النصرة العراقية وكان يصر أن الهدف الوحيد للجماعة هو اسقاط الاسد . 

ولكن سرعان ما ميزت جبهة النصرة نفسها عن الجماعات الثورية الاخري باستخدامها للمقاتلين الاجانب وكذلك اساليبها العسكرية واسلحتها مثل العمليات الانتحارية التي استخدمتها في العراق واجهزة التفجير المرتجلة . 

وفي نفس الوقت نشأ صراع صامت بين جبهة النصرة ومنظمتها الام وتحول الي صراع معلن في بداية هذا العام . في 9 ابريل اعلنت المنظمة العراقية أنها ستغير اسمها مرة اخري - هذه المرة سيصبح الاسم الدولة الاسلامية للعراق وسوريا - واعتبرت جبهة النصرة الفرع السوري للمنظمة . وبعد مرور يوم رد جولاني ببيان ينكر فيه أي علاقة له بالعراقيين والولاء للظواهري زعيم شبكة تنظيم القاعدة الدولية . 

قال ناشط سوري اسمه قدار شيخموس مقيم في مدينة غازيانتيب جنوب تركيا " سوريا في فوضي جعلت حتي القاعدة تنقسم " 

تم استدعاء الظواهري للتوسط في الخلاف . واصدر المصري زو اللحية الرمادية بيانا في شهر يونيه معلنا أن الجماعتين كانتا فرعين مستقلين من فروع تنظيم القاعدة . ثم طالب الجماعتين بالتعاون . 

وكتب الظواهري في خطاب مفتوح موجه للجماعتين : " اوقفوا أي هجوم لفظي او بدني ضد الطرف الاخر " . 

وتتواصل الخلافات الايدولوجية علي شبكات التواصل الاجتماعي مثل تويتر والفيس بوك وكلتا الجماعتين تتنافسان للحصول علي الموارد . 

ورغم وجود انشقاقات علي الزعامة وخلافات حول التكتيكات والاساليب الا أن التعاون بين الفصيلين الجهاديين اكثر من المناوشات بينهم - وذلك حسب كلام خبراء من الولايات المتحدة والشرق الاوسط الذين اجروا دراسات علي تلك الجماعتين . ففي المدن المتنافس عليها مثل حلب تقاتل الجماعتين ككيانين منفصلين واحيانا ينسقون في التكتيكات . وفي مناطق اخري مثل مدينة الرقة التي يسيطر عليها الثوار كانت ولاءاتهم تتغير باستمرار .. كما  يقول الخبراء . 

قال أرون زيلين خبير الجماعات الجهادية في معهد واشنطون لسياسات الشرق الادني : " انهم يقومون بعمليات بالتوازي مع بعضهم البعض ولديهم بنية للقيادة والدولة الاسلامية تستخدم المزيد من المقاتلين الاجانب - حوالي 30 الي 40 % من اجمالي قواتها - مقابل جبهة النصرة التي تضم 10% من المقاتلين الاجانب . لكنك لا تستطيع القول ان احدهما يختلف عن الاخر فكلاهما يسبح في نفس الايدولوجية . " 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق