السبت، 26 ديسمبر 2015

موت زهران علوش

ذكرت مصادر تابعة للثوار أن صاروخا أصاب تجمع لقادة جيش الإسلام في منطقة الغوطة الشرقية اليوم، مما أسفر عن مقتل عدد منهم، بينهم محمد زهران علوش. وقالت بعض التقارير أيضا أن إحدي فصائل الثوار المتحالفة مع جيش الاسلام، فيلق  الرحمن، تم القضاء علي الكثير من قيادتها، وأن الضربة نفذتها روسيا. (الحكومة السورية تزعم أن قواتها الجوية كانت وراء الهجوم.)

وهذا الخبر خطير ومن المحتمل أن يغير ميزان القوى في الغوطة،  منطقة الضواحي والبلدات الزراعية التي تحيط بالعاصمة السورية. ويمكن أن يؤثر أيضا على عملية السلام السورية التي من المقرر أن تبدأ في يناير.

بادئ ذي بدء، هل هذا الخبر صحيح؟

 يبدوا كذلك. فوسائل الاعلام الموالية للمعارضة تعج بقصص عن موت زهران علوش ولا يوجد أي علامات تدل على وجوده علي قيد الحياة ولا يوجد  نفي  ولا أي تصريحات من رفاقه. وقد نشر كبار قادة الثوار وحلفاء زهران علوش وجيش الإسلام، ومنهم  قادة  الفصائل الرئيسية مثل جيش المجاهدين وأحرار الشام، نعيهم الشخصي على وسائل التواصل الاجتماعي. ولا تزال القنوات الإعلامية الخاصة بجيش الإسلام  تنشر تقارير عن العمليات العسكرية، لكنهم لم ينشروا حتى الآن أي شيء عن الهجوم المزعوم. وقد يعني التزام العديد من الشخصيات البارزة في جيش الإسلام  الصمت اليوم  أن بعض منهم  قد قتلوا أو جرحوا في الهجوم.

قبل حوالي نصف ساعة، أي الساعة  21.40 بتوقيت سوريا، ذكرت وكالة صدى التوحيد الاخبارية الموالية لجيش الاسلام على الانترنت على تويتر أن زهران علوش قد مات وخلفه الشيخ أبو همام بويضاني. وبعبارة أخرى، يبدو أن زهران علوش قد مات .

من هو زهران علوش؟

محمد زهران علوش (1971-2015)، المعروف أيضا باسم أبو عبد الله، هو ناشط سلفي من مدينة دوما الواقعة شرق دمشق في منطقة الغوطة. والده عبد الله علوش شيخ سلفي مقيم في المملكة العربية السعودية.

اعتقل علوش عدة مرات قبل الانتفاضة لنشاطه الديني والسياسي، وأرسل إلى "جناح الاسلاميين" في سجن صيدنايا بشمال دمشق. هناك شكل اتصالات وثيقة مع العديد من الإسلاميين السوريين الآخرين، منهم أشخاص يديرون الآن فصائل ثورية كبيرة مثل أحرار الشام. وأطلق سراحه من السجن في يونيو 2011، وسرعان ما انضم الي الانتفاضة المسلحة، وفي نهاية المطاف ظهر باعتباره الرجل القوي في منطقته الأم في الغوطة الشرقية، وكواحد من أقوي قادة الثوار في كل من سورية.

وكان أيضا أكثرهم إثارة للجدل. تأثر أنصاره بشخصيته القوية وشجاعته الشخصية، باعتباره القائد الذي يعيش مع رجاله في منطقة الحرب وزيارته لخطوط الجبهة. يعجبهم موهبته في التنظيم والسياسة ونسبوا له الفضلفي حالة شبه الاستقرار التي سادت داخل الغوطة الشرقية المحاصرة - وهي منطقة في الضواحي تتعرض للقصف والتجويع وأشبه بقدر كبير بنسخة عملاقة من قطاع غزة في فلسطين. وكانت الغوطة تتعرض لضغوط مستمر منذ بدأت الضواحي السنية المهمشة في دمشق، حيث زادت الكراهية لبشار الأسد وحكومته، في طرد أجهزة الشرطة والأمن في عام 2011 وعام 2012. ومنذ ذلك الحين والمنطقة تحت الحصار وتدير أعمالها كعالم مستقل بذاته. ولم يكن الاحتفاظ بالجبهة في دمشق حيث يركز الأسد الكثير من جيشه بالأمر الهين، ويرجع الفضل في ذلك الي رجال علوش. ولم تكن عملية التنسيق بين الثوار هناك والحد من الاقتتال الداخلي بالإنجاز القليل، وخاصة بالنظر إلى الفوضى الشاملة التي سادت في مناطق أخرى من سوريا حيث كانت الظروف أفضل بكثير. بالنسبة لكثير من أنصار المعارضة، كان الدفاع عن الغوطة الشرقية واستقرارها رغم الحرب المستمرة والقصف المدفعي، بما في ذلك استخدام غاز الأعصاب، كان كافيا لجعل زهران علوش بطلا من أبطال الثورة السورية.
                                        زهران علوش يشهد عرضا عسكريل لجيش الاسلام من علي منصة في الغوطة الشرقية في فيديو بثته الجماعة   



                                                 شعار جيش الاسلام



لكن الأساليب التي استخدمها علوش لتحقيق الاستقرار في الغوطة الشرقية لم تكن بالاساليب الجميلة. وقد وجهت اليه اتهامات بحشو الإدارة المحلية بالأصدقاء وأفراد عائلته ليطمئن أن لا أحد يمكنه أن يهدد قبضته على السلطة واحتكار الوصول إلى العالم الخارجي من خلال نظام الأنفاق وبيع المساعدات والمواد الغذائية بأسعار مبالغ فيها و قمع المعارضة بوسائل وحشية، منها التعذيب واغتيال. وكان بالنسبة لخصومه ليس بطلا بل انتهازي متعطش للسلطة أو الأسوأ من ذلك: أحد أمراء الحرب ودكتاتور عازم على الاستيلاء على القصر الرئاسي لنفسه. والبعض حتى شبه أساليبه في الحكم بأساليب بشار الأسد.

ومن جوانب عدم تسامحه مع المعارضة مطاردته الشرسة لمؤيدي الدولة الإسلامية المتطرفة. وقد كان يتسامح معهم بحذر منذ فترة طويلة، بنفس الاسلوب الذي لا يزال جيش الإسلام يتعامل به مع جبهة النصرة رغم التوتر الكامن بين الجماعتين. ولكن عندما بدأت الدولة الإسلامية في عام 2014 جديا في تحدي نظام علوش الذي شيده في الغوطة الشرقية فتح عليهم أبواب الجحيم. قام رجال زهران علوش بطرد الدولة الإسلامية من عدة أحياء في حملة قمع العنيفة جعلت نشطاء حقوق الإنسان السوريين والاسلاميين الاخرين المنافسين لعلوش يشعرون بالخوف. وفي الغالب نجح التطهير ونال الاستحسان الدولي، رغم أنها كانت حربا للسيطرة علي أراضي بقدر ما كانت صراعا عقائديا وصراعا سياسيا.

وتعرض غير المتطرفين أيضا للخطر. فقد اتهمت عائلات أربعة من نشطاء حقوق الإنسان العلمانيين المعروفين في دوما، وهي منطقة خاضعة لنفوذ جيش الإسلام،  زهران علوش بخطفهم في 2013، وذكروا أن رجالا يخضعون لقيادته هددوا الناشطين من قبل. ونفى علوش مسؤوليته عن خطفهم، وإن كان غير مقنع نوعا ما، وبدا في حيرة من الاهتمام الكبير بمصير أربعة أشخاص بينما الناس يقتلون بالالاف في الغوطة كل عام. ولكن هذه القضية جعلته عدوا لدودا للكثير من المعارضة العلمانية التي لها شبكات قوية في الخارج، وجعلت الحكومات الغربية نخجل من التعامل مباشرة مع جماعته حتى في الوقت الذي تسعى فيه الي الاعتدال في سياستها والارتباط بالعملية السياسية التي تدعمها الامم المتحدة .

وبينما كان علوش اسلامي طائفي بلا خجل، بوحي من المؤسسة الوهابية في المملكة العربية السعودية،  كان أيضا براغماتيا بما فيه الكفاية للمناورة ليشق طريقه خلال سياسات الثوار السوريين والتحول في التحالفات . ففي الماضي هدد الطوائف الدينية المسلمة من غير الطائفة السنية، ووصف العلويين والشيعة ب "الوسخ" الذي سيتم تطهيره من سوريا. وأدان الديمقراطية ووأعلن أنه يفضل اقامة دولة دينية إسلامية سنية تطبق الشريعة بالكامل. ولكن في العام الماضي، ربما بضغط من أنصاره الأجانب، بدأ علوش في محاولة تلميع صورته وكسب قبول الغرب. فقد كانت مقابلته الأخيرة مع صحفية سورية مسيحية تعمل في صحيفة امريكية تصدر على الانترنت تسمي ديلي بيست، خير مثال على ذلك. طوي علوش مخالبه وحاول أن يظهر بمظهر الحليف الوسطي والبناء والمسؤول الذي يحارب الإرهاب، ورجل مهذب. كما تعلمون، من النوع الذي تودون رؤيته في حكومة ائتلافية.

ما هو جيش الإسلام؟

عندما أطلق سراح علوش من السجن في صيف 2011  اتصل بأصدقائه وأسرته في دوما لانشاء فصيل ثوري مسلح في دوما، الذي أطلق عليه اسم كتيبة الإسلام . وكبرت الجماعة فيما بعد وأضافت المزيد من الرجال والمزيد من الأسلحة القوية وغيرت اسمها الي اسم لواء الإسلام . وذاع صيتها أو خزيها - وهو ما يتوقف علي تأييدك لأي طرف في الصراع -  في يوليو 2012 عندما أصدرت بيانا أعلنت فيه مسؤوليتها عن قتل العديد من كبار القادة في الجيش وأجهزة المخابرات التابعة للأسد. ولم يتم تفسير هذا الحادث الذي تردد أنه كان تفجير لمكتب الأمن القومي في دمشق بشكل وافي. وبالنسبة لي يبدو من المرجح أن أجهزة مخابرات أجنبية كانت متورطة، وربما سمحوا للواء الإسلام بتبنيها لتعزيز أوراق اعتماد الجماعة. (ولكن هذا مجرد تخمين !)

وأيا كان ما حدث، لواء الإسلام نمي بسرعة ليصبح أحد أكبر الفصائل في الغوطة الشرقية التي حرر نفسه تدريجيا من سيطرة الحكومة. وبعد أن كان في البداية واحد من بين عدة جماعات، بدأ لواء الإسلام يشق طريقه للوصول للقمة، فأبرم صفقات مع فصائل أخرى أو أزاحهم من طريقه، حسبما يتطلب الموقف.ويبدو أن الدعم الخارجي السخي الوارد من المملكة العربية السعودية قد ساهم في صعود لواء الإسلام. ففي سبتمبر 2013 غيرت الجماعة تسمية نفسها الي اسم جيش الإسلام. وواصلت الجماعات المنافسة محاولة تحدي هيمنة علوش المتنامية في قطاع الغوطة الشرقية خلال الأشهر التالية. واضطر معظمهم في نهاية المطاف للتفاوض للحصول على حصة من السلطة في نظام يهيمن عليه علوش بشكل تام.

في أغسطس 2014 كان جيش الإسلام هو رأس الحربة في تشكيل القيادة الموحدة في الغوطة الشرقية، التي شملت أيضا  أجناد الشام والاتحاد الإسلامي وفيلق الرحمن وأحرار الشام  وغيرها من الجماعات. وتم تعيين علوش قائدا لها. ومع ذلك، كان الثوار الاخرين يدافعون عن نفوذهم وليس مجرد أن يكونوا دمية . على سبيل المثال، تحولت السيطرة على نظام المحكمة الشرعية في الغوطة الشرقية في الواقع إلى خالد طفور حليف أجناد الشام، بدلا من سمير كعكة الذي كان يدير الشؤون الدينية في جيش الإسلام. (وحتي وقت كتابة هذا التقرير لا يزال غير مؤكد ما إذا كان كعكة قد نجا من الغارة الجوية اليوم.) واستمر حدوث الصراعات ، حيث تقع خلافات مع أجناد الشام وأحرار الشام من وقت لاخر مع جيش الإسلام، وأحيانا يتبادلات الاتهامات القاسية مع علوش. وظلت بعض الفصائل خارج نطاق التحالف تماما، أبرزهم الجهاديين من جبهة النصرة (تنظيم القاعدة) والدولة الإسلامية.

ووفقا لبعض التقارير، كان قادة فيلق الرحمن أيضا حاضرين في الاجتماع الذي استهدف اليوم وقتلوا في الهجوم، وقالت الصحافة السورية التابعة للدولة  ان قادة أحرار الشام المحليين بين القتلى.



ما سيحدث لتلك الجماعة الآن؟

وفاة زهران علوش لا تعني بالضرورة أن جيش الإسلام سينهار. فسيظهر قائد قوي آخر ، ربما مدعوما من الخارج كدولة مثل المملكة العربية السعودية، أو من ثوار آخرين في المنطقة، حيث يفترض أن جميعهم يحرصون علي الحفاظ على الاستقرار في الغوطة الشرقية في لحظة صعبة.

 بعض فصائل الثوار في سوريا تنهار بسرعة عند فقدان زعيمها أو مؤسسها. وجماعات اخري تتلاشى تدريجيا. على سبيل المثال، لواء التوحيد في حلب ضعف وانقسم بعد وفاة عبد القادر صالح في نوفمبر عام 2013، ثم تحولت الآن إلى فصيل اخر -  لكن الأمر استغرق بعض الوقت. ونجت أحرار الشام بطريقة بعد قتل جميع من قادتها تقريبا في سبتمبر 2014، معتمدة علي مؤسسات قوية والدعم الخارجي.

ولكن في حالة جيش الإسلام، فقد كان جيش الاسلام تقريبا مرادفا لزهران علوش طيلة فترة وجوده، منذ أن كان يعرف باسم كتيبة الإسلام. وكان العديد من القادة والممثلين الكبار في جيش الإسلام أصدقاء مقربين أو أقارب زهران علوش نفسه، مثل محمد علوش، الذي شغل منصب المفاوض الرئيسي للجماعة ورئيس المكتب السياسي. وهو ابن عم قائد جيش الإسلام. فإذا ثبت الآن مقتل زهران علوش ربما مع كبار القادة الآخرين فإن هذه ستعد ضربة قاتلة.

أضف إلى ذلك أن هيمنة جيش الإسلام قد تخلق الكثير من الاستياء بين الفصائل الأخرى على مرور السنين،ويبدو الوضع غير مستقر للغاية. ويبدو من المرجح أن الغوطة الشرقية ستتعرض لتغيير كبير في الأشهر المقبلة.

كيف يؤثر ذلك على عملية السلام السورية؟

انطلقت عملية السلام السورية مؤخرا في فيينا علي يد  المجموعة الدولية لدعم  سوريا ، وهو ائتلاف يضم الولايات المتحدة وروسيا والمملكة العربية السعودية وإيران، وحكومات أخرى. وفي أوائل ديسمبر عقد اجتماع في الرياض لإنشاء هيئة للمعارضة للمشاركة في مفاوضات مع حكومة بشار الأسد. ووفقا للأمم المتحدة التي ستعقد المحادثات، يسعون حاليا لعقد مؤتمر في جنيف في أواخر يناير 2016.
ورغم أن زهران علوش لم يتمكن من الحضور شخصيا، كان جيش الإسلام هو الفصيل الأقوي و الأكثر تشددا  عند التوقيع على بيان محادثات الرياض (بعد تراجع أحرار الشام )، رغم المعارضة الشديدة من الجماعات الجهادية المتحالفة مع تنظيم القاعدة . إذا وجد  جيش الإسلام صعوبة في اعادة ترتيب منزله بعد وفاة زهران علوش، أو دخل في صراعات مع الفصائل التي تسعى لزيادة حصتها في اقتصاد الحرب في الغوطة الشرقية ، أو ضعف، فسيكون لهذا تأثير سلبي على قدرة المعارضة علي إجراء محادثات في جنيف.

ومن ناحية أخرى، عملية السلام بها الكثير من المشاكل الأخرى التي ستجعلها تتعثر -  وسواء انضم اليها جيش الإسلام أم لم ينضم إلا انه سيضيف المزيد الي قائمة  الأسباب الطويلة التي من المرجح أن تدفع المحادثات الي الفشل .

ماذا يحدث في دمشق؟

يوجد الكثير من الأمور تحدث في دمشق. فقبل أقل من أسبوعين قام الجيش العربي السوري وحلفائه الاسلاميين الشيعة بهجوم واستعادوا قاعدة مرج السلطان الجوية الواقعة في الجزء الجنوبي من الغوطة الشرقية مما يهدد تلك المنطقة.

وقبل أخبار الغارة الجوية التي قتل فيها زهران علوش، تم الكشف عن ترتيبات توسطت فيها الامم المتحدة لإخلاء المسلحين من عدة أحياء في جنوب دمشق، ومنها مخيم اليرموك للاجئين. وكانت هذه المناطق تتعرض للتجويع بلا رحمة من قبل الحكومة على مدى السنوات القليلة الماضية وتتعرض للقصف، وتتنازع عليها  الفصائل الفلسطينية والحكومة السورية ومختلف الفصائل الثورية السنية والدولة الاسلامية المتناحرين علي حد سواء . الآن سيتم اصطحاب حوالي 4000 مقاتل سني  إلى معاقلهم في شمال سوريا وستعود الأحياء إلى شكل من أشكال الرقابة الحكومية في إطار ترتيبات وقف إطلاق النار. واذا تم هذا الاتفاق فإن هذا سيمثل تقدما كبيرا لحكومة بشار الأسد.

وفي ظل هذه الظروف ومع تعرض الثوار للتهديد على جبهات متعددة يصبح موت زهران علوش مهما. ولو أدي ذلك الي عدم الاستقرار والصراع الداخلي بين الثوار أو ضعفت القيادة والسيطرة في الغوطة فسنبدأ في رؤية تحولا في ميزان القوى في العاصمة السورية خلال الأشهر المقبلة.

- آرون لوند محرر سوريا في أزمة


http://www.joshualandis.com/blog/death-of-zahran-alloush-by-aron-lund/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق