الاثنين، 5 أكتوبر 2015

" المعتدلين " في سوريا اختفوا ولا يوجد أخيار .







حلقت القوات الجوية الروسية مباشرة داخل المجل الجوي للغرب . وقيل لنا أن الروس يقصفون " المعتدلين " في سوريا - " المعتدلين " الذين أقر الأمريكيون أنفسهم منذ شهرين أنه لم يعد لهم وجود

الأمر أشبه بدمقاتلي داعش الذين غادروا اوروبا للقتال من أجل " الخلافة " . هل تتذكرونهم ؟ فمنذ شهرين وساستنا وقادتنا وكتابنا الكبار يحذروننا جميعا من المخاطر الجسيمة التي يشكلها الاسلاميين الذين " نشأوا في بلادنا " ممن غادروا بريطانيا ودولا اوروبية اخري وأمريكا للقتال مع وحوش داعش . ثم بدأ تدفق مئات الالاف من الاجئين عبر البلقان الي اوروبا بعد أن خاطروا بالموت في البحر المتوسط - وقيل لنا من نفس الزعماء الساسيين أن نحذر أن يكون بينهم قتلة من داعش .

المثير للدهشة هو الكيفية التي يسافر بها المقاتلين المسلمين الاوروبيين جوا الي تركيا للانضمام لداعش ، وبعد أسابيع قليلة يغرقون في قوارب تتسرب منها المياه أو يعودون سيرا علي الأقدام مرة اخري ليستقلوا القطارات من المجر متوجهين الي ألمانيا . ولو كان هذا الهراء حقيقي فأين الوقت الكافي اللازم لتدريب كل هؤلاء الارهابيين للاعتداء علينا عندما يعودون الي اوروبا ؟

ويجوز بالطبع أن يكون كل هذا مجرد سرد قصصي .  وعلي النقيض ، فاق جوقة الرعب الذين صاحبوا الضربات الجوية الروسية القاسية في الاسبوع الماضي كل حدود العقل .

فلنبدأ بضبط الواقع .  الجيش الروسي هو قتلة محترفين قتلوا الابرياء في الشيشان لسحق انتفاضة الاسلاميين هناك وسيقتلون ابرياء في سوريا أثناء محاولتهم سحق تشكيل جيش جديد من الاسلاميين وانقاز نظام بشار الاسد . وقد ناضل الجيش السوري ، الذي يضم بين أفراده مجرمي حرب ، بضراوة للحفاظ علي الدولة - واستخدم البراميل المتفجرة لهذا الغرض . وحارب أيضا حتي الموت .

يزعم "المسؤولين الأميركيين" - تلك المخلوقات التي تعشقها صحيفة النيو يورك تايمز - أن الجيش السوري لا يقاتل داعش . لو صدق ذلك فمن علي وجه الارض قتل 56000 جندي سوري الذين قتلوا حتي الان في الحرب السورية - هذه الاحصائية سر رسمي لكنها مع ذلك حقيقية -  ؟ هل هو الجيش السوري الحر السخيف ؟ 

بلغ هذا الهراء أوجه في ملحمة " المعتدلين "  السوريين التي تعاد من وقت لاخر . هؤلاء الرجال هم في الأصل منشقين عسكريين في الجيش السوري الحر الذي كانت الدول الاوربية وامريكا تعتبره قوة محتملة موالية للغرب لاستخدامه ضد جيش الحكومة السورية . لكن الجيش السوري الحر انهار وفسد وانشق " المعتدلين " مرة اخري لينضموا هذه المرة الي جبهة النصر وداعش الاسلاميتين وباعوا الاسلحة التي زودتهم بها امريكا لمن يدفع أكثر أو تقاعدوا في هدوء وبحكمة في الريف حيث احتفظوا بقليل من الكمائن المتفرقة . 

وأقرت امريكا باختفائهم وتحسرت علي مصيرهم وخلصت الي انه هناك حاجة الي " معتدلين " جدد ، واقنعت المخابرات المركزية الامريكية بتسليح وتدريب 70 مقاتل وألقت بهم هذا الصيف عبر الحدود التركية للقتال حيث ألقت جبهة النصرة القبض عليهم جميعا عدا 10 منهم وأعدمت إثنين منهم . ومنذ اسبوعين سمعت شخصيا أحد أبرز الضباط الامريكيين السابقين في العراق - الرجل الثاني السابق لديفيد بتريوس في بغداد - يصرح أن " المعتدلين " إنهاروا منذ فترة طويلة . الان تراهم - الان لا تراهم . 

ومع ذلك وفي غضون ساعات من الهجمات الجوية الروسية في الاسبوع الماضي قامت واشنطون وسصحيفة النيو يورك تايمز والسي ان ان والبي بي سي المسكينة وتقريبا كل الصحف في العالم الغربي بتشريح تلك الأشباح وقالوا لنا أن الروس يقصفون " المعتدلين " الشجعان الذين يقاتلون جيش بشار الاسد . وهم نفس " المعتدلين " الذين ، حسب نفس الرواية من نفس المصادر التي اوردتها قبل اسابيع قليلة ، لم يتبقي منهم أحد . وانضم خيرة محللينا وخبرائنا ، وهي دوما عبارة مراوغة ، الي نفس اسلوب الجوقة

لذا فنحن الان بحاجة الي الحقائق الصعبة . الجيش السوري يضع قائمة الاهداف العملياتية للقوات الجوية الروسية . لكن فلاديمير بوتن لديه أعداء خاصين به في روسيا . 

الضربات الجوية الاولي - التي كانت أبعد ما تكون مستهدف بها " المعتدلين " الذين تخلت عنهم امريكا منذ فترة طويلة -  كانت موجهة الي عدد كبير من قري التركمان في أقصي شمال غرب سوريا التي كانت محتلة منذ عدة شهور من المقاتلين الشيشان - وهم نفس الشيشان الذين كان بوتن يحاول تصفيتهم في الشيشان نفسها . تلك القوات الشيشانية اعتدت علي ودمرت الموقع 451 العسكري الاستراتيجي الواقع علي قمة التل في شمال اللازقية العام الماضي . فلا عجب أن يضعهم الجيش السوري علي قائمة أهدافه . 

الهجمات الاخري لم تكن موجهة لداعش لكنها كانت موجهة لأهداف تابعة لقوات جيش الشام الاسلامي في نفس المنطقة . ولكن في ال 24 ساعة الاولي كانت القنابل الروسية تلقي علي خط امدادات داعش في المناطق الجبلية الواقعة فوق مدينة تدمر . 

وقام الروس بالتحديد بهجمات علي الطرق الجبلية حول مدينة سلامية - وهي نفس الطرق التي كانت تستخدمها قوافل داعش الانتحارية في شهر مايو الماضي لهزيمة القوات السورية في مدينة تدمر الرومانية العتيقة . 

وقصفوا ايضا مناطق حول مدينة الحسكة والقاعدة الجوية التي استولت عليها داعش في الرقة حيث كانت القوات السورية تقاتل الاسلاميين طوال العام الماضي ( وقطعت رؤسهم حين استسلموا ) 

القوات البرية الروسية موجودة في سوريا لمجرد حماية قواعدهم . وهي قوات برية رمزية - لكن فكرة وجودهم هناك لقتال داعش هي كذبة . الروس ينتوون جعل القوات البرية السورية هي التي تتعرض للموت نيابة عنهم . 

لا ، لا يوجد أخيار وأشرار في الحرب السورية . الروس لا يعنيهم قتلهم للابرياء كما هو الأمر مع الجيش السوري والناتو . وأي فيلم عن الحرب السورية سيحمل العنوان " وفرة من مجرمي الحرب " 


ولكن بحق السماء لنتوقف عن ترديد الخيالات . فمنذ أيام قليلة قال لنا المتحدث الرسمي باسم البيت الابيض أن القصف الروسي " يدفع العناصر " المعتدلة " لانضمام للمتطرفين " 

من يكتب هذا الخيال العلمي ؟ " العناصر المعتدلة " بالطبع . 

روبرت فيسك في صحيفة الاندبندنت 

ترجمة اشرف محمد

http://www.independent.co.uk/voices/syria-s-moderates-have-disappeared-and-there-are-no-good-guys-a6679406.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق