بواسطة آرون لوند، رئيس تحرير سوريا في أزمة
"نحن مستعدون لدعم المعارضة الوطنية من الجو، بما في ذلك ما يسمى الجيش السوري الحر"، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مؤخرا للتلفزيون الروسي. ولكنه قال موسكو غير قادرة حاليا على القيام بذلك لأنها لا تعرف من يقود الجيش السوري الحر والولايات المتحدة لن تساعد في التعرف عليهم. وقد قوبلت تصريحات لافروف بالسخرية والازدراء من الثوار السوريين، بمن فيهم العديد من أعضاء الجيش السوري الحر، الذين يشكون من أن القوات الجوية الروسية كانت قصفهم منذ 30 سبتمبر.
والعجيب أنه في يوم 25 أكتوبر أوردت وكالة الانباء الروسية ريا نوفوستي أن أعضاء آخرين في الجيش السوري الحر على استعداد للدخول في "حوار" على امل الحصول علي "المساعد".الروسية. ونقلت الوكالة عن فهد المصري، الذي وصفته أنه أحد مؤسسي الجيش السوري الحر، قوله ان الجانبين "في حاجة إلى تسهيل لقاء جديد، حتى نتمكن من التعبير عن موقفنا ونناقش إجراءاتنا المشتركة ." وترددت تصريحات المصري على نطاق واسع في وسائل الإعلام المقربة من الحكومة السورية والرئيس بشار الأسد ، بما في ذلك قناة برس تي في الايرانية، التي نقلت عن المصري قوله انه "من مصلحة روسيا و الجيش السوري الحر عقد هذا الاجتماع في أقرب وقت ممكن."
وفجأة انتشرت الشائعات في كل مكان أن مندوبين عن الجيش السوري الحر في طريقهم الى موسكو. حاولت المعارضة السورية في الخارج نفيها دون جدوي. استمرت وسائل الاعلام الرسمية الروسية في نشر الأخبار. وفي 26 أكتوبر أشارت وكالة سبوتنيك للأخبار إلى اقتراح المصري المزعوم لعقد مؤتمر بين روسيا والجيش السوري الحر في القاهرة ثم ألقت بقنبلة دبلوماسية يوم: " قال نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف يوم الإثنين أن موسكو أكدت أن مبعوثي الجيش السوري الحر زاروا روسيا: ."
وبعد بضعة أيام، في 30 تشرين الأول، تحدث بوغدانوف على هامش اجتماع حول سوريا في فيينا ليشرح أن روسيا تريد ضم الجيش السوري الحر في محادثات السلام في المستقبل، في حين أن " أحد مؤسسي ما يسمى الجيش السوري الحر"، الذي تبين مرة أخرى إلى أنه فهد المصري، تم سماعه في وسائل الاعلام الرسمية الروسية وهو يشيد بمرونة موسكو .
في 3 نوفمبر، قيل لنا أن الجيش الروسي على اتصال الآن بعدد كبير من مجموعات المعارضة، التي بدأت تزود الروس بإحداثيات تساعدهم على قتال "الإرهابيين"، ثم أخيرا أحضرت وكالة سبوتنيك للأخبار محمود أفندي في 5 أكتوبر ليعلن ان مسؤولين من وزارتي الخارجية والدفاع الروسية سيجتمعون مع قادة الجيش السوري الحر في أبوظبي الأسبوع المقبل.
هل هذا هو العامل المتوقع منذ فترة طويلة الذي سيغير قواعد اللعبة في سوريا؟ هل الجيش السوري الحر، وهي المعارضة السورية التي يفاخر بها كثيرا بأنها التيار الأكثر اعتدالا، ستنشق الآن عن حلفائها الغربيين والخليجيين لتتحالف بدلا منهم مع روسيا وبشار الأسد؟
لا، ليس تماما.
دعاية أمريكية محضة
تأتي هذه التقارير في وقت يحاول المسؤولون الروس إدارة التداعيات السياسية لتدخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوريا. في حين تواصل وزارة الدفاع الروسية إدعائها أن هجماتها تستهدف ما يسمى الدولة الإسلامية، وهي جماعة متطرفة معادية لكلا من الأسد وثوار آخرين، لا يظهر علي النمط الجيوسياسي لضربات سلاح الجو الروسي أي محاولة (أو قدرة؟) علي التمييز بين الجماعات الثورية. الجماعات التابعة للدولة الإسلامية هي في الواقع أقلية صغيرة من الأهداف وبعض الضربات الأولى تبدو قد ضربت فصيل تدعمه الولايات المتحدة. وبعبارة أخرى، يسعى الكرملين للعب على مخاوف الغرب من الإرهاب كغطاء سياسي لمهمة تهدف إلى دعم حكومة الأسد.
بطبيعة الحال، الدعاية في زمن الحرب ليست حكرا علي الروس . عندما كانت الولايات المتحدة تحتل العراق كان مسؤولين كبار في إدارة بوش مثل واشنطن دون يواصلون إلقاء اللوم على "إرهابيين" من "البعثيين " أو "تنظيم القاعدة" عن كل انتكاسة جديدة. مما لا شك فيه ان البعثيين والموالين لتنظيم القاعدة لعبوا دورا بارزا في هذا المزيج، وسيصبحوا في وقت لاحق هم المهيمنين. ولكن في الأيام الأولى كانت الثورة في العراق أكثر تنوعا إلى حد كبير مما نراه الآن في سوريا. في 2003 الي 2004 تألفت من مجموعات محلية صغيرة لا تعد ولا تحصى انحصرت في مجموعة كاملة من الأيديولوجيات من القومية العلمانية إلى الجهاد. وفي بعض الأحيان حتى سدوا الفجوة بين السنة والشيعة. ومع ذلك خرج الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش ليقولون لشعبه ان المقاومة العراقية كانت جميعها من " الجماعات الإرهابية أمثال تنظيم القاعدة وأمثال أنصار الإسلام ،" وخلص إلى أنه من الأفضل "محاربتهم هناك وليس هنا ".
وبعد عقد من الزمان انعكست الأدوار في سوريا. الساسة الروس يصفون بازدراء أي سوري حمل السلاح لوقف عمليات النهب التي يقوم بها لجيش بشار الأسد بأنه "جهادي إرهابي " وبدلا من وضع استراتيجية سياسية يلطخونهم وينفخون صدورهم ويقولون "أحضروهم". نظرائهم الأميركيين يبدون كمثل اليساريين المناهضين لحرب العراق في 2003-2004، عيونهم تندفع بعصبية في جميع أنحاء الغرفة وهم يحاولون توضيح أن هناك سلفيين مسلحين طيبين وسلفيين مسلحين أشرار. إعطهم عاما اخر وسيتشاكون من "موقف رعاة البقر".الروس
ليس لأن أنصار كل منهما قد لاحظوا أو إهتموا. ولكن إن لم تكن نصيرا متشددا، سواء لفلاديمير بوتين أو لرئاسة الغير مأسوف عليه جورج دبليو بوش، ستكون قد لاحظت الآن أن خطاب "مكافحة الإرهاب" الذي يتبناه الكرملين لا يختلف أساسا عن الهراء الذي يصدر عن وسائل إعلام البيت الأبيض الأمريكي منذ عشر سنوات، وهي بالمثل وسائل اعلام تخدم مصالح ذاتية ومضللة ومدمرة. وتعمل أيضا بشكل جميل
الدفاع الروسي
بما أن أي شخص لديه خريطة سوريا يمكنه بسهولة أن يتأكد أن الحكومة الروسية تكذب بشأن نشاطها في سوريا، بدأت وسائل الإعلام الدولية طرح الأسئلة. رويترز، على سبيل المثال:
" أظهر تحليل رويترز لبيانات وزارة الدفاع الروسية أن حوالي 80 في المئة من الأهداف الروسية المعلنة في سوريا في المناطق التي لا تسيطر عليها الدولة الإسلامية، مما يقوض تأكيدات موسكو أن هدفها هو هزيمة تلك الجماعة."
عندما تواجه موسكو بمثل هذه الاتهامات ترد بطريقة فوضوية. فبدلا من ان يستقر المسئوليين على رسالة سياسية واحدة، يقدمون في كثير من الأحيان تفسيرات مختلفة ومتناقضة عما يقومون به في سوريا ولماذا يفعلونه، ولماذا قالوا انهم سوف يفعلون شيئا آخر. يدعي البعض الآن أن التدخل لم يكن أبدا المقصود منه الدولة الإسلامية فقط، وهو ما سيكون بمثابة دفاع ممتاز لولا أن وزارة الدفاع الروسية ما زالت تدعي كذبا أنها تهاجم ... الدولة الإسلامية. ويفضل آخرون مجرد تغيير الموضوع. وسيظل البعض الآخر في ترديد الكذبة الأصلية ويتغاضى عن أي اعتراضات، لأنهم يدركون جيدا أن جمهورهم الأساسي، الذي يتكون أكثرهم من الروس القوميين و / أو الروس الغير معنيين بالسياسة، بالإضافة لبعض الكتاب الغربيين في الصحف الشعبية وأصحاب نظريات المؤامرة، إما لا يعرفون أو لا تعنيهم الحقيقة .
على سبيل المثال، ها هو العنوان الرئيسي الفعلي لصحيفة الديلي اكسبريس البريطانية يوم 30 أكتوبر 2015: "عودة أكثر من 800،000 لاجئ سوري أثناء طمس بوتن للدولة الإسلامية ". كل ذلك هراء مبني علي روايات المسؤولون الروس
وفي روسيا أظهر استطلاع مستقل للرأي أن 48 في المئة من المستطلعين يعتقدون أن قواتهم الجوية تهاجم الدولة الإسلامية، و13 في المئة فقط يعتقدون أن الأهداف في معظمها موجهة الي جماعات معارضة سورية اخري، في حين ارتفعت شعبية بوتين إلى أكثر من 90 في المئة وفقا لاستطلاعات الرأي أجرته الدولة.
لا داعي للشعور بالمفاجأة. هكذا تدار الدعاية. الغرض الأساسي منها هو تعبئة قاعدة ووضع نقاط الحوار لهؤلاء الذين يميلون بالفعل لدعمك. والغرض الثانوي هو تجعل خصمك دوما في حالة عدم يقين وتشتت وفقدان التوازن . وهنا ظهر فهد المصري والجيش السوري الحر في الصورة.
لقاء في باريس
في 7 أكتوبر، بعد أسبوع من حملتها في سوريا، أعلنت وزارة الخارجية الروسية فجأة أنها ستبدأ محادثات مع الجيش السوري الحر. وفي اليوم نفسه، عقد اجتماع في السفارة الروسية في باريس، جمع بين نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف- المهندس الرئيسي لسياسة روسيا في سوريا - مع مجموعة من الشخصيات المثيرة جدا للاهتمام: "فهد المصري، منسق مجموعة الخلاص الوطني في سورية، والجنرال الأميركي المتقاعد بول فالي، ومستشاره في شؤون الشرق الأوسط، ناجي النجار، وهو ضابط مخابرات سابق ". (ونحن نعلم أن الاجتماع انعقد منذ أكدت السلطات الروسية أن بوغدانوف كان في باريس في ذلك الوقت، وتحدث أيضا إلى مسؤولين فرنسيين والي أحد قادة الأكراد السوريين، ونشر فالي صورة له مع بوغدانوف.)
بعد اجتماع 7 أكتوبر، بدأت الصحافة الروسية تنشر قصصا حول اتصال موسكو بالجيش السوري الحر. ونقلت صحيفة كوميرسانت في مقالين لها البيان الصحفي للمصري وأشارت إليه بأنه "أحد مؤسسي الجيش السوري الحر"، في حين تمادت وكالة سبوتنيك للأخبار المملوكة للدولة أبعد من ذلك فذكرت: "الجيش السوري الحر على استعداد لإقامة اتصالات مع القيادة الروسية". وظهر المصري مرة اخري في مقالة بوكالة سبوتنيك للأخبار تحت عنوان" روسيا تؤكد مجددا استعدادها للتعاون مع الجيش السوري الحر ".
وبعد بضعة أسابيع، بلغت الحملة زروتها، عندما أصدرت وسائل الاعلام الروسية الرسمية المعلومات المذكورة في بداية هذا المقال، حول مبادرات فهد المصري إلى الكرملين واقتراحه عقد مؤتمر سياسي في القاهرة ووفد الجيش السوري الحر الغامض في موسكو.
وبعبارة أخرى، أصبح اجتماع فهد المصري وبول فالي وناجي النجار فجأة جزءا من ادعاءات الحكومة الروسية بوجود علاقة لا تزال في مهدها مع الجيش السوري الحر. ولكن من هم هؤلاء وبأي طريقة يمكنهم تمثيل الجيش السوري الحر؟
قبل أن نجيب على هذا السؤال، دعونا نعود للوراء ونحدد ما نعنيه ب"الجيش السوري الحر".
التاريخ الموجز للجيش السوري الحر
كانت حركة الثورة السورية تتألف دائما من العديد من الفصائل المختلفة. يوجد اليوم حوالي عشرة أو عشرين منظمة كبري، ولكن معظمهم لا يزال يركزوا علي مناطقهم ومنقسمين، ويوجد مئات إضافية من العصابات الثورية الصغيرة تنشق وتخرج من التحالفات المحلية.
وتقدم الكثير من هذه المجموعات نفسها علي أنها جزء من الجيش السوري الحر، وعندما تقدم الولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى الدعم للثوار، يتحدثون أيضا عن مساعدة الجيش السوري الحر. وقد لفظت الكثير من وسائل الإعلام تعبير الجيش السوري الحر منذ سنوات، ونادرا ما تحاول توضيح ما المقصود من ذلك عدا أن تقول أن الجيش السوري الحر هو "جماعة الثوار المعتدلين" أو "حركة ذات تحالفات فضفاضة" أو شيئ من هذا القبيل. ينشأ هذا الارتباك بسبب عدم وجود تعريف واضح ولأن الكثير من الناس والجماعات والدول المختلفة تستخدم كلمة "الجيش السوري الحر" لتنطبق على أشياء كثيرة مختلفة.
ظهرت مفهوم "الجيش السوري الحر" لأول مرة في يوليو 2011، عندما تم إطلاق "القيادة العليا للجيش السوري الحر" علي يد منشقين من الجيش السوري في تركيا. وحصل أعلاهم رتبة العقيد رياض الأسعد علي لقب القائد الأعلى للجيش السوري الحر. وكانت مجموعة الجيش السوري الحر الخاصة بالعقيد اسعد تؤيدها تركيا وغيرها من أجل تحويل الأموال إلى الثوار المحليين وخلق حركة ثورية أكثر تماسكا من شأنها أن تكون قادرة على إسقاط الأسد عن طريق مزيج من العمل العسكري المنضبط والتفاوض. هذه المحاولات باءت بالفشل. الثوار منقسمون على نحو فوضوي، والجيش السوري الحر بقيادة العقيد أسعد لم يتطور ليتجاوز ما هو أبعد من دور "جهاز فاكس في تركيا،" تتدفق منه البيانات الصحفية لتنسب لنفسها الفضل في الهجمات التي يقوم بها آخرون.
ومع ذلك، نجح الجيش السوري الحر نجاحا كبيرا في عملية التسمية. فإسمه والشعار المرتبط بة أصبح ملازما للثوار ولا يزال شائع الاستخدام اليوم. وعادة ما يتم استخدامه للإشارة إلى الثوار الذين يتلقون الدعم الغربي و / أو من دول الخليج، ويجاهرون علنا بالدعوة الي مستوى معين من الإيمان بالديمقراطية والقومية السورية (وهو ما يتعارض مع الوحدة الإسلامية)، والحفاظ على مسافة صحية بعيدا عن تنظيم القاعدة.
منذ تشكيل الميليشيا الأصلية التابعة للعقيد أسعد وتراجعها السريع، كانت هناك محاولات متكررة مدعومة من الخارج لإنشاء محورا مركزيا جديدا للثوار، أو على الأقل لفصائله الأكثر اعتدالا وواقعية . وقد استخدمت معظم هذه المشاريع اسم الجيش السوري الحر.
في ديسمبر 2012، وحدت عدة بلدان جهودها لاقامة ما يسمى هيئة الأركان العامة، التي كان لها مجلس عسكري أعلي ملحق بها . ثم تطور هذا ليتحول الي "الجيش السوري الحر الجديد"، تحت قيادة العميد سالم إدريس. وبينما أصبحت قيادة إدريس للجيش السوري الحر أكثر نجاحا من محاولات التوحيد السابقة، إلا أنه ظل جيشا إفتراضيا في أفضل الأحوال . نوع من البنية السياسية الفوقية ترتكزعلى قمة تيارمن التمويل من الخليج العربي والغرب وتركيا مخصصة لفصائل سورية مختارة تفتقر إلى أي سيطرة مركزية عليها. وبعد عام ونصف من الفشل انهارت أخيرا هذه النسخة من نسخ الجيش السوري الحر في 2014.
وأخفقت الكثير من المحاولات المتتالية لإعادة بناء هذا النوع من القيادة المركزية للجيش السوري الحر . وفي الآونة الأخيرة رأينا إنشاء مجلس قيادة الثورة في ديسمبر 2014 واستنساخ المجلس العسكري الأعلى للجيش السوري الحر في يوليو عام 2015. ومشروع آخر، القيادة العليا للجيش السوري الحر المدعوم من المعارضة في الخارج، لكنه لا يزال طور التنفيذ. وقائمة ستطول بالتأكيد .
وراء الكواليس: موم وموك
فشل صناعة قيادة رسمية للجيش السوري الحر لا يعني أنه لا توجد كيانات مادية تربط هذه الشرائح من الثوار. وفقد تم فحص وتدريب الآلاف من المقاتلين حتى الآن، وتمت الموافقة على توفير الدعم المادي لهم عن طريق اثنين من مراكز العمليات العسكرية التي تغذي الثوار عبر الحدود التركية والأردنية. إحداها في تركيا معروفة باسم موم، بالتركيةMüşterek Operasyon Merkezi، وتعني العمليات المركزية المشتركة، بينما تسمي نظيرتها في الاردن باسم موك وهو نفس الاسم ولكن يحمل الحروف الأولى في اللغة الإنجليزية.
وبصرف النظر عن تركيا والأردن، هذه المراكز تجمع مندوبين من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وفرنسا، وحفنة من الحكومات الأخرى. دورها هو التنسيق والإشراف على تدفق الأسلحة والذخائر إلى عدد من الجماعات الثورية المختارة. وتتعاون أجهزة المخابرات الأجنبية، وأهمها وكالة المخابرات المركزية الامريكية، من خلال هذه المراكز لاختيار الجماعات المؤهلة للحصول على الدعم. ولن يحصلوا على ختم الموافقة حتى يتم فحص أعضائها إن كان لهم اتصالات مشبوهة ويعلنوا الابتعاد عن الدخول في تحالفات مع تنظيم القاعدة ويظهروا بعض الاهتمام بالحل التفاوضي للنزاع. الجماعات المشاركة تتمتع بمستويات مختلفة من الثقة والموافقة عليها، ولكن العديد منها تتلقى أيضا دعما "غير رسمي" من جانب ، على سبيل المثال، تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية أو مختلف الممولين المنفردين.
وقبلت هذا الترتيب حتى الآن ما يقارب مئة من الفصائل الثورية، على الرغم من أن عملية حصرهم عملية معقدة لأنها غالبا ما يكونوا منضوين في مظلات إقليمية متداخلة. وفي حين أن كل فصيل من هذه الفصائل يعد فصيلا صغيرا جدا وقليل منهم يتمتع بالوعي الوطني، إلا أنهم يؤلفون معا شريحة كبيرة نسبيا من المعارضة المسلحة. في جنوب سوريا، تبدو المجموعات التي تمولها الموك تشكل أغلبية الثوار. الفصائل الشمالية المدعومة من الموم تتمتع بنفوذ أقل من نظيراتها في الجنوب، لكنها لا تزال تشكل قوة كبيرة في المناطق المحيطة بحلب، واستخدمت بعض الصواريخ الأمريكية الصنع لإثبات وجودها والتي لعبت دورا محوريا كوحدات مضادة للدبابات في منطقة إدلب، حماة .
هذه المجموعات هي التي تشير إليها الحكومة الأمريكية عادة عندما تتحدث عن "الجيش السوري الحر" وهناك بالفعل تداخل كبير جدا بين الفصائل المدعومة من الموم والموم والفصائل التي تصنف نفسها أنها من"الجيش السوري الحر ". ويستخدم هذا التعريف الفج ( موم + موك = الجيش السوري الحر ) على نحو متزايد من المعارضة السورية في الخارج والثوار أنفسهم، وآخرين ممن يتابعون هذا الصراع.
كل الآخرين الذين يطلقون على أنفسهم "الجيش السوري الحر"
ومع ذلك لا يوجد تطابقا مكتملا. أي شخص يمكنه أن يرفع علم الجيش السوري الحر دون الحاجة لموافقة الموم أو الموك . بعض الفصائل تفعل ذلك لأنهم يرون فيها وسيلة لتأكيد طبيعتهم المعتدلة ويتملقون الممولين الأجانب. وينسب آخرون تراث الجيش السوري الحر كجزء من هويتهم الثورية، ويقولون أنه لا ينبغي أن يقتصر علي الفصائل المدعومة من الخارج. وعلى العكس، يوجد فصائل مدعومة من الموك والموم لا تستخدم اسم الجيش السوري الحر أو رموزه، أو على الأقل نادرا ما تفعل ذلك. وهذا لأنهم رفضوا سابقا اسم الجيش السوري الحر ووضعوا الهوية السياسية الخاصة بهم، وهي هوية تقوم علي الأيديولوجية الإسلامية، ويفضلون الآن للحفاظ على هذا التمييز حتى بعد استقطابهم في الموك والموم .
وتعني العديد من المجموعات أشياء مختلفة عند الإشارة إلى الجيش السوري الحر ويستخدمون المصطلح بانتهازية. على سبيل المثال، عندما أصدرت ما يقرب من خمسين جماعة ثورية مؤخرا بيانا نيابة عن الجيش السوري الحر، وضم الموقعين الكثير من الجماعات المعروفة المشاركة في الموم والموك، وحكان من الموقعين ايضا جيش الاسلام، وهو فصيل اسلامي لا يستخدم عادة شارة الجيش السوري الحر وغالبا ما يرفض التسمية.
في شمال شرق سوريا، يوجد أيضا عدد من الجماعات التي تصف نفسها أنها تابعة للجيش السوري الحر وتحارب الدولة الإسلامية جنبا إلى جنب مع ميليشيات واي بي جي الكردية التي تدعمها الولايات المتحدة. والواي بي جي بدورها هي واجهة لحركة حزب العمال الكردستاني الكردية بي كا كا ، التي لها علاقات عمل ممتازة مع موسكو. مجموعات "الجيش السوري الحر " هذه هي في أغلبها فصائل عربية منشقة أو مجموعات قبلية استقطبها حزب العمال الكردستاني لتوفير مقاتلين اضافيين ويضع وجها متعدد الأعراق على ما هو في الواقع مشروع كردي يديره بالكامل. وبعضهم يدعو أيضا إلى التدخل الروسي، وادعى أحد أبرز زعماء الثوار السوريين الذن يعمل لصالح مجموعة مدعومة من الموك أن هذه الفصائل المدعومة من الأكراد مسؤولة عن بعض الثرثرة التي ترددت عن زيارة "الجيش السوري الحر" لموسكو. (ربما لتقديم خدمة صغيرة لحزب العمال الكردستاني؟)
ثم يأتي السوريين في الخارج. تغطي البقايا المتحللة من "قيادات الجيش السوري الحر" السابقة ردهات الفنادق في جنوب تركيا مثل قناديل البحر على الشاطئ. ولا يزال مئات من ضباط الجيش السوري المنشقين يدورون حول دائرة المنفى ويبدو أن معظمهم يعتبرون أنفسهم جزءا من الجيش السوري الحر بشكل من الأشكال. وتظهر بعضهم في وسائل الإعلام سعداء بصفتهم "أعضاء الجيش السوري الحر"، و"مستشاريين في الجيش السوري الحر"، أو حتى "قادة الجيش السوري الحر"، مهما كانت علاقتهم الفعلية بالثوار على أرض الواقع. ومنهم بالفعل من يعمل بشكل وثيق مع الموم أو الموك أو الفصائل المرتبطة بهما، ولكن البعض الآخر يرتدي عباءة الجيش السوري الحر لمجرد ارتباطه في الماضي ببعض مشاريع الجيش السوري الحر التي انهارت، وغالبا ما تعود إلى فترة ما قبل ادريس . على سبيل المثال، العقيد رياض الأسعد المخترع الأصلي لاسم الجيش السوري الحر في عام 2011،، لا يزال يعمل في تركيا بشكل يعتريه الغموض كواحد من "القيادات العليا للجيش السوري الحر" المزعومة.
وبعبارة أخرى، فإن مصطلح "الجيش السوري الحر" يمكن أن يعني الكثير من الأمور. وفي هذه الأيام لكي تكتسب أي جماعة ثورية نوع من الأهمية ويكون لها صلة بالحرب في سوريا لابد وأن تكون مدعومة من الموم والموك. وعندما تسمع تسعة من أصل عشرة مرات عن قيام "الجيش السوري الحر" بعمل شيئ على أرض المعركة في سوريا، فهذا يقصد به تلك الجماعات. ولكن يوجد بين الجماعات التي تقاتل في الواقع في سوريا جماعات من الجيش السوري الحر مدعومة من حزب العمال الكردستاني وأخرين ، ولا سيما الضباط الموجودين في الخارج . وكانت بعض مشاريع توحدهم الفاشلة تمثل الجماعات المسلحة تمثيلا حقيقيا على الأرض، في حين أن آخرين كانوا مجرد مخلوقات علي الفيسبوك سرعان ما تزول.
أما بالنسبة لفهد المصري فكان من الفئة الأخيرة.
لقاء السيد المصري
لفت اسم فهد المصري إنتباهي أول مرة منذ حوالي ست أو سبع سنوات، عندما كنت أكتب كتابا عن المعارضة السورية. ولد في حي الميدان في دمشق، كان قد غادر سوريا في منتصف التسعينيات، وانتهى به المطاف في باريس، حيث كان يبحث عن عمل كصحفي. وفي عام 1996، عمل لمدة ستة أشهر كفني في شبكة الأخبار العربية، وهي قناة فضائية يسيطر عليها رفعت الأسد، عم بشار المنفي (الذي زار مؤخرا موسكو). عندما أسأله عن هذا يرد المصري انه ببساطة كان بحاجة إلى العمل، وأنه ليس من أنصار"قاتل" مثل رفعت الأسد. كما عمل مع نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام، الذي انتقل إلى باريس وبدأ تمويل نشاط المعارضة، بعد أن طرده بشار الأسد من منصبه في عام 2005، . وبحلول نهاية سنة الألفية الثانية، كان المصري يستضيف برنامج تلفزيوني حواري على تلفزيون بردى، وهي محطة فضائية لمحاربة الأسد ومقرها لندن (والتي كانت تمولها سرا وزارة الخارجية الأمريكية). وعاد إلى باريس في أواخر عام 2010 أو أوائل عام 2011.
كان فهد المصري شخصية ثانوية في ذلك الوقت - نموذج مصغر من مأساة سوريا العظيمة، باعتباره واحدا من عشرات الآلاف من المهاجرين السياسيين المتجمعين في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأوسط، وباعتباره نتاج انساني لالية الخوف والثروة وسلطة عائلة الأسد .
مع ظهور الانتفاضة السورية في عام 2011، بدأت مكانة فهد المصري في النمو. وبدأت سائل الإعلام في جميع أنحاء العالم عملية بحث محمومة عن ممثلي الثورة الناشئة في سوريا، ولكن لأي من المراسلين المخضرمين والصحفيين المبتدئين والأكاديميين أي فكرة عن شخصيات المعارضة السورية إلا قلة قليلة منهم. وفي الوقت نفسه، كانت حكومة الأسد والعديد من جماعات المعارضة المختلفة وأجهزة الاستخبارات في المنطقة وفي بعض الأحيان جيش عالمي من النرجسيون يتصارعون جميعا للوقوف أمام الكاميرات. وكانت النتائج مربكة - وفي بعض الأحيان المأساوية - وأحيانا مضحكة -. مثل الضجة الإعلامية على إعلان محمد رحال الحرب عام 2011 ، أو فتاة دمشق الشاذة التي اتضح أنها رجل مستقيم من مدينة ادنبره.
ودخل فهد المصري في هذه الفوضى . وفي أغسطس 2011، عندما كانت معظم المعارضة السياسية السائدة لا تزال تتشبث بالخطاب القومي الديمقراطي والاحتجاجات السلمية يظهر على قناة العربية من باريس يطالب بالتدخل الأجنبي في سوريا. لم يكن يمثل أي جماعة من النشطاء أو أي حزب سياسي، لكن مزيجا من التواجد والتصريحات التحريضية جعلته معلقا يلقي رواجا .
القيادة المشتركة للجيش السوري الحر
قد قال لي المصري أنه في أواخر عام 2011 كان يشجع علي تشكيل قيادة طموحة للثوار تعرف باسم المجلس العسكري الأعلي للجيش السوري الحر، الذي كان يرأسه العميد مصطفى الشيخ. في منتصف عام 2012 أخفقت جماعة مصطفي الشيخ التي كانت الجماعة المفضلة لدي السعودية لفترة وجيزة، وذهب فيما بعد إلى المنفى في السويد. وفي ذلك الوقت عاود المصري، الذي لم يكن له أي ارتباط رسمي بجماعة الشيخ، الي الظهور بالفعل. وفي هذه الفترة " حاول أن يجعل من نفسه متحدثا باسم الجيش السوري الحر، لكنه لم ينجح في مسعاه"، كما يقول أحد الأشخاص الذين عملوا مع المصري. "كل الضباط الذين تحالف معهم كانوا متخبطين".
في مارس 2012، دعي المصري إلى المؤتمر التأسيسي للمشروع الجديد لتوحيد الثوار، القيادة المشتركة للجيش السوري الحر بقيادة العقيد قاسم سعد الدين. ثم بدأ المصري يبدو وكأنه المتحدث الإعلامي باسم القيادة المشتركة للجيش السوري الحر، على الرغم من أنه لم يتبين لي هل تم ذلك بموافقة الجماعة نفسها. وقد ادعى بعضهم أن جماعة العقيد سعد الدين طردته بعد أسبوع واحد فقط. بينما نفي المصري ذلك ويبدو من المؤكد أنه انجرف بعيدا عن بقية القيادة في مرحلة ما.
وأصبح القيادة المشتركة الجيش السوري الحر بصفتها ائتلافا عسكريا بعد فترة وجيزة عديمة الاهمية، ولكن ليس قبل أن تمنح العقيد سعد الدين اعترافا اسميا واتصالات خارجية مفيدة، التي كان يتداول في وقت لاحق لشغل منصب في شبكة الجيش السوري الحر أيد الغرب سليم إدريس.
في تلك الفترة نسي الجميع القيادة المشتركة للجيش السوري الحر - ما عدا الناطق الرسمي باسمها سابقا. وفي رسالة بعثها الي عبر البريد الإلكتروني قال لي المصري أن إنشاء الجيش السوري الحر بقيادة إدريس في ديسمبر 2012 كان جزء من مؤامرة من "جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية" من أجل "كسب الهيمنة على الجيش السوري الحر " وتصر على أن العديد من الضباط المشاركين في القيادة المشتركة للجيش السوري الحر رفض قبول حله. ويقول، لذلك: "واصلنا عملنا رغم انسحاب العقيد قاسم سعد الدين واخرين."
في الواقع تبدو أن هذه النسخة من القيادة المشتركة للجيش السوري الحر كانت تتكون من فهد المصري وحده. الجيش السوري الحر بقيادة إدريس والفصائل الثورية التي تحمل اسم الجيش السوري الحر داخل سوريا توجه دعوة للصحفيين للسفر مع قواتهم وغالبا ما يحملون مقاطع فيديو من ساحة المعركة. القيادة المشتركة للجيش السوري الحر الخاصة بالمصري لا يمكنها صنع أي من هذه الأدلة. ورغم أن المصري في كثير من الأحيان يلمح إلى أنه يمثل عشرات الآلاف من المنشقين العسكريين في ساحات المعارك في سوريا، إلا أنه"لأسباب أمنية" يمتنع عن ذكر أسمائهم.
بدلا من ذلك، ظل وجود القيادة المشتركة للجيش السوري الحر كالشبح مقتصرا على الوجود الافتراضي ، ليس لديه إلا توزيع التصريحات بسخاء عبر الإنترنت. وكل أسبوع أو نحو ذلك، يتلقي الأشخاص المهتمين بسوريا بيانات باللغة العربية تأخذ الطابع الرسمي في صندوق البريد الخاص بهم وعليها توقيع فهد المصري، الذي يسمي نفسه رئيس العلاقات الإعلامية في القيادة المشتركة للجيش السوري الحر. وكان المحتوى دائما اشياء لذيذة.
وكثيرا ما يطالب المصري بالتدخل الأجنبي - رغم أنه غير رأيه فيما بعد لاحقا - وكثيرا ما يحرض ضد الإسلاميين والإخوان المسلمين. في فبراير 2014، على سبيل المثال، أعلن أن القيادة المشتركة للجيش السوري الحر أعلنت جماعة الإخوان منظمة إرهابية وستلقي القبض على أي عضو يتجرأ أن تطأ قدمه سوريا. في مناسبات أخرى، تتبادل القيادة المشتركة للجيش السوري الحر المعلومات الاستخبارية السرية حول الأسلحة الكيميائية "، كاشفا" أن الأسد هربهم إلى حزب الله في لبنان.وكان المصري في كثير من الأحيان يدين هيئات المعارضة المعترف بها دوليا والجيش السوري الحر بقيادة إدريس والمجلس الوطني السوري والائتلاف الوطني وحكومة المنفى ومقرها تركيا . وسرعان ما تصبح هذه التصريحات مصدرا لتقارير وسائل الإعلام التي لا حصر لها حول انقسام المعارضة و"انشقاقات في الجيش السوري الحر." ، وعادة ما ينقل عن بعض القادة العسكريين من قادة الثورة في تركيا أو سوريا قولهم في مسألة أو أخري، وسرعان ما يتناقض معهم قول "ممثل آخر عن الجيش السوري الحر ، " اسمه فهد المصري.
بعض منتقديه يشككون أن المصري يعمل لصالح طرف ثالث، رغم عدم تأكد الجميع من هو بالضبط هذا الطرف. "من معرفتي بفهد، هو لا يفعل أي شيء مجانا"، يقول الشخص الذي عمل مع المصري. واضاف "انه ليس مجنونا بل مجرد محتال ومغامر. يوجد الكثير منهم في المعارضة السورية ".
وعندما سألت فهد المصري في أواخر عام 2013 عن مصادر تمويله ،قال لي انه يمول نشاطه من جيبه الخاص، لكنه أضاف أن المنظمات أو الحكومات المضيفة تدفع أحيانا تكاليف السفر والإقامة لزيارات المؤتمرات. قد يكون هذا صحيحا تماما، لأن نشاط المصري لا يمكن أن يكون مكلفا جدا: فحساب هوتميل تسجيله مجاني وغالبا ما يحظي من ظهوره بوسائل الاعلام بمكافأة صغيرة. وقال لي المصري أن بعض "المواطنين السوريين المعروفين" و "الأصدقاء السوريين المؤمنون بأهمية ما أقوم به" ساعدوه هو واسرته ماليا، مما مكنه من العمل بدوام كامل للثورة السورية. ولم يذكر أسمائهم.
المتحدث باسم الثورة
ورغم أن تصريحات المصري الخاصة بالجيش السوري الحر كانت في معظمها لها بالمصادفة علاقة بالواقع، يلتهمها الصحفيون كما يلتهمون أكلة التبولة. وسرعان ما أصبح فهد المصري مدير الاعلام للقيادة المشتركة للجيش الحر من أكثر المتحدثين عن الحرب - صوت الثورة السورية، أو ربما المتكلم من بطنه باسمها.
في السنوات القليلة الماضية ظهر كممثل للجيش السوري الحر، أو المعارضة بشكل عام، في عدد من البرامج الحوارية باللغة العربية والفرنسية ونشرات الأخبار. وتشمل القنوات التلفزيونية المملوكة لسعوديين قناة العربية والجزيرة القطرية وروسيا اليوم و بي بي سي البريطانية وقنوات أمريكية مثل ان بي سي نيوز، فوكس نيوز، والحرة وNTN24،ومقرها كولومبيا- وTRT، France24 التركية وTF1 في بلد إقامته، و ONTV المصرية، وقنوات مقرها لبنان مثل الميادين،، OTV، وMTV، فضلا عن القنوات الدينية مثل الصفا ... والقائمة تطول.
لقد كان مصدرا دائما للصحافة المطبوعة أيضا. ووجدت الكثير من بيانات فهد المصري وما يكشف عنه، سواء التي أخذت من تصريحاته التي يرسلها بالبريد الإلكتروني أو التي نسخت من وكالات الأنباء أو التي استخلصت من خلال المقابلات، طريقها إلى نيويورك تايمز وواشنطن بوست ولوس أنجلوس تايمز ويو إ ايه توداي وديلي ستار والأهرام والأهرام ويكلي وصحيفة الشرق الأوسط وصحيفة القدس العربي وصحيفة الحياة وصحيفة هآرتس وتايمز أوف إسرائيل وجوردان تايمز، كومنسارات، ازفستيا، روسيسكايا غازيتا، لوموند، لوفيجارو، الموندو، والجارديان، والتايمز، والاندبندنت، والعديد من الصحف الأخرى.
ويحاول المسؤولين الدوليين من وقت لاخر إقحام القيادة المشتركة للجيش السوري الحر في مخططاتهم السياسية وعمليات السلام، مثلما عندما التقى مبعوث الأمم المتحدة للسلام الأخضر الإبراهيمي فهد المصري في باريس في أغسطس 2012.
بحلول اكتوبر عام 2013، زادت خيبة أمل الأركان العامة للجيش السوري الحر بحيث أصدرت بيانا رسميا نفت فيه أي علاقة لها بالمصري. ولم يفلح ذلك في إزالة هذا اللبس، بل أدي إلى نشر تقارير مشوهة عن طرد إدريس للمتحدث الإعلام الذي عمل معه لفترة طويلة. وردت القيادة المشتركة للجيش السوري الحر بقيادة المصري مرة أخرى من خلال الدعوة لالقاء القبض علي إدريس، مما أدى إلى جولة أخرى من التقارير حول انشقاقات في الجيش السوري الحر. وبعد بضعة أشهر، ظهر المصري على شاشة التلفزيون اللبناني ليعلن عن اكتشاف مذهل: ظهرت معلومات تثبت أن قيادة سالم إدريس كانت مخترقة من حزب الله.
وهكذا كانت تسير الأمور
من القيادة المشتركة للجيش السوري الحر إلى جبهة الخلاص الوطني
ثم فجأة تخلي فهد المصري عن أعمال تمثيل الجيش السوري الحر . ما حدث ليس واضحا ويقول المصري أنه كان قرارا طوعيا - وربما تمادي كثيرا في اللعبة. بالتأكيد، يجب أن يكون هناك سلبيات لاستفزاز حركة مسلحة مدعومة من الحكومة في أراضي يقيم.فيها
في 31 مارس 2014، أصدرت القيادة المشتركة للجيش السوري الحر بيانا طنانا وهو البيان الأخير وكان بعنوان "لمن يهمه الأمر"، والذي أعلن فيه فهد المصري قراره "وقف عملي التطوعي في إدارة الإعلام المركزي في القيادة المشتركة للجيش السوري الحر" والعودة إلى مهنته السابقة كناشط مستقل. ومنذ ذلك الحين، لم يسمع أي شيء عن القيادة المشتركة للجيش السوري الحر.
ومع ذلك ظلت بيانات المصري تأتي بالبريد الإلكتروني . في الأشهر القليلة الأولى، كان يوقعها نفسه فقط، بصفته ناشط مستقل، ولكن سرعان ما بدأت الانتماءات المؤسسية تزحف مرة أخرى على الورق. في صيف 2014 قال انه يمثل "اللجنة التحضيرية لإنشاء لجنة وطنية مستقلة للفحص والمراقبة والمساءلة ومحاربة الفساد"، التي واصلت شن هجمات على حركات المعارضة الأخرى. ثم جاء "مركز الدراسات الاستراتيجية والعسكرية والدراسات الأمنية في سوريا"، والذي اعتبرته صحيفة ديلي ميل مصدرا موثوقا في شئون الدولة الإسلامية .
في وقت ما في أواخر عام 2014 أطلق المصري "مشروع الخلاص الوطني"، الذي أعاد تشكيل نفسه ليصبح "مجموعة الخلاص الوطني في سوريا". ويصور نفسه باعتباره مظلة سياسية واسعة للسوريين في الداخل وفي الشتات. ولكن تماما مثلما اختفت القيادة المشتركة للجيش الحر كذلك اختفت المجموعات الأخرى المذكورة أعلاه، ويبدو أن مجموعة الخلاص الوطني في سوريا موجودة فقط في شكل بيانات ينسقها فهد المصري.
نسخة المصري الخاصة
يري المصري انه لم يرتكب أي خطأ ولم يضلل أحدا متعمدا. وعندما تنظر عن كثب الي ما كان يقوله، هو بالفعل لم يدع تمثيل أي هيئة سياسية أو عسكرية باستثناء تلك المذكورة أعلاه، والتي هي من اختراعه. عندما سألته عن ذلك في أواخر عام 2013، أجاب (بسرعة ومهنية) باعتراف صريح بأنه ليس له أي علاقات مع الجيش السوري الحر المعترف بها دوليا بقيادة سليم ادريس؛ والواقع أنه أدان إدريس ورجاله ووصفهم بأنهم "تجار دم" وأدوات للمؤامرات الخارجية. ومع ذلك، أصر أن له كل الحق في تمثيل الجيش السوري الحر كمفهوم وقال إن أي التباس قد ينتج عن هذا هو إلتباس في عين الناظر:
"كنت من أوائل من تكلموا باسم الجيش السوري الحر، قبل تشكيل إدريس لهيئة الأركان العامة، ولذا فإنني لست بحاجة إلى موافقة سواء من سالم إدريس أو من هيئة الأركان العامة. أنا واحد من مؤسسي القيادة المشتركة للجيش السوري الحر ودوري هو في قيادة الحرب الإعلامية على النظام."
تمسك المصري ببندقيته عندما اتصلت به مرة أخرى في أكتوبر 2015، بعد عام ونصف العام من انهائه القيادة المشتركة للجيش السوري الحر:
"أنا أعرف نفسي وتاريخي في معارضة النظام جيدا، وأعرف دوري في دعم الثورة والجيش السوري الحر. وبالتالي لا يهمني ما يقوله هذا الشخص أو ذاك الشخص ولست بحاجة للدفاع عن نفسي، لأن تاريخي معروف. [...]
الجيش السوري الحر ليس مؤسسة عسكرية نظامية تصدر تفويضا لهذا الطرف أو ذاك [ليتحدث نيابة عنها]. الجيش السوري الحر هو حالة وطنية وثورية كنت واحدا من مؤسسيها، أو قيادي في الجيش السوري الحر. [لكني] أعلنت منذ أكثر من عام بأنني توقفت عن العمل بصفتي الناطق الإعلامي للجيش السوري الحر احتجاجا علي القوى الإقليمية والدولية التي تحد من دعم الجيش السوري الحر لصالح التنظيمات الإسلامية المتطرفة."
عندما سألته عن الشائعات التي تتردد عن قيادته وفودا من الجيش السوري الحر لموسكو - وقد أعادوا الكرة عدة مرات، في شتاء 2013 وصيف 2015، ومرة أخري في اكتوبر 2015 - أنكر المصري أي زيارة له لموسكو . وأدلي بتصريح أضاف تلفيقة مختلفة عن القصص التي تروجها وسائل الاعلام الرسمية الروسية:
"عندما دعوت روسيا إلى اجتماع في القاهرة، لم أقدم الدعوة باسم الجيش السوري الحر، وأنا لا أدعي تمثيل الجيش السوري الحر أو أي من فصائله. بل أتحدث باسم مجموعة الخلاص الوطني في سورية التي أمثلها."
الأمر متروك لكم لتحكموا عليه. ولا أدعي أني أعلم شيئا عن منطق فهد المصري عندما فعل ما فعل وقد تكون نواياه صادقة تمام الصدق. ولكن، بالنسبة لي، يبدو واضحا تماما أنه لا يمكن اعتباره متحدثا باسم الثوار على الارض في سوريا، أو أي جزء منها. ومن الواضح أيضا أن هذا سيتبين لأي شخص يقضي لحظة يجري بحثا عن المسألة. والواقع أن معظم وكالات الأنباء الكبرى التي تغطي سوريا لم تعد تعير تصريحاته اي اهتمام، حتى وإن كانت تنشرها في وقت ما في الماضي.
أما بخصوص حواره مع الروس، يبدو أن فهد المصري يقول الحقيقة. عند استعراض بيانات وتقارير وسائل الإعلام في الأسابيع القليلة الماضية يتبين لنا أن الجانب الروسي هو الذي يصر باستمرار علي تصوير المصري كممثل و / أو كعضو مؤسس للجيش السوري الحر. ورغم محاولة المصري تسليط الضوء مجموعة الخلاص الوطني ، تستخدم مصادر إعلامية صديقة للكرملين دائما تصريحاته لتعزيز رواية الحكومة الروسية الخاصة بالتقارب بين موسكو والجيش السوري الحر.
بقية ترويكا 7 أكتوبر
لم يكن فهد المصري وحده في لقائه مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف. كان يجلس بجواره شخصين آخرين، ويفترض أنه وجهت لهم الدعوة لمناقشة الاتصالات بين روسيا والجيش الحر: اللواء الامريكي السابق بول. فالي وشريكه اللبناني ناجي النجار. وعندما سئل عن هذين الشخصين، قال المصري انه تعرف علي فالي من خلال نجار، الذي التقى به في باريس قبل نحو شهرين.
في الواقع بول. فالي هو لواء أمريكي سابق، كما نوهنا، ولكن مع التركيز بشدة على كلمة "سابق." دوره الحالي هو دور معلق سياسي على هامش مبدأ المحافظين الأميركي. بعد أن ترك الجيش منذ ما يقرب من 25 عاما، يدير فالي الآن "شبكة من الأميركيين الوطنيين" يطلف عليها إنهضي يا أمريكا، والتي يبدو أنها تصور نفسها على أنها ذراع السياسة الخارجية لحركة حزب الشاي. يتميز موقعها الإلكتروني بمزيج من الأخبار العسكرية وأخبار لاصطياد واستمالة المسلمين ونظريات المؤامرة. وليقدم فالي بعض المؤشرات من مكانته في الطيف السياسي، إدعي فالي في مقابلة إذاعية أن باراك أوباما "الفاسد والخائن" تم تنصيبه رئيسا بشكل غير قانوني بمساعدة الملياردير جورج سوروس وشهادة ميلاد مزورة، من أجل أن يجعل الولايات المتحدة بلدا اشتراكيا.
النجار عضو سابق في القوات اللبنانية، وهي جماعة مسيحية يمينية شاركت فيالحرب الأهلية في لبنان 1975-1990 ، ويدعي أنه كان مسؤول في المخابرات . منذ نهاية الحرب الأهلية، شارك مع مجموعة متنوعة من اللبنانيين المسيحيين في مناهضة الأسد والجماعات الموالية لإسرائيل. وكان يدير جماعة دافعت عن مذبحة 1982 لللاجئين الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا، وكان ضد محاكمة رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ارييل شارون بارتكاب جرائم حرب. ويبدو أن النجار يمثل الان حلقة وصل فالي بسوريا، من خلال كيان غامض مثير للدهشة يسمي مجموعة إتصال المعارضة السورية، التي تدعي أنها تشارك في الحياة السياسية السورية ومفاوضات الرهائن. ما مدى صحة هذا ، لا أعرف.
في عام 2013، سافر فالي ونجار إلى شمال سوريا، وصافحا الكثير من الثوار، واجتمعا مع العقيد رياض الأسعد، الرجل الذي وضع اسم الجيش السوري الحر للمرة الاولى في يوليو 2011. كانت رحلة مثيرة للاهتمام ووفرت الكثير من العلف لنظريات المؤامرة على الانترنت، ولكن هذه الحيلة الدعائية الصغيرة لا تعني أن أي منهما في استطاعته أن يصلح يكون بمثابة حلقة وصل مفيدة لثوار الجيش السوري الحر في عالم الواقع اليوم، أي الثوار الذين تدعمهم الموم والموك. وبعبارة أخرى، في اذي يمتلك فالي ونجار ما يكفي من الاتصالات السياسية الغريبة لجعل لاروش يبكي فرحا، فلا هم ولا المصري كان يحتكم علي مقاتل واحد داخل سوريا.
ومع ذلك ها هم الآن في مركز الدبلوماسية العامة الروسية. والواقع أن الروس، وفقا للمصري (الذي كرر هذه القصة لي شخصيا، وذلك في بيان ارسله بالبريد الالكتروني، وعلى التلفزيون التركي)، أعجبوا بما فيه الكفاية بلقائه مع بوغدانوف حتي أنهم طلبوا فورا عقد جلسة متابعة. في اليوم التالي، كما يقول، "تلقينا مكالمة هاتفية من مسؤول عسكري روسي طلب عقد اجتماع عاجل بناء على طلب من وزير الدفاع الروسي. قبلنا الدعوة واجتمعنا في باريس في الاجتماع الذي استمر لنحو ثلاث ساعات ".
محمود الأفندي واجتماع أبوظبي
كانت اخر المحاولات، في 5 نوفمبر، هو إعلان وسائل اعلام الدولة الروسية عن عقد اجتماع في أبو ظبي. يفترض أن يجمع "28 لواء من ألوية الجيش السوري الحر في ضواحي دمشق، القنيطرة وحماة وضاحية غرب حمص، وكذلك الجبهة الشمالية من ضواحي حلب وإدلب مع ممثلي وزارة الخارجية الروسية و وزارة الدفاع الروسية "لمناقشة كيف يمكن لهذه المجموعات التفاوض على سلام منفصل مع الحكومة السورية وإرساء تعاون دائم مع روسيا.
وكان مصدر هذه المعلومات المدهشة منسق الاجتماع الرسمي، محمود أفندي، الذي يشغل أيضا منصب رئيس "الحركة الدبلوماسية الشعبية." التي لا يعرفها إلا القليل في أوساط المعارضة السورية، تدحرج الأفندي حول المعارضة في الخارج لفترة من الوقت وبرز مؤخرا في أستانا، كازاخستان، في مناسبة دعي اليها عدد من جماعات المعارضة السورية الشكلية.
في الواقع،كانت اجتماعات استانا (عقد منها اجتماعين حتى الآن) مسرحا سياسيا موجها من موسكو و / أو دمشق. وكان معظم الحضور من اليساريين المسنين الذين يسعون إلى تسوية مع الأسد تقوم على إصلاحات محدودة. بعضهم بالتأكيد صادق، ولكن البعض الآخر هم في الأساس وكلاء المخابرات الروسية أو السورية. وتنفر منهم معظم بقية المعارضة وليس لهم أي علاقة على الإطلاق بالثورة على الارض في سوريا. وأي لواء تابع للجيش السوري الحر فعلا سيصادفوه سيلطق النار علي أن يقبل دعوات للمؤتمرهم.
أما بالنسبة ل"الحركة الدبلوماسية الشعبية"، فهي علي ما يبدو مجموعة أخري مكونة من عضو واحد (لكني سأكون سخيا وأقول باحتمال وجود بضعة من الأعضاء الاخرين )، وأيا كان دور أفندي الحقيقي فهو بالتأكيد شخص لا يستطيع حشد "28 كتيبة" من العصابات السورية في خدمة الدبلوماسية الروسية.
في الوقت الذي لم تستجب إلا قلة من الفصائل الثورية للمبادرات الروسية الأولية، ثم قطعت اتصالاتها، الغالبية العظمى منهم ترفض التوسلات الروسية . وعند سماع الجماعات التي تنسب نفسها للجيش السوري الحر التقارير التي تتحدث عن اجتماع أبو ظبي القادم بقيادة الأفندي، بدأت الجماعات فورا في إنكار وإدانة والسخرية هذه المطالبات. في 6 نوفمبر، أصدرت معظم الفصائل الثورية الرئيسية داخل سوريا - ما يقرب من إجمالي خمسين فصيل - بيانا مشتركا باسم الجيش السوري الحر نفت مشاركتها وأدانت العمليات الروسية في سوريا. (كانت معظم الجماعات التي لم توقع على البيانات فصائل اسلامية وجهادية مثل أحرار الشام وجبهة النصرة، وغيرهم، الذين لم يشيروا أبدا إلى أنفسهم بإعتبارهم من جماعات الجيش السوري الحر ).
اجتماع أبوظبي قد يعقد بشكل جيد للغاية على أي حال. ولن تلاقي روسيا صعوبة في شراء قائد عسكري أو اثنين، ثم تملأ القائمة بالفصائل الصغيرة الغير مشاركة في الموم أو الموك التي تبحث عن التمويل، وهي الجماعات التي تنتمي زورا الي الجيش السوري الحر والعملاء من حزب العمال الكردستاني ومختلف الثوار السابقين الذي تحركهم مخابرات الأسد وبعض السوريين في المنفى وأي عدد ساخط من المنشقين عن الجيش . ومن المؤكد أنه يمكن الاعتماد علي هذه المجموعة لصنع المزيد من عناوين الأخبار حول اجتماع روسيا مع الجيش السوري الحر، ولكنها لا تستطيع التحدث الي أي عدد هادف من الثوار المسلحين داخل سوريا.
من يستخدم من؟
الي هنا نتبين أن شخصا تعرض للخداع، لكن لست متيقنا تماما من يستخدم من منهم. وكلما تعمقت أكثر في العلاقات بين روسيا والشخصيات الهامشية في الشتات السوري، كلما زاد استغرابك: عالم يقع في منتصف الطريق بين جوزيف كونراد وتوماس بينشون ولكن بدون صفات التضحية للأسلوب والشخصيات ذات المصداقية.
إذن فماذا يجري بالفعل؟ أرى خيارين.
فإما أن نعتقد أن الحكومة الروسية، على مستوى مجلس الوزراء ورغم الجهود الجبارة التي تبذلها استخبارات SVR وGRU ، ليست علي دراية كبيرة بالسياسة السورية حتي تتصور أن المصري وفالي ونجار والجماعات العربية المدعومة من حزب العمال الكردستاني أو أفندي لهم صلات ذات مصداقية بالجيش السوري الحر المدعوم أمريكيا، مهما تخيل الروس أن يحدث ذلك. لو تم لهم ذلك لشهدنا حكومة روسيا يتلاعب بها مجموعة متنوعة من رجال الأعمال والشخصيات السياسية السورية والأمريكية واللبنانية، ولأصبح الكرملين ضحية تعيسة لبراءته الطفولية التي يشتهر بها وضحية للثقة العمياء في النوايا الإنسانية الطيبة .
البديل ، ولحسن الحظ هناك بديل، هو أن نتخيل هذا أنه خدعة لصرف الانتباه من جانب الروس - نوع من الدعاية السياسية أو التمويه، ليستقطع بوغدانوف جزءا من وقت جدول أعماله المزدحم ليتحدث الى أشخاص في سوريا يعلم أن نفوزهم صفرا لأنهم صفر. وبتحويل الكرملين الاهتمام علي مستوى عالي على محاورين بلا أهمية، أنتج المواد الخام التي يحتاجها مصنع دعايته ليدفع بمنتجاته في سوق الشائعات في السورية.
لماذا ا؟
تغذية وسائل الإعلام بالشائعات والتلميحات والمعلومات الغير مترابطة حول الاتصال الروسية بالجيش السوري الحر تخدم أجندة سياسة الكرملين بطريقتين:
أولا، تخدع بعض الناس للاعتقاد بأن روسيا تنتزع بمهارة حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا. ومعظمهم من الذين لا يعرفون شيئا عن سياسة الثورة في سوريا، لكنهم معظم الناس.
ثانيا، ولا يقل أهمية عن أولا، لا يستطيع منافسي روسيا الاحتجاج علي مزاعم موسكو الاحتيالية دون الدخول في نقاش حول من يمثل بالفعل الجيش السوري الحر في المحادثات مع الأسد، لو لم يكن المصري أو الأفندي أو المرشحين الآخرين الذين إقترحتهم موسكو. ونظرا لعدم وجود قيادة مركزية للجيش السوري الحر ولا إجماع حول من يوصف ب "الجيش السوري الحر"، فهذا أشبه بمحاولة دق مسمار من الجيلي الهلامي في الحائط.
وهذه مشكلة ساهم في صنعها الأمريكيين . والواقع أن البعض يقول أن داعمي المعارضة وقعوا الان ضحية للدعاية الخاصة بهم. لسنوات، فالمسؤولون في الولايات المتحدة وأوروبا وتركيا والعالم العربي كانوا يدعمون طوال سنوات "الجيش السوري الحر المعتدل" أو حتى "الجيش السوري الحر العلماني" باعتباره أمل سوريا العظيم نحو المستقبل، دون التوصل إلى أفضل تفسير لما يعنيه ذلك غير القول "أي جماعة مسلحة ملعونة في سوريا نتمكن من العمل معها". وهذا بلا شك يعد تعريفا من نوع ولكن كيف يمكن تسويقه للجمهور؟ ماذا تفعل عندما يبدأ الصحفيين والناخبين، أو حتى أعضاء الكونغرس طرح الأسئلة حول من هم بالضبط من يتلقون كل هذه الأموال من دافعي الضرائب؟
وقد بدأت الحكومة الروسية الآن استغلال هذا الغموض المهندس عمدا لأغراضها الخاصة. بإعادة تسمية حلفائهم وجميع أنواع السوريين في الخارج الذين يتسمون بالعشوائية بوصفهم "ممثلي الجيش السوري الحر" يحاولون انتزاع الخيال المفيد جدا من أيدي أعدائهم، أو إذا تعذر ذلك يدمرونه بإضافة المزيد من الارتباك والغموض.
وكما قال بوغدانوف الذي يشبه وجهه لعبة البوكر مؤخرا عند مناقشة ما إذا كانت الجيش السوري الحر سيكون جزءا من محادثات السلام الافتراضية في المستقبل:
"نحن نؤيد بشكل عام مشاركتهم ككيان.ولم ا نفهم بعد من سيمثلهم . نحن في انتظار أن يعلنوا بشكل أوضح أو يقول لنا شركائنا الذين تربطهم علاقات بالجيش السوري الحر".
قد يسمي البعض هذا دبلوماسية.أما أن ف أسميه تصيد على مستوى النخبة .
آرون لوند، رئيس تحرير سوريا في أزمة
http://www.joshualandis.com/blog/media-maskirovka-russia-and-the-free-syrian-army/
"نحن مستعدون لدعم المعارضة الوطنية من الجو، بما في ذلك ما يسمى الجيش السوري الحر"، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مؤخرا للتلفزيون الروسي. ولكنه قال موسكو غير قادرة حاليا على القيام بذلك لأنها لا تعرف من يقود الجيش السوري الحر والولايات المتحدة لن تساعد في التعرف عليهم. وقد قوبلت تصريحات لافروف بالسخرية والازدراء من الثوار السوريين، بمن فيهم العديد من أعضاء الجيش السوري الحر، الذين يشكون من أن القوات الجوية الروسية كانت قصفهم منذ 30 سبتمبر.
والعجيب أنه في يوم 25 أكتوبر أوردت وكالة الانباء الروسية ريا نوفوستي أن أعضاء آخرين في الجيش السوري الحر على استعداد للدخول في "حوار" على امل الحصول علي "المساعد".الروسية. ونقلت الوكالة عن فهد المصري، الذي وصفته أنه أحد مؤسسي الجيش السوري الحر، قوله ان الجانبين "في حاجة إلى تسهيل لقاء جديد، حتى نتمكن من التعبير عن موقفنا ونناقش إجراءاتنا المشتركة ." وترددت تصريحات المصري على نطاق واسع في وسائل الإعلام المقربة من الحكومة السورية والرئيس بشار الأسد ، بما في ذلك قناة برس تي في الايرانية، التي نقلت عن المصري قوله انه "من مصلحة روسيا و الجيش السوري الحر عقد هذا الاجتماع في أقرب وقت ممكن."
وفجأة انتشرت الشائعات في كل مكان أن مندوبين عن الجيش السوري الحر في طريقهم الى موسكو. حاولت المعارضة السورية في الخارج نفيها دون جدوي. استمرت وسائل الاعلام الرسمية الروسية في نشر الأخبار. وفي 26 أكتوبر أشارت وكالة سبوتنيك للأخبار إلى اقتراح المصري المزعوم لعقد مؤتمر بين روسيا والجيش السوري الحر في القاهرة ثم ألقت بقنبلة دبلوماسية يوم: " قال نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف يوم الإثنين أن موسكو أكدت أن مبعوثي الجيش السوري الحر زاروا روسيا: ."
وبعد بضعة أيام، في 30 تشرين الأول، تحدث بوغدانوف على هامش اجتماع حول سوريا في فيينا ليشرح أن روسيا تريد ضم الجيش السوري الحر في محادثات السلام في المستقبل، في حين أن " أحد مؤسسي ما يسمى الجيش السوري الحر"، الذي تبين مرة أخرى إلى أنه فهد المصري، تم سماعه في وسائل الاعلام الرسمية الروسية وهو يشيد بمرونة موسكو .
في 3 نوفمبر، قيل لنا أن الجيش الروسي على اتصال الآن بعدد كبير من مجموعات المعارضة، التي بدأت تزود الروس بإحداثيات تساعدهم على قتال "الإرهابيين"، ثم أخيرا أحضرت وكالة سبوتنيك للأخبار محمود أفندي في 5 أكتوبر ليعلن ان مسؤولين من وزارتي الخارجية والدفاع الروسية سيجتمعون مع قادة الجيش السوري الحر في أبوظبي الأسبوع المقبل.
هل هذا هو العامل المتوقع منذ فترة طويلة الذي سيغير قواعد اللعبة في سوريا؟ هل الجيش السوري الحر، وهي المعارضة السورية التي يفاخر بها كثيرا بأنها التيار الأكثر اعتدالا، ستنشق الآن عن حلفائها الغربيين والخليجيين لتتحالف بدلا منهم مع روسيا وبشار الأسد؟
لا، ليس تماما.
دعاية أمريكية محضة
تأتي هذه التقارير في وقت يحاول المسؤولون الروس إدارة التداعيات السياسية لتدخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوريا. في حين تواصل وزارة الدفاع الروسية إدعائها أن هجماتها تستهدف ما يسمى الدولة الإسلامية، وهي جماعة متطرفة معادية لكلا من الأسد وثوار آخرين، لا يظهر علي النمط الجيوسياسي لضربات سلاح الجو الروسي أي محاولة (أو قدرة؟) علي التمييز بين الجماعات الثورية. الجماعات التابعة للدولة الإسلامية هي في الواقع أقلية صغيرة من الأهداف وبعض الضربات الأولى تبدو قد ضربت فصيل تدعمه الولايات المتحدة. وبعبارة أخرى، يسعى الكرملين للعب على مخاوف الغرب من الإرهاب كغطاء سياسي لمهمة تهدف إلى دعم حكومة الأسد.
بطبيعة الحال، الدعاية في زمن الحرب ليست حكرا علي الروس . عندما كانت الولايات المتحدة تحتل العراق كان مسؤولين كبار في إدارة بوش مثل واشنطن دون يواصلون إلقاء اللوم على "إرهابيين" من "البعثيين " أو "تنظيم القاعدة" عن كل انتكاسة جديدة. مما لا شك فيه ان البعثيين والموالين لتنظيم القاعدة لعبوا دورا بارزا في هذا المزيج، وسيصبحوا في وقت لاحق هم المهيمنين. ولكن في الأيام الأولى كانت الثورة في العراق أكثر تنوعا إلى حد كبير مما نراه الآن في سوريا. في 2003 الي 2004 تألفت من مجموعات محلية صغيرة لا تعد ولا تحصى انحصرت في مجموعة كاملة من الأيديولوجيات من القومية العلمانية إلى الجهاد. وفي بعض الأحيان حتى سدوا الفجوة بين السنة والشيعة. ومع ذلك خرج الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش ليقولون لشعبه ان المقاومة العراقية كانت جميعها من " الجماعات الإرهابية أمثال تنظيم القاعدة وأمثال أنصار الإسلام ،" وخلص إلى أنه من الأفضل "محاربتهم هناك وليس هنا ".
وبعد عقد من الزمان انعكست الأدوار في سوريا. الساسة الروس يصفون بازدراء أي سوري حمل السلاح لوقف عمليات النهب التي يقوم بها لجيش بشار الأسد بأنه "جهادي إرهابي " وبدلا من وضع استراتيجية سياسية يلطخونهم وينفخون صدورهم ويقولون "أحضروهم". نظرائهم الأميركيين يبدون كمثل اليساريين المناهضين لحرب العراق في 2003-2004، عيونهم تندفع بعصبية في جميع أنحاء الغرفة وهم يحاولون توضيح أن هناك سلفيين مسلحين طيبين وسلفيين مسلحين أشرار. إعطهم عاما اخر وسيتشاكون من "موقف رعاة البقر".الروس
ليس لأن أنصار كل منهما قد لاحظوا أو إهتموا. ولكن إن لم تكن نصيرا متشددا، سواء لفلاديمير بوتين أو لرئاسة الغير مأسوف عليه جورج دبليو بوش، ستكون قد لاحظت الآن أن خطاب "مكافحة الإرهاب" الذي يتبناه الكرملين لا يختلف أساسا عن الهراء الذي يصدر عن وسائل إعلام البيت الأبيض الأمريكي منذ عشر سنوات، وهي بالمثل وسائل اعلام تخدم مصالح ذاتية ومضللة ومدمرة. وتعمل أيضا بشكل جميل
الدفاع الروسي
بما أن أي شخص لديه خريطة سوريا يمكنه بسهولة أن يتأكد أن الحكومة الروسية تكذب بشأن نشاطها في سوريا، بدأت وسائل الإعلام الدولية طرح الأسئلة. رويترز، على سبيل المثال:
" أظهر تحليل رويترز لبيانات وزارة الدفاع الروسية أن حوالي 80 في المئة من الأهداف الروسية المعلنة في سوريا في المناطق التي لا تسيطر عليها الدولة الإسلامية، مما يقوض تأكيدات موسكو أن هدفها هو هزيمة تلك الجماعة."
عندما تواجه موسكو بمثل هذه الاتهامات ترد بطريقة فوضوية. فبدلا من ان يستقر المسئوليين على رسالة سياسية واحدة، يقدمون في كثير من الأحيان تفسيرات مختلفة ومتناقضة عما يقومون به في سوريا ولماذا يفعلونه، ولماذا قالوا انهم سوف يفعلون شيئا آخر. يدعي البعض الآن أن التدخل لم يكن أبدا المقصود منه الدولة الإسلامية فقط، وهو ما سيكون بمثابة دفاع ممتاز لولا أن وزارة الدفاع الروسية ما زالت تدعي كذبا أنها تهاجم ... الدولة الإسلامية. ويفضل آخرون مجرد تغيير الموضوع. وسيظل البعض الآخر في ترديد الكذبة الأصلية ويتغاضى عن أي اعتراضات، لأنهم يدركون جيدا أن جمهورهم الأساسي، الذي يتكون أكثرهم من الروس القوميين و / أو الروس الغير معنيين بالسياسة، بالإضافة لبعض الكتاب الغربيين في الصحف الشعبية وأصحاب نظريات المؤامرة، إما لا يعرفون أو لا تعنيهم الحقيقة .
على سبيل المثال، ها هو العنوان الرئيسي الفعلي لصحيفة الديلي اكسبريس البريطانية يوم 30 أكتوبر 2015: "عودة أكثر من 800،000 لاجئ سوري أثناء طمس بوتن للدولة الإسلامية ". كل ذلك هراء مبني علي روايات المسؤولون الروس
وفي روسيا أظهر استطلاع مستقل للرأي أن 48 في المئة من المستطلعين يعتقدون أن قواتهم الجوية تهاجم الدولة الإسلامية، و13 في المئة فقط يعتقدون أن الأهداف في معظمها موجهة الي جماعات معارضة سورية اخري، في حين ارتفعت شعبية بوتين إلى أكثر من 90 في المئة وفقا لاستطلاعات الرأي أجرته الدولة.
لا داعي للشعور بالمفاجأة. هكذا تدار الدعاية. الغرض الأساسي منها هو تعبئة قاعدة ووضع نقاط الحوار لهؤلاء الذين يميلون بالفعل لدعمك. والغرض الثانوي هو تجعل خصمك دوما في حالة عدم يقين وتشتت وفقدان التوازن . وهنا ظهر فهد المصري والجيش السوري الحر في الصورة.
لقاء في باريس
في 7 أكتوبر، بعد أسبوع من حملتها في سوريا، أعلنت وزارة الخارجية الروسية فجأة أنها ستبدأ محادثات مع الجيش السوري الحر. وفي اليوم نفسه، عقد اجتماع في السفارة الروسية في باريس، جمع بين نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف- المهندس الرئيسي لسياسة روسيا في سوريا - مع مجموعة من الشخصيات المثيرة جدا للاهتمام: "فهد المصري، منسق مجموعة الخلاص الوطني في سورية، والجنرال الأميركي المتقاعد بول فالي، ومستشاره في شؤون الشرق الأوسط، ناجي النجار، وهو ضابط مخابرات سابق ". (ونحن نعلم أن الاجتماع انعقد منذ أكدت السلطات الروسية أن بوغدانوف كان في باريس في ذلك الوقت، وتحدث أيضا إلى مسؤولين فرنسيين والي أحد قادة الأكراد السوريين، ونشر فالي صورة له مع بوغدانوف.)
بعد اجتماع 7 أكتوبر، بدأت الصحافة الروسية تنشر قصصا حول اتصال موسكو بالجيش السوري الحر. ونقلت صحيفة كوميرسانت في مقالين لها البيان الصحفي للمصري وأشارت إليه بأنه "أحد مؤسسي الجيش السوري الحر"، في حين تمادت وكالة سبوتنيك للأخبار المملوكة للدولة أبعد من ذلك فذكرت: "الجيش السوري الحر على استعداد لإقامة اتصالات مع القيادة الروسية". وظهر المصري مرة اخري في مقالة بوكالة سبوتنيك للأخبار تحت عنوان" روسيا تؤكد مجددا استعدادها للتعاون مع الجيش السوري الحر ".
وبعد بضعة أسابيع، بلغت الحملة زروتها، عندما أصدرت وسائل الاعلام الروسية الرسمية المعلومات المذكورة في بداية هذا المقال، حول مبادرات فهد المصري إلى الكرملين واقتراحه عقد مؤتمر سياسي في القاهرة ووفد الجيش السوري الحر الغامض في موسكو.
وبعبارة أخرى، أصبح اجتماع فهد المصري وبول فالي وناجي النجار فجأة جزءا من ادعاءات الحكومة الروسية بوجود علاقة لا تزال في مهدها مع الجيش السوري الحر. ولكن من هم هؤلاء وبأي طريقة يمكنهم تمثيل الجيش السوري الحر؟
قبل أن نجيب على هذا السؤال، دعونا نعود للوراء ونحدد ما نعنيه ب"الجيش السوري الحر".
التاريخ الموجز للجيش السوري الحر
كانت حركة الثورة السورية تتألف دائما من العديد من الفصائل المختلفة. يوجد اليوم حوالي عشرة أو عشرين منظمة كبري، ولكن معظمهم لا يزال يركزوا علي مناطقهم ومنقسمين، ويوجد مئات إضافية من العصابات الثورية الصغيرة تنشق وتخرج من التحالفات المحلية.
وتقدم الكثير من هذه المجموعات نفسها علي أنها جزء من الجيش السوري الحر، وعندما تقدم الولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى الدعم للثوار، يتحدثون أيضا عن مساعدة الجيش السوري الحر. وقد لفظت الكثير من وسائل الإعلام تعبير الجيش السوري الحر منذ سنوات، ونادرا ما تحاول توضيح ما المقصود من ذلك عدا أن تقول أن الجيش السوري الحر هو "جماعة الثوار المعتدلين" أو "حركة ذات تحالفات فضفاضة" أو شيئ من هذا القبيل. ينشأ هذا الارتباك بسبب عدم وجود تعريف واضح ولأن الكثير من الناس والجماعات والدول المختلفة تستخدم كلمة "الجيش السوري الحر" لتنطبق على أشياء كثيرة مختلفة.
ظهرت مفهوم "الجيش السوري الحر" لأول مرة في يوليو 2011، عندما تم إطلاق "القيادة العليا للجيش السوري الحر" علي يد منشقين من الجيش السوري في تركيا. وحصل أعلاهم رتبة العقيد رياض الأسعد علي لقب القائد الأعلى للجيش السوري الحر. وكانت مجموعة الجيش السوري الحر الخاصة بالعقيد اسعد تؤيدها تركيا وغيرها من أجل تحويل الأموال إلى الثوار المحليين وخلق حركة ثورية أكثر تماسكا من شأنها أن تكون قادرة على إسقاط الأسد عن طريق مزيج من العمل العسكري المنضبط والتفاوض. هذه المحاولات باءت بالفشل. الثوار منقسمون على نحو فوضوي، والجيش السوري الحر بقيادة العقيد أسعد لم يتطور ليتجاوز ما هو أبعد من دور "جهاز فاكس في تركيا،" تتدفق منه البيانات الصحفية لتنسب لنفسها الفضل في الهجمات التي يقوم بها آخرون.
ومع ذلك، نجح الجيش السوري الحر نجاحا كبيرا في عملية التسمية. فإسمه والشعار المرتبط بة أصبح ملازما للثوار ولا يزال شائع الاستخدام اليوم. وعادة ما يتم استخدامه للإشارة إلى الثوار الذين يتلقون الدعم الغربي و / أو من دول الخليج، ويجاهرون علنا بالدعوة الي مستوى معين من الإيمان بالديمقراطية والقومية السورية (وهو ما يتعارض مع الوحدة الإسلامية)، والحفاظ على مسافة صحية بعيدا عن تنظيم القاعدة.
منذ تشكيل الميليشيا الأصلية التابعة للعقيد أسعد وتراجعها السريع، كانت هناك محاولات متكررة مدعومة من الخارج لإنشاء محورا مركزيا جديدا للثوار، أو على الأقل لفصائله الأكثر اعتدالا وواقعية . وقد استخدمت معظم هذه المشاريع اسم الجيش السوري الحر.
في ديسمبر 2012، وحدت عدة بلدان جهودها لاقامة ما يسمى هيئة الأركان العامة، التي كان لها مجلس عسكري أعلي ملحق بها . ثم تطور هذا ليتحول الي "الجيش السوري الحر الجديد"، تحت قيادة العميد سالم إدريس. وبينما أصبحت قيادة إدريس للجيش السوري الحر أكثر نجاحا من محاولات التوحيد السابقة، إلا أنه ظل جيشا إفتراضيا في أفضل الأحوال . نوع من البنية السياسية الفوقية ترتكزعلى قمة تيارمن التمويل من الخليج العربي والغرب وتركيا مخصصة لفصائل سورية مختارة تفتقر إلى أي سيطرة مركزية عليها. وبعد عام ونصف من الفشل انهارت أخيرا هذه النسخة من نسخ الجيش السوري الحر في 2014.
وأخفقت الكثير من المحاولات المتتالية لإعادة بناء هذا النوع من القيادة المركزية للجيش السوري الحر . وفي الآونة الأخيرة رأينا إنشاء مجلس قيادة الثورة في ديسمبر 2014 واستنساخ المجلس العسكري الأعلى للجيش السوري الحر في يوليو عام 2015. ومشروع آخر، القيادة العليا للجيش السوري الحر المدعوم من المعارضة في الخارج، لكنه لا يزال طور التنفيذ. وقائمة ستطول بالتأكيد .
وراء الكواليس: موم وموك
فشل صناعة قيادة رسمية للجيش السوري الحر لا يعني أنه لا توجد كيانات مادية تربط هذه الشرائح من الثوار. وفقد تم فحص وتدريب الآلاف من المقاتلين حتى الآن، وتمت الموافقة على توفير الدعم المادي لهم عن طريق اثنين من مراكز العمليات العسكرية التي تغذي الثوار عبر الحدود التركية والأردنية. إحداها في تركيا معروفة باسم موم، بالتركيةMüşterek Operasyon Merkezi، وتعني العمليات المركزية المشتركة، بينما تسمي نظيرتها في الاردن باسم موك وهو نفس الاسم ولكن يحمل الحروف الأولى في اللغة الإنجليزية.
وبصرف النظر عن تركيا والأردن، هذه المراكز تجمع مندوبين من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وفرنسا، وحفنة من الحكومات الأخرى. دورها هو التنسيق والإشراف على تدفق الأسلحة والذخائر إلى عدد من الجماعات الثورية المختارة. وتتعاون أجهزة المخابرات الأجنبية، وأهمها وكالة المخابرات المركزية الامريكية، من خلال هذه المراكز لاختيار الجماعات المؤهلة للحصول على الدعم. ولن يحصلوا على ختم الموافقة حتى يتم فحص أعضائها إن كان لهم اتصالات مشبوهة ويعلنوا الابتعاد عن الدخول في تحالفات مع تنظيم القاعدة ويظهروا بعض الاهتمام بالحل التفاوضي للنزاع. الجماعات المشاركة تتمتع بمستويات مختلفة من الثقة والموافقة عليها، ولكن العديد منها تتلقى أيضا دعما "غير رسمي" من جانب ، على سبيل المثال، تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية أو مختلف الممولين المنفردين.
وقبلت هذا الترتيب حتى الآن ما يقارب مئة من الفصائل الثورية، على الرغم من أن عملية حصرهم عملية معقدة لأنها غالبا ما يكونوا منضوين في مظلات إقليمية متداخلة. وفي حين أن كل فصيل من هذه الفصائل يعد فصيلا صغيرا جدا وقليل منهم يتمتع بالوعي الوطني، إلا أنهم يؤلفون معا شريحة كبيرة نسبيا من المعارضة المسلحة. في جنوب سوريا، تبدو المجموعات التي تمولها الموك تشكل أغلبية الثوار. الفصائل الشمالية المدعومة من الموم تتمتع بنفوذ أقل من نظيراتها في الجنوب، لكنها لا تزال تشكل قوة كبيرة في المناطق المحيطة بحلب، واستخدمت بعض الصواريخ الأمريكية الصنع لإثبات وجودها والتي لعبت دورا محوريا كوحدات مضادة للدبابات في منطقة إدلب، حماة .
هذه المجموعات هي التي تشير إليها الحكومة الأمريكية عادة عندما تتحدث عن "الجيش السوري الحر" وهناك بالفعل تداخل كبير جدا بين الفصائل المدعومة من الموم والموم والفصائل التي تصنف نفسها أنها من"الجيش السوري الحر ". ويستخدم هذا التعريف الفج ( موم + موك = الجيش السوري الحر ) على نحو متزايد من المعارضة السورية في الخارج والثوار أنفسهم، وآخرين ممن يتابعون هذا الصراع.
كل الآخرين الذين يطلقون على أنفسهم "الجيش السوري الحر"
ومع ذلك لا يوجد تطابقا مكتملا. أي شخص يمكنه أن يرفع علم الجيش السوري الحر دون الحاجة لموافقة الموم أو الموك . بعض الفصائل تفعل ذلك لأنهم يرون فيها وسيلة لتأكيد طبيعتهم المعتدلة ويتملقون الممولين الأجانب. وينسب آخرون تراث الجيش السوري الحر كجزء من هويتهم الثورية، ويقولون أنه لا ينبغي أن يقتصر علي الفصائل المدعومة من الخارج. وعلى العكس، يوجد فصائل مدعومة من الموك والموم لا تستخدم اسم الجيش السوري الحر أو رموزه، أو على الأقل نادرا ما تفعل ذلك. وهذا لأنهم رفضوا سابقا اسم الجيش السوري الحر ووضعوا الهوية السياسية الخاصة بهم، وهي هوية تقوم علي الأيديولوجية الإسلامية، ويفضلون الآن للحفاظ على هذا التمييز حتى بعد استقطابهم في الموك والموم .
وتعني العديد من المجموعات أشياء مختلفة عند الإشارة إلى الجيش السوري الحر ويستخدمون المصطلح بانتهازية. على سبيل المثال، عندما أصدرت ما يقرب من خمسين جماعة ثورية مؤخرا بيانا نيابة عن الجيش السوري الحر، وضم الموقعين الكثير من الجماعات المعروفة المشاركة في الموم والموك، وحكان من الموقعين ايضا جيش الاسلام، وهو فصيل اسلامي لا يستخدم عادة شارة الجيش السوري الحر وغالبا ما يرفض التسمية.
في شمال شرق سوريا، يوجد أيضا عدد من الجماعات التي تصف نفسها أنها تابعة للجيش السوري الحر وتحارب الدولة الإسلامية جنبا إلى جنب مع ميليشيات واي بي جي الكردية التي تدعمها الولايات المتحدة. والواي بي جي بدورها هي واجهة لحركة حزب العمال الكردستاني الكردية بي كا كا ، التي لها علاقات عمل ممتازة مع موسكو. مجموعات "الجيش السوري الحر " هذه هي في أغلبها فصائل عربية منشقة أو مجموعات قبلية استقطبها حزب العمال الكردستاني لتوفير مقاتلين اضافيين ويضع وجها متعدد الأعراق على ما هو في الواقع مشروع كردي يديره بالكامل. وبعضهم يدعو أيضا إلى التدخل الروسي، وادعى أحد أبرز زعماء الثوار السوريين الذن يعمل لصالح مجموعة مدعومة من الموك أن هذه الفصائل المدعومة من الأكراد مسؤولة عن بعض الثرثرة التي ترددت عن زيارة "الجيش السوري الحر" لموسكو. (ربما لتقديم خدمة صغيرة لحزب العمال الكردستاني؟)
ثم يأتي السوريين في الخارج. تغطي البقايا المتحللة من "قيادات الجيش السوري الحر" السابقة ردهات الفنادق في جنوب تركيا مثل قناديل البحر على الشاطئ. ولا يزال مئات من ضباط الجيش السوري المنشقين يدورون حول دائرة المنفى ويبدو أن معظمهم يعتبرون أنفسهم جزءا من الجيش السوري الحر بشكل من الأشكال. وتظهر بعضهم في وسائل الإعلام سعداء بصفتهم "أعضاء الجيش السوري الحر"، و"مستشاريين في الجيش السوري الحر"، أو حتى "قادة الجيش السوري الحر"، مهما كانت علاقتهم الفعلية بالثوار على أرض الواقع. ومنهم بالفعل من يعمل بشكل وثيق مع الموم أو الموك أو الفصائل المرتبطة بهما، ولكن البعض الآخر يرتدي عباءة الجيش السوري الحر لمجرد ارتباطه في الماضي ببعض مشاريع الجيش السوري الحر التي انهارت، وغالبا ما تعود إلى فترة ما قبل ادريس . على سبيل المثال، العقيد رياض الأسعد المخترع الأصلي لاسم الجيش السوري الحر في عام 2011،، لا يزال يعمل في تركيا بشكل يعتريه الغموض كواحد من "القيادات العليا للجيش السوري الحر" المزعومة.
وبعبارة أخرى، فإن مصطلح "الجيش السوري الحر" يمكن أن يعني الكثير من الأمور. وفي هذه الأيام لكي تكتسب أي جماعة ثورية نوع من الأهمية ويكون لها صلة بالحرب في سوريا لابد وأن تكون مدعومة من الموم والموك. وعندما تسمع تسعة من أصل عشرة مرات عن قيام "الجيش السوري الحر" بعمل شيئ على أرض المعركة في سوريا، فهذا يقصد به تلك الجماعات. ولكن يوجد بين الجماعات التي تقاتل في الواقع في سوريا جماعات من الجيش السوري الحر مدعومة من حزب العمال الكردستاني وأخرين ، ولا سيما الضباط الموجودين في الخارج . وكانت بعض مشاريع توحدهم الفاشلة تمثل الجماعات المسلحة تمثيلا حقيقيا على الأرض، في حين أن آخرين كانوا مجرد مخلوقات علي الفيسبوك سرعان ما تزول.
أما بالنسبة لفهد المصري فكان من الفئة الأخيرة.
لقاء السيد المصري
لفت اسم فهد المصري إنتباهي أول مرة منذ حوالي ست أو سبع سنوات، عندما كنت أكتب كتابا عن المعارضة السورية. ولد في حي الميدان في دمشق، كان قد غادر سوريا في منتصف التسعينيات، وانتهى به المطاف في باريس، حيث كان يبحث عن عمل كصحفي. وفي عام 1996، عمل لمدة ستة أشهر كفني في شبكة الأخبار العربية، وهي قناة فضائية يسيطر عليها رفعت الأسد، عم بشار المنفي (الذي زار مؤخرا موسكو). عندما أسأله عن هذا يرد المصري انه ببساطة كان بحاجة إلى العمل، وأنه ليس من أنصار"قاتل" مثل رفعت الأسد. كما عمل مع نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام، الذي انتقل إلى باريس وبدأ تمويل نشاط المعارضة، بعد أن طرده بشار الأسد من منصبه في عام 2005، . وبحلول نهاية سنة الألفية الثانية، كان المصري يستضيف برنامج تلفزيوني حواري على تلفزيون بردى، وهي محطة فضائية لمحاربة الأسد ومقرها لندن (والتي كانت تمولها سرا وزارة الخارجية الأمريكية). وعاد إلى باريس في أواخر عام 2010 أو أوائل عام 2011.
كان فهد المصري شخصية ثانوية في ذلك الوقت - نموذج مصغر من مأساة سوريا العظيمة، باعتباره واحدا من عشرات الآلاف من المهاجرين السياسيين المتجمعين في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأوسط، وباعتباره نتاج انساني لالية الخوف والثروة وسلطة عائلة الأسد .
مع ظهور الانتفاضة السورية في عام 2011، بدأت مكانة فهد المصري في النمو. وبدأت سائل الإعلام في جميع أنحاء العالم عملية بحث محمومة عن ممثلي الثورة الناشئة في سوريا، ولكن لأي من المراسلين المخضرمين والصحفيين المبتدئين والأكاديميين أي فكرة عن شخصيات المعارضة السورية إلا قلة قليلة منهم. وفي الوقت نفسه، كانت حكومة الأسد والعديد من جماعات المعارضة المختلفة وأجهزة الاستخبارات في المنطقة وفي بعض الأحيان جيش عالمي من النرجسيون يتصارعون جميعا للوقوف أمام الكاميرات. وكانت النتائج مربكة - وفي بعض الأحيان المأساوية - وأحيانا مضحكة -. مثل الضجة الإعلامية على إعلان محمد رحال الحرب عام 2011 ، أو فتاة دمشق الشاذة التي اتضح أنها رجل مستقيم من مدينة ادنبره.
ودخل فهد المصري في هذه الفوضى . وفي أغسطس 2011، عندما كانت معظم المعارضة السياسية السائدة لا تزال تتشبث بالخطاب القومي الديمقراطي والاحتجاجات السلمية يظهر على قناة العربية من باريس يطالب بالتدخل الأجنبي في سوريا. لم يكن يمثل أي جماعة من النشطاء أو أي حزب سياسي، لكن مزيجا من التواجد والتصريحات التحريضية جعلته معلقا يلقي رواجا .
القيادة المشتركة للجيش السوري الحر
قد قال لي المصري أنه في أواخر عام 2011 كان يشجع علي تشكيل قيادة طموحة للثوار تعرف باسم المجلس العسكري الأعلي للجيش السوري الحر، الذي كان يرأسه العميد مصطفى الشيخ. في منتصف عام 2012 أخفقت جماعة مصطفي الشيخ التي كانت الجماعة المفضلة لدي السعودية لفترة وجيزة، وذهب فيما بعد إلى المنفى في السويد. وفي ذلك الوقت عاود المصري، الذي لم يكن له أي ارتباط رسمي بجماعة الشيخ، الي الظهور بالفعل. وفي هذه الفترة " حاول أن يجعل من نفسه متحدثا باسم الجيش السوري الحر، لكنه لم ينجح في مسعاه"، كما يقول أحد الأشخاص الذين عملوا مع المصري. "كل الضباط الذين تحالف معهم كانوا متخبطين".
في مارس 2012، دعي المصري إلى المؤتمر التأسيسي للمشروع الجديد لتوحيد الثوار، القيادة المشتركة للجيش السوري الحر بقيادة العقيد قاسم سعد الدين. ثم بدأ المصري يبدو وكأنه المتحدث الإعلامي باسم القيادة المشتركة للجيش السوري الحر، على الرغم من أنه لم يتبين لي هل تم ذلك بموافقة الجماعة نفسها. وقد ادعى بعضهم أن جماعة العقيد سعد الدين طردته بعد أسبوع واحد فقط. بينما نفي المصري ذلك ويبدو من المؤكد أنه انجرف بعيدا عن بقية القيادة في مرحلة ما.
وأصبح القيادة المشتركة الجيش السوري الحر بصفتها ائتلافا عسكريا بعد فترة وجيزة عديمة الاهمية، ولكن ليس قبل أن تمنح العقيد سعد الدين اعترافا اسميا واتصالات خارجية مفيدة، التي كان يتداول في وقت لاحق لشغل منصب في شبكة الجيش السوري الحر أيد الغرب سليم إدريس.
في تلك الفترة نسي الجميع القيادة المشتركة للجيش السوري الحر - ما عدا الناطق الرسمي باسمها سابقا. وفي رسالة بعثها الي عبر البريد الإلكتروني قال لي المصري أن إنشاء الجيش السوري الحر بقيادة إدريس في ديسمبر 2012 كان جزء من مؤامرة من "جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية" من أجل "كسب الهيمنة على الجيش السوري الحر " وتصر على أن العديد من الضباط المشاركين في القيادة المشتركة للجيش السوري الحر رفض قبول حله. ويقول، لذلك: "واصلنا عملنا رغم انسحاب العقيد قاسم سعد الدين واخرين."
في الواقع تبدو أن هذه النسخة من القيادة المشتركة للجيش السوري الحر كانت تتكون من فهد المصري وحده. الجيش السوري الحر بقيادة إدريس والفصائل الثورية التي تحمل اسم الجيش السوري الحر داخل سوريا توجه دعوة للصحفيين للسفر مع قواتهم وغالبا ما يحملون مقاطع فيديو من ساحة المعركة. القيادة المشتركة للجيش السوري الحر الخاصة بالمصري لا يمكنها صنع أي من هذه الأدلة. ورغم أن المصري في كثير من الأحيان يلمح إلى أنه يمثل عشرات الآلاف من المنشقين العسكريين في ساحات المعارك في سوريا، إلا أنه"لأسباب أمنية" يمتنع عن ذكر أسمائهم.
بدلا من ذلك، ظل وجود القيادة المشتركة للجيش السوري الحر كالشبح مقتصرا على الوجود الافتراضي ، ليس لديه إلا توزيع التصريحات بسخاء عبر الإنترنت. وكل أسبوع أو نحو ذلك، يتلقي الأشخاص المهتمين بسوريا بيانات باللغة العربية تأخذ الطابع الرسمي في صندوق البريد الخاص بهم وعليها توقيع فهد المصري، الذي يسمي نفسه رئيس العلاقات الإعلامية في القيادة المشتركة للجيش السوري الحر. وكان المحتوى دائما اشياء لذيذة.
وكثيرا ما يطالب المصري بالتدخل الأجنبي - رغم أنه غير رأيه فيما بعد لاحقا - وكثيرا ما يحرض ضد الإسلاميين والإخوان المسلمين. في فبراير 2014، على سبيل المثال، أعلن أن القيادة المشتركة للجيش السوري الحر أعلنت جماعة الإخوان منظمة إرهابية وستلقي القبض على أي عضو يتجرأ أن تطأ قدمه سوريا. في مناسبات أخرى، تتبادل القيادة المشتركة للجيش السوري الحر المعلومات الاستخبارية السرية حول الأسلحة الكيميائية "، كاشفا" أن الأسد هربهم إلى حزب الله في لبنان.وكان المصري في كثير من الأحيان يدين هيئات المعارضة المعترف بها دوليا والجيش السوري الحر بقيادة إدريس والمجلس الوطني السوري والائتلاف الوطني وحكومة المنفى ومقرها تركيا . وسرعان ما تصبح هذه التصريحات مصدرا لتقارير وسائل الإعلام التي لا حصر لها حول انقسام المعارضة و"انشقاقات في الجيش السوري الحر." ، وعادة ما ينقل عن بعض القادة العسكريين من قادة الثورة في تركيا أو سوريا قولهم في مسألة أو أخري، وسرعان ما يتناقض معهم قول "ممثل آخر عن الجيش السوري الحر ، " اسمه فهد المصري.
بعض منتقديه يشككون أن المصري يعمل لصالح طرف ثالث، رغم عدم تأكد الجميع من هو بالضبط هذا الطرف. "من معرفتي بفهد، هو لا يفعل أي شيء مجانا"، يقول الشخص الذي عمل مع المصري. واضاف "انه ليس مجنونا بل مجرد محتال ومغامر. يوجد الكثير منهم في المعارضة السورية ".
وعندما سألت فهد المصري في أواخر عام 2013 عن مصادر تمويله ،قال لي انه يمول نشاطه من جيبه الخاص، لكنه أضاف أن المنظمات أو الحكومات المضيفة تدفع أحيانا تكاليف السفر والإقامة لزيارات المؤتمرات. قد يكون هذا صحيحا تماما، لأن نشاط المصري لا يمكن أن يكون مكلفا جدا: فحساب هوتميل تسجيله مجاني وغالبا ما يحظي من ظهوره بوسائل الاعلام بمكافأة صغيرة. وقال لي المصري أن بعض "المواطنين السوريين المعروفين" و "الأصدقاء السوريين المؤمنون بأهمية ما أقوم به" ساعدوه هو واسرته ماليا، مما مكنه من العمل بدوام كامل للثورة السورية. ولم يذكر أسمائهم.
المتحدث باسم الثورة
ورغم أن تصريحات المصري الخاصة بالجيش السوري الحر كانت في معظمها لها بالمصادفة علاقة بالواقع، يلتهمها الصحفيون كما يلتهمون أكلة التبولة. وسرعان ما أصبح فهد المصري مدير الاعلام للقيادة المشتركة للجيش الحر من أكثر المتحدثين عن الحرب - صوت الثورة السورية، أو ربما المتكلم من بطنه باسمها.
في السنوات القليلة الماضية ظهر كممثل للجيش السوري الحر، أو المعارضة بشكل عام، في عدد من البرامج الحوارية باللغة العربية والفرنسية ونشرات الأخبار. وتشمل القنوات التلفزيونية المملوكة لسعوديين قناة العربية والجزيرة القطرية وروسيا اليوم و بي بي سي البريطانية وقنوات أمريكية مثل ان بي سي نيوز، فوكس نيوز، والحرة وNTN24،ومقرها كولومبيا- وTRT، France24 التركية وTF1 في بلد إقامته، و ONTV المصرية، وقنوات مقرها لبنان مثل الميادين،، OTV، وMTV، فضلا عن القنوات الدينية مثل الصفا ... والقائمة تطول.
لقد كان مصدرا دائما للصحافة المطبوعة أيضا. ووجدت الكثير من بيانات فهد المصري وما يكشف عنه، سواء التي أخذت من تصريحاته التي يرسلها بالبريد الإلكتروني أو التي نسخت من وكالات الأنباء أو التي استخلصت من خلال المقابلات، طريقها إلى نيويورك تايمز وواشنطن بوست ولوس أنجلوس تايمز ويو إ ايه توداي وديلي ستار والأهرام والأهرام ويكلي وصحيفة الشرق الأوسط وصحيفة القدس العربي وصحيفة الحياة وصحيفة هآرتس وتايمز أوف إسرائيل وجوردان تايمز، كومنسارات، ازفستيا، روسيسكايا غازيتا، لوموند، لوفيجارو، الموندو، والجارديان، والتايمز، والاندبندنت، والعديد من الصحف الأخرى.
ويحاول المسؤولين الدوليين من وقت لاخر إقحام القيادة المشتركة للجيش السوري الحر في مخططاتهم السياسية وعمليات السلام، مثلما عندما التقى مبعوث الأمم المتحدة للسلام الأخضر الإبراهيمي فهد المصري في باريس في أغسطس 2012.
بحلول اكتوبر عام 2013، زادت خيبة أمل الأركان العامة للجيش السوري الحر بحيث أصدرت بيانا رسميا نفت فيه أي علاقة لها بالمصري. ولم يفلح ذلك في إزالة هذا اللبس، بل أدي إلى نشر تقارير مشوهة عن طرد إدريس للمتحدث الإعلام الذي عمل معه لفترة طويلة. وردت القيادة المشتركة للجيش السوري الحر بقيادة المصري مرة أخرى من خلال الدعوة لالقاء القبض علي إدريس، مما أدى إلى جولة أخرى من التقارير حول انشقاقات في الجيش السوري الحر. وبعد بضعة أشهر، ظهر المصري على شاشة التلفزيون اللبناني ليعلن عن اكتشاف مذهل: ظهرت معلومات تثبت أن قيادة سالم إدريس كانت مخترقة من حزب الله.
وهكذا كانت تسير الأمور
من القيادة المشتركة للجيش السوري الحر إلى جبهة الخلاص الوطني
ثم فجأة تخلي فهد المصري عن أعمال تمثيل الجيش السوري الحر . ما حدث ليس واضحا ويقول المصري أنه كان قرارا طوعيا - وربما تمادي كثيرا في اللعبة. بالتأكيد، يجب أن يكون هناك سلبيات لاستفزاز حركة مسلحة مدعومة من الحكومة في أراضي يقيم.فيها
في 31 مارس 2014، أصدرت القيادة المشتركة للجيش السوري الحر بيانا طنانا وهو البيان الأخير وكان بعنوان "لمن يهمه الأمر"، والذي أعلن فيه فهد المصري قراره "وقف عملي التطوعي في إدارة الإعلام المركزي في القيادة المشتركة للجيش السوري الحر" والعودة إلى مهنته السابقة كناشط مستقل. ومنذ ذلك الحين، لم يسمع أي شيء عن القيادة المشتركة للجيش السوري الحر.
ومع ذلك ظلت بيانات المصري تأتي بالبريد الإلكتروني . في الأشهر القليلة الأولى، كان يوقعها نفسه فقط، بصفته ناشط مستقل، ولكن سرعان ما بدأت الانتماءات المؤسسية تزحف مرة أخرى على الورق. في صيف 2014 قال انه يمثل "اللجنة التحضيرية لإنشاء لجنة وطنية مستقلة للفحص والمراقبة والمساءلة ومحاربة الفساد"، التي واصلت شن هجمات على حركات المعارضة الأخرى. ثم جاء "مركز الدراسات الاستراتيجية والعسكرية والدراسات الأمنية في سوريا"، والذي اعتبرته صحيفة ديلي ميل مصدرا موثوقا في شئون الدولة الإسلامية .
في وقت ما في أواخر عام 2014 أطلق المصري "مشروع الخلاص الوطني"، الذي أعاد تشكيل نفسه ليصبح "مجموعة الخلاص الوطني في سوريا". ويصور نفسه باعتباره مظلة سياسية واسعة للسوريين في الداخل وفي الشتات. ولكن تماما مثلما اختفت القيادة المشتركة للجيش الحر كذلك اختفت المجموعات الأخرى المذكورة أعلاه، ويبدو أن مجموعة الخلاص الوطني في سوريا موجودة فقط في شكل بيانات ينسقها فهد المصري.
نسخة المصري الخاصة
يري المصري انه لم يرتكب أي خطأ ولم يضلل أحدا متعمدا. وعندما تنظر عن كثب الي ما كان يقوله، هو بالفعل لم يدع تمثيل أي هيئة سياسية أو عسكرية باستثناء تلك المذكورة أعلاه، والتي هي من اختراعه. عندما سألته عن ذلك في أواخر عام 2013، أجاب (بسرعة ومهنية) باعتراف صريح بأنه ليس له أي علاقات مع الجيش السوري الحر المعترف بها دوليا بقيادة سليم ادريس؛ والواقع أنه أدان إدريس ورجاله ووصفهم بأنهم "تجار دم" وأدوات للمؤامرات الخارجية. ومع ذلك، أصر أن له كل الحق في تمثيل الجيش السوري الحر كمفهوم وقال إن أي التباس قد ينتج عن هذا هو إلتباس في عين الناظر:
"كنت من أوائل من تكلموا باسم الجيش السوري الحر، قبل تشكيل إدريس لهيئة الأركان العامة، ولذا فإنني لست بحاجة إلى موافقة سواء من سالم إدريس أو من هيئة الأركان العامة. أنا واحد من مؤسسي القيادة المشتركة للجيش السوري الحر ودوري هو في قيادة الحرب الإعلامية على النظام."
تمسك المصري ببندقيته عندما اتصلت به مرة أخرى في أكتوبر 2015، بعد عام ونصف العام من انهائه القيادة المشتركة للجيش السوري الحر:
"أنا أعرف نفسي وتاريخي في معارضة النظام جيدا، وأعرف دوري في دعم الثورة والجيش السوري الحر. وبالتالي لا يهمني ما يقوله هذا الشخص أو ذاك الشخص ولست بحاجة للدفاع عن نفسي، لأن تاريخي معروف. [...]
الجيش السوري الحر ليس مؤسسة عسكرية نظامية تصدر تفويضا لهذا الطرف أو ذاك [ليتحدث نيابة عنها]. الجيش السوري الحر هو حالة وطنية وثورية كنت واحدا من مؤسسيها، أو قيادي في الجيش السوري الحر. [لكني] أعلنت منذ أكثر من عام بأنني توقفت عن العمل بصفتي الناطق الإعلامي للجيش السوري الحر احتجاجا علي القوى الإقليمية والدولية التي تحد من دعم الجيش السوري الحر لصالح التنظيمات الإسلامية المتطرفة."
عندما سألته عن الشائعات التي تتردد عن قيادته وفودا من الجيش السوري الحر لموسكو - وقد أعادوا الكرة عدة مرات، في شتاء 2013 وصيف 2015، ومرة أخري في اكتوبر 2015 - أنكر المصري أي زيارة له لموسكو . وأدلي بتصريح أضاف تلفيقة مختلفة عن القصص التي تروجها وسائل الاعلام الرسمية الروسية:
"عندما دعوت روسيا إلى اجتماع في القاهرة، لم أقدم الدعوة باسم الجيش السوري الحر، وأنا لا أدعي تمثيل الجيش السوري الحر أو أي من فصائله. بل أتحدث باسم مجموعة الخلاص الوطني في سورية التي أمثلها."
الأمر متروك لكم لتحكموا عليه. ولا أدعي أني أعلم شيئا عن منطق فهد المصري عندما فعل ما فعل وقد تكون نواياه صادقة تمام الصدق. ولكن، بالنسبة لي، يبدو واضحا تماما أنه لا يمكن اعتباره متحدثا باسم الثوار على الارض في سوريا، أو أي جزء منها. ومن الواضح أيضا أن هذا سيتبين لأي شخص يقضي لحظة يجري بحثا عن المسألة. والواقع أن معظم وكالات الأنباء الكبرى التي تغطي سوريا لم تعد تعير تصريحاته اي اهتمام، حتى وإن كانت تنشرها في وقت ما في الماضي.
أما بخصوص حواره مع الروس، يبدو أن فهد المصري يقول الحقيقة. عند استعراض بيانات وتقارير وسائل الإعلام في الأسابيع القليلة الماضية يتبين لنا أن الجانب الروسي هو الذي يصر باستمرار علي تصوير المصري كممثل و / أو كعضو مؤسس للجيش السوري الحر. ورغم محاولة المصري تسليط الضوء مجموعة الخلاص الوطني ، تستخدم مصادر إعلامية صديقة للكرملين دائما تصريحاته لتعزيز رواية الحكومة الروسية الخاصة بالتقارب بين موسكو والجيش السوري الحر.
بقية ترويكا 7 أكتوبر
لم يكن فهد المصري وحده في لقائه مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف. كان يجلس بجواره شخصين آخرين، ويفترض أنه وجهت لهم الدعوة لمناقشة الاتصالات بين روسيا والجيش الحر: اللواء الامريكي السابق بول. فالي وشريكه اللبناني ناجي النجار. وعندما سئل عن هذين الشخصين، قال المصري انه تعرف علي فالي من خلال نجار، الذي التقى به في باريس قبل نحو شهرين.
في الواقع بول. فالي هو لواء أمريكي سابق، كما نوهنا، ولكن مع التركيز بشدة على كلمة "سابق." دوره الحالي هو دور معلق سياسي على هامش مبدأ المحافظين الأميركي. بعد أن ترك الجيش منذ ما يقرب من 25 عاما، يدير فالي الآن "شبكة من الأميركيين الوطنيين" يطلف عليها إنهضي يا أمريكا، والتي يبدو أنها تصور نفسها على أنها ذراع السياسة الخارجية لحركة حزب الشاي. يتميز موقعها الإلكتروني بمزيج من الأخبار العسكرية وأخبار لاصطياد واستمالة المسلمين ونظريات المؤامرة. وليقدم فالي بعض المؤشرات من مكانته في الطيف السياسي، إدعي فالي في مقابلة إذاعية أن باراك أوباما "الفاسد والخائن" تم تنصيبه رئيسا بشكل غير قانوني بمساعدة الملياردير جورج سوروس وشهادة ميلاد مزورة، من أجل أن يجعل الولايات المتحدة بلدا اشتراكيا.
النجار عضو سابق في القوات اللبنانية، وهي جماعة مسيحية يمينية شاركت فيالحرب الأهلية في لبنان 1975-1990 ، ويدعي أنه كان مسؤول في المخابرات . منذ نهاية الحرب الأهلية، شارك مع مجموعة متنوعة من اللبنانيين المسيحيين في مناهضة الأسد والجماعات الموالية لإسرائيل. وكان يدير جماعة دافعت عن مذبحة 1982 لللاجئين الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا، وكان ضد محاكمة رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ارييل شارون بارتكاب جرائم حرب. ويبدو أن النجار يمثل الان حلقة وصل فالي بسوريا، من خلال كيان غامض مثير للدهشة يسمي مجموعة إتصال المعارضة السورية، التي تدعي أنها تشارك في الحياة السياسية السورية ومفاوضات الرهائن. ما مدى صحة هذا ، لا أعرف.
في عام 2013، سافر فالي ونجار إلى شمال سوريا، وصافحا الكثير من الثوار، واجتمعا مع العقيد رياض الأسعد، الرجل الذي وضع اسم الجيش السوري الحر للمرة الاولى في يوليو 2011. كانت رحلة مثيرة للاهتمام ووفرت الكثير من العلف لنظريات المؤامرة على الانترنت، ولكن هذه الحيلة الدعائية الصغيرة لا تعني أن أي منهما في استطاعته أن يصلح يكون بمثابة حلقة وصل مفيدة لثوار الجيش السوري الحر في عالم الواقع اليوم، أي الثوار الذين تدعمهم الموم والموك. وبعبارة أخرى، في اذي يمتلك فالي ونجار ما يكفي من الاتصالات السياسية الغريبة لجعل لاروش يبكي فرحا، فلا هم ولا المصري كان يحتكم علي مقاتل واحد داخل سوريا.
ومع ذلك ها هم الآن في مركز الدبلوماسية العامة الروسية. والواقع أن الروس، وفقا للمصري (الذي كرر هذه القصة لي شخصيا، وذلك في بيان ارسله بالبريد الالكتروني، وعلى التلفزيون التركي)، أعجبوا بما فيه الكفاية بلقائه مع بوغدانوف حتي أنهم طلبوا فورا عقد جلسة متابعة. في اليوم التالي، كما يقول، "تلقينا مكالمة هاتفية من مسؤول عسكري روسي طلب عقد اجتماع عاجل بناء على طلب من وزير الدفاع الروسي. قبلنا الدعوة واجتمعنا في باريس في الاجتماع الذي استمر لنحو ثلاث ساعات ".
محمود الأفندي واجتماع أبوظبي
كانت اخر المحاولات، في 5 نوفمبر، هو إعلان وسائل اعلام الدولة الروسية عن عقد اجتماع في أبو ظبي. يفترض أن يجمع "28 لواء من ألوية الجيش السوري الحر في ضواحي دمشق، القنيطرة وحماة وضاحية غرب حمص، وكذلك الجبهة الشمالية من ضواحي حلب وإدلب مع ممثلي وزارة الخارجية الروسية و وزارة الدفاع الروسية "لمناقشة كيف يمكن لهذه المجموعات التفاوض على سلام منفصل مع الحكومة السورية وإرساء تعاون دائم مع روسيا.
وكان مصدر هذه المعلومات المدهشة منسق الاجتماع الرسمي، محمود أفندي، الذي يشغل أيضا منصب رئيس "الحركة الدبلوماسية الشعبية." التي لا يعرفها إلا القليل في أوساط المعارضة السورية، تدحرج الأفندي حول المعارضة في الخارج لفترة من الوقت وبرز مؤخرا في أستانا، كازاخستان، في مناسبة دعي اليها عدد من جماعات المعارضة السورية الشكلية.
في الواقع،كانت اجتماعات استانا (عقد منها اجتماعين حتى الآن) مسرحا سياسيا موجها من موسكو و / أو دمشق. وكان معظم الحضور من اليساريين المسنين الذين يسعون إلى تسوية مع الأسد تقوم على إصلاحات محدودة. بعضهم بالتأكيد صادق، ولكن البعض الآخر هم في الأساس وكلاء المخابرات الروسية أو السورية. وتنفر منهم معظم بقية المعارضة وليس لهم أي علاقة على الإطلاق بالثورة على الارض في سوريا. وأي لواء تابع للجيش السوري الحر فعلا سيصادفوه سيلطق النار علي أن يقبل دعوات للمؤتمرهم.
أما بالنسبة ل"الحركة الدبلوماسية الشعبية"، فهي علي ما يبدو مجموعة أخري مكونة من عضو واحد (لكني سأكون سخيا وأقول باحتمال وجود بضعة من الأعضاء الاخرين )، وأيا كان دور أفندي الحقيقي فهو بالتأكيد شخص لا يستطيع حشد "28 كتيبة" من العصابات السورية في خدمة الدبلوماسية الروسية.
في الوقت الذي لم تستجب إلا قلة من الفصائل الثورية للمبادرات الروسية الأولية، ثم قطعت اتصالاتها، الغالبية العظمى منهم ترفض التوسلات الروسية . وعند سماع الجماعات التي تنسب نفسها للجيش السوري الحر التقارير التي تتحدث عن اجتماع أبو ظبي القادم بقيادة الأفندي، بدأت الجماعات فورا في إنكار وإدانة والسخرية هذه المطالبات. في 6 نوفمبر، أصدرت معظم الفصائل الثورية الرئيسية داخل سوريا - ما يقرب من إجمالي خمسين فصيل - بيانا مشتركا باسم الجيش السوري الحر نفت مشاركتها وأدانت العمليات الروسية في سوريا. (كانت معظم الجماعات التي لم توقع على البيانات فصائل اسلامية وجهادية مثل أحرار الشام وجبهة النصرة، وغيرهم، الذين لم يشيروا أبدا إلى أنفسهم بإعتبارهم من جماعات الجيش السوري الحر ).
اجتماع أبوظبي قد يعقد بشكل جيد للغاية على أي حال. ولن تلاقي روسيا صعوبة في شراء قائد عسكري أو اثنين، ثم تملأ القائمة بالفصائل الصغيرة الغير مشاركة في الموم أو الموك التي تبحث عن التمويل، وهي الجماعات التي تنتمي زورا الي الجيش السوري الحر والعملاء من حزب العمال الكردستاني ومختلف الثوار السابقين الذي تحركهم مخابرات الأسد وبعض السوريين في المنفى وأي عدد ساخط من المنشقين عن الجيش . ومن المؤكد أنه يمكن الاعتماد علي هذه المجموعة لصنع المزيد من عناوين الأخبار حول اجتماع روسيا مع الجيش السوري الحر، ولكنها لا تستطيع التحدث الي أي عدد هادف من الثوار المسلحين داخل سوريا.
من يستخدم من؟
الي هنا نتبين أن شخصا تعرض للخداع، لكن لست متيقنا تماما من يستخدم من منهم. وكلما تعمقت أكثر في العلاقات بين روسيا والشخصيات الهامشية في الشتات السوري، كلما زاد استغرابك: عالم يقع في منتصف الطريق بين جوزيف كونراد وتوماس بينشون ولكن بدون صفات التضحية للأسلوب والشخصيات ذات المصداقية.
إذن فماذا يجري بالفعل؟ أرى خيارين.
فإما أن نعتقد أن الحكومة الروسية، على مستوى مجلس الوزراء ورغم الجهود الجبارة التي تبذلها استخبارات SVR وGRU ، ليست علي دراية كبيرة بالسياسة السورية حتي تتصور أن المصري وفالي ونجار والجماعات العربية المدعومة من حزب العمال الكردستاني أو أفندي لهم صلات ذات مصداقية بالجيش السوري الحر المدعوم أمريكيا، مهما تخيل الروس أن يحدث ذلك. لو تم لهم ذلك لشهدنا حكومة روسيا يتلاعب بها مجموعة متنوعة من رجال الأعمال والشخصيات السياسية السورية والأمريكية واللبنانية، ولأصبح الكرملين ضحية تعيسة لبراءته الطفولية التي يشتهر بها وضحية للثقة العمياء في النوايا الإنسانية الطيبة .
البديل ، ولحسن الحظ هناك بديل، هو أن نتخيل هذا أنه خدعة لصرف الانتباه من جانب الروس - نوع من الدعاية السياسية أو التمويه، ليستقطع بوغدانوف جزءا من وقت جدول أعماله المزدحم ليتحدث الى أشخاص في سوريا يعلم أن نفوزهم صفرا لأنهم صفر. وبتحويل الكرملين الاهتمام علي مستوى عالي على محاورين بلا أهمية، أنتج المواد الخام التي يحتاجها مصنع دعايته ليدفع بمنتجاته في سوق الشائعات في السورية.
لماذا ا؟
تغذية وسائل الإعلام بالشائعات والتلميحات والمعلومات الغير مترابطة حول الاتصال الروسية بالجيش السوري الحر تخدم أجندة سياسة الكرملين بطريقتين:
أولا، تخدع بعض الناس للاعتقاد بأن روسيا تنتزع بمهارة حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا. ومعظمهم من الذين لا يعرفون شيئا عن سياسة الثورة في سوريا، لكنهم معظم الناس.
ثانيا، ولا يقل أهمية عن أولا، لا يستطيع منافسي روسيا الاحتجاج علي مزاعم موسكو الاحتيالية دون الدخول في نقاش حول من يمثل بالفعل الجيش السوري الحر في المحادثات مع الأسد، لو لم يكن المصري أو الأفندي أو المرشحين الآخرين الذين إقترحتهم موسكو. ونظرا لعدم وجود قيادة مركزية للجيش السوري الحر ولا إجماع حول من يوصف ب "الجيش السوري الحر"، فهذا أشبه بمحاولة دق مسمار من الجيلي الهلامي في الحائط.
وهذه مشكلة ساهم في صنعها الأمريكيين . والواقع أن البعض يقول أن داعمي المعارضة وقعوا الان ضحية للدعاية الخاصة بهم. لسنوات، فالمسؤولون في الولايات المتحدة وأوروبا وتركيا والعالم العربي كانوا يدعمون طوال سنوات "الجيش السوري الحر المعتدل" أو حتى "الجيش السوري الحر العلماني" باعتباره أمل سوريا العظيم نحو المستقبل، دون التوصل إلى أفضل تفسير لما يعنيه ذلك غير القول "أي جماعة مسلحة ملعونة في سوريا نتمكن من العمل معها". وهذا بلا شك يعد تعريفا من نوع ولكن كيف يمكن تسويقه للجمهور؟ ماذا تفعل عندما يبدأ الصحفيين والناخبين، أو حتى أعضاء الكونغرس طرح الأسئلة حول من هم بالضبط من يتلقون كل هذه الأموال من دافعي الضرائب؟
وقد بدأت الحكومة الروسية الآن استغلال هذا الغموض المهندس عمدا لأغراضها الخاصة. بإعادة تسمية حلفائهم وجميع أنواع السوريين في الخارج الذين يتسمون بالعشوائية بوصفهم "ممثلي الجيش السوري الحر" يحاولون انتزاع الخيال المفيد جدا من أيدي أعدائهم، أو إذا تعذر ذلك يدمرونه بإضافة المزيد من الارتباك والغموض.
وكما قال بوغدانوف الذي يشبه وجهه لعبة البوكر مؤخرا عند مناقشة ما إذا كانت الجيش السوري الحر سيكون جزءا من محادثات السلام الافتراضية في المستقبل:
"نحن نؤيد بشكل عام مشاركتهم ككيان.ولم ا نفهم بعد من سيمثلهم . نحن في انتظار أن يعلنوا بشكل أوضح أو يقول لنا شركائنا الذين تربطهم علاقات بالجيش السوري الحر".
قد يسمي البعض هذا دبلوماسية.أما أن ف أسميه تصيد على مستوى النخبة .
آرون لوند، رئيس تحرير سوريا في أزمة
http://www.joshualandis.com/blog/media-maskirovka-russia-and-the-free-syrian-army/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق