الأربعاء، 30 أكتوبر 2013

قوة دفع لعجلة جنيف .. من دمشق



محمد بلوط
الأرجح أن تتجاوز قضية إعفاء نائب رئيس الوزراء السوري للشؤون الاقتصادية قدري جميل من منصبه «تغيّبه عن منصبه وقيامه بنشاطات خارجية من دون التنسيق مع الحكومة». وليس مستبعَداً أن تكون عملية إعفائه، من المنصب الذي يكبله بوفد النظام إلى جنيف، مُعدّة كسيناريو مسبق أو حقيقية في الدوافع المعلنة لها، إلا أنها قد حققت ما كان يصبو إليه نائب رئيس الوزراء المعفى، منذ بداية الحديث عن مؤتمر جنيف، وسهّلت له بإخراجه من عباءة النظام، بتكريسه معارضاً داخلياً، وانتزاع مقعد في وفد المعارضة السورية، أو على أطرافها، ولكن في مواجهة الوفد الرسمي السوري.
وبينما كان الإعفاء يشير أيضاً الى ان المقعد الاول لشخصية معارضة قد حجز فعلياً، فإن من المؤشرات اللافتة للانتباه والصادرة من دمشق امس، العفو الذي أعلنه الرئيس السوري بشار الاسد امس، وتصريحات المبعوث الدولي الاخضر الابراهيمي عشية لقائه المتوقع اليوم مع الاسد، حول رفضه الشروط المسبقة التي تطرحها شخصيات «الائتلاف» للحضور الى جنيف، وتشديده على اولوية الحل بين السوريين، فيما نقل عنه انتقاده للدور السعودي المعرقل للتسوية السياسية، في الوقت الذي أكد وزير الخارجية وليد المعلم ان المشاركة في المؤتمر تأتي انطلاقاً «من حق الشعب السوري الحصري في رسم مستقبله السياسي، واختيار قيادته، ورفض أي شكل من أشكال التدخل الخارجي وأن الحوار في جنيف سيكون بين السوريين، وبقيادة سورية».
وتنحو عملية الإعفاء لقدري جميل، الذي غادر مع عائلته دمشق منذ 20 يوماً إلى موسكو، إلى الاندراج في استراتيجية روسية متواصلة منذ أشهر لدفع قدري جميل، أقرب المعارضين السوريين إلى موسكو، إلى صفوف المعارضة، وبدعم من النظام السوري نفسه، فيما كان الأميركيون، بحسب مواقفهم الأخيرة، يفضلون بقاءه في الحكومة السورية للعب دور تصالحي بين المعارضة، التي ينتمي إليها من دون أن تقبل بمشاركته في وفدها، وبين النظام، الذي يقف جميل تحت سقف مقبول لديه من المعارضة الداخلية.
وكان الروس قد حاولوا بإصرار، وبتأييد من النظام، ومن دون طائل، دمج الوزيرين قدري جميل وعلي حيدر، من «الجبهة الشعبية للتحرير والتغيير»، في وفد مشترك لمعارضة الداخل، إلى جانب «هيئة التنسيق». والأرجح أن طريق قدري جميل إلى المشاركة بجنيف بات أقرب منالاً اليوم بعد تخفّفه من أعباء الوزارة، التي قال أن الخروج منها كان أسهل من الدخول إليها. وجاء في بيان الرئاسة السورية «أنه نتيجة لغياب قدري جميل نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية عن مقر عمله ودون إذن مسبق، وعدم متابعته لواجباته المكلف بها كنائب اقتصادي في ظل الظروف التي تعاني منها البلاد، إضافة إلى قيامه بنشاطات ولقاءات خارج الوطن من دون التنسيق مع الحكومة وتجاوزه العمل المؤسساتي والهيكلية العامة للدولة صدر مرسوم رئاسي بإعفائه من منصبه».
وإذا كان من دلالة أخرى للقاء السفير الأميركي في سوريا روبرت فورد بنائب رئيس الوزراء السوري السابق، والنتائج التي ترتبت على هذا اللقاء، فهي تأكيد جميع الأطراف دفع الأثمان الضرورية للذهاب إلى جنيف بما فيها التواصل مع وزراء من النظام، وهو يعني أيضاً أن الأميركيين والروس جادون في العمل لعقد مؤتمر جنيف وان الموعد الذي حدد له هذه المرة ليس بعيد التحقق.
ويبدو سيناريو اللقاء في جنيف بين جميل وفورد كان مجرد خيار اضطراري، بعد أن كانت فكرة اللقاء قد طرحت عبر مؤتمر ينعقد في بروكسل في 23 تشرين الأول الحالي، برعاية مباشرة وتأييد من العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، على أن يجمع عدداً كبيراً من المعارضين من كل الاتجاهات وممثلين عن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا. وكان من المنتظر أن يستخدم الجميع المؤتمر في بروكسل لإجراء الاتصالات الضرورية مع الأطراف الداخلية، بعد أن ترسخت قناعة لدى الأوروبيين والأميركيين أنه لا بد من توسيع دائرة الاتصال بالمعارضة السورية وعدم الاقتصار على دعم
وتأييد «الائتلاف السوري»، خصوصاً بعد رفضه الذهاب إلى «جنيف 2» وضرورة البحث عن بدائل لعقد المؤتمر بمن حضر، لو اقتضى الأمر، إقناع بعض الائتلافيين بحضوره.
ورفضت الحكومة البلجيكية بسبب لوائح العقوبات منح تأشيرات دخول إلى الوزيرين علي حيدر وقدري جميل، ما اضطر المنظمين إلى تأجيله حتى الأول من تشرين الثاني المقبل، ثم إلى تاريخ لم يُحدّد بعد. واضطر الأميركيون إلى دعوتهما إلى جنيف لإنجاز اللقاء المنتظر. ويبدو أن دمشق رفضت منح الضوء الأخضر لحيدر للسفر إلى جنيف، فيما كان قدري جميل في إجازة من منصبه في موسكو، ما ساعده على الاجتماع بفورد في جنيف، لبحث مشاركته في وفد من المعارضة أو وفد ثالث مستقل، وهو ما سيعمل الروس على إقناع الأميركيين به في الأيام المقبلة، بعد إعفائه من منصبه في دمشق.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية جين بيساكي أن «السفير فورد شدد على وجوب أن نعمل جميعاً على حل سياسي وفق مضمون (بيان) جنيف (في حزيران العام 2012) وعلى أن الأسد والقريبين منه فقدوا أي شرعية وعليهم الرحيل».
وتبدو دول في الاتحاد الأوروبي عازمة على توثيق علاقاتها بالمعارضة السورية مع اقتراب موعد جنيف، واستخلاص الكثيرين من بين هذه الدول أن العملية السياسية السورية، باتت قريبة. وهكذا بالإضافة إلى مؤتمر بروكسل تعمل اسبانيا إلى جانب الاتحاد الأوروبي على جمع المعارضة السورية بكل أطيافها على المشاركة في مؤتمر ينعقد في قرطبة. كما وجهت الخارجية النمساوية دعوات إلى مختلف أطياف المعارضة السورية لحضور مؤتمر مماثل قريباً في فيينا.
وجاءت مؤشرات أخرى تدعم حدس نائب رئيس الوزراء السوري المعفى من منصبه بأن يكون موعد الثالث والعشرين من الشهر المقبل في جنيف، موعداً مؤكداً لانطلاق العملية السياسية في سوريا. وجاءت الإشارات من المبعوث الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي خلال لقاء عقده مع قادة «هيئة التنسيق» في دمشق.
فلمن سأله عن ضمانات انعقاد المؤتمر وذهاب وفد من «الائتلاف» إليه وهو يعلن يومياً شروطاً واعتراضات، قال الإبراهيمي، الذي يفترض أن يلتقيه الأسد اليوم، انه يملك تعهداً أميركياً واضحاً بإقناع «الائتلاف السوري» بتشكيل وفد وحضور مؤتمر جنيف. وقال الإبراهيمي، لمن التقى بهم، أن المؤتمر سينعقد ليومين، لكن المفاوضات نفسها ستستغرق أياماً طويلة، لكنه تحفظ عن حسم الموعد المقترح. وكان مصدر ديبلوماسي غربي قال أن الجولة الأولى للمفاوضات حول الحكومة الانتقالية ستستغرق ١٠ أيام بعد انتهاء يومي الافتتاح المنتظرين.
وقال الإبراهيمي، للتلفزيون السوري، أن ما نُقل عن لسانه في مجلة «جون افريك» الفرنسية ليس دقيقاً، مشدداً على أن «الحوار يجب أن يُقرأ كاملاً» وأنه «لم يتطرق» لدور الأسد في العملية الانتقالية. وأوضح أن قناعته، هي أن «المشاركة في جنيف 2 يجب أن تكون من دون شروط مسبقة لكل الأطراف»، والتي سيكون على عاتقها مهمة تحديد مسار العملية وهدفها عبر التفاوض. وشدّد على أن الحكومة السورية هي «طرف أساسي في المؤتمر» الذي يحاول في زيارته التحضير له. وقال «الكلام الذي أقوله دائماً هو أننا نعمل حول جنيف 2، ومؤتمر جنيف أساساً لقاء بين الأطراف السورية، والأطراف السورية هي التي ستحدد المرحلة الانتقالية وما بعدها وليس أنا».
ورأى الإبراهيمي وفق مصادر في المعارضة أن «مشكلة السعودية الأساسية هي أنها ترفض دخول اللعبة، فيما يعلن النظام أنه داخل اللعبة، ولكن مع هامش للمناورة». والعقبة الأخرى، في وجه التسوية السياسية، وفقاً للمبعوث الأممي، «تتمثل في تشتت المعارضة، فيما يشكل انتشار المنظمات المتطرفة وتنامي نفوذ تنظيم القاعدة خطرين عالميين وليس سوريين فقط». (تفاصيل صفحة 14)
وأعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم، خلال لقائه الإبراهيمي، أن «سوريا ستشارك في هذا المؤتمر انطلاقاً من حق الشعب السوري الحصري في رسم مستقبله السياسي، واختيار قيادته، ورفض أي شكل من أشكال التدخل الخارجي وأن الحوار في جنيف سيكون بين السوريين، وبقيادة سورية». وشدّد على «رفض كل التصريحات والبيانات التي صدرت بعناوين ومسمّيات مختلفة، بما فيها بيان لندن حول مستقبل سوريا باعتبارها اعتداء على حق الشعب السوري واستباقاً لنتائج حوار بين السوريين لم يبدأ بعد».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق