الاثنين، 21 أكتوبر 2013

محنة العلويين في سوريا




ذات ليلة من ليالي شهر سبتمبر جلست مع فريد في مقهي صغير في شرق بيروت , وهو سوري وصل مؤخرا من شمال مدينة حمص التي دمرتها الحرب . كانت فرصة نادرة . لبنان تعج باللاجئين الفارين من الحرب الاهلية, لكن العلويين - الذين يمثلون الطائفة الشيعية الصغيرة التي ينتمي اليها الرئيس بشار - يميلون الي عدم الظهور . ومنذ بداية الانتفاضة في سوريا قبل عامين ونصف تقريبا كان العلويين يتحملون الجزء الاكبر من غضب المعارضة . ويرجع ذلك لاسباب عدة . فبالرغم من انهم يشكلون فقط حوالي 10 % من سكان سوريا الا أن العلويين يشغلون بشكل لا يتناسب مع عددهم مناصب في السلطة في الحكومة والأعمال ويشكلون مركز دعم النظام . وهم أيضا  أكثر من يرتكبون اعمالا وحشية لصالح النظام . فأكثر الفظائع التي أرتكبت في الصراع ارتكبها الشبيحة, وهم عصابات مسلحة تعمل بحرية وأغلبيتها من العلويين . 
وبينما يسعي المجتمع الدولي للدفع بسوريا نحو الوصول الي حل سياسي لازمتها الطاحنة, ظل جزء كبير من التركيز مسلطا علي  كيفية تهميش المتطرفين في المعارضة وجلب الثوار الي طاولة المفاوضات . ولكن قد توجد صعوبة بنفس القدر لاقناع العلويين بايقاف القتال, نظرا لان كثيرين منهم يخشي أن يكون انهاء الحرب بالمفاوضات مقدمة لاقتلاعهم . وتظل دوافع العلويين لدعمهم القوي للنظام أمرا مفهوما لكن الصورة النمطية المعروفة عنهم هي ميلهم للتوحد وقصر النظر . حيث يقال ان العلويين يدعمون النظام لانهم هم النظام وزواله يعني زولهم . لكن دعم العلويين للاسد اكثر تعقيدا من ذلك  ومن الصعب تخليهم عنه . 

فريد يبلغ من العمر 34 عاما وله زراعين طويلتين هزيلتين ووجه طويل متجهم . (وافقت علي تغيير اسماء العلويين حتي يتحدثوا بصراحة ولا يعرضوا انفسهم ولا أسرهم للخطر ) . حاول لعامين أن يبتعد عن الصراع المحتدم حوله وهو الامر الذي ثبت انه أسهل مما يتوقع المرء . وبينما كان النظام يقصف بلا رحمة المناطق التي يسيطر عليها الثوار في المدن الرئيسية مثل حمص وحول الكثير منها الي ركام , تركت الاحياء العلوية دون أن تمس وطلبوا من سكنها أن يعيشوا حياتهم العادية ولكن عندما قوي الثوار في الشمال في وقت مبكر من هذا العام عندما احتلوا مساحات واسعة من الاراضي  واستهدفوا المدنيين العلويين علي طول الطريق . وشاهد فريد أصدقائه وأقاربه يحملون السلاح . وقال : " في الحي الذي أسكن فيه الجميع اما انضم الي الجيش أو الي قوات الدفاع الوطني " .في اشارة الي الميليشيات المسلحة شبه الرسمية  الموالية للنظام  والتي تكاثرت في العام الماضي  .

فريد ليس من المؤيدين للنظام . قال وهو يدير بقايا القهوة في فنجان القهوة : " لا احب بشار الاسد . وفي الحقيقة انا اكرهه فهو من وضع العلويين في هذا الموقف . " وعندما زحفت الحرب قريبا منه أدرك أنه سيلقي به في الحرب بأي حال من الأحوال . وقال : " لو خطفني الجيش السوري الحر فسيقتلونني لأني ببساطة علوي . لن ينشغل أحد برأيي " . وعندما ووجه بالاختيار بينتحمل القتل من الثوار او حما السلاح مع الحكومة التي لم يعد يؤيدها  اتخذ فريد ما بدا له الخطوة الوحيدة المنطقية وهي الهروب الي لبنان .  

الطائفة التي تركها فريد وراءه  أكثر خوفا وعزلة مما كان شائعا عنهم , علي الاقل حسب ما وصف لي فريد وبعض الشباب العلويين . فعلي الرغم من تصويرهم غالبا كأنصار أشداء للاسد الا أنالعلويين الذين تحدثت اليهم في لبنان وداخل سوريا (عبر سكايب) وصفوا دعم نظام الاسد في اوساط أصدقائهم بأنه محدود ويعتمد الي حد كبير علي المصلحة . لسبب واحد وهو أن العلويين فقراء والجيش يوفر لهم دخلا وطعاما معقولا . قال لي صالح وهو علوي  يبلغ  من العمر 33 عاما من مدينة حمص ذات ليلة عبر برنامج سكايب في احدي مقاهي الانترنت القريبة من منزله : " في رأيي 90 % من العلويين ينضمون الي الجيش لاسباب اقتصادية وليس حبا في بشار او حبا في سوريا " . 

ليس شائعا اعتبار العلويين أقلية محرومة ومنفصلة عن النظام ولكن هكذا يرون هم أنفسهم . قال صالح : " الصورة المعروفة عن العلويين هي أننا نملك كل السلطة لكني لا أملك أي سلطة ولا أجني شيئا من ككل هذا القتال  " . ورأي صالح أنه عندما جاء الدور علي العلويين في حمص  أدارت الحكومة ظهرها . وقال : " منذ بضعو اسابيع وقع انفجار كبير في الحي . لم يأتي أحد من النظام ليقدم المساعدة للعائلات أو ليسأل عن احتياجاتهم  . ولهذا السبب نشعر أننا مجرد جبهة قتال ونقاتل لمجرد حماية النظام  لأنه لا يوجد لدينا اختيار اخر . يا له من موقف رهيب . " . 

ومع تواصل القتال زاد هذا الاحساس بالاستياء واقتنع كثير من العلويين وخصوصا هؤلاء الذين يسكنون المناطق الفقيرة  أنهم كانوا مجرد أدوات للنظام وليسوا منتفعين منه . لكن مرارتهم من قرار الاسد بوضعهم في  طليعة الحرب خفف منه احساس أقوي وهو الخوف . والمعارضين للنظام ايضا ليسوا كتلة واحدة فمنهم من له نصيب من المعتدلين ومنهم من ليس راضيا عن القتال برمته . وفي الوقت نفسه حقق صعود العناصر الاسلامية المتطرفة أقصي نبؤات القلق داخل الطائفة العلوية ( والبعض يقول انها حققت المؤامرة التي  كانت تثير السخرية التي كان يتحدث عنها نظام الاسد ) . وجاء العقاب علي شكل عصابات من الثوار المقاتلين بعض منها جماعات جهادية تنتمي لتنظيم القاعدة وضعها الغرب علي قوائم المنظمات الارهابية والذين ارتكبوا المذابح في المناطق العلوية عندما غزوهم . وفي الاسبوع الماضي قامت منظمة هيومان رايتس ووتش بتوثيق جريمة قتل 200 من المدنيين علي يد الجماعات الثورية في المناطق العلوية والتي اعتبرتها جريمة حرب . وأشار فريد بشكل خاص الي قصة من العام الماضي حيث روي أن أب قتل بناته ثم قتل نفسه في مدينة عقرب بالقرب من حمص  عندما اقتربت مجموعة من المقاتلين السنة ليمنع عنهم الخطف والاغتصاب علي يد الغوغاء . وانتشرت القصة التي ربما تكون ملفقة بين اصدقاء فريد وعائلته حسب قوله . والكثير منهم يقولون انهم سيفعلون نفس الشيئ لأبنائهم لو وصل الجهاديين الي حمص . وقال : " وهذا ما يصيبني بالفزع " . 

قال لي عزيز نقاش الباحث السوري الذي نشر مؤخرا ورقة بحث عن العلويين   لمؤسسة فريدرش البرت في بيروت : " عندما نتحدث عن العلويين من الطبيعي أن أول شيئ يخطر علي بالنا هو النظام وأن بشار الاسد علوي ولذلك فالمسألة مسألة تضامن مع النظام . ولكن عندما تلقي نظرة داخل الطائفة العلوية ستري مجموعة من الاختيارات الشخصية . البعض يقاتل لانه فقد فردا من افراد الاسرة او لانهم بحاجة الي المال - حتي لو لا يحبون القتال مع النظام - لأنهم يخشون علي بقائهم . المسألة كلها مسألة بقاء . بقاؤهم وبقاء أسرهم وليس بقاء الطائفة " . أو كما ذكر فريد : " يريدون شيئا يضمن لهم ألا يقتلوا او يقتل ابنائهم وحينها سيتركوا بشار . وحتي يحدث ذلك لن يتركوه . " . 

في اواخر الشهر الماضي تحدثت عبر سكايب  مع لؤي وهو علوي يبلغ من العمر 25 عاما من حمص . لوؤي طالب الهندسة صعقني بتمدنه ورقته وعدم اعجابه بالديكتاتور بشار الاسد . ( تظهر في صورة البروفايل الخاص به علي سكايب  صورته وهو يرتدي معطفا شتويا باهظ الثمن ) . وقال أنه عندما بدأت الاحتجاجات في البداية في الحي السني القريب من منزله شعر بالتفاؤل . " لقد شاهدنا ميدان التحرير في مصر وكان لها انطباعا رائعا في سوريا وكان لها تأثير كبير علينا جميعا " . لكنه لم يعبر المدينة للانضمام للاحتجاجات . وبدلا من ذلك استمع الي النزعات الطائفية المتزايدة وسط الهتافات واستوعب الشعور الجماعي لدي الطائفة العلوية أنهم سيكونوا مستهدفين بجانب النظام . 

ومن حينها وهو يسمع عن الارهاب المستمر للمتطرفين السنة في المعارضة وفقد اصدقاء في الحرب . ("هل أنا أفضل حالا منهم ؟") . وقال لي بشيئ من اليقين أنه يتوقع الان الانضمام للجيش بمجرد أن ينتهي من دراسته . وقال : " لا اصدق ان العلويين يقاتلون لمجرد الدفاع عن بشار . لكننا وصلنا الي وضع نشعر فيه بحتمية الدفاع عن طريقتنا في الحياة " . 




http://www.newyorker.com/online/blogs/newsdesk/2013/10/the-dilemma-of-syrias-alawites.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق