السبت، 26 أكتوبر 2013

طريق اوباما الغامض وسط حمامات الدماء في سوريا




واشنطون - - مع تراجع قوات الثوار في سوريا وفوضي ساسة الادارة الامريكية تجاه سوريا التي دمرتها الحرب، وصل وزير الخارجية جون كيري الي غرفة العمليات في البيت الابيض في أحد أيام شهر يونيو حاملا وثيقة تحمل تحذيرا . الرئيس بشار الاسد استخدم الاسلحة الكيماوية ضد شعبه، كما جاء في الوثيقة، واذا لم تفرض الولايات المتحدة عواقب، سيعتبر السيد الاسد ذلك بمثابة الضوء الاخضر لاستخدام الاسلحة الكيميائية . 

كان الرئيس أوباما قد وقع أمرا سريا في شهر ابريل - قبل شهور من ورودها في وسائل الاعلام - وسمح لوكالة الاستخبارات الامريكية بوضع خطة لتسليح الثوار السوريين . ولكن لم يتم ارسال الاسلحة، وأدي انهيار الثوار في غرب سوريا الي التهاب جو الازمة التي خيمت علي اجتماع شهر يونية . 

الا أنه وبعد حوار دام ساعات خرج منه كبار الخبراء بعدد من الخيارات، شملت توجيه ضربات عسكرية وزيادة دعم الثوار، انتهي الالجتماع بنفس الطريقة التي انتهت بها الكثير من المحاولات في الماضي لتحديد استراتيجية سورية، بالاضافة للانقاسم العميق لمساعدي الرئيس حول كيفية الاستجابة للحرب الاهلية التي حصدت بالفعل 100000 نفس . 

وأثبت تحذير الادارة الامريكية في شهر يونيه، الذي وضع في الوثيقة التي حصلت عليها صحيفة النيويوركتايمز، أنه تحذير يتنبأ بالمستقبل . فقد أدي الاعتداء بالغازات السامة في 21 اغسطس الي مقتل المئات من المدنيين، وأوشكت أن تؤدي الازمة الي توجيه الولايات المتحدة ضربات عسكرية والتي انتهت عندما وافق اوباما علي اتفاقية برعاية روسية لتأمين الاسلحة الكيميائية السورية

والان، وبعد سنوات من تصريح اوباما العلني أن علي الاسد أن يرحل، هو يعول علي نجاح الخطة التي جاءت بمبادرة روسية - التي تعتمد علي تعاون الاسد والتي اعتبرها الاسد في لقاء حديث له بمثابة درعا مناسبا في وجه التدخل الامريكي . 

ولكن وبينما يعقد جون كيري اجتماعات في لندن مع ممثلي جماعات المعارضة اليوم الثلاثاء علي أمل احياء مؤتمر السلام المقترح، تبدو أفاق حدوث انفراجة دبلوماسية خافتة . موقف الاسد أقوي، والثورة أصبحت أصعف، وأكثر تشتتا وهيمنة الفصائل الاسلامية المتشددة عليها أكبر . ويبدأ الفحص عن قرب للحالة التي عليها ادارة اوباما في تلك المرحلة - بناءا علي عشرات من اللقاءات مع أعضاء حاليين وسابقين في الادارة ودبلوماسيين اجانب واعضاء في الكونجرس - برئيس شديد التردد ترأس مناقشات مثيرة للجدل مع مستشاريه لم نشهد ها من قبل . وعكس مستشاري اوباما دوافعه المتعارضة حول كيفية الاستجابة للقوات التي أطلق الربيع العربي جماحها سواء بالانحياز الي  الذين يقاتلون الحكومات المستبدة أو تجنب المخاطرة بالتورط في حرب فوضوية اخري في الشرق الاوسط . 

ومع استمرار النقاش، يتواصل صعود حصيلة القتلي المدنيين، وتجرأت الحكومة السورية علي استخدام الاسلحة الكيميائية علي نطلق واسع، وتوترت علاقة امريكا بأقرب حلفائها . 

ويري بعض المدافعين عن الاسد أنه برغم حالة الفوضي التي تميزت بها السياسة الامريكية حول سوريا في العامين الماضيين، كانت احداث الاسابيع الستة الماضية حالة ناجحة من حالات الدبلوماسية القسرية . ويقولون أنه لولا التهديد باستخدام القوة لما تعهد الرئيس الاسد بالتخلي عن برنامج الاسلحة الكيميائية . ويرون أن هذه النتيجة ربما تكون أفضل النتائج من بين مجموعة من البدائل السيئة . 

قال بنجامين رودس، نائب مستشار الامن القومي : " علينا أن نكون واقعيين بخصوص قدرتنا علي املاء ارادتنا علي مسار الاحداث في سوريا . ففي ظل غياب أي خيارات جيدة ، رفعت الادارة الدعم للمعارضة كنوع من الرصاصة الفضية، ولكن يجب أن ينظر اليها كنوع من التكتيك - وليس استراتيجية " . 

لكن كثيرين اخرين ينتقدون الادارة انتقادا شديدا، فيقولون أن شلل الادارة تركها غير مستعدة للاحداث المتوقعة مثل الهجوم بالغاز في 21 اغسطس . ويقولون أن قرار حاسما من واشنطون كان بامكانه أن يقوي عزيمة القوات التي تقاتل قوات الاسد منذ اكثر من عامين ولساعدة علي وقف صعود القتلي من المدنيين ولقللت من نفوز الجماعات الاسلامية المتطرفة بين الثوار وربما حتي أدت الي ردع الحكومة السورية من استخدام الاسلحة الكيميائية .

وكما قال أحد المسؤلين السابقين في البيت الابيض " لقد ضيعنا الوقت في التحديق وكانت النتيجة تلك المأساة "



الحرب مستمرة


في البداية لم يبدو مستقبل سوريا معقدا - لم يكن أحد يصدق ان الاسد سيبقي .

في صيف 2011 بدا أن زخم الربيع العربي سيكتسح كل شئ أمامه . رحل ديكتاتوري مصر وتونس وفي ليبيا سقط العقيد معمر القذافي في وقت لاحق من نفس العام .

كانت وكالات المخابرات الامريكية تقدم تقارير بشكل منتظم للبيت الابيض ووزارة الخارجية وخلصت تلك التقارير الي أن أيام الاسد اصبحت معدودة، وفي 18 اغسطس 2011، أصدر الرئيس اوباما بيانا أعلن فيه " حان الوقت لرحيل الاسد"

وشعر البعض في البيت الابيض بالقلق من اصدار هذا البيان في ظل غياب استراتيجية تساعد علي تحقيقها .لكن تلك الاصوات كانت اصواتا نادرة .

في ذلك الوقت، كان عانت الثورة الشعبية قد بلغت 5 شهور، وأدي تعذيب النظام وقتله للمتظاهرين علي نطاق واسع الي ادانة دولية، ووجه بعض أعضاء الكونجرس نقدا للادارة لعدم قيامها بعمل ما حتي ذلك الوقت .

ولكن اوباما ومن البداية ، أوضح لمساعديه انه لم يضع تصورا لتدخل عسكري امريكي  رغم تصاعد نداءات الجماهير في هذا العام مطالبة بمنطقة حظر جوي لحماية المدنيين السوريين من القصف .

وقدم الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الاركان عرضا مصورا في غرفة العمليات في وقت مبكر من عام 2012، والذي ساعد في ابعاد كل الخيارات العسكرية من علي الطاولة . حيث قال انفرض الحظر الجوي سيتطلب ما يساوي 70000 جندي امريكي لتفكيك أنظمة الطيران السورية المتطورة ثم فرض رقابة 24 ساعة علي سوريا .

ومع ذلك ففي اواخر 2012 بدأت وكالات المخابرات الامريكية تلتقط اتصالات تحمل اشارات تنذر بالسوء أن جيش الاسد ينقل الاسلحة الكيماوية وهناك احتمال بقيامه بخلطها استعدادا لاستخدامها .

أمر اوباما بعقد سلسلة من الاجتماعات العاجلة وفي 20 اغسطس أصدر تصريحا سيلازمه فيما بعد .. ورغم انه كان مصرا علي ابعاد الجيش الامريكي عن التدخل في سوريا، حيث قال في مؤتمر صحفي  " الخط الاحمر بالنسبة لنا هو أن نري انتقال الاسلحة الكيميائية أو أن تستخدم . ذلك هو ما سيغير حساباتي ويغير المعادلة "

وفي النقاش الاول رفيع المستوي حول التدخل في الصراع والذي عقد بعدها بأيام، قدم رئيس المخابرات المركزية ديفيد بترايوس خطة بالبدأ في تسليح وتدريب قوات جماعات صغيرة من الثوار في قواعد سرية في الاردن . وساندت وزيرة الخارجية هنري كلينتون خطة باتريوس . وقالت أن قد حان الوقت لتتدخل الولايات المتحدة في اللعبة. ودار اوباما حول الطاولة متسائلا عن رأي مساعديه في الخطة .

وزير الدفاع ليون بانيتا والجنرال بترايوس أيدوها . لكن اخرين رأوا أن اقتراح بترايوس، وهو الجنرال السابق الذي يحمل 4 نجوم وقاد عمليات سرية شبه عسكرية، تحمل مخاطر كبيرة وعوائد قليلة . وتحدثت سوزان رايس سفيرة الولايات المتحدة في الامم المتحدة عبر الفيديو فون محذرة من أن تسليح الثوار سيقحم الولايات المتحدة في صراع ضبابي ستستهلك أجندة الرئيس في النصف الثاني من فترته الرئاسية ولن تغير شيئا في أرض المعركة التي تتسم بالفوضي .

وبدا الشك علي وجه السيد اوباما، الذي قال في بداية الاجتماع أنه لن يتخذ قرارا فوريا .وحذر من القيام بوضع خطة "اعتباطية " لتسليح الثوار وسأل عن التكتيكات - من سيحصل علي الاسلحة وكيفية ابعادها عن أيدي الجهاديين.

وكانت وجهة نظر الرئيس تتمثل في قوله " أننا بدون خطة واضحة سنتعرض للكثير من المخاطر " ، حسب أحد المسؤلين في الادارة الذي طلب كلاخرين عدم ذكر اسمه نظرا لطبيعة السرية التي تناقش بها تلك العمليات،

مخاطر الوقوع في مستنقع


بالنسبة لاوباما كانت سابقة ليبيا تلقي بظلالها الثقيلة علي النقاش الدائر حول سوريا . كان التدخل في 2011 محدودا في الحجم والنطاق بشكل صارم، وله سند قانوني من الامم المتحدة ومجلس الامن ودعما اقليميا ودوليا . ومع ذلك استمرت الحملة في ليبيا سبعة اشهر واتسعت من حماية المدنيين الي هندسة اسقاط العقيد القذافي . وأثار اوباما مسألة ليبيا مرارا وتكرارا في النقاش كنموج علي صعوبة منع المهمة اذا اضطرت امريكا الي القيام بعمليات عسكرية .

 وبينما كان الرئيس ومستشاريه يناقشون الخيارات المتاحة لديهم، كانت دولتين حليفتين لامريكا تنقلان المال والسلاح الي الثوار وتطلبان من اوباما الانضمام اليهما .

ولكن بعض المسؤلين في وزارة الخارجية كانوا غضبوا غضبا شديدا بسبب ما شعروا أنه عملية منهارة وعدم وجود استراتيجية .

استغرقت الولايات المتحدة اكثر من عام لايجاد بديل لجيفري فيلتمان:، الدبلوماسي المخضرم الذي يتحدث العربية والذي كان ينسق سياسة الشرق الاوسط لوزارة الخارجية الامريكية وغادر في شهر يونيو 2012 ليتسلم وظيفة في الامم المتحدة، وتخصص وزارة الخارجية وقتا كبيرا في الوقت الحالي لما أطلق عليه "مشروع ما بعد الاسد"، وهو ما يعني تخطيط المرحلة الانتقالية السياسية في سوريا . وبدأ الكثير من المسؤلين في وزارة الخارجية رفض المشروع باعتباره ممارسة أكاديمية لا طائل منها . ويعتقدون أن الفرضية التي قام عليها المشروع بسقوط الاسد أصبحت فاقدة للصلاحية .

بعد الفوز الكاسح للرئيس اوباما في الانتخابات ، توقع بعض هؤلاء المسؤلين، واخرين في الادارة، تغيرا في موقف البيت الابيض بخصوص سوريا - ونهاية ما اعتبروه جمودا في العام الماضي . الا أن تلك التوقعات انهارت خلال اجتماع عقد في شهر ديسمبر . وجدد مايكل موريل، الذي تولي المخابرات المركزية الامريكية عندما استقال باتريوس بعد اعترافه بعلاقته مع امرأة بدون زواج، خطة سلفه بالبدأ في تسليح الثوار . وانشغلت الوكالة بالاقتراح الذي قدمه بترايوس لمواجهة شكوك الرئيس اوباما من الخطة .

  عبر السيد اوباما عن شكره لكل من أدلي رأيه وقال أنه سيفكر في الأمر . وقال احد المسؤلين السابقين في البيت الابيض والذي كان حاضرا في الاجتماع أن لغة وجه اوباما كانت تدل علي عدم اقتناعه . وقال المسؤل " لو تكلموا في هذا الموضوع ليوم الدين ما كانوا ليغيروا شيئ . فهو لم يراها فكرة صائبة وحسب . " .

الفترة الرئاسية الثانية جلبت معها فريق أمن قومي جديد، ضم وزير الخارجية جون كيري، الذي تولي منصبه وهو مقتنع أن في مقدور الولايات المتحدة أن تكثف من دعمها العسكري للثوار السوريين وتعمل في نفس الوقت مع روسيا للقيام بوساطة للتوصل لحل دبلوماسي للازمة .

وتمت ترقية دينيس ماكدونو، نائب مستشار الامن القومي  وأحد أكبر المتشككين في عملية التدخل الامريكي في سوريا، الي رئيس موظفي البيت الابيض . وكانت تحدث بعض المناوشات من وقت لاخر بين السيد ماكدونو وزملائه بخصوص السياسة الامريكية الخاصة بسوريا، ومن ضمنهم سامنزا باور، المسؤلة في البيت الابيض والتي كانت تدافع منذ فترة طويلة عن فكرة أن الدول لديها التزام أخلاقي بالتتدخل لمنع الابادة الجماعية .

وتري السيدة باور أن ما قدمته الولابات المتحدة من دعم هي عروض فارغة .

وقالت السيدة باور للسيد ماكدونو في أحد الاجتماعات، حسب ما ذكر لنا اثنين ممن حضروا الاجتماع :" لو التقيت يا دينيس بالثوار كما التقيت بهم انا مرارا وتكرارا لتعاطفت معهم كما تعاطفت معهم أنا . " .

ورد عليها ماكدونو بصوت هش قائلا : " سنتفق فحسب علي ألا نتفق يا سامنزا " .

اختلال ميزان المعركة


لكن تقييما جديدا أجرته المخابرات الامريكية في بداية 2013 أدي الي اعادة احياء المناقشات حول امكانية اعطاء الاسلحة للثوار من عدمه .

وفي تحول عما كان وكالات المخابرات تقوله للمسؤلين في الادارة منذ أكثر من عام، خلص التقييم الجديد الي أن حكومة الاسد ليست معرضة لخطر الانهيار وأن قوات الحكومة تحرز تقدما في الحرب الاهلية . وانخفض معدل الانشقاقات في الجيش السوري وأن شحنات الزخيرة الايرانية ملأت مخازن وحدات الجيش التي كانت تشتكي في السابق من العجز في السلاح والزخيرة .

والعكس صحيح بالنسبة للثوار الذين تنفذ منهم الزخيرة والامدادادات . وروحهم المعنوية منخفضة واصبحت الجماعات المرتبطة بالقاعدة مثل جبهة النصرة هي التي تهيمن بشكل متزايد علي الثورة، حسب ما خلص اليه تقييم المخابرات .

وبالاضافة لمكاسب الحكومة السورية، كانت توجد أدلة متزايدة علي استخدامها الاسلحة الكيميائية مرارا وتكرارا ضد المدنيين .

وبالرغم من أن مسألة تسليح الثوار أصبحت أمرا ملحا، نادرا ما كان اوباما يعبر باراء قوية خلال اجتماعاته مع كبار الموظفين . لكن المسؤلين السابقين والحاليين يقولون أن لغة جسده كانت تبوح بأنه يبدو نافذ الصبر ومنفصل عن الاجتماع وهو يستمع الي النقاش وأحيانا كان يقلب في الرسائل في التليفون البلاك بيري أو يمضغ العلكة .

ووصف السيد اوباما سوريا في اجتماعاته الخاصة مع مساعديه أنها واحدة من المشاكل الجهنمية التي يواجهها كل رئيس، حيث المخاطر لا تنتهي  وكل الخيارات سيئة . وستنعكس تلك الاراء فيما بعد علي جماعات كبيرة يقودها توم دينيلون، مستشار الامن القومي، والسيد ماكدونو .

وقال احد المسؤلين البارزين في البيت الابيض " تستطيع قراءة موقف الرئيس من خلال توم ودينيس "

الا أن موقف اوباما بدأ يتغير شيئا فشيئا، ترجع في جزء ليس بالقليل الي الضغوط التي يمارسها المسؤلين الاجانب . فقد التقي السيد اوباما في رحلته التي استغرقت 3 ايام الي الشرق الاوسط في شهر مارس  برئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو الذي حزره من وقوع الاسلحة الكيميائية السورية في يد حزب الله .

وزادت الضغوط في اليوم التالي، حيث تناول السيد اوباما والسيد كيري والسيد دونيلون طعام العشاء في وقت متأخر من الليل مع الملك عبد الله الثاني . وترزخ الاردن تحت وطأة 10000 لاجئ سوري، فطلب الملك من اوباما أن يلعب دورا أكثر فعالية في محاولة انهاء الحرب .

بل ان المسؤلين الاردنيين قدموا عرضا بالسماح للمخابرات المركزية الامريكية باستخدام البلاد كقاعدة لتوجيه ضربات جوية لسوريا - وهي العروض التي كان اوباما يرفضها مرارا وتكرارا .

وفي شهر ابريل قال المسؤلين أن أحد كبار المتشككين وهو السيد دونيلون تحول الي تأييد تسليح الثوار، غيرت واحدة اخري من أقوي خصوم تسليح الثوار وهي السيدة رايس من موقفها، ويرجع هذا التغير في جزء منه الي التقارير الاستخبارية عن حالة الثورة .

لكن السيد ماكدونو الذي ربما يعد أقرب مستشاري اوباما ظل علي شكه . متسائلا عن ماذا ستجني أمريكا من اخماد العنف في سوريا. وذكر السيد ماكدونو، أثناء رحلة استغرقت يوم الي غوانتنامو صحبه فيها اعضاء من مجلس الشيوخ، أن الوضع الراهن في سوريا قد يشغل ايران لسنوات . وذكر في مناقشات اجريت معه فيما بعد أن القتال في سوريا بين حزب الله والقاعدة سيصب في مصلحة امريكا، حسب ما نقل عن اعضاء في مجلس الشيوخ .

لكن النقاش تحول من هل سيتم تسليح الثوار الي كيف سيتم تسليحهم . وفي النهاية تم تأجيل النقاش حول تحميل البنتاجون مسؤلية البرنامج عندما تقرر وجود الكثير من العقبات القانونية التي تقف حائلا دون قيام الولايات المتحدة بالدعم الصريح لاسقاط حكومة ذات سيادة  - بعد أن اعترفوا علنا ببرنامج التسليح والتدريب .

وبدلا من ذلك قرر السيد اوباما جعل برنامج تدريب الثوار "عملا سريا " تديره المخابرات المركزية الامريكية . ووقع علي أمر سري يسمح لوكالة المخابرات  ببدء التجهيز لتدريب جماعات ثورية صغيرة في الاردن، وهي الخطوة التي تم التحايل بها علي المسائل القانونية وسمحت للبيت الابيض بانكار تقديمه المساعدات القتالية .

وكانت هناك مشاكل اخري بجانب المشاكل القانونية دفعتهم الي جعل البرنامج برنامجا سريا .

كما جاء علي لسان أحد المسؤلين السابقين البارزين في البيت الابيض : " كنا بحاجة الي سياسة انكار تلقي قبولا في حالة وقعت الاسلحة في أيدي جبهة النصرة " .

جر الأرجل


الرئيس وقع الأمر في شهر ابريل، ومر شهور دون أن تتحرك وكالة المخابرات المركزية لتنفيذ البرنامج . وانتظر البيت الابيض ليطلب من الكونجرس أموالا لتمويل المهمة السرية، وهذا دليل  اخرعلي الاخفاق المستمر للسيد اوباما .

وخلال فصل الربيع واصلت ايران زيادة دعمها لقوات الحكومة السورية، وانضم مقاتلي حزب الله الي الهجوم علي قوات الثوار . وكانت الثورة تواصل الانهيار، ورسمت ورقة الاحاطة التي قدمت الي وزارة الخارجية في 10 يونيه، والتي ذكرت قائد الثوار الجنرال سالم ادريس، صورة قاتمة للثورة .

وخلصت الورقة الي الاتي : " نحن نتجه نحو أسوأ سيناريو . مكاسب الثوار تتبخر والمعارضة السورية - من ضمنها سالم ادريس - تنهار وهناك مساحات كبيرة لا تخضع لأي حكومة والاسد متشبس الي ما لا نهاية وجيران سوريا معرضين للخطر وايران وحزب الله والميليشيات العراقية أصبح لها جزور في سوريا "

  اجتمع كبار مستشاري اوباما في غرفة العمليات في 12 يونية نتيجة لتهاوي السياسة الخاصة بسوريا

وأعلن السيد كيري مؤخرا عن صفقة مع نظيره الروسي سيرجي لافروف لعقد مؤتمر دولي للسلام في جنيف لمحاولة وقف القتال . لكن النكسات التي تعرض لها الثوار هدأت من أي حماس لدي المسؤلين الامريكيين لعقد محادثات في الوقت الذي يستحوذ فيه الاسد علي كل النفوز وشخصيات قيادية في المعارضة ترفض الحضور .

وورد الاتي في نقاط ورقة المحادثات في اشارة الي ائتلاف المعارضة السورية والتي أعدت للسيد كيري لكي يقبل المحادثات : " نحتاج الي الذهاب الي جنيف بخطوات متباطئة نظرا لتشتت ائتلاف المعارضة السورية والوضع السيئ علي الارض "

وواجهت الادارة مشكلة اخري .لم يعد هناك شك لدي وكالات المخابرات الامريكية أن قوات الحكومة السورية استخدمت مرارا وتكرارا الاسلحة الكيميائية ضد المدنيين . ولأن الخط الاحمر الذي رسمه البيت الابيض قد تم تخطيه، توجب علي البيت الابيض الخروج بتصريح علني تظهر فيه أنها مستعدة لتنفيذ العواقب . وما حدث بعد ذلك كان مفاجئا للحكومة بكاملها، من البنتاجون مرورا بوزارة الخارجية وانتتهاءا بوكالة المخابرات المركزية .

بعد الاجتماع بيوم واحد عقد السيد رودس مؤتمرا صحفيا وأخبر الصحفيين أن السيد اوباما اتخذ قرارا - قرارا كان قد  اتخذه في الواقع قبلها بشهرين وسيتم تنفيذه سرا كعمل سري خاص بالمخابرات المركزية . وقال السيد رودس أن الولايات المتحدة ستزود الثوار بدعم عسكري اضافي، رغم انه امتنع عن القول أن هذا الدعم سيشمل تسليحهم وتدريبهم، وأن المخابرات ستشرف علي هذا العمل .

لم يدلي السيد اوباما بأي تصريح حول هذه المسألة .


الادارة التي قضت حوالي عامين تقول لاعضاء الكونجرس انها مصممة علي تجنب التدخل العسكري المباشر الان اضطرت الي اقناع الاعضاء بدفع اموال لبرنامج التدريب والتسليح .

وبدأت الضغوط، مع عقد كيري اجتماعات مغلقة مع لجنتي المخابرات الخاصة بمجلس الشيوخ ومجلس النواب . وانهالت علي الاسئلة علي الفور من كلا من الديمقراطيين والجمهوريين . كيف سيضمن أ؟لا تقع الاسلحة في أيدي المتطرفين الاسلاميين؟ هل سيقلب تسليح الثوار موازين المعركة ؟ ما هي الاستراتيجية الشاملة ؟

واستغرق الامر اسابيع للتغلب علي شكوك الكونجرس ، لكن لجنتي المخابرات وافقتا اخيرا علي خطة الادارة باعطاء أسلحة خفيفة للثوار، ولكن ليس الاسلحة المضادة للطائرات التي يلح الثوار في أنهم في أمس الحاجة اليها . لكن قيام القوات السورية باستخدام الغازات السامة في 21 اغسطس في ضواحي دمشق غيرت تلك الخطط - وفجأة وضعت الاسد لاول مرة علي قمة أجندة الرئيس .

فخلال ساعات بدأ مسؤلي الادارة في الاشارة الي اعدادهم لتوجيه ضربة عسكرية فورية لمعاقبة الحكومة السورية - وهي الفكرة التي رفضت مرارا وتكرارا في الماضي وكانت مصدر خلاف مع بعض الحلفاء والجمهور الذي أنهكته الحروب والكنجرس . ولكن وبعد رفض البريطانيين المشاركة في العملية وقرار اوباما المفاجئ بالسعي للحصول علي دعم الكونجرس للضربة، شك الكثيرين من اعضاء الكونجرس ان اوباما لا يزال غير مقتنع بصواب فكرة التدخل العسكري .

وقال أحد المسؤلين البارزين في البيت الابيض أن احد اسباب اتخاذ الرئيس قراره باللجوء الي موافقة الكونجرس هو خوفه من أن استبعاد اعضاء الكونجرس قد يقوض من دعمهم في مسائل اخري صعبة خاصة بالشؤن الخارجية وعلي الأخص ايران . ففي وقت مبكر من شهر يوليو طلب الرئيس اوباما من السيدة رايس،  التي خلفت السيد دونيلون كمستشارة للامن القومي، أن تجري مراجعة للسياسة الامريكية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا وأن تجعل من سوريا جزءا من استراتيجية أوسع تشمل كلا من ايران وعملية السلام في الشرق الاوسط .

وبعد يومين من اعلانه أنه سيتوجه الي الكونجرس للحصول علي موافقته علي الضربة، التقي السيد اوباما في البيت البيضاوي بعضوي مجلس الشيوخ جون ماكين وليندزي جراهام ، العضوين في الحزب الجمهوري ومن اكثر المدافعين عن التدخل العسكري في سوريا . . واتفق الرئيس اوباما مع العضوين علي أن جهود امريكا لتسليح الثوار كانت بطيئة ولكنه أخبرهم أن المجموعة الاولي المكونة من 50 من الثوار الذين دربتهم المخابرات الامريكية سيعبرون قريبا الي داخل سوريا، حسب ما ذكر لنا مصدر قريب من الاجتماع .

وكان الهدف من هذه المجموعة هو أن تقوم بتدريب أعداد اكبر من الثوار داخل سوريا - لتوسع من تأثير محدودية جهود المخابرات في تدريب الثوار في الاردن .. لكن السيد اوباما أعترف أن قيام المخابرات المركزية بالتدريب سرا قد أدي الي بطء سرعة البرنامج  وذكر أنه يدرس توسيع البرنامج وتنفيذه بشكل معلن، في اشارة الي جعل البنتاجون يتولي هذه المهمة .

وبعد فترة قصيرة خفت حماس الرئيس مرة اخري لهذه الخطة . فبعد اسبوع من اجتماعه مع عضوي الكونجرس وافق الرئيس علي اقتراح من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يهدف الي اجبار الحكومة السورية علي التخلي عن مستودعاتها من الاسلحة الكيميائية . ويبدو أن تلك المبادرة التي تبناها مجلس الامن في اواخر في شهر سبتمبر قد غطت علي مشروع التسليح .

ورغم استمرار مهمة التدريب في الاردن الا ان المسؤلين يقولون أنه لا توجد خطة فورية لتوسيع المهمة بشكل كبير تحت سيطرة وزارة الدفاع . ويبدو البيت الابيض قلقا من أن العمل بشكل علني قد يقوض المبادرة الدبلوماسية للتخلص من الاسلحة الكيميائية في سوريا وعقد مؤتمر السلام . وفي نفس الوقت ذكر الرئيس الاسد لصحيفة لبنانية في منتصف شهر اكتوبر أنه سعيد بتسليم ترسانة الاسلحة الكيميائية والتي اعتبرها أسلحة عفا عليها الزمن من اجل أن يجنب سوريا عدوان الولايات المتحدة .

وخلال جلسة تعيينه في مجلس الشيوخ سئل مرشح ادارة اوباما لتولي سياسة العمليات الخاصة في النتاجون هل سيغير تدريب الثور - الذين يتولي تدريبهم حاليا المخابرات المركزية - ميزان القوة في سوريا .

كان المرشح مايكل لامبكن صريحا في اجابته :

حيث قال أنها لن تغير ميزان القوة في سوريا .








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق