السبت، 25 أبريل 2015

هل السعودية وتركيا علي وشك التدخل في سوريا ؟




الجمعة 24 ابريل 2015

في خطابه الساخن في الامم المتحدة في 21 ابريل تطرق مندوب الرياض عبد الله المعلمي الي التخل العسكري الذي تقوده السعودية علي اليمن  قبل أن يقول أن السعودية لن تدخر جهدا لمساعدة الشعب السوري أيضا . وإستفز هذا سفير سوريا في الامم المتحدة بشار جعفري ودفعه الي الرد الحاد متهما السعوديين " بنشر ثقافة سفك الدماء الطائفية في المنطقة " ووعد بأن أي يد ستمتد الي سوريا " ستقطع " .

ويأتي هذا الخلاف الدبلوماسي في ظل ما يتردد عن المساعي التي تقودها السعودية لإضعاف أو تدمير حكومة الرئيس بشار الأسد في دمشق .ومنذ أواخر 2014 - بمجرد خفوت الهجوم المباغت الذي شنته الدولة الاسلامية في الصيف علي العراق وشرق سوريا - كانت حالة الصراع السوري معلقة وغير محسومة بشكل يثير الغرابة  وكان الجو الدبلوماسي يدور في دوامة من المؤتمرات والخطط التي بلا جدوي . بينما كانت كل الأطراف الفاعلة تنتظر تحولا حاسما علي الأرض .

وفي منتصف حتي أواخر 2014 كان الأسد متفوقا وعزز من سيطرته علي وسط سوريا وكان يتحرك لحصار حلب في الشمال . لكن هذه الهجمات توقفت وأنهكت هجمات الثوار الجيش ، في الوقت الذي كان فيه الأسد يصارع إقتصادا فاشلا وإنخفاض الدعم الخارجي وصعود الميليشيات وندرة خطيرة للمقاتلين الأكفاء.وتحول التدفق الي إنحسار ، ففي أوائل 2015 بدا أن الحظ قد انقلب مرة أخري في ميدان المعركة بعد هجوم المتمردين علي منطقة حماة إدلب في غرب وجنوب سوريا . 

المصالحة بين داعمي المتمردين 
في يناير 2015 توفي الملك عبد الله عاهل السعودية وخلفه أخوه غير الشقيق سلمان. وقدم هذا فرصة لبداية جديدة من الدبلوماسية في المنطقة. وفي الشهر نفسه، أطاح متمردين مدعومين من إيران الحكومة في اليمن، مما أثار التدخل العسكري بقيادة السعودية. وفي الوقت نفسه، سارت المفاوضات النووية الإيرانية قدما. في 2 أبريل، تم التوصل الى اتفاق مبدئي مع طهران وهذا الاتفاق أعطي تصورا للاتفاق النهائي قبل 30 يونيو، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى رفع جزئي للعقوبات الدولية علي الأقل. كان هذا مصدر قلق كبير للمملكة العربية السعودية والحكومات السنية المحافظة الأخرى التي تخوض صراعا مع إيران وحلفائها. وربما ساعد ذلك في جسر هوة الخلاف بين الكتلتين الرئيسيتين المؤيدتين للمتمردين السوريين، تركيا وقطر في معسكر والمملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة في المعسكر الآخر. 

 في أوائل شهر مارس، إستقبل الملك سلمان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الرياض، بعد سنوات من العلاقات المتوترة بين البلدين. ومن بين الموضوعات التي تمت مناقشتها: كيفية زيادة "الدعم للمعارضة السورية بطريقة تهدف إلى الوصول لنتائج  "، وفقا لتقارير صحفية تركية. وبحلول نهاية ذلك الشهر، استولي المتمردين السوريين  على مدينة إدلب، وتردد كثيرا أن هذا كان أول نتيجة ملموسة للتفاهم السعودي التركي الجديد.

 وبعد أيام، استولي المتمردين علي معبر نصيب الحدودي بين سورية والأردن. وقد كان ذلك المعبر في متناول يدهم منذ فترة طويلة ، ولكنهم لم يحصلوا علي الضوء الاخضر من مؤيديهم الدوليين إلا حينئذ .  والأردن على وشك إطلاق عقيدة أمنية جديدة يشار إليها باسم الدفاع في العمق ، أعلنت الحكومة الأردنية يوم 21 أبريل أنها ستسعى إلى إقامة "مناطق آمنة" داخل الحدود السورية.

 ووفقا لتقرير في هافينغتون بوست، التقارب بين الرياض وأنقرة تم بوساطة قطر، المنافس التقليدي للمملكة العربية السعودية التي حاولت مؤخرا رأب الصدع وهي حليف مقرب من تركيا. (تركيا وقطر وقعتا مؤخرا قوانين تسمح بالتمركز المتبادل لقوات كلا البلدين على أراضي كل منهما) وفقا لهافينغتون بوست، الهدف النهائي من هذه المحادثات هو تنظيم التدخل العسكري المباشر في سوريا على غرار اليمن: "تركيا سوف توفر القوات البرية، بدعم من الضربات الجوية العربية السعودية، لمساعدة مقاتلي المعارضة السورية المعتدلين ضد نظام الأسد ".

 البرلمان التركي وافق مسبقا بالفعل علي القيام بعمليات في سوريا، في حالة ما رأت الحكومة حاجة لها. على الرغم من أن أردوغان كان مترددا في الانضمام إلى التحالف الدولي ضد الدولة الإسلامية ، فهو يقول إن دعم الولايات المتحدة والالتزام الواضح بإسقاط الأسد سيجعل تركيا مستعدة لإقامة مناطق آمنة للمتمردين السوريين واللاجئين على طول الحدود حتى ولو كلفه الأمر إرسال قوات برية. ونقلا عن مصدر شارك في المحادثات، ذكرت هافينغتون بوست انه وفقا لأحد المصادر ، إذا توصلت تركيا والمملكة العربية السعودية إلى اتفاق فإن "تدخلهم في سوريا سيسير قدما سواء قدمت الولايات المتحدة الدعم أو لم تقدم".

الكثير من المعوقات أمام التدخل المباشر 

ومع ذلك هناك الكثيرين  ممن لهم مصلحة في المبالغة في الحديث عن تهديد الأسد، وهناك عقبات هائلة لأي تدخل عسكري معلن في سوريا.

ومن الواضح أن مثل هذه العملية ستتطلب التنسيق الوثيق والثقة ، ولكن التقارب بين أنقرة والرياض يقوم على أسس هشة. شاهد، على سبيل المثال، الغضب التركي هذا الاسبوع عندما حكم علي الرئيس المصري السابق محمد مرسي عضو جماعة الإخوان المسلمين  بالسجن عشرين عاما . مرسي كانت له علاقات ممتازة مع تركيا وقطر، في حين تولي حاكم مصر الجديد، عبد الفتاح السيسي، السلطة بدعم من المملكة العربية السعودية، ولا يزال يعتمد على الإماراتيين والمساعدات المالية السعودية.

لا تزال الولايات المتحدة تعارض فكرة إحراز نصر عسكري واضح المعالم في سوريا، خوفا من أن يمحو المتمردين ما تبقي من مؤسسات الدولة  في حالة حصولهم على الكثير من الدعم  (لأسباب ليس أقلها أن الأسد يبدو مصمما على إسقاط تلك المؤسسات في حالة سقوطه ) ووضع اللمسات الأخيرة لصوملة سوريا. وعدم وجود قيادة فاعلة للمعارضة سيقدم دعوة للمتطرفين الإسلاميين، وهم مزروعون بالفعل بشكل كبير بين المتمردين، لملء الفراغ.

 ونظرا لأن الولايات المتحدة لا تزال تركز بشكل كبير على حل مشكلة  العراق ومكافحة الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة، لذا فإن استراتيجية التدخل الكامل في سوريا ستلقي اعتراضا يكاد يكون فوريا من الولايات المتحدة . ومن المستبعد أن تتحمل هذه الدول  مثل هذا التدخل دون موافقة الولايات المتحدة ودعمها لها.


تركيا ينقصها الدعم الشعبي 

 الجيش التركي هو واحد من أقوي الجيوش في المنطقة، وبصرف النظر عن احتلاله لشمال قبرص، إلا أن معظمه منتشر داخل تركيا للتصدي لحزب العمال الكردستاني ونادرا ما يظهر أي براعة كبيرة عندما يتعلق الأمر بمهارة مكافحة التمرد. (حسب هيومن رايتس ووتش في ذروة الحرب في منتصف التسعينات أحرق الجيش التركي أو دمر حوالي 3،000 قرية كردية).

حزب العمال الكردستاني موجود في سوريا أيضا، تحت ستار حزب الاتحاد الديمقراطي، أو PYD، وقوات الميليشيا التابعة لها، وحدات حماية الشعب (YPG). وحتى لو لم يتحويل التدخل التركي الي حرب مع المتمردين الاكراد، فإنه سيكون عمل محفوفا بالمخاطر. ومن أسباب فشل تركيا في السيطرة على الجماعات المتمردة التي ترعاها في شمال سوريا هو افتقارها إلى عناصر من الجيش والمخابرات تتحدث باللغة العربية .  ومما لا شك فيه أن قدرتها تحسنت منذ عام 2011 بعد أن إستطاعوا تخفيف هذا العجز بإضافة مزيد من الناطقين باللغة العربية من بلدان أخرى ومنهم متمردين سوريين وسعوديين . ولكن لا تنخدع : فوجود  قوة تركية على أرض أجنبية في سوريا سيكون له تبعات. 

العوامل السياسية قد تواجه صعوبة أكبر في التغلب عليها. الجيش ورط نفسه في اللعبة السياسية، وشهد العقد الماضي تكرار تغيير للموظفين وعمليات تطهير لكبار ضباط الجيش التركي، كما سعى أردوغان لجعل المؤسسة العسكرية تحت السيطرة المدنية. وبالإضافة إلى ذلك، لا يوجد أي دعم واضح بين الأتراك العاديين للتدخل في سوريا. بل على العكس، تعرضت سياسات أردوغان في سوريا لانتقادات على نطاق واسع  بإعتبارها مغامرة ومكلفة جدا.

ونظرا لأن البلاد تتجه نحو الانتخابات العامة في 7 يونيه، حيث  يأمل أردوغان بعدها في السعي للحصول مساعدة حزب كردي على صلة بحزب العمال الكردستاني لزيادة صلاحيات منصبه الرئاسي، يبدو من المستبعد جدا أن يرغب في إرسال قوات برية إلى سوريا الان. ومن وجهة نظر الخبير في الشئون التركية هارون شتاين أن من شبه المؤكد أن يضطر أنصار أردوغان الي " التخلي عن أي عمليات عسكرية يمكن أن تقلل من الدعم الشعبي لهم في الوقت الراهن."

 العاهل السعودي الملك سلمان لا يشغله شأن الانتخابات وكثير من السعوديين يشتهون بلا شك الحرب على بشار الأسد. ورغم أن الجيش السعودي أحد أكثر جيوش العالم التي تمول بسخاء، إلا أن عقودا من الفساد الملكي والاعتماد المفرط على الحماية الأجنبية قد خلق في الواقع قوة ليست بالكفاءة لشن حرب . (في عام 2009 عندما حركت المملكة العربية السعودية جيشها إلى اليمن لمحاربة المتمردين الحوثيين الذين كانوا أضعف بكثير مما عليه اليوم، كان أدائها متوسطا .)

 تقييد دور المملكة العربية السعودية في التدخل الجوي أكثر منطقية،  والقوات الجوية الملكية السعودية مجهزة تجهيزا جيدا ومع ذلك تعثرت أيضا في اليمن. وعلى الرغم من أن الرياض أعلنت وقف التدخل الجوي يوم الثلاثاء، استمرت الغارات الجوية على نطاق أضيق.

 كانت الحروب الجوية للخليج العربي في السابق تشن علي القوات البرية دون وجود قدرات مضادات للطائرات تشكل خطورة ومنها العملية الجارية في اليمن وقصف الإمارات  ليبيا ومشاركتها في التحالف الدولي ضد الدولة الإسلامية في العراق وسوريا. في الحالة الأخيرة، كانت القوات الجوية للمملكة العربية السعودية والبحرين والأردن والإمارات العربية المتحدة وقطر مجتمعين هي الوحيدة القادرة علي الإضافة هامشيا للحملة الجوية الأمريكية لتحرز تقدما تدريجيا ضد الدولة الإسلامية. مهاجمة بشار الأسد ستكون أكثر خطورة بكثيرلأنه لا يزال لديه دعما من القوة الجوية التي مدعومة بالدفاعات الصاروخية التي تعرضت للضرب لكنها لا تزال تحتفظ بقوتها .

الخيارات المتاحة علي الطاولة 

 كل هذا يعني أنه بدون دعم الولايات المتحدة وموافقتها علي الأرجح لن يتم التدخل العسكري العربي والتركي على نطاق واسع في سوريا ، لأن من شأنه أن يغير القليل جدا وسيتعثر المشاركين بسرعة وصعوبة شديدتين .

ولكن يوجد طرق أخري كثيرة تستطيع تلك الدول التعاون لزيادة الضغوط علي بشار الاسد . يمكنهم زيادة التمويل والتدريب . يمكنهم رفع القيود المفروضة علي الجماعات المتمردة التي يمولونها والسماح لهم بالدخول في مناطق جديدة كما حدث في معبر نصيب . يمكنهم تقديم كميات أكبر وأكثر تطورا من الاسلحة ( علي أن يضعوا نصب أعينهم أن الولايات المتحدة وضعت خطا أحمرا بشأن الصواريخ المضادة للطائرات ) . يستطيعوا ارسال قوات خاصة داخل سوريا لمساعدة المتمردين فيما يختاروه . يستطيعوا القيام بتدخل مباشر علي نطاق أضيق ومقيد بالظروف الجغرافية وإطار زمني . ومع طرح الاردن حاليا اقتراح بفرض " منطقة امنة " في جنوب سوريا يصبح لزاما علينا انتظار رد أنقرة علي هذا الموضوع . 

والأهم تنسيق جهودهم الدبلوماسية والعسكرية للحد من الانقسامات في أوساط الجماعات المتمردة الموجودة علي الارض والمعارضين في الخارج . 

وربما هناك أشياء من تلك تتم حاليا بالفعل . تتردد اشاعات أن المعارضة في الخارج تجهز لمؤتمر قادم ، ربما في الرياض ، سينشئ كيانا سياسيا جديدا . وفي الوقت نفسه أعلن أكبر إئتلاف للمتمردين في حلب والذي يسمي الجبهة الشامية فجأة عن حل نفسه والقادة العسكريين للمتمردين منشغلين ايضا بعقد إجتماعات في تركيا وبلدان أخري . وتسلل زهران علوش رئيس جيش الاسلام مؤخرا من معقله في في شرق دمشق ليظهر في إجتماع لعلماء دين اسلاميين سوريين في تركيا .  ويبدو أن الغرض الحقيقي من الزيارة هو عقد اجتماعات سرية اخري . وقال الصحفي السعودي جمال خاشقجي أن " زيارة زهران علوس لتركيا ستزيل اخر عقبات التعاون القطري السعودي التركي في سوريا " ، بينما قال محمد علوش إبن عم زهران علوش ( رئيس المكتب السياسي لمجلس قيادة الثورة ، وهو ائتلاف كبير للمتمردين يضم جيش الاسلام ) أن رحلة تركيا " تهدف الي  توحيد جهود الثوار علي الأرض في كل سوريا وليس مجرد ريف دمشق " 
السؤال الذي لا يجد اجابة هو ما مدي تنسيق التحركات بين الجماعات المتمردة . فالقادة العسكريين ربما في كثير من الحالات يموضعون أنفسهم ويتنافسون علي النفوز ويحاولون استعراض قوتهم وقدراتهم العسكرية للعمل مع أخرين علي أمل إختيارهم للعب دور في النظام الجديد الذي يرون أنه سيظهر بعد المحادثات التركية السعودية . وكما هو الحال دائما هناك الكثير مما يحتاج الي توضيح . ومع إعتماد كلا من المتمردين والنظام بشدة علي الدعم الخارجي فأي تحول في التحالفات في المنطقة من المؤكد ستؤدي الي حدوث شكل ما من التغيير علي الارض في سوريا . هناك شيئ ما يدبر في هذه الاجتماعات وقريبا سنكتشف ما هو . 





http://carnegieendowment.org/syriaincrisis/?fa=59904

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق