الأربعاء، 14 سبتمبر 2016

فرق الكوماندوز الاسرائيلية تنقذ أرواح المقاتلين الاسلاميين السوريين





تحت ستار الظلام تتقدم سيارة اسرائيلية مصفحة في الطريق الوعرة المؤدية الي سوريا. وعندما وصلت الي قمة احدي التلال أمسك السائق بسماعة جهاز الارسال وأخبر الضابط الذي يتولي القيادة أن الحدود علي مرمي البصر.

أوقف موتور السيارة. وخرج عشرة من قوات الكوماندوز المسلحين بالاسلحة الثقيلة ليراقبوا أي علامة علي وجود كمين. ثم صعد خمسة منهم الحاجز الذي يبلغ ارتفاعه 12 قدم والذي يعين حدود الاراضي التي احتلتها اسرائيل . 

وعلي الجانب الاخر من الحدود السورية يرقد رجل فاقد الوعي ملفوف ببطانية يقطر منها الدم وكأنه دمية. وفك رجال الكوماندوز أقفال الحاجز وفتحوا جزءا منه وسحبوه داخل اسرائيل

لكن هذا الرجل الجريح لم يكن جنديا اسرائيليا، أو حتي مواطنا اسرائيليا. إنه من الميليشيات الاسلامية. ويشكل انقاذه جزءا من مهمة غير عادية محفوفة بالمخاطر وأثارت جدلا كبيرا من كل الاطراف .

وقد اتيحت فرصة غير مسبوقة لصحيفة ميل اون لاين للتعرف علي هذه العملية السرية والخطرة بالانضمام الي فريق الكوماندوز والحصول علي مقاطع فيديو وصور حصرية، واجراء مقابلات مع الطواقم الطبية الملزمة بعلاج المسلحين السوريين، الذين كان بعضهم قد أقر صراحة انهم ينوون قتل الاسرائيليين.

وكان المصاب الذي لم يتجاوز عمره العشرين عاما ينزف دما بسرعة. كان قد أصيب بطلق ناري في الأمعاء والكبد، وبه جرح عميق في كاحل  قدمه الأيسر .  وبعد ان علق له فريق الكوماندوز جهاز المحقن الوريدي الخاص بحالات الطوارئ حملوه الي السيارة المصفحة وتوجهوا عائدين الي اسرائيل

وكل يوم تقريبا تجري القوات الاسرائيلية مهام سرية لانقاز حياة المقاتلين السوريين، وكلهم أعداء ألداء للدولة اليهودية.

وتصر اسرائيل ان هذه المهام السرية التي تتم ليلا لانقاذ حياة المقاتلين الاسلاميين هي مهام انسانية وانها لا تهدف منها الا الي " كسب قلوب وعقول " السوريين. لكن المحللين يشيرون الي أن الدولة اليهودية عقدت " صفقة مع الشيطان " وعرضت الدعم علي الميليشيات الاسلامية التي تقاتل الرئيس السوري بشار الاسد علي أمل أن تتمكن من احتواء عدوها اللدود حزب الله وايران.

وقال المقدم اتسك مالكه قائد الفرع الطبي للواء الجولان : " أحلم أن يأتي اليوم الذي يقول لنا الصليب الاحمر: شكرا لكم يا رفاق سنأخذه من هنا، عودوا الي وحداتكم العسكرية وتولوا رعاية الجرحي الاسرائيليين "

" انا فخور بما نفعل هنا ولكنه حمل ثقيل. فمع كل سوري يدخل المستشفي ينقص سرير في المستشفي لاسرائيلي. يوما ما سنختار بين حياة اسرائيلي وحياة سوري. وعندما يحدث ذلك سيكون الامر صعبا، لكنني سأكون مضطرا ان اقول ان واجبي الاول سيكون نحو الاسرائيليين"

لا يوجد شك في المخاطر التي تنطوي عليها تلك المهام. فكثير من المصابين الذين تنقذهم اسرائيل ينتمون الي جماعات سلفية تضمر الكراهية للدولة اليهودية . ونشرت الصحف أن بعضهم اعضاء في جبهة النصرة، وهي جماعة سورية تابعة لتنظيم القاعدة وخطفت العشرات من قوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة المتواجدين في المنطقة، وارتكبت مجازر بحق المسيحيين داخل سوريا .

ولم يتبين لنا كيف يرتب هاذين العدوين عمليات الانقاذ.  وكل ما تم الكشف عنه هو ان القوات الاسرائيلية تصلها اخبار عن وجود مصابين تم القاؤهم علي الحدود، فتتأكد المخابرات من أنه ليس فخا، فيتم ارسال فريق الكوماندوز

وخلال الثلاث سنوات التي كانت اسرائيل تجري بها تلك العمليات تمكنت من انقاذ حياة أكثر من 2000 سوري - 80 % منهم علي الأقل من الذكور في عمر القتال - بتكلفة تقدر بخمسين مليون شيكيل ( 8.7 مليون جنيه استرليني )

وتقريبا لا احد يعلم شيئا عن السوري الذي يدخل قسم الطواريئ لاجراء عملية جراحية بعد 40 دقيقة من عملية الانقاذ. وربما يكون عضوا في جماعة اسلامية معتدلة نسبيا، وربما يكن احد الجهاديين. وتقول اسرائيل من جانبها أنها إما لا تجمع هذه المعلومات أو لا تكشف عنها 

ورسميا تقول اسرائيل ان هذه العمليات تتم في اطار برنامج المساعدات الانسانية الذي يوفر المساعدات لقائمة طويلة من الدول من هاييتي الي نيبال. والمدنيين الفلسطينيين يتردد مرضاهم بانتظام علي المستشفيات الاسرائيلية مثل مركز رامبام الطبي في حيفا

وأشار احد المتحدثين الرسميين ان 20 % من المصابين الذين يعالجون في اسرائيل من المدنيين . وصحيفة الميل كانت شاهد عيان أثناء علاج طاقم طبي من الجيش الاسرائيلي لرضيعة مريضة عمرها شهرين ورجل في منتصف العمر أصيب بنوبة قلبية، وكلاهما قام فريق كوماندوز اسرائيلي باخلائهم من الحدود السورية

وقد كانت عملية انقاذ الطفلة الرضيعة مؤثرة بشكل خاص. فقد مات اخوها الأكبر بسبب مرض نادر في العظام وخشيت امها ان تكون قد ظهرت عليها نفس أعراض المرض. فقررت المرأة التي أصابتها الحيرة ان تتحدي مخاطر الحدود وتطلب من العدو المساعدة

وعولجت الرضيعة تحت ستار الظلام خلف سيارة مصفحة علي يد طاقم طبي من الجيش الاسرائيلي يحملون البنادق علي أكتافهم . وتمكنوا من التحقق من انها مصابة بحمي شديدة وأعطوا للأم أدوية ستحتاجها كثيرا

ثم رافق الأم والرضيعة قوات قتالية مسلحة بكثافة في طريق عودتهم الي منطقة الحرب داخل سوريا. أما فحص اضطرابات العظام فسينتظر

وقال كريس دويل، مدير مجلس التفاهم العربي البريطاني : " لن اقول ان اسرائيل تفعل ذلك بدون مقابل، فلو كانت تفعل ذلك بدون مقابل لما قامت بالدعاية لها . هناك عنصر من عناصر الرغبة في تحسين صورة اسرائيل في الخارج، في وقت أظهرت كل استطلاعات الرأي أن سمعة اسرائيل متدنية . و 8.7 مليون استرليني هو ثمن كبير تدفعه للدعاية، لكن السلطة في اسرائيل أدركت انها مضطرة الي الانفاق لتحسين صورتها "

ورفض احد المتحدثين الرسميين باسم الحكومة تلك المزاعم واعتبرها مزاعم " سخيفة "

وقال : " اسرائيل من الدول الرائدة في توفير المساعدات الانسانية سواء في الشرق الاوسط او حول العالم " . وقال ايضا انها ليست المرة الاولي التي توفر فيها الدولة اليهودية المساعدات الطبية لمن يرغبون في تدميرها هم وعائلاتهم.

في شهر اكتوبر قامت احدي المستشفيات في تل ابيب بعلاج زوج أخت الرئيس محمود عباس، وفي العام الماضي عالجت ابنة زعيم حماس اسماعيل هنية . لكن المحللين يرون من النادر في منطقة الشرق الاوسط ان يقدم شيئا بلا مقايل

وتمكنت صحيفة الميل من عقد لقاءات مع مسلحين سوريين في مركز زيف الطبي في صفد الواقعة في شمال اسرائيل، وهي واحدة من عدد من المستشفيات التي يعالجون فيها، واشترطوا عدم الكشف عن هويتهم. فلو اكتشف سوريين غيرهم انهم تلقوا الرعاية الطبية في اسرائيل المكروهة فسيتعرضون لخطر الاعدام

أفرط المصابين في الثناء علي اسرائيل . قال مقاتل ثوري نحيل قال ان اسمه احمد وعمره 23 عاما ويعالج من الاصابة بطلق ناري بين فخذيه : " لن أقاتل اسرائيل في المستقبل . اسرائيل ترعي المصابين أفضل من العرب. العرب كلاب "

" قبل ان أجيئ الي هنا لم أكن لأقول هذا. ولكن هناك كثير من الناس اصيبوا وجاءوا الي اسرائيل للعلاج وحكوا لي عن ذلك. أشعر بالأمان هنا في اسرائيل ولكن بمجرد ان أشعر بتحسن سأعود للقتال "

واتفق مع كلامه ثائر اخر اسمه محمد يبلغ من العمر 20 عاما تهشمت ساقه لتعرضه لاطلاق نار من رشاش روسي الصنع من نوع ' دوشكا ' . وقال وهو ينظر الي الإطار الجراحي الذي يسند ساقه المكسورة : " شكرا لاسرائيل لسماحها بدخولي "

" الأسد الجزار هو عدوي . اسرائيل ليست عدوي. فمن يقدم لك العلاج ليس عدوك " . وأضاف انه بمجرد أن تتحسن حالته الصحية ينوي العودة الي سوريا ليحمل السلاح مرة اخري

ولم يخفي الطبيب الاسرائيلي الذي يتولي علاجه، وهو استاذ جامعي ولد في روسيا اسمه اليكسندر ليرنر، - وهو ايضا خبير رائد في علاج جرحي الحروب - سعادته من ردود أفعالهم

وقال : " نحاول ان نبني السلام مع جيراننا ونكسب قلوبهم وعقولهم . يوجد حاليا حوالي 2000 سوري انقذت اسرائيل حياتهم . نأمل ان يغير هذا مواقفهم الحياتية. في المستقبل سيصبحوا أكثر ودا لاسرائيل ولن يرغبوا في قتالنا "

لكن طواقم طبية اخري تعتقد ان هؤلاء المسلحين يكذبون . فقال عيسي بيريز البالغ من العمر 36 عاما، وهو عربي اسرائيلي مسيحي يعمل موظفا في الخدمة الاجتماعية ، أن كثير من موظفي المستشفيات يكرهون علاجهم

وقال : " انا اعمل مع السوريين طوال الوقت وأري وأسمع أشياء سيئة . كثير منهم قال لي كلمات سيئة أنهم سيقتلوني وانهم سيقاتلون الطائفة المسيحية وعندما يشعرون بالامان سيقاتلون اسرائيل "

" لقد دمروا الكنائس والتجمعات المسيحية في سوريا . وانا مضطر لتوفير الرعاية لهم فهذه وظيفتي. ولكن عندما أجلس مع نفسي أقول لا ليس من الصواب ان توفر لهم اسرائيل العلاج "

وعند سؤاله عن وعود المقاتلين عدم قتال اسرائيل في المستقبل قال : " لا أثق في أيا منهم . لقد نشأوا علي ان اسرائيل عدوهم وأن اسرائيل هي الشيطان ولن تتمكن من تغيير رأيهم بتوفير العلاج لهم خلال اسبوعين "

وهناك اسرائيليين اخرين يشعرون بمرارة أكبر . ففي شهر يونيه تعرض اثنين من الجهاديين لهجوم علي يد مجموعة من الناس أثناء نقلهم الي احدي المستشفيات بسيارة إسعاف. وأحدهم تعرض للضرب حتي مات بينما الاخر تعرض لاصابات خطيرة

وبعد اسبوعين تم توجيه تهمة القتل لاثنين من اعضاء الطائفة الدرزية في اسرائيل . وظهر ان المسلحين كانا عضوين في جبهة النصرة، وهي فرع تنظيم القاعدة في سوريا والتي هاجمت القري الدرزية في سوريا

وذكر ضابط كبير في الجيش الاسرائيلي ان المهمة الانسانية التي تقوم بها اسرائيل قد تكون جزءا من استراتيجية أمنية تهدف الي " الاحتفاظ بالحدود الشمالية هادئة وجنودنا سالمين " عن طريق استخدام العلاج الطبي " كبوليصة تأمين "

وقال المقدم مالكه لصحيفة الميل : " السوريين لن يهاجموننا لانهم يعلمون اننا سنوقف مساعدتنا لهم "

" هم في حاجة ماسة لمساعداتنا الطبية . لا يوجد لديهم أطباء ولا حتي طبيب بيطري. وذات مرة عالجنا رجلا قام صديق له بتخييط جراحه بإبرة وفتلة. فإذا ارادوا استمرار مساعدتنا لهم فهم يعلمون انه يتوجب عليهم ايقاف أي شخص من الاعتداء علي جنودنا ومدنيينا "

ويري بعض الخبراء ان حالة الوضع الراهن مقبولة من كلا الطرفين. فالمسلحين عالقين في صراع مرير يكاد يصل الي نقطة الانهيار، واسرائيل التي تتعامل مع عمليات الطعن في كل انحاء اسرائيل واطلاق الصواريخ العشوائية من غزة، يتجنبان اندلاع الارهاب في الشمال

لكن اخرين يعتقدون ان اسرائيل تسعي لتحقيق أهداف جيوسياسية أكثر واقعية. فقال مايكل ستيفنز، الباحث في دراسات الشرق الاوسط بمعهد الخدمات الملكية المتحدة : " اسرائيل ترغب قبل أي شيئ في منع حزب الله من الاستحواز علي السيطرة علي الجانب الاخر من الحدود "

" المسلحين السنة يقاتلون حزب الله، ولذلك هم الان يشاركون اسرائيل نفس الاهداف. وهذا هو سبب اعتبارنا ان هذا التعاون تعاونا غريبا بين أشخاص سيصبحون أعداء لو تغيرت الظروف. وهناك احتمال ان اسرائيل تدرس مدي قدرة هؤلاء السوريين ليضيفوا للمعلومات الاستخباراتية التي يجمعوها عن سوريا، وهي معلومات هائلة بالفعل "

ويتفق المحللين ان التحالف الشيعي المتمثل في ايران وحزب الله وقوات الاسد يشكل تهديد وجودي لاسرائيل، ويفوق أي خطر يشكله الثوار الاسلاميين السنة ( الذين تدعمهم السعودية، التي يفهم ان لها شكل من أشكال علاقات العمل في بعض المجالات مع اسرائيل )

وأكد متحدث رسمي اسرائيلي ان اسرائيل لم تقدم أي دعم طبي لأي مسلح من التحالف الشيعي

وقال كمال علام الباحث والخبير في الشئون السورية : " تتمثل وجهة نظر اسرائيل في أن عدو عدوي هو صديقي "

" لا يوجد أحد يثقون به في المستنقع السوري، ولكن اذا تخلصت من حزب الله فهذه نهاية ايران في المنطقة. وهدف اسرائيل الرئيسي لابد وان يكون القضاء علي حزب الله . وأيا من كان يتخلص من حزب الله هو حليف يثير القلق لكنه ضروري. وبتقديم اسرائيل الدعم الطبي لهؤلاء المقاتلين تكون قد عقدت اتفاقا مع الشيطان "

وقال ان تسليح وتجهيز اسرائيل هؤلاء المسلحين السنة سيعرضها لمخاطر ردود الافعال العنيفة والضارية من العالم العربي ومن داخل اسرائيل . وستتعرض لخطر ان تنقلب هذه الاسلحة يوما ما ضد الدولة اليهودية

وعلي الجانب الاخر لا تثير المساعدات الطبية الانسانية الا القليل من الاعتراضات من كلا الطرفين، وتحقق في الوقت نفسه اهدافا استراتيجية مشتركة لكلا منهما


نقلا عن صحيفة الميل البريطانية بتاريخ 8 ديسمبر 2015 

المصدر  http://www.dailymail.co.uk/news/article-3315347/Watch-heart-pounding-moment-Israeli-commandos-save-Islamic-militants-Syrian-warzone-risking-lives-sworn-enemies.html








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق