في شهر يوليو 2003 نشرت صحيفة واشنطن بوست رواية مروعة عن تعذيب امرأة مسيحية آشورية في بغداد. أخذت المرأة التي تسمي جمانة حنا مراسل الواشنطون بوست بيتر فين إلى السجن حيث قالت انها قد سجنت وتعرضت للتعذيب والاغتصاب ليس لأي سبب إلا أنها تزوجت من زوج غير عراقي. وقالت السيدة حنا للمراسل ان زوجها قتل في سجن قريب ونقلوا اليها جثتة هامدة في وقت لاحق .
وبعد ظهور القصةعلي الواشنطون بوست، ذكر نائب وزير الدفاع الأمريكي بول وولفويتز في شهادته أمام مجلس الشيوخ الأمريكي: "هناك جانب إيجابي في قصة جومانا حنا المؤلمة وهو شجاعتها في التقدم بتقديم معلومات يرجح مصداقيتها للمسؤولين الامريكيين وهذه المعلومات ستساعدنا على القضاء على رجال الشرطة البعثيين الذين كانوا يعذبون ويقتلون السجناء بشكل روتيني ".
وقام المسؤولون الأميركيون في العراق بتوفير الحماية لجمانة حنا من الأعمال الانتقامية المحتملة وساعدتها الحكومة الأمريكية في نهاية المطاف في العيش في شمال كاليفورنيا. وكانت قصتها التي أعتبرت وثيقة هامة من وثائق نظام شرير، من المقرر أن تنشر في كتاب، كتبه صحفية ذات خبرة من كاليفورنيا وهي الصحفية سارة سولوفتش.
وقالت السيدة سولوفتش "كنت أعتقد أنها قصة قوية للغاية وأنها إمرأة في غاية الشجاعة والروعة، امرأة مستقلة للغاية وتتعارض مع الثقافة السائدة في بلادها وطالبت بحقها" . تجد العديد من النساء في جميع أنحاء العالم صعوبة في الاعتراف بالاغتصاب ولو فعلن فإنهن غالبا ما يرفضن الخوض في تفاصيل مؤلمة. لكن جومانا حنا لم تكن منهن فقد أعطت وصفا دقيقا لحالات الاغتصاب المزعومة، وذكرت ان احدي حالات الاغتصاب تمت في وجود عدي نجل صدام حسين. وتقول سارة سولوفتش أنها قبل أن تلتقي بالمرأة العراقية أرجعت صراحتها الي التعليم. والحقيقة أن جمانة حنا ذكرت أنها حاصلة علي شهادة في المحاسبة من جامعة أكسفورد في بريطانيا. ولكن بعد لقائهما الأول، اكتشفت سارة سولوفتش أن السيدة حنا بالكاد تتحدث الإنجليزية، وبالتأكيد لم يكن هذا كافيا لتتخرج من إحدى الجامعات البريطانية. وقالت الصحفية التي تعيش في كاليفورنيا أن هناك بعض المشاكل الأخرى في قصة جمانة حنا.
"هي حكت هذه القصص الحية الأقرب الي القصص السينمائية. والقصة التي حكتها عن عدي صدام حسين فأثناء تعرضها للاغتصاب علي يد جميع أتباعه ومن ثم طلبهم تلطيخ دمها بزجاجة الويسكي الخاصة به، مثل الملح على مارغريتا. وأنا بالفعل كانت لدي تحفظات كبيرة حول ذلك. فقد بدت لي أنها سخيفة ".
وقالت سارة سولوفتش أنها حذرت المرأة العراقية أنها يجب أن تتحقق من كل تفاصيل قصتها قبل نشرها في كتاب. ولم تعرب جمانة حنا عن أي قلق وتطوعتحتي بإعطائها أسماء بعض الشهود.
ولم تستغرق الصحفية المحترفة وقتا طويلا لتكتشف أنه لا يجد إلا عددا قليلا جدا من التفاصيل التي ذكرتها جمانة حنا عن قصتها تفاصيل حقيقية. فهي لم تكن متزوجة من أجنبي بل متزوجة من عراقي عربي . وزوجها لم يقتل وربما لم يدخل السجن أبدا. وقد تكون السيدة حنا قد تعرضت للسجن لمدة بضعة أشهر، ولكنها دخلته على الأرجح لاسباب تتعلق بالدعارة. وتبين أن أحد الشهود الرئيسيين في قضيتها صديقها الذي كانت ترسل له الاموال من الولايات المتحدة. فما هي القصة الحقيقية لجمانة حنا؟
قالت سارة سولوفتش "انها مجرد قصة عاهرة مشردة خدعت وزارة الدفاع بمفردها وخدعت سلطة الائتلاف المؤقت وصحيفة الواشنطن بوست" . كما خدعت جمانة حنا العديد من الأميركيين العاديين الذين تأثروا بقصتها وهرعوا إلى ايداع التبرعات الخيرية في حساب المرأة العراقية.
لكن في حين تصدرت تلك القصة الكاذبة التي تزعم أنها ضحية نظام وحشي الصفحة الأولى لصحيفة أمريكية كبرى، لم تلقي القصة الحقيقية الدنيئة للسيدة حنا الكثير من الاهتمام. ولم تنشرت صحيفة واشنطن بوست تراجعها الا بعد ظهر رواية سارة سولوفتش في مجلة “The Esquire” في وقت سابق من هذا العام.
وقال جوزيف كامبل، أستاذ الصحافة في الجامعة الأميركية في واشنطن " بصراحة شعرت بقليل من خيبة الأمل لأن صحيفة الواشنطون بوست لم تنشر النسخة المنقحة من قصة هذه المرأة على صفحتها الأولى" . وأضاف أن التقارير الصحفية عن الحرب معرضة للمبالغة وتميل للتأثير على خيال الجماهير.
وقال البروفيسور كامبل : "بعض من أفضل أشهر القصص ، الحكايات في الصحافة الأميركية، مصدرها تغطية الحرب. وما أن تترسخ هذه الخرافات والأساطير الحضرية فإنها يمكن تدوم طويلا وتتحدى أي جهود يبذلها العلماء والصحفيين لفضح الأسطورة ".
قصة جمانة حنا عن التعذيب كان السياسيين يحتاجونها، والصحفيين يبحثون عنها والرأي العام الأميركي يتوقعها. وتقول سارة سولوفتش أن هذا هو السبب في أن أحدا لم يفكر لفترة طويلة ف التحقق من تلك الوقائع التي كانت سهلة بما فيه الكفاية. وللأسف، لا يبدو أن القصة الحقيقية الكئيبة تلقي نفس القبول مثل القصة الزائفة عن التعذيب.
نقلا عن موقع صوت امريكا
بتاريخ 28 اكتوبر 2009
ترجمة اشرف محمد
http://www.voanews.com/content/a-13-2005-03-03-voa41-66917457/377152.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق