الاثنين، 18 يناير 2016

رحلة سوري من ثائر الي انتحاري داعشي



 بيروت، لبنان - في السنوات الأولى من الثورة السورية كان يصور المظاهرات في شوارع حيه الذي كان يسيطر عليه الثوار، في مركز مدينة حمص التاريخية. ويهتف من أجل الكرامة والحرية حاملا معه علما أخضر وأبيض وأسود، وهو النسخة القديمة من العلم الوطني .

عندما حاصرت قوات الحكومة المدينة القديمة زرع الخضروات على سطح منزل عائلته. وبكي عندما ترك الطماطم البستان وهو يغادر المدينة على مضض بموجب اتفاق وقف إطلاق النار. وعندما شعر بالحنين إلى الوطن قرأ شعرا كتبته أخته: "لا شيء أدفأ من حيك وبلدك وبيتك."

وحتى في أحلك الظروف كان يلقي النكات ويمزح مع الصحفيين من كل أنحاء العالم ويطلعهم على المعارك ويرفق رسائله النصية اليهم بالوجوه المبتسمة والزهور.  وقال مازحا في دردشة علي الانترنت "قريبا ستعقد خطبتنا".

كان الرجل الذي أطلق علي نفسه اسم ابو بلال الحمصي بإختصار ثوري كلاسيكي من ثوار المدن السورية. وبصفته ناشط إعلامي كان معروفا لدي الصحفيين الأجانب، ومدافعا عن الثوار الذين يقاتلون الحكومة ولكنه كان أيضا مصدرا هاما للمعلومات. وكان يستخدم الاسم الحركي لحماية أقاربه من الانتقام الذي ستتعرض له عائلته إذا تم الكشف عن اسمه الحقيقي في الوقت الحالي.


لم يكن من المجاهدين الأجانب، كان سوري يقاتل لتغيير بلده والدفاع عن منطقته، ورغم أنه كان محافظا دينيا بدا انه منفتح على العالم الخارجي. لذا شعر أصدقائه القدامى بالصدمة في الشهر الماضي عندما عرفوا أنه فجر نفسه، ليصبح كما وصفته جماعة الدولة الإسلامية المتطرفة عند مدحه على الانترنت، "فارس الاستشهاد".

معظم حيرتهم كانت من الهدف: كان الهدف هو رفاقه من سكان حمص ، على بعد مسافة قصيرة من منزل أبو بلال القديم. أدي التفجير بنقبلتين الي مقتل 30 شخصا على الاقل وجرح نحو 100. وافتخرت الدولة الإسلامية، التي تعرف أيضا باسم داعش، أنها ضربت "حشود المرتدين"وقدحت الأقلية العلوية التي تشكل الأغلبية في المنطقة الموالية للحكومة في مدينة حمص.

وقال أحد أصدقاؤه ويدعي جلال التلاوي الذي عمل معه عن كثب في الأيام الأولي للمظاهرات وحتي فترة الحصار "لم افكر ابدا أن أبو بلال سيفعل ذلك . لم يكن متطرفا أو متعصبا. إلا أن الموقف كله تغير خلال الحصار ".

مسيرة أبو بلال لها قواسم مشتركة مع  عدد من المقاتلين والناشطين الذين بدأوا بجماعات ثوريةعلمانية نسبيا وقومية ثم انتقلوا في البداية  إلى الإسلاميين، ومن ثم  إلى جماعات متطرفة مثل  داعش

 بعض شباب الثوار يبدلون ولائهم لداعش بدافع الالتزام الإيديولوجي، أو الإكراه، أو لأنه هو الخيار الأفضل أو الوحيد لتأمين الأسلحة والمال والحماية. ولكن في بيئة تصيب بالجنون كبيئة حصار حمص، قال السيد التلاوي أن مواقف أبو بلال - ناهيك عن مواقفه هو نفسه- اذدادت طائفية أكثر فأكثر .

وقال السيد التلاوي أن العديد من المقاتلين المحاصرين بدأوا يكرهون  العلويين الذين ينتمون إلى نفس مذهب الرئيس السوري بشار الأسد ويهيمنون على المناصب الأمنية العليا. وأضاف قائلا  "قبل الثورة، لم يكن لدينا هذا الشعور تجاه أي طائفة. لكن بعد ما مررنا به تغير موقفنا. نحن نكره النظام والمؤيدين له".

وعندما سلم المقاتلين المدينة القديمة إلى الحكومة في مقابل المرور الآمن إلى مناطق الثوارفي مايو 2014 تفرق الأصدقاء جسديا وفلسفيا.

واعلن أبو بلال في شريط فيديو بثه في ذلك الوقت "سنعود إلى هذه الأرض وسنحررها بدمائنا وعلي أشلائنا"، . ثم اتجه الي شمال شرق سوريا للانضمام لداعش، في حين اختار السيد التلاوي التراجع عن التطرف والبقاء مع الجماعات الثورية المعارضة للأسد وداعش.

نشأ أبو بلال، الذي كان يبلغ من العمر 28، في حمص القديمة، ولكن أصدقاءه من النشطاء هناك قالوا أنهم لا يعرفون الكثير عن طفولته،وأنهم التقوا به خلال المظاهرات ضد الأسد في 2011.  وقال السيد التلاوي أن الحي الذي كان يسكن فيه أبو بلال وهو حي  باب الدريب  من أول الأحياء التي انضمت للثورة وأنه هو من المشاركين بعمق

كان لأأبو بلال عينان كبيرتان ناعستان وخدين ممتلأين وموهبة في الإتصالات. كان يمضي الساعات على الانترنت يطلع الصحفيين عن المظاهرات والمعارك وعمليات القصف التي كان الصحفيينيجون صعوبة بالغة في تغطيتها بشكل شخصي.

ولكن عندما إشتد  الحصار أصبحت  الأوضاع لا يمكن تصورها. فحول القصف شوارع  الطفولة المألوفة تلال من الأنقاض ومعكرونة متشابكة من حديد التسليح. وكانت المواد الغذائية شحيحة لدرجة أن الناس كانت تطبخ ببذر الفاكهة. ولم يكن يملك ما يكفي من الطعام إلا أغلبية كبار قادة الثوار.

بعد مآثر داعش على الانترنت، عقد أبو بلال الأمل أن يكون قادتها أكثر شرفا. وبدأ في رسائله للصحفيين إلقاء اللوم على العلويين عن المعاناة في حمص.

وكان أبو بلال يقضي الساعات الخانقة في  الدردشة النصية على الانترنت .  وقال أن أحد المتواصلين معه: كان امرأة لبنانية ثرية لديها سيارة رياضية، كانت ترسل له صورا لنفسها وهي ترتدي ملابس قصيرة خلال رحلاتها إلى إيطاليا.

وقال في اشارة الي مغنية لبنانية مشهورة معروفة بملابسها الكاشفة "حتى حيفا لا تجرؤ على التقاط هذه الصور!"

وكان يتواصل عبر الإنترنت مع امرأة تونسية برهنت أنها أكثر أهمية. اتضح أنها اتبعت شقيقها، مقاتل الدولة الإسلامية، إلى الرقة في سوريا. وفي نهاية المطاف  طلب يدها للزواج.

ولكن في البداية جاء الرحيل الصعب من حمص. ثار أبو بلال في الفيسبوك على زعماء الثوار والقوى الدولية، وخاصة مسؤولي الأمم المتحدة الذين ساعدوا علي تسهيل عملية الإجلاء.

وكتب متهما الاسد وحكومته "انهم يزعمون أنهم محايدون - كيف محايدين ؟"، . واضاف "انهم يشاركون مع الجزار في طرد الناس من أراضيهم ومنازلهم، بدلا من معاقبة النظام الإجرامي".

وبعد أسابيع اجتاحت داعش معظم أنحاء العراق واستولت على مدينة الموصل واعلنت الخلافة. وشعر أبو بلال بسعادة غامرة، ودافع عن جماعة داعش أمام زملائه الثوار الذين اتهموها بتجاهل قتال الأسد لإقامة دولتهم.

وكتب علي الفيسبوك "انتظر قبل أن تحكم. انهم مسلمين إتقياء مخلصين تركوا كل شيء من أجل الجهاد ".

وفي الشهر التالي شعر بالاكتئاب مرة أخرى عندما شاهد الألعاب النارية في المناطق الموالية للحكومة بعد إعادة انتخاب الأسد في الاقتراع الذي وصفه خصومه بالانتخابات الصورية.

وأصبحت بوستاته علي الفيسبوك  أكثر تطرفا. وفي يناير 2015، أشاد بالهجوم  العنيف على مكاتب صحيفة شارلي ابدو الساخرة في باريس واصفا إياها بأنها "عملية مباركة" حصلت للانتقام من "أي شخص يقصف المسلمين".

 بحلول ابريل أصبح  أبو بلال عضوا كامل العضوية في الدولة الإسلامية. تزوج من المرأة التونسية، وهي طبيبة تطلق علي نفسها أم بلال - مما جعله مؤهلا للحصول على 1500 دولارا مكافأة الزواج وغيرها من الفوائد من الدولة الإسلامية. وذهبوا  في رحلة شهر عسل إلى الرقة، عاصمة داعش على نهر الفرات. وقال للسيد التلاوي "أنا سعيد!"

وفي الشهر التالي كان مع داعش عندما اجتاحت مدينة تدمر الصحراوية التي يوجد بها أكثر الآثار الرائعة في سوريا، والتي دمرت داعش بعض منها فيما بعد. كان معجبا بمناظر الصحراء الطبيعية . وقال "لدينا جميع أنواع الطيور، طيور أبو منجل والغزلان،" .

وكان يقتطع من وقته للقيام بأعمال الخير، فكان يساعد ناشط معارض لداعش والأسد في مدينة تدمر وهو صديق قديم وله علاقات سلسة مع الجماعة. وقال الصديق، خالد الحمصي، الذي يستخدم أيضا اسما حركيا للسلامة، أنه وفر له ما يكفي من الوقت للهروب.

وبعد زواج أبو بلال قلل من اتصالاته بالصحفيات من الإناث - رغم أنه حين فعل ذلك كان يناديهن بأسماء شاعرية مثل " أم العيون " . لكنه ظل مواظبا علي مداعبة أصدقائه في حمص، محاولا تجنيدهم في داعش وعرض عليهم مساعدتهم في دفع نفقات تهريبهم الي أراضي داعش

وقال بيبرس التلاوي شقيق جلال التلاوي : "كان يلح علي وخاصة في المرة الأخيرة كما لو كان يريدني أن أحل محله حين يموت "

واخر اشارة وصلتهم منه كانت اشارة مشفرة . فكتب علي صفحته علي وسائل التواصل : " سامحوني "

وترفض أخته وأبويه الذين يساعدون اللاجئين ماليا في دولة مجاورة التكلم عنه . وقال اخته في مكالمة تليفونية في مرارة : " ما تودون كتابته هو أن تقدموا النصيحة للاخرين ألا يتشبهوا به ؟ "

وقالت : " أخي شهيد وكان لا يزال انسان طبيعي وسيتقبله الله عنده "

نقلا عن صحيفة نيو يورك تايمز
ترجمة اشرف محمد

http://www.nytimes.com/2016/01/16/world/middleeast/one-syrians-journey-from-hometown-rebel-to-isis-bomber.html?smid=tw-share&_r=0

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق