السبت، 22 أغسطس 2015

حلقة جديدة من حلقات الحرب الأهلية التركية








في أواخر الشهر الماضي اندلعت الحرب مرة اخري بين حزب العمال الكردستاني ( بي كا كا ) والدولة التركية بضراوة ووحشية . وأدت 90 هجمة شنها ال بي كا كا بين 21 يوليو و12 اغسطس الي مقتل 30 رجل أمن و11 مدنيا .

وفاجأ تجدد القتال في تركيا الكثيرين ممن كانوا يعتقدون أن كلا طرفي الصراع غيرا من سياساتهما في السنوات الاخيرة . بدأت الحكومة الاسلامية بقيادة حزب العدالة والتنمية عملية سلام وغازلوا الناخبين الاكراد بوعدهم بإنهاء الحرب . وفي الوقت نفسه فضل ال بي كا كا النضال السياسي علي العنف وامتنع عن قتل المدنيين . وفي شهر يونيو تخطي حزب الشعوب الديمقراطي المناصر للاكراد ، لأول مرة في تاريخ انشاؤه منذ 25 عاما ، الحاجز الانتخابي المقدر ب 10 بالمئة ، وحصل علي 80 مقعدا في مجلس النواب التركي . وكان لدي الجمهور ايمان قوي أن الصراع الكردي سيحل علي مائدة المفاوضات وأن كلا الطرفين تعلما من أخطاء الماضي . لكن إلقاء نظرة متفحصة علي هذا الصراع الطويل وأنماط هذه القلاقل القصوي الأخيرة تروي لنا قصة كثيرة الاختلاف.

 ماذا نتوقع الان في ضوء هذا العنف الصادم الجديد ؟ تناولنا في كتابنا الجديد " مناطق التمرد" الحرب الطويلة بين ال بي كا كا والدولة التركية . ويشرح الكتاب روابط المقاتلين طويلة الأمد بالأرض المتنازع عليها والشعب الموجود بها والأنماط المناطقية المرنة لتوزيعة التمرد وسيطرة الدولة . بإختصار ، العنف في الحرب الاهلية التركية له أعراف تاريخية راسخة . فكلا من الدولة والمتمردين ينتهجان مجموعة واضحة من السياسات طوال ثلاثة عقود من تاريخ الصراع الذي ابتلع جنوب شرق تركيا . ولا يوجد احتمال لتوقع حدوث أي تغيير في الحلقة الاخيرة من الحرب : السيطرة لا تزال ثابته والتكتيكات العسكرية للمقاتلين تعكس عن قرب سيطرتهم علي الارض والشعب

يعرض تمرد الاكراد في تركيا حالة هامة من حالات الحرب الاهلية صعبة المراس . فتلك الحرب الجارية منذ سنة 1984 حصدت أكثر من 40 الف نفس . وتماشيا مع ايدولوجيتها المستقلة قامت ال بي كا كا بهجمات ممنهجة علي حراس القري الموالين للدولة وقوات الأمن والمؤسسات الوطنية . ورغم عدم تحقيق المتمردين سيطرة علي أراضي خلال فترة الحرب إلا أن تكتيكات حرب العصابات التي تتبعها أطالت أمد الصراع الي ما لا نهاية .

حددنا ثلاثة مناطق يتمتع فيها المتمردين بقدرات متفاوتة . وأطلقنا علي موطن التمرد اسم " المنطقة 1 " ، وهي المنطقة التي تضم الأقاليم الحدودية والأقاليم الملاصقة لها . هذه الاقاليم كانت في السابق تحت حكم الطوارئ الذي كان يسمح لقوات الامن والمحافظين في جنوب شرق أناطوليا بتبني إجراءات ضبط السكان مثل إخلاء القري والتفتيش والاعتقالات وفرض الرقابة . وفي العقود الثلاثة الماضية ، كما هو الحال اليوم ، كانت ال بي كا كا تركز عملياتها علي تلك ال 30 إقليم وتستهدف في الغالب قوات الامن .

وفي السنوات الاخيرة زادت سيطرة المتمردين علي المنطقة 1 . وطورت منظمة الشباب التابعة لل بي كا كا ، حركة الشباب الثوري الوطني ، من حضورها المثير للخوف ، لا سيما في أقاليم جزرة ونصيبين وسيلوبي في جنوب شرق تركيا علي طول الحدود مع تركيا والعراق . ويحفر المتعاطفين مع ال بي كا كا في تلك المنطقة بشكل روتيني الحفر ويضعون المتاريس لوقف تقدم الشرطة داخل أحيائهم أو اغراء الشرطة للوقوع في الفخاخ . وتنعكس السيطرة الاجتماعية الملحوظة لل بي كا كا في اغتيال قادة الرتب العالية ومطالب الجماعات المنتمية للمتمردين بالحكم الذاتي .

لم تتمكن ال بي كا كا  من استنساخ هذا النجاح في مناطق اخري. وقد أدرجنا ال 74 اقليم المتبقية في منطقة الطوارئ المختلة وأسميناها " المنطقة 2 " . وفي هذه المناطق ال بي كا كا أضعف من المنطقة 1 . وتقتصر تكتيكاتها علي وضع حواجز الطرق والقيام بهجمات علي أهداف اقتصادية . ومنذ سنة 1990 والهجمات في هذه المنطقة مستقرة بشكل معقول ، وتشكل ثلث مجموع أنشطة ال بي كا كا. وكانت ال بي كا كا تعتمد خارج منطقة الطوارئ في مدن مثل اسطنبول وأزمير وأدنة ( المنطقة 3 ) علي العنف بلا تمييز وعلي عمليات التخريب . اليوم العنف بلا تمييز مكلف وقد تضر بشرعية التنظيم .

الخلاصة هي أنه كان هناك استمرارية قوية في التوزيع الجغراقي لسيطرة المتمردين  . وفي الاسابيع الثلاثة الماضية صعدت ال لابي كا كا من هجماتها حتي وصلت اس مستويات لا تقارن الا بسنة 1993 حيث زروة الحرب الاهلية التركية . لكن تصعيد انشطة المتمردين لا يعكس تغيرا نوعيا في توزيعة السيطرة . فالقدرات العسكرية لل بي كا كا لا تزال في معظمها لم تتغير في المناطق الثلاث

ومن المعالم البارزة للحرب الاهلية التركية استمرارية رد فعل الدولة . فحومة العدالة والتنمية ، كما الحكومات التي سبقتها ، سارت علي تجارب الدولة التركية في السابق في التعامل مع المتمردين . فعلي غرار الثمانينات ، كان رد الفعل الفوري للحكومة الحالية القيام بعمليات اعتقال جماعية والتفتيش من منزل لمنزل عن الهويات . وفي 24 يوليو تم تفتيش الالاف من المنازل واعتقال المشتبه بهم في عمليات ليلية تمت بالتزامن في 34 محافظة في جميع أنحاء تركيا . ثم أعلن المحافظين عن انشاء مناطق أمنية خاصة ، وهي مناطق لا يسمح للمدنيين بدخولها . هذه السياسة هي تطبيق مصغر لحالة الطوارئ التي غطت 13 محافظة بين سنة 1987 و 2002 . وفي النهاية اعتمدت الحكومة التركية ، كما كان في الماضي ، علي القصف الجوي لمعسكرات ال بي كا كا في شمال العراق لتهدئة الجماهير في الداخل التركي .

ممارسات مكافحة التمرد تلك لا تعاقب بالضرورة المتمردين . تبدو طبيعة هجمات المتمردين بلا تأثير علي متي وأين ستوظف سياسات القبض والافراج أو سياساتها الادارية الخاصة . ورغم صغر حضور ال بي كا كا في هذه المناطق إلا ان الدولة تعتمد علي ذاكرتها المؤسسية لاستهداف مناطق تعتبرها " استراتيجية " أو " معادية " . والغريب ان عمليات الاعتقال تستهدف مدنا كبيرة من مصلحة الدولة الحفاظ علي السيطرة عليها .وبالمثل تبدو محافظة تانجيلي الواقعة في شرق تركيا تحملت وطأة المناطق الامنية الخاصة نظرا لتاريخها في التمرد . ومع ذلك فإن لاجراءات السيطرة تلك عواقب سياسية منها : تقييد حريات المدنيين وتنفير المدنيين من عمليات مكافحة المتمردين . وبمعني اخر ، وجدنا ان انشاء هذه المناطق الامنية الخاصة وعمليات الاعتقال التي تمت داخل حدود تلك المناطق ترجمت الي دعم شعبي للحزب الموالي للمتمردين في 1990 .

لو استرشدنا بالتاريخ فإن حكومة حزب العدالة والتنمية بشكل متزايد علي عمليات الاعتقال واستهداف التنظيم الحضري للمتمردين ، بينما سيحاول ال بي كا كا توسيع الصراع الي مناطق تتخطي المنطقة 1 . وقد يزعم بعض المراقبين للسياسات التركية أن عملية السلام المطولة تشير الي تغير في الاستراتيجية . ووجهة نظرهم ان احداث العنف ووقعت لان كلا الطرفين لم يلتزم بمصداقية بعملية السلام . لكن عدم القدرة علي الالتزام يتوقف علي الخلفية التاريخية التي تتخذ فيها القرارات . علاقات المقاتلين بالارض المتنازع عليه والشعب الموجود عليه تتظور مع مرور الزمن ولن تتغير في ليلة وضحاها . وفي هذا السياق لم تكن عملية السلام تغيرا في المواقف . جاء رد فعل الدولة الفوري ردا علي تصعيد الهجمات . ومن ناحية ال بي كا كا كانت العودة للعنف نتيجة متوقعة . فطوال سنوات كان العنف يبقي علي التنظيم ويحشد الأنصار .

في شهر يوليو عادت الدولة التركية والمتمردين الاتراك الي اساليبهم القديمة لكن كلا الطرفين ليس لديه أمل في هزيمة الاخر وبدلا من ذلك يكررون بلا جدوي السياسات التي سمحت بها ذاكرتهم المؤسسية .

ترجمة اشرف محمد عن مقال في صحيفة واشنطون بوست

http://www.washingtonpost.com/blogs/monkey-cage/wp/2015/08/21/a-new-episode-in-the-turkish-civil-war/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق