عبدالله سليمان علي

انطلقت شرارتها من بلدة الأتارب، فاشتعلت نارها في الريف الحلبي والإدلبي، حتى وصلت ألسنة لهبها إلى المنطقة الشرقية.
ويوم أمس دخلت مدينة دير الزور بجدارة في معترك الحرب الدائرة منذ أكثر من شهر بين "الجبهة الإسلامية" وحلفائها من جهة، وتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) من جهة ثانية، وأصبحت بما تحويه من آبار النفط ومعامل الطاقة، وما تمثله من موقع استراتيجي، لاسيما لجهة خطوط الإمداد مع العراق، ميداناً للصراع على النفوذ والسيطرة والغنائم بين الفصائل "الجهادية" بعضها ضد بعض.
والجديد في معارك دير الزور أنها أسقطت الحاجز الأخير الذي كان يحول دون دخول "جبهة النصرة" علناً في الحرب ضد "داعش".
فقد كانت قيادات "النصرة" حسمت أمرها لجهة اعتبار "داعش" فصيلاً باغياً تجب محاربته، مستندةً في ذلك على أحكام البغي ودفع الصائل وليس على أحكام قتال المرتدين والكفرة أو حرب الخوارج.
ولكن ما الفرق من الناحية العملية؟ فكل هذه الأحكام تعني في النهاية أن "جبهة النصرة" ستشارك في الحرب ضد "الأم" التي خرجت من رحمها، أي "داعش". لكن قيادة "جبهة النصرة" كانت حريصة على ألا يصدر عنها ما يشي بموقفها الحقيقي، وهو اعتبار "داعش" فصيلاً باغياً، ليس خوفاً من أن يكون مثل هذا الإعلان استعجالاً لإشعال نار الحرب وحسب، وإنما لأن قيادة "النصرة" مضطرة أن تراعي موقف آلاف "المقاتلين الأجانب" الذين لن يكون من السهل إقناعهم بإعلان الحرب ضد "إخوانهم" في "الدولة الإسلامية"، وبعضهم تجمعهم فعلاً بهم علاقات قربى.
في ريف حلب الغربي، كان توجه قيادات "النصرة" قد تبلور بشكل واضح، وأخذ بعض "الأمراء" فيها، مثل أبو سليمان الاسترالي الذي كان أمير "النصرة" الشرعي على الرقة قبل استيلاء "داعش" عليها، وأبو عبد الرحمن الفرنسي الذي كان قائد "النصرة" العسكري في الرقة، وحمود "أمير" القاطع الغربي في حلب، يعلنون رأيهم بتنظيم "داعش" ويحرضون علناً على قتاله.
وقد سجلت مشاركة فاعلة لعناصر "جبهة النصرة" في المعارك التي دارت خلال اليومين الماضيين في ريف حلب الشمالي، لاسيما في كلية المشاة وبلدة الراعي. وحاولت "النصرة" أن تبرّر ذلك بأن الانتحاريين الذين فجروا أنفسهم في كلية المشاة كانوا يرفعون رايتها الخاصة على سياراتهم المفخخة، وليس راية "داعش"، الأمر الذي اعتبرته "النصرة" إساءة ينبغي الردّ عليها.
في المقابل، كان "داعش" على اطلاع بالموقف الحقيقي لقيادة "جبهة النصرة" حيال القتال ضده، وكان يدرك حجم العداء الذي يكنّه له بعض القياديين فيها، خصوصاً أبو ماريا القحطاني (ميسر الجبوري) الذي يتولى منصب "أمير" المنطقة الشرقية. علاوة على أن قيادة "داعش" كانت غاضبة طوال الفترة الماضية من تصرفات "جبهة النصرة" و"أحرار الشام"، باسم "الهيئة الشرعية"، في دير الزور ونجاحهما في فرض هيمنتهما على جميع آبار النفط في المدينة. لذلك كان من الطبيعي أن تشهد دير الزور المعركة الحقيقية الأولى بين "داعش" و"النصرة"، خاصةً أن الغنائم فيها بطعم البترول والدولار والقمح.
في الجولة الأولى من المعركة، استطاع تنظيم "داعش" أن يبسط سيطرته السريعة نسبياً على حقل "كونيكو" أحد اكبر آبار النفط في المدينة، ومطحنة ضخمة للحبوب، وكذلك منطقة الإسكان والمعامل القريبة من دير الزور. وكانت "جبهة النصرة" بالاشتراك مع "أحرار الشام" قد انتزعتا منذ حوالي شهرين حقل "كونيكو" من يد "داعش"، بعد إشكال كبير مع "والي داعش" على المدينة عامر الرفدان، والذي أفتى بأن "الهيئة الشرعية" التي تهيمن عليها "النصرة" و"الأحرار"، هي هيئة شركيّة تحكم بغير شرع الله.
وقد فوجئت "جبهة النصرة" بالهجوم على مقارها، وسرعة سيطرة "داعش" على المواقع النفطية ومنطقة المعامل وغيرها، فبررت ذلك بأنها أرسلت قبل يومين أرتالاً إلى كل من محافظة حمص ومدينة رأس العين لقتال النظام و"حزب العمال الكردستاني"، وهو ما أثر على قدرتها في الدفاع عن مواقعها والحيلولة دون سيطرة "داعش" عليها.
وقد أكّد نائب "أمير" المنطقة الشرقية في "جبهة النصرة" عطية الله العكيدي أن "النصرة" ستصدر خلال الساعات المقبلة بياناً حول ما أسماه "اعتداء العصابة على مقارها ومواقعها".
ومن المتوقع أن تشهد المعركة بين الطرفين تطورات مهمة خلال الفترة المقبلة، لاسيما في ظل فشل "مبادرة أمة" التي أعلن صاحبها الشيخ عبدالله المحيسني أنه سيصدر بياناً حول مصيرها في القريب العاجل، وكذلك عدم قدرة "جبهة النصرة" على تحمل خسارة مقارها في دير الزور التي تعتبر معقلها الأساسي، خصوصاً بعد الخسارة التي مُنيت بها في كل من الحسكة وحلب.

http://www.assafir.com/Channel/63/%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7/TopMenu#!/ArticleWindow.aspx?ChannelID=63&ArticleID=336468