الاثنين، 30 سبتمبر 2013

الأسلحة الكيميائية السورية العدد وإمكانية إنهاء الحرب الأهلية

ويليام بولك R

تأملات في الأسلحة الكيميائية السورية العدد وإمكانية إنهاء الحرب الأهلية

قبل ويليام بولك R (الأستاذ فخري، جامعة شيكاغو وعضو سابق في مجلس تخطيط السياسة في وزارة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية.) 
15 سبتمبر 2013

لأن كثيرا من المعلومات والتعليقات في وسائل الإعلام، وبخاصة في أمريكا، هي معلومات وتصريحات مجزأة ومشتتة وحتى متناقضة، اعتقدت أنه قد يكون من المفيد محاولة تجميع رواية أكثر تماسكا لتفسير ما ما بحوزتنا من معلومات في الوقت الحالي.وبما أن التركيز الاكبر في التصريحات الحكومية ووسائل الإعلام على الأسلحة واستخدامها ،لذا فسوف أقدم هنا ملاحاظاتي على (1) تنوع الأسلحة '، خصائصها، وتكاليفها وتوافرها، (2) لمحة تاريخية موجزة عن الأسلحة الكيميائية؛  (3) التدخل الروسي، (4) لماذا قبل السوريين الاقتراح الروسي، (5) آفاق تخليص المنطقة من أسلحة الدمار الشامل؛ (6) إمكانية إنهاء الحرب الأهلية، (7) من هم المتمردين وماذا يريدون، و (8) النتائج المتوقعة عند انهيار الدولة السورية.
  1. تنوع الأسلحة وخصائصها
يوجد ثلاثة أنواع من الأسلحة في الصراع السوري: الأولى أسلحة خفيفة "تقليدية" والأسلحة الثقيلة: بنادق ورشاشات وقنابل ومدفعية. [1] أستخدمت تلك الاسلحة في معظم جرائم القتل في الحرب الأهلية. فمما يقدر بنحو 100،000من  الضحايا، قتلت تلك الاسلحة أكثر من 99 من كل 100. وربما كان  المرصد السوري لحقوق الإنسان وهي  منظمة غير حكومية مقرها في لندن أفضل مصدر للتعرف على ماهية  الضحايا  ، .فيري المرصد أن 21،850 من المقاتلين المتمردين و 27654 من جنود الجيش النظامي و 17824من مقاتلي الميليشيات وحوالي 40،000 مدني قتلوا في شهر سبتمبر من هذا العام. [2]
حتى الآن لم تستخدم الأسلحة النووية التي تعرف باسم أسلحة الدمار الشامل بشكل بارز في أي حسابات سياسية .ولا يمتلك تلك الاسلحة حتي الان غير إسرائيل التي هي في حالة حرب مع دولة سورية. الفئة الثالثة من الأسلحة والتي تعتبر أيضا أسلحة دمار شامل هي الأسلحة الكيميائية الموجودة  في مخازن عدة دول بما في ذلك كل من سوريا وإسرائيل. وتتكون هذه الأسلحة من أشكال مختلفة من الغاز (غاز الخردل، الذي يسبب حروقا شديدة، وغازات الأعصاب، السارين وغاز الأعصاب، وربما غيرها).
وتتميز أسلحة الدمار الشامل بسمات مشتركة عديدة. أولها أنه لا يوجد وسيلة فعالة للحماية منها.ويأتي علي قمة تلك الاسلحة السلاح النووي الذي يطلق عن طريق  صاروخ أو طائرة ولا يمكن الكشف عنه أو تعطيله بشكل موثوق قبل أن يصل إلى هدفه. ويوجد بعض الأسلحة الكيميائية التي لا تحتاج حتى لاطلاقها  (كما حدث في الحرب العالمية الأولى) حيث كانت الرياح تحملها أو ببساطة يسمح لها بالتسرب الي أماكن لتحقق الغرض منها وتصبح نافذة المفعول. وقد تم تصنيع الأقنعة الواقية للوقاية من تلك الغازات منذ أكثر من قرن، لكنها لم توفر سوى حماية محدودة. فبعض مركبات الغاز، ولا سيما غاز السارين، يمكنها تلويث الملابس وتبقى قاتلة بعد فترة طويلة من نزع الشخص القناع. ولا يوجد وسيلة فعالة للوقاية من الفوسفور الأبيض ، وهو شكل فظيع خاصة من النابالم،  إذا كان الشخص في العراء. [3]
والسمة المشتركة الثانية بين أسلحة الدمار الشامل الكيميائية هو أن تأثيرها مأساوي. فحتي التهديد باستخدامها ينتشر الرعب ليس فقط بين الأهداف المقصودة ولكن بين سكان مناطق واسعة. ومما يزيد من هذه الميزة أن الضحايا الغير مقصودين وعادة لا يتلقون أي سابق إنذار. وجميع أسلحة الدمار الشامل رهيبة، لكنها تختلف على نطاق واسع في التكلفة والفعالية. فالاسلحة النووية هي الأعلي كلفة ولا تقتل فقط كل أشكال الحياة في منطقة معينة بل تخلف وراءها ايضا تلوثا يمكن أن يقتل أو يشوه أولئك الذين نجوا من الهجوم الأولي لعقود أو أكثر.وحتى الأسلحة النووية  "الأخف" مثل غلاف قذيفة اليورانيوم المنضب يعتقد أنها تؤدي الي التسبب في حالات كثيرة تصاب بالسرطان. وحتى هذه اللحظة بقدر ما أتيحت لي الفرصة لمعرفة ذلك، لم يتم حتى الآن استخدام اليورانيوم المنضب في سوريا، ولكن من المعروف أن مثل هذه القذائف موجودة  في مخزون بعض الجيوش.
وقد وصفت الأسلحة الكيميائية بأنها أسلحة "الأمم الفقيرة ." للدمار الشامل .  ويمكن تصنيع الغاز بسعر رخيص نسبيا وفي معامل بدائية. وفقا لدراسة روسية، وهو التحقيق الوحيدة المتاح علي الملأ ،فقد استخدم  الغاز عدة مرات في الحرب السورية، احداها ، كما يؤكد الروس، علي يد المتمردين في أو بالقرب من حلب.ولم أحصل حتى كتابة هذه السطورعلي الدراسة الرسصمية التي اجرتها الامم المتحدة عن هجمات الغاز بالقرب من دمشق. وفي الواقع، نحن لا نعرف حتى الآن بالضبط كم من الناس قتلوا. ووردت الأرقام بأشكال مختلفة: منظمة أطباء بلا حدود (355)، والاستخبارات الفرنسية (281)، المخابرات البريطانية (350)، والمتمردين "الائتلاف الوطني السوري" (650) والحكومة الأمريكية (1،429).
وعندما أذكر العدد الصغير نسبيا من الإصابات الناجمة عن الغاز السوري فهذا لا يبرر استخدامه، بل على العكس من ذلك، لكني أردت أن أطرح السؤال لماذا لم يضع رجال السياسة في الغرب في الاعتبار مقتل ما يقرب من 100،000 قتلوا بالاسلحة  التقليدية سببا للتحرك .لكن قضية الغاز على الأقل توفر لنا زريعة للبدء في تخليص منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل.
إذا كانت الأسلحة كيميائية غير مهمة نسبيا في الحرب الأهلية السورية، لماذا تقوم الحكومة السورية بتصنيعها والاحتفاظ بها؟ الجواب، بالطبع، هو أنها لم تكن تهدف إلى استخدامها في الحرب الأهلية، بل وضعت لردع أي هجوم إسرائيلي واحداث التوازن مع مخازن إسرائيل من الأسلحة النووية والكيميائية. [4]     وكما هو الحال مع الأسلحة النووية، تري الدول التي لا تزال لديها الغازات السامة أنها وسيلة للردع وليست جريمة. [5]    وهذا، بطبيعة الحال، كان موقف الولايات المتحدة بشأن الغازات السامة. ولعل الامر يستحق أن نتوقف قليلا حول هذه النقطة حيث تنظر الدول الاخري الي تصريحات المسؤولين الاميركيين  في ضوء الإجراءات الأمريكية. لذلك سنحتاج الي قليلا من التاريخ:
2 لمحة تاريخية موجزة عن الأسلحة الكيميائية
الدولة الوحيدة التي استخدمت الغازات السامة خلال الحرب العالمية الثانية كانت اليابان، ولكن  الولايات المتحدة والحكومات الأخرى المتحالفة خافت  أن  يلجأ النظام النازي الي استخدامها  مع اقتراب هزيمتهه. وقد طورت ألمانيا بالفعل وصنعت غاز السارين  ومواد مميتة على اخري. لذلك بدأت الولايات المتحدة أيضا بتطويرها وتصنيعها . في عام 1943، قامت بشحن غاز الخردل إلى أوروبا.و تم تفجير السفينة التي تحمل الغاز وغرقت  علي يد سلاح الجو الألماني في مدينة باري يوم 2 ديسمبر. وقتل نحو 62 بحار في السفن التجارية بسبب تسرب الغاز . ثم بعد انتهاء الحرب بدأ الجيش الأمريكي باجراء تجارب علي الغاز الألماني الذي استولوا عليه . ولمعرفة أثر الغازات قام الجيش بتعريض مئات الآلاف من الجنود الأمريكيين لتلك الغازات. [6]   كما ذكرت في مقالات سابقة، [7]   عندما كنت عضوا في مجلس تخطيط السياسة وكن أدرس الأسلحة في الشرق الأوسط وتلقيت محاضرة عن الأسلحة الكيميائية في فورت ميد.وقد ثارت ثائرتي عندما عرضوا علي أشرطة الفيديو حتي أني كتبت لللرئيس كينيدي وقلت له يجب أن ينتهي هذا البرنامج ولابد من  التخلي عن الأسلحة الكيميائية. لم يتم عمل شيئ حتى نوفمبر تشرين الثاني عام 1969 عندما أدان الرئيس نيكسون من جانب واحد استخدامها  ثم أمر بتدمير مخزون الولايات المتحدة الهائل البالغ حوالي 31،500 طن. في عام 1975 انضمت الولايات المتحدة إلى بروتوكول جنيف بشأن الأسلحة الكيميائية والبيولوجية. بعد ذلك، واصلت تدمير الأسلحة، ولكن في عام 1986، أعاد الرئيس ريغان إنتاج غاز السارين عندما نصحوه بأن الاتحاد السوفياتي كان في طريقه نحو التخطيط لحرب الغاز.بعد تسع سنوات،، صدق مجلس الشيوخ الامريكي على اتفاقية الأسلحة الكيميائية في عهد الرئيس كلينتون.
تظل اتفاقية الأسلحة الكيميائية لعام 1997 هي المعيار للحكم في قضايا الحرب المحتملة باستخدام  الغاز .وحتي شهر سبتمبر عام 2013، كانت 190 دولة قد صدقت على الاتفاقية؛ سوريا ليست طرفا في الاتفاقية في حين وقعت إسرائيل وميانمار (بورما)، ولكنهما لم تصدقا عليها.
التصديق على الاتفاقية قانونا يلزم الولايات المتحدة باستكمال تدمير مخزونها خلال عقد من الزمن. ولكنها لم تفعل ذلك، واستفادت من التمديد التلقائي لمدة خمس سنوات.وقد نفذ التمديد في أبريل 2012. اليوم، الولايات المتحدةتخرق المعاهدة لأنها لا يزال لديه ما يقرب من 3،000 طن من السارين وغاز الأعصاب وغاز الخردل.ويفترض أن يتم تأجيلها لاعتبارت استراتيجية ، والسلامة والبيئية والاعتبارات المالية.فالبرنامج سيكلف ربما 35 مليار دولار.
استخدام الأسلحة الكيميائية في النزاع السوري كانت مثارا للكثير من التكهنات والجدل. التفويض الممنوح لمفتشي الامم المتحدة لا يتطلب أو ربما حتى يسمح لهم للإجابة على السؤال عمن استخدم الأسلحة الكيميائية في الشهر الماضي، ولكن ربما يسمح لهم بالاجابة على هذا السؤال بشكل غير مباشر.اذن إذا كان الغازخاص بالجيش فمن المفترض ألا يتمكن المتمردين من الوصول إليه على الرغم من البعض يدعي أنهم قد حصلوا على الغاز الذي تم استخدامه من مصدر عسكري أجنبي، ومن ناحية أخرى لو كان الغاز " مصنع محليا" - وكانت هناك العديد من الادعاءات الأخيرة عن محاولات لشراء المواد الخام التي يصنع منها السارين من الخارج [8]  - فمن المفترض اذن ألا تكون من مستودع الجيش السوري. وعلي كل حال نأمل، على الأقل أن يحسم تقرير مفتشي الامم المتحدة الخلاف حول من الفاعل .
3 التدخل الروسي
وكما هو الحال مع الولايات المتحدة روسيا لديها مصلحة وطنية واضحة في السياسة في الشرق الأوسط. وينظر الى المصلحة الأمريكية عادة علي أن لها خمسة عناصر - الحصول على الطاقة بشروط مقبولة، وحماية القوات التي التزمت بالحرب في العراق وأفغانستان، ومنع انتشار الأسلحة النووية في أيدي معادية، والوقاية من انتشار الإرهاب ضد أمريكا أو الاهداف الامريكية وحماية إسرائيل.
رغم أني لست مطلعا على مداولات هذا الجيل من الاستراتيجيين الروس، الا أني قمت آنذاك  مرتين بالقاء محاضرة في الأكاديمية السوفياتية للعلوم حول  الشؤون الدولية ، ومعهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية، وبالتالي تشكل لدي شعورا حول كيف يري  الاستراتيجيين الروس العالم. في اعتقادي أنهم يرون مصالحهم  الوطنية في الشرق الأوسط من خلال هذه المكونات.
أولا، على عكس الولايات المتحدة روسيا لديها عددا كبيرا من السكان الأصليين المسلمين . وإذا نحينا جانبا جمهوريات آسيا الوسطى، والتي هي تقريبا كلها مسلمين والدولة الروسية تتدخل وستظل تتدخل في شئونهم بشدة، وحوالي 1 من كل 6 روس هو مسلم. وبالتالي، يتعين على روسيا أن تشعر بقلق بالغ من أن تصيب الأحداث في الشرق الأوسط السياسة الداخلية لروسيا "بالعدوي"  وعلى وجه التحديد ألا يؤجج الجزء الذي يمارس العنف في المجتمع المسلم في الشرق الأوسط مزيدا من النزعة الانفصالية للمسلمين في روسيا. هذا هو مصدر قلق خاص بالنسبة للروس في الشيشان .
الحكومة الروسية، شأنها شأن جميع الحكومات،تشغلها هيبتها. خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي بعد هزيمتها في أفغانستان، [9] فهيبتها قد تضاءلت واستعادتها يجب أن يكون مصدر قلق خطير. (.وبشكل أكثر تحديدا، فالهيبة من الأهمية بمكان من اجل بقاء القادة السياسيين) . روسيا تريد وستسعى للعب دور القوة العظمي في العالم ، بل ربما قد لا تكون ابدا مرة أخرى واحدة من اثنين، بل يمكن أن تطمح لأن تكون (جنبا إلى جنب مع الصين والهند) واحدة من أربعة.
الروس لديهم أيضا مصالح "أمنية" ومصالح تجارية مثل الميناء الذي يبنونه  في سوريا لعملياتهم البحرية في البحر الأبيض المتوسط ​​وكمتنفس إلى البحر الأبيض المتوسط ​​لصادرات الطاقة.
وبالتالي فسوريا تمثل  خطرا وفرصة لروسيا،على حد سواء بل من الحماقة أن تتخلي عن مصالحها، كما فعل البعض نتيجة "النكسة" النفسية بسبب هزيمتها في الحرب الباردة. ومصالحها في الشرق الاوسط لا تقل عن مصالح الولايات المتحدة، وستستمر هذه المصالح أن في توجيه سياستها.ويتوجب علينا أن نرى الاقتراح الروسي في سوريا في ضوء تلك المصالح.
وكما كتب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، [10]   "توجيه ضربة [على سوريا] سيؤدي إلى مزيد من الضحايا الأبرياء  ومزيد من التصعيد  وربما ينتشر الصراع إلى ما هو أبعد من الحدود السورية. ومن شأن الضربة أن تؤدي الي زيادة العنف وإطلاق العنان لموجة جديدة من الإرهاب. ويمكن أن تقوض الجهود المتعددة الأطراف لحل المشكلة النووية الايرانية والصراع الاسرائيلي الفلسطيني والي مزيد من زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد تفقد نظام القانون الدولي بأكمله توازنه".
وواصل السيد بوتين قوله أن القوات المعارضة للحكومة السورية وتشمل جماعات تعتبرها الولايات المتحدة جماعات ارهابية وتشمل "مئات المتشددين من الدول الغربية وحتى روسيا والذين يشكلون مصدر قلق شديد لنا. لأنهم قد يعودون إلى بلداننا وقد اكتسبوا الخبرة في سوريا.وعلي كل حال ، بعد أن قاتل المتطرفين في ليبياانتقلوا  إلى مالي. هذا يهددنا جميعا ... [ولكن] إذا امكننا تجنب استخدام القوة ضد سوريا، سيؤدي ذلك إلى تحسين الجو في الشؤون الدولية وتعزيز الثقة المتبادلة. وسنحقق نجاحا مشتركا وينفتح باب التعاون بشأن القضايا الهامة الأخرى ".
حتى كتابة هذه السطور، نحن لا نعرف على وجه التحديد أبعاد الاقتراح الروسي الا أن الخطوط العريضة تبدو واضحة وبسيطة: سوريا ستكشف عن مخزونها من الاسلحة الكيميائية ثم في الوقت المناسب ستسلمها هيئة معترف بها، تحت إشراف إما أو كل من الأمم المتحدة أو روسيا، . وحيث أن المخزون  من المفترض أن  يكون (لردع الهجوم الإسرائيلي) ويحفظ في العديد من المواقع (لينجو من أي هجوم إسرائيلي) وعملية التخلص من تلك الاسلحة ستكون عملية طويلة .و اذا حكمنا عليها من خلال التجربة الأميركية  فقد تستغرق 20 سنة أو أكثر، وبموجب شروط الاتفاقية، سيسمح قانونا لها أن تتم في مدة 15 سنة على الأقل. وبالتالي فالاقتراح  الروسي يعني ضمنا  الرغبة في الاضطلاع بدور على المدى الطويل في سورية وبالتبعية في شؤون الشرق الأوسط.
ومن المفترض أن يتطلب لعب هذا الدور حضورا كبيرا من المسؤولين الروس من  العسكريين والمدنيين على حد سواء وكذلك موظفي الأمم المتحدة وقوات  من بلدان أخرى تعينهم الامم المتحدة . وسيتحتم علي هذه الجماعاتأن تعمل  معا لإنجاز المهمة الأساسية والحفاظ على أنفسهم في خضم حرب أهلية خطيرة. وعلاوة على ذلك، سيتحتم عليهم انشاء خطوط إمدادات أكبر عدد ممكن من احتياجاتهم وستظل تحركاتهم  مقيدة بشدة في العديد من المناطق التي سيطرون للعمل بها . إنني أعتقد أن الأرقام من المحتمل أن تكون 5-10000 الروس وربما ضعف هذا العدد من المعينين من الامم المتحدة وقوات حفظ السلام من دول العالم الثالث. لم يتم بعد كشف تقديرات التكاليف بشكل معلن .ومع ذلك، فليس من المرجح أن يقل عن 20 مليار دولار. ومن المفترض أن هيئة الأركان العامة الروسية والأكاديمية السوفيتية تعمل الآن علي حساب التقديرات.
4 لماذا قبل السوريين الاقتراح الروسي
أبلغ الرئيس الأسد الأمم المتحدة في 10 سبتمبر ايلول ان سوريا ستوقع على اتفاقية الأسلحة الكيميائية لعام 1997، وأرسلت إلى نيويورك الوثائق الأولية. ثم، قال متحدثا على شاشات التلفزيون الروسي إن حكومته ستبدأ توفير المعلومات عن الأسلحة الكيميائية بعد شهر من المصادقة علي الاتفاقية .وبالحكم  علي تاريخ مفاوضات مراقبة الأسلحة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، ربما  تنشأ سلسلة طويلة من نقاط الخلاف بين الأطراف الثلاثة  لذلك طالب وزير الخارجية الأمريكية جون كيري على الفور بالاسراع في العملية .و قد لا يكون هذا ممكنا كما هو واضح من أداء أمريكا نفسها لتنفيذ أحكام الاتفاقية. لذا بفدلا من أن تتنفس الصعداء بدأ الاقتراح الروسي والقبول السوري يثيرالجدل.
بما يلزم الرئيس بشار الأسد الحكومة السورية القيام به، ولماذا قبل الاقتراح الروسي؟
إذا توجب علي الروس ادخال قوات الجيش أو قوات الأمن إلى البلاد لحماية فرقهم التي ستشارك في تدمير المخزونات النووية، كما اتوقع منهم أن يفعلوا ،  سيقوم الجيش السوري بخفض قواته. وأشك في أن هذا سوف يلقي قبولا لدي النظام السوري لأنه  يعتمد بشكل كبير علي الجيش ليبقي في السلطة في خضم الحرب الأهلية ولأن الاقتصاد الآن غير قادر على استيعاب الباحثين عن عمل. وستظل سياسة النظام ، بطبيعة الحال، تتشكل علي أساس الخوف من القتال مع إسرائيل. لذلك من غير المرجح أن تخفض الحكومة قواتها .ما تستطيع الحكومة فعله هو تركيز قواتها على نحو أكثر فعالية للتعامل مع المتمردين. وبالتالي، فإنه يبدو منطقيا أن نصدق أن النظام قد يرحب بالعرض الروسي على هذا الأساس وحده.
ولكن هناك أسباب أخرى للحكومة السورية لقبول العرض الروسي. أولها، كما هو واضح ، أنها من المرجح أنها جعلت الهجوم الأمريكي الوشيك والمدمرة أمرا مستبعدا بل ومستحيلا . وتشير التقارير الصحفية إلى أن المزاج العام في دمشق يعكس بالفعل هذا التفاؤل الجديد. ولا يوجد، حتى الآن، إلا ردا سلبيا وحيدا من قادة المعارضة المخزيين وحيث ان المعارضة منقسمة بشدة  داخليا ،وحيث يبدو من المرجح أن بعض أجماعاتها التي تضم مئات العناصر من الجماعات الاكثر اعتدالا أو المحافظة  قد تعيد النظر في مواقفها حيث يبدأ الروس والامم المتحدة وربما اخرين في توظيف المواطنين للمساعدة في عملياتها للسيطرة علي الاسلحة.
والسبب الآخر لقبول الحكومة السورية الاقتراح الروسي هو أنه ينبغي رفع التهديدات الخارجية لفترة طويلة، وربما سنوات. وبمجرد الشروع في  البرنامج ، سيكون من الصعب أو المستحيل على الولايات المتحدة أو إسرائيل التدخل عسكريا. فمن الصعب أن نبالغ في أهمية هذا التغيير: لقد كانت الحكومات السورية تعيش بالمعني الحرفي للكلمة تحت تهديد البنادق لمدة نصف قرن.كانت  إسرائيل تنتهك المجال الجوي السوري دوريا  وقصفت منشآت سورية.ومع وجود القوة الروسية في سوريا واضطرارها  لحماية أفرادها  المنتشرين على نطاق واسع وووجود قوة حفظ السلام التابعة للامم المتحدة المتناثرة بين الروس، تستطيع الحكومة إلى حد ما تقليل العدوان الخارجي.
وبالطبع من المحتمل أن يستمر ارتكاب الاأنشطة التخريبية السرية  لم تكن الحكومة قادرة على منعهم وليس من المرجح أن تفعل ذلك في المستقبل. لكن السوريين تعلموا أن يتعايشوا مع هذا التهديد، ومن المحتمل أن يجلب الوجود الروسي  المساعدات الأمنية. و من شبه المؤكد أن يشمل ذلك التدريب، وتوفير أو تمركز المزيد من الاسلحة الاكثر تطورا في سوريا  وبعض من المشاركة في مكافحة التجسس.
يوجد سبب آخر دفع الحكومة السورية للموافقة على المشاركة الروسية هو أقل دراماتيكية ولكنه ربما أكثر أهمية. سوريا تعاني نقصا حادا في المواد الغذائية والقمح بشكل خاص، لو كنت مخطط روسي لرأيت في زيادة الإمدادات الغذائية للشعب السوري فرصة كبيرة ولو كنت مخطط للسياسة السورية لرأيت ذلا أمرا حيويا  .وهذه العملية سوف تكون محدودة وربما قصيلرة المدي. وقد عانى المزارعون الروس من الجفاف في السنوات القليلة الماضية ولكن نتوقع أن تكون قادرة على تصدير نحو 10 مليون طن متري من القمح العام القادم؛ سوريا لم تتمكن من تصدير  محصولها من القمح،وهو مصدرها الرئيسي لتوفير النقد الأجنبي، منذ عام 2008 وسوريا لا تزال تواجه مشكلة استراتيجية منذ تناقص إمدادات المياه مع عدم وجود احتمال حدوث تحسن في المستقبل المنظور - ولكن القيمة إلى الحكومة السورية من المدى القصير حتى - تكتيكية - لا يمكن المبالغة في تقدير المساعدات الغذائية في السنوات القليلة المقبلة.
5. آفاق تخليص المنطقة من أسلحة الدمار الشامل
إذا كان هناك فائدة في الأزمة السورية لكانت ايقاظ العالم لأخطار أسلحة الدمار الشامل  وأنه سيتم اتخاذه تحركات جادة على الأقل للحد منها. دعونا نكون دقيقين قدر الإمكان حول كل من المخاطر والحلول الممكنة.
وباعتباري كنت مشاركا في أزمة الصواريخ الكوبية، فاعتقد أن من حقي أن أقول مرة أخرى أن وجود أسلحة الدمار الشامل في أي مكان هي تهديد للناس في كل مكان.
نحن و السوريين من كلا المعسكرين والروس والأميركيين والإسرائيليين والإيرانيين وغيرهم - كلنا جزء من الكل . في أزمة الصواريخ الكوبية كنا نعرف أن تلك الفروق لم تكن ذات أهمية. فأي استخدام لأسلحة الدمار الشامل كان سيقرع الجرس للبشرية جمعاء.
في تلك الفترة كانت هناك أسباب كثيرة لعدم الاستماع. ودائما ما ستتواجد تلك الاسباب . وربما لن يقرع الجرس بصوت عالي بما فيه الكفاية ليوقظنا . لكننا بحاجة للايقاظ ومواصلة البحث عن سبل لايصال الرسالة.
لماذا تمتلك  الدول أسلحة الدمار الشامل؟ الجواب بسيط وهو أنهم يخافون من بعضهم البعض. هذا واضح على الفور في ظروف سوريا: السوريون يخافون من الإسرائيليين والإسرائيليين خائفون من السوريين والدول العربية الأخرى.الخوف هو في كثير من الأحيان غير منطقي، لكنه يمكن أن يخضع للعقل . أو على الأقل، يمكن تحجيمه. هل هذا يعقل في الشرق الأوسط؟
نعم أعتقد ذلك. سورية تحركت للتخلي عن قطعة لها وصفها أحد الاستراتيجيين المتخصصين في"القنبلة الكبيرة" لدينا  بأنها "التوازن الدقيق للإرهاب." ولو  نفذت بشكل كامل، فستكون خطوة غير عقلانية إلى حد ما. أي حكومة سورية ستسعي للمطالبة بالتعويض. التعويض يمكن أن يأتي بواحدة من عدة طرق. روسياستوفر لسوريا الضمانات. لو تحلي السوريين بالحكمة فلن يضعوا ثقتهم الكاملة في هذه الضمانات أو أي ضمانات أجنبية أخري وذلم لأن الحكومات تتغير وحتى مصالح الحكومات القائمة تتغيير لذلك فالالتزامات التي قطعتها في وقت ما قد تتخلي عنها في وقت آخر.و قد توفر روسيا لسوريا الأسلحة التقليدية المتقدمة. ولكن الاسلحة المتقدمة اليوم هي الي زوال قريبا وتصبح في نهاية المطاف وقد عفا عليها الزمن. يجب اتخاز خطوات تعويضية  دائمة أكثر من ذلك إذا أردنا أن نقلل المخاطر على مدى فترة طويلة.هل يمكن تحقيق ذلك؟
الجواب الواضح هو في التحركات التي يمكن أن تقدمها الحكومة الإسرائيلية. فاسرائيل هي الحائزة الرئيسية علي أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط. ولكن لماذا يجب علي إسرائيل  أن تتخلي عن أي ميزة؟ ان السبب الوحيد المتصور أن يكون سياسيا أنه يعتقد ان مثل هذه الخطوة تكون في مصلحتها؟ يفعل ذلك؟
فكر في جواب على هذا السؤال في هذا التسلسل: عندما تحركت إسرائيل للحصول على أسلحة الدمار الشامل في الستينيات كانت قواتها التقليدية بالفعل أقوى من تلك التي لدي جيرانها العرب، ولكن، في حساب التفاضل والتكامل الإسرائيلييعتبر ذلك امرا هامشيا جدا. وهي اليوم أقوى بكثير جدا البمساعدة الأمريكية هي أكثر تقدما من الناحية التقنية. ولكن  بعض من الدول العربية وإيران على الأقل تتجه نحو الحصول علي المهارة التكنولوجية الكافية والقدرة على تصنيع أسلحة نووية. آخرون، مثل المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج تتوفر لديهم القدرة على شراء ما لا يستطيعون بناؤه الآن. لذا،ففي الوقت الذي منحت فيه حيازة أسلحة الدمار الشامل الأمن إسرائيل فعاجلا أو آجلا ستصبح أسلحة الدمار الشامل مصدرا لانعدام الأمن. ونتيجة لشعور بعض الدول بالتهديد من جانب السلطة الإسرائيلية سيجعل تلك الدول تعجل من تحركهم نحو تقليد اسرائيل. والوسيلة الوحيدة الممكنة أو القريبة للقيام بذلك هي من خلال الحصول على أسلحة الدمار الشامل. وباختصار، يمكن أن تحصل دول أخرى على القدرة على تدمير إسرائيل. لذلك، فطالما تحتفظ اسرائيل بالقوة العسكرية التقليدية الساحقة فمن الحكمة أن تبدأ في النظر في بديل عن أسلحة الدمار الشامل، تماما كما فعلنا مع روسيا.
6 إمكانية لإنهاء الحرب الأهلية
بينما لن يحدث تدمير الأسلحة الكيميائية القليل أو أي تأثير مباشر على الحرب الأهلية، الا أن النتائج الغير مباشرة يمكن أن تكون كبيرة . كما ذكرت أعلاه، أدانت قيادة المتمردين على الفور الاقتراح الروسي. صدقت الجماعات الثورية و خاصة الجماعات الثورية الأكثر تطرفا الرئيس بوتين حين قال: إن روسيا ترمي بثقلها وراء وقف الحرب من خلال دعم الحكومة السورية. وكما ذكر أعلاه، فقد حذر بوتين من انتشار الإرهاب وربطه بالمتمردين. في حين دعم .الرئيس أوباما المتمردين، بصفة عامة، في خطابه في 10 سبتمبر "خطاب للأمة حول سوريا" و أقر بأن "صحيح أن بعض معارضي الأسد متطرفون." وهكذا، ففي حين كانت وسائل الإعلام الغربية ملتزمة  كليا تقريبا بالمتمردين وقضيتهم ، فأعتقد أننا سوف ننظر إلى الوراء على هذه التحركاتالمبكرة كبداية للتغير في النظرة إلى التمرد. ويبدو أن المتمردين يحملون نفس التصور.
ما مدى أهمية هذا التغير في النظرة الي الثورة؟ وبالطبع من المستحيل أن نحكم بأي قدر من الدقة، ولكن تجدر الإشارة إلى أن هذا التغير  قد بدأ حتي قبل التحرك الروسي.وفي الوقت الذي كانت فيه كل، فقد أكد جميع تقارير وسائل الاعلام تقريبا حتى الأسابيع القليلة الماضية تركز علي  وحشية نظام الأسد وأتباعه ، بدأت تظهر قصص عن أعمال الإرهاب والقتل والتخريب من قبل بعض الجماعات المتمردة. [11] ولن تضيف المصطلحات الضيقة الخاصة بلجنة التحقيق الدولية الكثير إلى ما هو معروف بالفعل، ولكن الوثائق المطولة التي جمعها الروس حول الاعمال التي ارتكبها المسلحين قد تزيد من الزخم وراء هذا الاتجاه. وبعض من المتحمسين لقضية المتمردين الذين نصبوا أنفسهم كأبرز الخبراء في الشأن السوري ،[12]   فقدوا نفوزهم القوي الرأي الحكومي والرأي العام  في أمريكا منذ فترة قصيرة. وتظهر أحدث استطلاعات الرأي أن تقريبا 3 من أصل 4 أمريكيين يعتقدون أن التهديد الحالي ضد الحكومة السورية "غير حكيم". [13]
وقد فوجئت أن الرئيس أوباما ودول الخليج المحافظة تمكنت من الحفاظ على كلا قدميهم مغروسين بثبات في المعسكرين المتقابلين : ففي الوقت الذي يعارضون فيه المسلمين عموما من جميع الأصناف ويستبعدون بعض الجماعات الأكثر أهمية ويعتبرونهم ارهابيين ينتمون لتنظيم القاعدة،كانوا يدعمونهم  بالسلاح والمال والتدريب.
في رأيي،الامر  الاأكثر أهمية هو اعتراف عام بأن المتمردين لديهم قدرة ضئيلة أو معدومة لتشكيل حكومة مستقرة اذا تمكنوا من اسقاط نظام الاسد  مع أمريكا وأوروبا والحكومات العربية المحافظة ، تماما كما في ليبيا حيث أيدنا بالمثل تمردا ضد الحكومة، [14 في المقابل، كما أشرت، الموقف الروسي واضح ومباشر: انهم قلقون بشأن التأثير المحتمل للمتمردين السملمين السوريين فبين كل 1 من 6 في روسيا هو مسلم وبعض منهم  لهم أقارب  يشاركون الان في الحرب في سوريا . لذلك، لأسباب مفهومة ،يهدف الروس   لإضعاف المتمردين في سوريا بينما هم منخرطين في صراع مع  المنشقين الشيشان في روسيا نفسها .
الموقف الروسي توصل الي نتيجة بسيطة تتمثل في أن الحكومة السورية يجب تمكينها  لتبقي .الموقف الأمريكي أكثر غموضا ولكن التصريحات المتكررة وعمل وكالة الاستخبارات المركزية لتجهيز وتدريب المتمردين تشير إلى أن إدارة أوباما عازمة على الأقل علي عدم السماح للحكومة السورية لتحقيق الفوز. هل يعني هذا أن الإدارة تريد الفوز للمتمردين ؟ يبدو ذلك. في هذه الحالة سيصبح لدينا  حرب بالوكالة فرضت أعلي رأس حرب أهلية قد تستمر لجيل أو أكثر.
ولكن وباعتباري  مخطط قديم للسياسات ، لا يبدو لي أن هناك استراتيجية واضحة تحدد ما  المقصود بفوز المتمردين . أقترح تناول  هذه المعضلة في المقال القادم. أولا، دعونا نلقي نظرة على المتمردين.
7 من هم المتمردون وماذا يريدون؟
الجواب القصير هو كالتالي : على الرغم من التأكيدات المتكررة  ما زلنا لا نعرف إلا القليل عن المتمردين. ليس لديهم تنظيم واحد بل  مئات المنظمات المتضاربة - حسب بعض التقارير تصل إلى 1،200 ولا يوجد غير تنظيم واحد هو جبهة النصرة الذي يتميز بالتماسك التنظيمي والعقائدي.ويعتقد أن العدد الكلي للمحاربين قد يبلغ من 70،000 إلى 100،000.ولأنني لم أتمكن من الحصول على تقارير استخباراتية فان دراستي لما يسمي ب السياسات العنيفة [15] تشير إلى أن الجماعات الأكثر راديكالية عادة ما تفوز في الصراعات الداخلية . وبالتالي، فإن رهاني يكون على جبهة النصرة التي أعلنت عن انتمائهاوشراكتها لتنظيم القاعدة  بدلا من التركيز على الجيش السوري الحر المشتت والغير منظم.
ويفترض أن الجيش السوري الحر مشكل من المزارعين السوريين الذين فقدوا مصدر رزقهم في الجفاف المستمر منذ عدة سنوات والذي دمر  الأراضي الزراعية. الآن العاطلين عن العمل والمعوزين هم جنود المشاة للتمرد.
جبهة النصرة التي تضم عددا كبيرا من الاجانب  تبدو مختلفة عنهم  في الدافع والهدف . القليل الذي نعرفه عنهم يشير إلى أنهم وصلوا إلى سوريا لأنهم يعتقدون أن نضالها هو نضالهم. وكما  كتبت من قبل ،[16]أنهم استوحوا الفكرة من الشيخ  المصري سيد قطب لهدف ليس فقط "لتحرير" سوريا لكن لانشاء مجتمع مسلم حر، واحياء الأمة أو حتى نوعا من الخلافة. هل هدفهم قابل  للتحقيق؟
8 النتائج المتوقعة من انهيار الدولة السورية
السياسة الأمريكية كانت تهدف الي زوال نظام الاسد  دون الاهتمام الكافي باللعواقب. السياسة الروسية، كما اوضحت، تهدف الي الاتجاه المقابل وهو الحفاظ على الحكومة السورية علي حالها. وفي الوقت الحاضر السياسة الروسية  في صعود، ولكن هناك قوى قوية في أمريكا وأوروبا الغربية والشرق الأوسط وراء المبادرة الأمريكية. وسوف اشير الآن الي نتيجة كلا السياستين. أبدأ مع هدف أوباما.
يبدو أن إدارة أوباما تعتقد بأن نوعا من خليط من المتمردين والحكومة يمكن أن يحدث، الا أنها و في نفس الوقت تؤكد باستمرار اتهامها لنظام الأسد أنه نظام اجرامي ويجب أن يتحلل أو يستبدل .ومع ذلك أحاول أن أري أي مؤشريؤدي الي زوال النظام وما هي الشروط الاتفاق الذي سيعقده من يخلف الحكومة مع المتمردين. لقد اريقت الكثير من الدماء والرغبة في الانتقام  بين كل من القوات الحكومية والمتمردين تبدو قوية جدا. ورغم أنه ليس من الحكمة أن نقول إن الجانبين لا يمكن التوفيق بينها، يبدو لي الدمج بينهما نتيجة أقل احتمالا.
على الأرجح، إذا تم ازالة الحكومة المركزية سينشأ نوع من البلقنة. بمعني تفكك  البلاد إلى العديد من الكتل العرقية والدينية. [17]
لننظرالي هذا الاحتمال بشكل موجز من حيث التجربة التاريخية السورية: في ظل الامبراطورية العثمانية حيث كانت سوريا التي نعرفها الان مقسمة إلى مقاطعات وبالتالي يصبح لدينا سابقة لشكل ما من أشكال التقسيم، ولكن هذا الامر مضلل وذلك لسببين : أولا، كان النظام العثماني متسامحا سياسيا وعرقيا ودينيا بطرق غريبة علي  فن الحكم الحديثة. ففي الأربعة قرون من الحكم العثماني كانت كل طائفة تديرشؤونها الخاصة والدولة لا تتدخل الا لضمان تحصيل الضرائب. وكان قادة ومجالس تلك الطوائفتقوم بتحصيل الضرائب من الافراد وليس الحكومة. وعلاوة على ذلك كان كل ما يحدث داخل كل طائفة شأن يخصها وحدها ولا يخص الإمبراطورية، شأنا. فااليهود كانوا يديرون المدارس اليهودية؛ والدروز يديرون المدارس الدرزية؛ والعلويين يديرون المدارس العلوية والطوائف المختلفة من المسيحيين يدير كل منها مدارسها الخاصة.وكانت كل طائفة تتولي رعاية احتياجاتها الصحية الخاصة وكانت عموما تتولي ادارة قوانينها وعاداتها الخاصة . ولكن بعد فرض المفهوم الغربي للدولة أصبحت هذه الهياكل الطائفية ليست سوى ذكرى بعيدة.وعلاوة على ذلك، حتى الأصوليين الدينيين وبالتأكيد المتمردين الأكثر تشددا لا يشعرون بالرغبة في السماح لغير المسلمين أن يعيشوا بقوانينهم الخاصة بهم في سلام .
وسواء كان هذا النظام يلقي قبولا  دينيا أو سياسيا اليوم أو لا فلن تنجح في الممارسة العملية حيث اختلطت المجتمعات بشكل أكثر بكثير مما كان عليه في العهد العثماني.ولو حكمنا علي المتمردين من التصريحات الخاصة بهم فعلى الأقل الجزء الأكثر تشددا منهمسيحاول أن يفرض على كل السوريين نظاما اسلاميا  مركزيا  من الناحية القانونية والثقافية . وفي المناطق الخاضعة لهذه السلطة  اما سيهاجر أعضاء المجتمعات التي كانت "محمية" سابقا الهجرة او تغير ديانتها او القضاء عليها  .. ونحن نرى ونسمع علامات هذا بالفعل  مع العلويين والمسيحيين.
وبالتالي، يكاد يكون من المؤكد، أن "بلقنة" ​​سوريا ستضيف إلى حد كبير عدد اللاجئين في الداخل والخارج.بالاضافة الي أن ذلك  الجزء من سوريا الذي يقع تحت سيطرة جبهة النصرة سبذل جهود مضنية لمواصلة الجهاد أبعد من ذلك. في البداية سيجدون  قضية مشتركة مع الطائفة العراقية السنية المضطربة تحت نير النظام الشيعي الذي فرضته امريكا وتدعمه  إيران.سيقومون بمزيد من توثيق العلاقات مع الجماعات الاسلامية المتشددة في ليبيا ومصر ودول الخليج وأفغانستان وباكستان وحتى أبعد من ذلك.وباختصار، فإن الاضطرابات التي نشهدها الآن ستزداد بشكل كبير وستنتشرعلى نطاق واسع.
وعلي العكس من ذلك فان نتائج السياسة الروسية من المحتمل أن تزيد من قوة وعزم الحكومة السورية. وهي حكومة ليست أكثر ديمقراطية من الجماعات المتمردة، لكنها أكثر تسامحا عرقيا: فعلى الرغم من هيمنة العلويين عليها الاانها تضم في أعلى مستوياتها  عددا من المسلمين والمسيحيين.وتتوقف مسألة استمرار الجانب المتسامح والليبرالي للنظام  إلى حد كبير على مدى استمرار الحرب وضراوتها ومراراتها  وهل ستبزل جهود جدية لتحسين الاقتصاد أم لاوبالتالي، فإن البرنامج الروسي سيتوقف عليه الكثير.
وسواء كان هدف الحكومة الروسية انسانيا أم لافهذا امر لا يعنينا : وأما وقد وجدت الحكومة السورية من يحمي ظهرها فستسعى بطبيعة الحال لتحقيق خلاصها وامنها  و"النصر". وهذا هو هدف القومية.
كل هذا على المدى القصير أو المتوسط؛احتياجات الشعب السوري علي المدي الطويل يحتاج تتمثل في السلام والأمن والوظائف والمواد الغذائي والا سيضيع الامل طالما استمرت الحرب الأهلية. الاحتياجات طويلة الأجل للتعامل مع العدد المتزايد من البطون التي تحتاج للأكل  في ظل تناقص الموارد الغذائية  والأراضي الجيدة وانخفاض المياه لن تعالج ما لم يحل منه الكثير .وبامكاننا تخمين فاتورة التكاليف التي ستعيد سوريا مرة أخرى كما كانت . اعتقد ، استنادا إلى ما رأيناه في العراق،التكاليف ستبلغ حوالي تريليون دولار. وأنا لا أمتلك أي مصادر تؤكد هذا المبلغ. ولكن، إذا لم يتم إيقاف الحرب، وتوقفت في وقت قريب، فإن المبلغ اللازم سيتضاعف .
وسوريا ليست سوى النقطة المحورية لهذه المشاكل. وقد نشأت ديناميكية متحركة من شأنها أن تؤثر على كل جيران سوريا المباشرين أولا ثم الآخرين. إذا استمرت الحرب أتوقع حدوث فوضي في المنطقة . وأول من يتأثر سيكون لبنان التي  ستنزلق بسهولة في الحرب الاهلية لانها دائما كانت خليطا هشا،، ثم ستتعرض تركيا التي تبدو قوية ومستقرة لضغوط متزايدة من الأكراد الذين سيشجعهم الحكم الذاتي الجديد في سوريا. فمن المرجح أن يزيد تحديهم من صلابة وقمع الدولة. الأردن، بعد نصف قرن،استنفذت  ما يقرب من تسع أرواح لها؛ والفلسطينيين، بعد أن فقدوا فعليا ما تبقى من وطنهم سيطردون  مرة أخرى.نكتفي بهذا  واسمحوا لي فقط أن أتنبأ أن المنطقة الغير مستقرة بالفعل ستنتفض بالغضب والإحباط والصراعات المسلحة والإرهاب والانتقام. حتى أولئك الذين يرغبون في دعم إسرائيل يجب أن ينظروا بواقعية كيف سيجد هذا  المجتمع المحاط بالاسوار السعادة في مثل هذه الحارة الفقيرة.
وليام بولك R.، الأحد 15 سبتمبر، 2013 
(نشرت بإذن من المؤلف)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق